بعد خمسين عاما من مغادرته لها..الاستاذ المصري عزت مصطفى منصور يزور الوهط

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

>
الأستاذ عزت مصطفى منصور أيام إدارته مدرسة الوهط الابتدائية
الأستاذ عزت مصطفى منصور أيام إدارته مدرسة الوهط الابتدائية
ليس بهذه الشاكلة (عودة الابن الضال) لأن هذه العبارة بكل بساطة لا تنطبق على الاستاذ عزت مصطفى منصور وقد عاد الى وطنه الأم، مصر التي من دخلها كان من الآمنين..ولكنها عودة حميدة تقترب هكذا من حكايات الف ليلة وليلة، لأن الوهط التي غادرها في العام 1956م أو العام الذي يليه كانت قرية حاضرة في ربى السلطنة العبدلية، وتأتي في التراتب الحضري بالسلطنة بعد المحروسة بالله حوطة مزاحم بلجفار- كما يجب القمندان ان يدللها - وهي عاصمة لحج العبدلية في ذلك الوقت.

لقد ولد جيل وربما جيلان - وأنا منهم - بعد تلك السنوات الخمسينية التي جاء فيها عزت مصطفى منصور ضمن البعثة التعليمية المصرية الى سلطنة لحج، واستقر في الوهط مديرا لمدرستها التي عرفت فيما بعد بمدرسة الشعب الابتدائية بُعيد الاستقلال الوطني، وهناك في الوهط أفرغ الشاب المصري القادم من مرسي أبي العباس (الاسكندرية) ما في عصارة ذهنه من معارف ومواهب لتلاميذه الصغار المتعطشين لكل جديد، وتماهى تماما بصدق المشاعر ونبل الأخلاق في النسيج الاجتماعي للقرية المحظية الوهط، وتألقت مدرسة الوهط بفضل ادارة المصري الشاب وبمساعدة عدد من المدرسين من أبناء الوهط مثل الاستاذ الداعية المرحوم عمر سالم طرموم والشاعر الغنائي المعروف المرحوم مهدي علي حمدون والشاعر الساخر المرحوم حسن علي حسن السقاف والاستاذ محمد صالح هنيدي واستاذ الاجيال حسين سالم السقاف - رحمه الله- وابنه أحمد حسين سالم والاستاذ الكبير الفقيد عمر عبدالله الجاوي (على قصر المدة التي درس فيها في المدرسة) وآخرين لا تسعفني الذاكرة بذكرهم في هذه العجالة. ولأن المقاصد الوطنية والقومية التي ينطلق منها استاذ موهوب تتجاوز محدودية الدرس والفصل فقد أشعل الاستاذ عزت مصطفى منصور جذوة التوقد الوطني والقومي في صدور تلامذته الذين سبقوا أعمارهم الحقيقية بتفاعلهم الحي مع أستاذهم، الذي غدا بالنسبة لهم قائدا وموجها في أمور كثيرة، واستطاعوا من خلال النشاط اللا صفي أن يختبروا كوامن طاقاتهم الذهنية والفيزيالوجية بمهارة عالية، فقد شكل الاستاذ عزت الفرق الكشافية المختلفة بلباسها الموحد وشاراتها والمشرفين عليها، وسار بهم في القرى المختلفة ثم جاب بهم فيافي وخبوت المنطقة وصولاً الى تخوم المملكة المتوكلية (الشطر الشمالي من الوطن) وزارت الفرق الكشفية جعار وزنجبار- اذا لم تخني المعلومة - وفي الظاهر قد لا نستطيع ان نتجاوز مقاصد الكشافة وأستاذهم، لكن الباطن - وهو ما يحسب ويضاف لرصيد الاستاذ عزت ابن الثورة المصرية - ينبئ ويفصح عن دور مصري ينسجم والاهداف القومية للثورة المصرية في تلك الفترة لاستطلاع المنطقة واستقاء المعلومة عن أوضاعها، وما عدا النشاط الكشفي كانت هناك فرق للتمثيل قدمت على خشبة مسرح المدرسة تمثيليات وطنية وتاريخية لا زال كثير ممن شارك فيها او شاهدها يذكرون تفاصيل هذه المسرحيات، كما كان هناك نشاط صحفي تمثل في اصدار مجلة خاصة بالمدرسة شارك فيها التلاميذ والاساتذة (ترأس تحريرها الطالب - حينئذ - عبدالرحمن حسن البصري) وكتب فيها عزت والسيد عبدالله علي الجفري، مدير المعارف في السلطنة اللحجية، وعمر سالم طرموم وحسن علي حسن السقاف ومحمد صالح هنيدي وعدد من الطلاب. وقد ضمت المدرسة قسما للتصوير حفظ لنا ارشيفا من نشاط هؤلاء التلاميذ في تلك الفترة.

لا ريب أن عشرات الاساتذة والمعلمين يمرون في حياة الفرد منا في مختلف المراحل الدراسية مرور الكرام، ولكن المؤثرين ممن تلتصق صورهم في صميم الذاكرة بوهج ما قدموه وأبدعوه هم القلة القليلة، والاستاذ المخضرم عزت مصطفى منصور من هؤلاء القلة القليلة فقد بذر بذرة طيبة في تربة خصبة أخرجت فيما بعد جيلا متميزا من أبناء الوهط وصبر من محافظة لحج، خدم هذا الجيل وقد نبغ منه الكفاءات العلمية التي عرفت على مستوى الوطن ابتداء من ستينات القرن الماضي، تواصلاً الى سبعينياته ثم الثمانينات والتسعينات، والبعض من تلاميذ عزت أمدّ الله لهم في العمر حتى اليوم، نتذكر من أبناء تلك الفترة: الدكتور المهندس علوي جعفر، الشيخ سيف بن محمد فضل، ونقيب المهندسين بعدن عبدالرحمن حسن البصري، محمد فضل مطر، سالم أحمد معدان، محمد أحمد معدان، الشخصية العسكرية المعروفة أحمد سالم عبيد، محمد عوض ناصر، علي عبده همام، الحاج طالب أبوبكر، طه زين بكر، خالد اليماني وعلي عيدروس يحيى.

ومن الذين توفاهم الله تعالى: محمد عيدروس يحيى السقاف، قائد الحرس الجمهوري في فترة الرئيس قحطان الشعبي، والفنان الكبير محمد صالح حمدون وعبدالله عيدروس يحيى والقاضي علي عوض، وعلي محمد حسن، وعبد حسن جعفر، ويوسف فضل مطر، وأبوبكر زين بكر.

وليعذرني كل الاخوة الذين سقطت أسماؤهم سهواً من ذاكرتي لحظة كتابة هذا المقال، كما ألتمس العفو مرتين في حال سقطت أسماء البعض ممن فارقوا حياتنا الفانية من التلاميذ الذين درسوا في تلك الفترة على يد وخبرة القادم من اسكندرية الشعب المصري الاستاذ عزت مصطفى منصور، وعزائي أن الاخوة في منتدى الوهط والجمعية الخيرية بها .. وكل الفعاليات الاهلية والشخصيات الاجتماعية والسلطة المحلية وتلاميذ عزت مصطفى قد أخلصوا العزم على وضع برنامج حافل لاستقبال واستضافة هذه الشخصية التربوية والقومية المرموقة، حيث سيتذكر الجميع مناقب الاستاذ عزت وتلامذته الأحياء والموتى منهم ضمن عنوان بارز هو الوفاء والعرفان لرائد من رواد التعليم تجاوز دوره آلية الحشو والنصوص المقررة الى كل ما ينمي قدرات المتلقين ويبرز جوانب الإبداع فيهم .. فمرحبا بالاستاذ عزت مصطفى منصور في مدينة الوهط بعد خمسين عاما من مغادرته لها .. وأهلاً بعزت مصطفى في اليمن بعد نصف قرن من مفارقته لها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى