فيما تفتح ذراعيها دوما لتحتضن زائريها..المكلا..عروسة البحر العربي مدينة مصحوبة بالجماح لاتنالها كلمات الوصف التي تذكي الشوق

> «الأيام» شائف الحدي:

>
منارة جامع الروضة
منارة جامع الروضة
العيان لا يحتاج إلى البيان فمدينة المكلا على بحر العرب لا تحتاج إلى الوصف والإطناب فجمالها الخلاب يسحر الألباب، فيسري جمالها إلى القلب حينما تحتضنه زرقة البحر والسماء فيظل محفورا في هاجس الوجدان مترنما بتراتيل البحر وعنفوانيته الدائمة التي لا تبرح الأمكنة عن الوجدان حين تلامسه نسمات الهواء النقي المحملة بعبق البحار، فتتراقص الأمواج في مدها وجزرها في منظر عجزت شطحات الأقلام عن وصف وقائعه.

مع زحام الأيام والأعوام في سباق ركب الأحداث أخذ الزمان ينسكب رويدا رويدا في مسيرة أحداثه المتقلبة ومدينة المكلا عروس بحر العرب ناعمة بالطمأنينة والسلام يأتيها المحبون عشاقا لجمالها الآسر الذي يصافح العيون، وتواقين لبحرها الهادئ الذي تتهادى أمواجه في تعاقب الليل والنهار لتمتزج شواطئه برمال ذهبية أحببها كل من وطأها عدد ذرات دمه، في مدينة أبت إلا أن تكون وجه اليمن المشرق بالحياة ..إنها باختصار شديد لكلمات التشبيه والإطناب، خيال مصحوب بالجماح، لا تنالها كلمات الوصف الرنانة التي تذكي الشوق لتدوينها.

«الأيام» كابدت عناء السفر وزارت مدينة المكلا التي تمتلك جمالا أخاذا لا يقاوم، فدونت هذا الاستطلاع المصور.

وعثاء السفر
من أراد أن يطهر سنين عمره فعليه بالترحال.. بهذه الحكمة المأثورة والجزيلة بدأنا رحلتنا من الضالع إلى المكلا التي أخذت منا مسيرة نصف يوم على خط عدن أبين، شبوة، المكلا دون توقف إلا مرة واحدة في نقطة العرم لأداء صلاة الفجر، حيث انساب إلى أرواحنا إحساس المسافر بوعثاء السفر، فتحملنا ألم طريق أثرت فيه نوائب الدهر فأضحى حفرا ومطبات، وما أن وصلنا إلى مدينة المكلا حتى نزلنا في أحد فنادقها الكائن في ضاحية الديس فألقينا بحقائبنا وانتابنا نوم عميق من عناء الرحلة.

ما أقسى الفراق !
ما يربو على العامين إن لم تخني الذاكرة زرت مدينة المكلا لأول مرة وبين زيارتي الأولى لها وقدومي إليها مرة أخرى ظلت المدينة عالقة في ذهني بذكرياتها الجميلة التي لم تبرح ذاكرتي مطلقا، وقبل أن تتح لي الفرص لزيارتها ، قبل أيام، هزني الحنين لهذه المدينة المحفورة في وجدان خيالي فقلت حينها مخاطبا كياني: ما أقسى الفراق! وما أقسى الذكريات عن هذه المدينة التي تتجلي بلوحات بانورامية تكشف حب أبنائها المفعم لها وبشعور زائرها بالتوق والامتزاج بكل عناصر الطبيعة من حولها! لأنها مدينة جمالية لا تضاهى، والسحر التي تتسربل به لا يتصوره أحد، فالمدينة يعشقها الزائر من الوهلة الأولى لأنه يظن أنها أول مدينة عشقها وكأنها رؤيته الأولى لها.

منارة جامع الشهداء
منارة جامع الشهداء
مدينة تهز الوجدان
إن مدينة المكلا الهادئة حين تصحو على تلاطم الأمواج في مطلع الفجر تبدأ كعادتها بفتح ذراعيها دوما أمام زائريها فيدور في خلد من يزورها أنها من بين المدن التي إن لم تهز الوجدان لأول وهلة فإنها لا تهزه أبدا، نظرا لسحر الموقع والمنظر وجمال المكان وروعة الجو ورقة الحال وهدوء شوارعها وقيمة معالمها التاريخية ومزاراتها السياحية فتزداد بذلك أجواء المدينة العذرية تألقا وجمالا في نزهة العين.

حصن الغويزي
على قمة صخرة مائلة في الطريق المؤدي إلى مدينة المكلا يقف حصن الغويزي صامدا بشموخ المدينة وأهلها الأوفياء، وقد بني في عام 1884م بعد معركة البقرين الشهيرة.

بحر العمودي
يعد بحر العمودي واحدا من أشهر مزارات المدينة السياحية على الإطلاق، تم افتتاحه مع احتفالات عيد الوحدة، إذ يفصل هذا البحر المستحدث بين الديس والشرج، وهو يشطرها الى نصفين- إن جاز لنا التعبير- في منظر عجزت ابداعات الأقلام عن وصفه.

وهو يتميز بزرقة مياهه الداكنة وجمال انشائه الهندسي، حيث توجد له جسور تمتد في ضفتيه تربط الديس بالشرج. أما في الليل فتتاح لك الفرصة لمشاهدة مناظره الفاتنة حينما تسقط إضاءته مع إضاءات المدينة على سطح مياهه مشكلة خيوطا مضيئة تضفي للمكان منظرا بديعا.

المكلا ليست المكلا
في السنوات الأخيرة بدأت مدينة المكلا تأخذ منعطفا آخر، حيث بدأت بالتوسع العمراني الملحوظ من بنايات حديثة وتوسع في شبكة الطرقات وبناء الحدائق والمنتجعات السياحية وكذا الاستثمارات الأخرى، فالمكلا اليوم ليست المكلا قبل عقدين.

لقد تغيرت معالمها وتوسعت فغدت صورة لحياة فيها مغايرة عن سنواتها الماضية، حتى أن أبناءها الذين هجروها قبل عقود زمنية مضت حينما ضاقت بهم السبل عادوا ليشاركوا في بناء مدينتهم من خلال الاستثمارات التي فتحت للمستثمرين الباب على مصراعيه، ترى ذلك الزخم الاستثماري في العديد من المجالات وأنت تجوب المدينة طولا وعرضا.

المكلا في الليل
مع زوال شمس الأصيل وحلول الظلام تأخذ المدينة طابعا آخر حيث ترى اضاءات المدينة تظهرعلى سطح البحر بخيوطها الملونة بوضوح مشكلة نغمة أخرى إلى جمال البحر وروعته.

وتزدهي المدينة بمطاعهما السياحية والشعبية فبإمكانك طلب أي نوع من الاسماك التي يجود بها بحر العرب، والمطاعم في هذه المدينة لها عادات وتقاليد مغايرة عن مطاعم المدن الأخرى، فمثلا في وقت صلاة المغرب تظل مفتوحة لكنها لا تزاول أعمالها احتراما لشعائر أداء الصلاة في المسجد وهكذا في وقت صلاة العشاء، حتى أن السياح الأجانب الوافدين على المدينة وجدناهم ينتظرون على طاولات المطاعم بسكينة وهدوء حتى يتم الانتهاء من أداء الصلاة.

حصن الغويزي يقف صامدا بشموخ المدينة
حصن الغويزي يقف صامدا بشموخ المدينة
مدينة سياحية
المكلا مدينة سياحية تطل على شاطئ البحر العربي وتتميز بشواطئها الجميلة وامتداد شريطها الساحلي وكثرة الصخور المكومة فيه، وقد ذاع صيتها منذ القدم من خلال مينائها الذي كان يربط المدينة بأصقاع حضارات الأرض القديمة، كما تمتاز المكلا بمراكز صناعة الاسماك المنتشرة في أرجائها.

وتعد سواحلها مصايف سياحية لما تحتويه من مياه زرقاء هادئة ورمال ناعمة، وتبدو المدينة وكأنها متكئة على سلسلة جبال متوسطة فاتحة ذراعيها باتجاه البحر، وتظهر بيوتها التي تتزين باللون البيضاوي راسمة لوحة معمارية بديعة حين تلامسها أشعة الشمس الدافئة، فشواطئها الجميلة مؤهلة كعوامل جذب أساسية في تنمية السياحة واجتذاب السياح.

نعود مجددا إلى سواحل المكلا حيث نجد قوارب الصيد الراسية بمحاذاة الشاطئ، وفي الأفق البعيد نرى القوارب الأخرى بصياديها تمخر عباب البحر عرضا وطولا بحثا عن الأسماك .

وتتمتع المدينة بجملة من المعالم التاريخية والسياحية ولا غرابة إن قلت إن المدينة تمتلك مقومات سياحية هائلة لم تستثمر بعد، وتتصف المدينة بالهدوء مقارنة مع ضجيج المدن الأخرى، فالزائر لها يخرج بانطباع غير عادي عنها.

نظرة بانورامية
على صخرة بحرية في شاطئ هذه المدينة وقفت أغسل شيئا من هموم الأيام والسنين الغابرة وبدأت أفكر بهيجان البحر وأسرار الله فيه.

وبينما أنا على حالتي والبحر على هيئته ألقيت نظرة بانورامية عليه بينما كانت نسمات الهواء النقي المحملة بالرياحين العطرة القادمة من أقاصي البحار تلامس مياهه فتتراقص الأمواج في مدها وجزرها بخيال مصحوب بالجماح لا تناله كلمات الوصف .. وتتواجه الأحداث ويبوح العهد القديم بأسراره.

ويذكر المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت في عجائب الزمن القديم أن الفراعنة والإغريق كانوا يأتون من وراء البحار ليأخذوا البضائع المكومة في موانئ اليمن القديم من لبان وبخور ومر ودراصين وعطور وآفاويه ولادن فيجلبونها إلى معابدهم.

أخيرا ..وداعا أيتها المدينة الساحرة فقد صرت مدينة معشوقة في نظر كل من يزورك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى