محاكمة الدكتور طه حسين في جمعية تنمية الثقافة والأدب

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> أخذت جمعية تنمية الثقاقة والأدب بمديرية دار سعد، بشجاعة واقتدار على عاتقها ندوة خلال الفترة القليلة المنصرمة، كان موضوعها (إعادة قراءة في محاكمة الدكتور طه حسين أمام النيابة) في مداخلة ألقاها د. يحيى قاسم سهل بمشاركة الأديبين الأستاذين مبارك سالمين وصالح حنش، وكم رغبت لو أنني تشرفت بأن أكون أحد الحضور في تلك الندوة كي أشارك ببعض النقاش، لولا التوقيت الذي لم يسعفني.. فلم يمنعني ذلك من أن أختزل مشاركتي الحية في مقال منشور يتخذ من موضوع الندوة مداخلة تصب في الاتجاه ذاته.

وأعترف أنني لا أجد نفسي في هذا المقام أناقش مناقشة علمية فكرة أن الدكتور طه حسين بما كتبه في مؤلفيه (في الشعر الجاهلي) و(مستقبل الثقافة في مصر) اللذين أثارا دون غيرهما من مؤلفاته قضايا فكرية لا أول لها ولا آخر، شغلت الرأي العام العربي بشكل خاص ومازالت، وكتبت عنها الدراسات والنقاشات والردود ما لا تحصى أو تعد، واتخذ باحثون من آرائه في هذين الكتابين مضافاً إليهما كتاب (حديث الأربعاء) حجة في اتهامه بعدائه الصريح للدين الإسلامي الحنيف وكذلك في مواقفه التغريبية وتبعيته للفكر الاستشراقي.

وفي موقفه من الأدب الجاهلي والشعر منه بخاصة، أنه ظل متمسكاً بموقفه ذاك، ولم يعدل حتى قضى. في حين زعم بعض الادباء والباحثين أن العميد - عميد الأدب العربي د. طه حسين - قد عدل عن رأيه كما قرأت ذلك في مقال الباحث الأستاذ سعيد الأفغاني الذي نشر في مجلة «العربي» بعددها الصادر في شهر يناير 1977، تحت عنوان (إنصافاً لطه حسين) استناداً إلى الدكتور الحوفي الذي نقل على لسان الاستاذ إبراهيم مصطفى، عضو المجمع اللغوي السابق في مصر ومؤلف كتاب (إحياء النحو) - وكلاهما قد توفاهما الله- من أن الأخير قد سمع من الدكتور طه حسين، أنه بعد أن اطلع على بعض مؤلفات الدكتور الحوفي مثل (الغزل في الشعر الجاهلي) و(الحياة العربية في الشعر الجاهلي) و(المرأة في الشعر الجاهلي) قد بدل موقفه المتشدد الذي كان يرى فيه أن الشعر في ذلك العصر، كونه لم يخرج عن دائرة الحكم عليه بالوضع، فهو بذلك منحول، غير صحيح في أن ينسب إلى عصر ما قبل الإسلام.. ومن ثم لا سبيل للتعويل عليه في دراسة هذا العصر الجاهلي.. وأن القرآن الكريم وحده الذي يقدم لنا الصورة الصحيحة له.. بدّل شكّه إلى احتمال صحته. وعندما طلب منه الأستاذ إبراهيم مصطفى أن يعلن رجوعه عن رأيه ذاك!! ابتسم الدكتور طه حسين، وقال بما يعني أنه لا داعي لذلك الآن. وحسب رأي الدكتور سعيد الأفغاني بأن رفض الدكتور طه حسين لإعلان تراجعه عن موقفه بأنه يحتاج إلى الوقت الكافي (بعد تراخي الزمن - ونفاد طبعة الكتاب - رحمة بالناشر) وهذا الرأي عارضه آخرون أيضاً كان في طليعتهم الأستاذ الدكتور محمد الدسوقي في كثير من المنابر والمنتديات، ومنها مقاله المشهور (هل غيّر د. طه حسين آراءه في الشعر الجاهلي ومستقبل الثقافة؟) الذي نشر في مجلة «الهلال» بعددها الصادر في سبتمبر 1990، حين طعن فيما اعتبره الأستاذ سعيد الافغاني تراجعاً من طه حسين عن موقفه، بقوله: إنه لا يطعن في صحة روايتها على لسان الدكتور الحوفي له عن الدكتور ابراهيم مصطفى، ولكنه كما يقول ليست حجة في رجوع عميد الأدب العربي عن رأيه.. وما كان العميد في القضايا العلمية وغيرها يعرف غير الصراحة والوضوح. ويسترسل د. الدسوقي في مقاله أنه رافق د. طه حسين في العقد الأخير من حياته، وقرأ له كثيراً من مؤلفاته العربية القديمة والحديثة.. وجاء على ذكر الشعر الجاهلي أكثر من مرة، فما سمع منه غير شكه في هذا الشعر، وطعنه في صحته.. وإن كان يختلف معه على رأيه هذا.. وأن طه حسين التزم الصمت بعده عشرين عاماً دون أن يكتب عن رأيه الجديد المزعوم.

وكذلك إن رجعنا إلى ما كتبه في (حديث الأربعاء) الذي يشار إليه المح إلى أنه غير من رأيه في هذا الشعر، فإن ما جاء في هذا الكتاب يؤخذ منه على أن هناك تطوراً في موقف العميد من الشعر الجاهلي.. وأنه اعترف ببعض منه، إذ لم يكن يرى من أنه لا يزيد عن المعلقات السبع، وشيئاً منه يضيفه اليها.. ولا يذهب أبعد من ذلك.

وإن كان قد أسرف طه حسين في شكه وتمادى في تقديراته واستدلالاته كما يذهب الدكتور علي شلش في رأيه هذا في كتابه (طه حسين مطلوب حياً وميتاً) الذي صدر بعد وفاته - أي وفاة د. شلش - عام1993 . ولكنه بكل تأكيد حسب رأي شلش مبررا : اهتدى بآراء بعض العرب القدماء وآراء المستشرقين على السواء.. وأهم من هذا كله أنه فتح الباب - لأول مرة- امام إمكانية فحص التراث الأدبي فحصا نقدياً، شاملاً غير متجزئ، سواء على ايدي محبي التراث من الذين خاصموه وردوا عليه.. أو على أيدي دارسيه من طلاب العلم في الجامعة ودواوين البحث. وفي كلتا الحالتين عاد على الدراسة الأدبية ونقد التراث الأدبي خير عميم. يتبع

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى