من شفافية المؤسسة العامة للملح إلى ضبابية المؤسسة الاقتصادية

> نجيب محمد يابلي:

>
نجيب محمد يابلي
نجيب محمد يابلي
شهدت عدن في العام 1886م حدثين اقتصاديين بارزين : الإعلان عن تأسيس غرفة عدن، فكانت الأولى على مستوى الجزيرة والخليج، وكان الحدث الثاني الإعلان عن قيام أول مشروع استثماري صناعي، فكان بذلك أيضاً أول مشروع استثماري إقليمي وذلك أن السنيور أ. برجاريللا الإيطالي الجنسية استأجر الأرض الرخوة بين خورمكسر والشيخ عثمان لإقامة نظام علمي مكثف لأحواض الملحSALT PANS ومن الكلمة الإنجليزية جاءت كلمة «صولبان» وجرى ضخ مياه البحر بواسطة ملاحات WIND MILLS التي تميزت بها عدن وهولندا وأدت الملاحات مهمتها بدفع من قوة الرياح وحلت الطاقة الكهربائية محل طاقة الرياح بدءاً من عام 1950م وتعارف العامة على تسمية المشروع بـ« الطلياني» وبلغ الإنتاج في ذلك العام (145) ألف طن من الملح.

إلى جوار مشروع الطلياني، أقيم مشروع «صناعة الملح الهندية العدنية» عام 1909م وبلغ الإنتاج السنوي من الملح (75) ألف طن وفي العام 1922م أنشئت «شركة الملح المتحدة المحدودة» إلى جوار المشروعين المذكورين وتعارف الناس على تسميتها بـ «الحاج لالا» (الحجلالة) وتتغذى أحواض الملح من المسطحات المائية المجاورة على الطريق البحري وتبلغ المساحة الإجمالية لمنطقة المملاح أكثر من (9) مليون متر مربع.

وفي العام 1933م أقيم مشروع ثالث للملح في منطقة البريقة على مساحة قدرها (300) فدان (أي مليون ومائتان وأربعة آلاف وثمانية وخمسون متراً مربعاً) استثمرته «شركة عدن الصغرى الصناعية للملح» وكانت أحواض الملح هناك تتغذى بواقع (200) مليون جالون من مياه البحر مرتين شهرياً.

في ظل غياب النظام المؤسسي المدني الحضاري، تعرضت منطقة المملاح في سابقة خطيرة للاعتداء المدمر للبيئة حيث منح أحد الأشخاص مساحة قدرها (43) ألف متر مربع وكان أول أهدافه تلويث البيئة، إذ لا يعقل إقامة محطة لبيع الوقود وغسيل السيارات غير مكترثين بتلوث إحدى الصناعات الغذائية (الملح) وبذلت إحدى جمعيات «الخضر» جهداً تشكر عليه لمنع الكارثة وفشلت، وتبنت «الأيام» مشكورة حملة إعلامية حالت دون تمكين أعداء البيئة من تلويث بيئة المنطقة.

إن منطقة المملاح تعتبر أكبر متنفس طبيعي وبيئي يتوسط محافظة عدن وهي منطقة صناعة خالية من المدافن وتدر دخلاً بالعملتين الصعبة والمحلية يرفد خزانة الدولة، كما أن منطقة المملاح تعتبر معلماً من معالم عدن التاريخية.

جرى من وراء الستار مؤخراً تسليم منطقة المملاح إلى المؤسسة الاقتصادية (العسكرية) التي آلت إليها مجاناً كل مقدرات شركة التجارة الداخلية والمؤسسات التابعة لها في عموم المحافظات الجنوبية والشرقية ويمكن حصرها وتقييمها من واقع وثائق جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وسبق لزميلي محمد فارع الشيباني أن تطرق إلى واقع هذه المؤسسة في موضوعه الموسوم (وأخيراً وصل الفيد إلى «الحاج لالا») الذي نشرته «الأيام» يوم 26 يناير 2006م، أما الذي أماط اللثام عنها فهو هيثم قاسم طاهر، وزير الدفاع بعد قيام دولة الوحدة عندما وقف أمام النواب في البرلمان للرد على عدد من الاستفسارات تعلق أحدها بالمؤسسة الاقتصادية العسكرية وقال هيثم :«قيل لي عندما تحملت مسؤولية وزارة الدفاع بأن أرفع يدي عن هذه المؤسسة لأنها لا تتبع وزارة الدفاع، إلا من حيث تقديم التسهيلات».

تباينت الإفادة التي قدمها هيثم قاسم مع آخر كتاب لوزارة الاقتصاد والتموين والتجارة في (ج.ع.ي) المتعلق بنشأتها وتطورها ومسيرتها خلال الفترة 1962-1989م، حيث ورد في صفحة (152) أن المؤسسة الاقتصادية العسكرية أنشئت بالقرار (12) لعام 1973م برأسمال قدره (4) أربعة ملايين ريال، منه 75% للقوات المسلحة و25% لقوات الأمن العام، فإذا كانت المؤسسة لا تتبع وزارة الدفاع من ناحية وليست من القطاع العام حتى أنها لا تتبع وزارة الصناعة والتجارة، فتتبع من إذن؟

لم ينشر أي بيان منذ إنشائها عام 1973م وبعد دمجها عام 1975م وحتى الآن يفيد بحجم عملياتها وعائد نشاطاتها والمستحقات التي دفعتها للدولة أسوة بأي مؤسسة، وكم دفعت من أرباحها لخزينة الدولة، وكل هذه البيانات واضحة لدى المؤسسة العامة للملح منذ تأسيسها وحتى يوم الاستيلاء عليها.

من حق مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة وغير المتخصصة الدفاع عن هذا المتنفس الضخم واستعادة منطقة مملاح البريقة باعتبارهما محميتين طبيعيتين تخدمان التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئة وموقعها كمعلم تاريخي.

القضية تعني أيضا منظمة «اليونيدو» (صناعة) واليونيسكو (معلم تاريخي) وUNEP (بيئة) لأن ماحدث كارثة تضاف إلى كوارث أخرى منها بيع هضبة عدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى