يوم من الأيــام..الدرس اليوم (مقلي)

> علي سالم اليزيدي:

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
أعتقد أننا لازلنا نستذكر حكمة تلك الطرفة التي تقول بأن جائعاً فقيراً أكل كسرة خبز جافة على رائحة المرق النفاذة وفاتحة الشهية، ومن ثم طالبه صاحب المطعم بثمن رائحة مرق اللحم اللذيذ. وأضحكني هذا الأسبوع ما سمعته على لسان معلمة قريبة لي في مدرسة الجماهير العريقة بالمكلا، وهو أن المعلمين في الفصول وأثناء شرح الدرس للتلاميذ في هذه المدرسة التي بنيت عام 1964م تقريباً، ينتعشون بالروائح القادمة إلى أنوفهم وتدخل العقل أيضاً من حيث أن لحظات الجوع والتطلع إلى وجبة في الظهيرة أو فترة ما بعد الظهر، ستجعل من التركيز على شرح الدرس يتأرجح ولا ينضبط اطلاقاً، إذ قالت معلمة ولحظة أن تدفقت على أنفها روائح قلي السمك على المقلاة (الطاوة): اليوم يا شطار الدرس معنا مقلي، ولكن أحد التلاميذ استدرك بسرعة: ربما يا أستاذة، دهده مع الوقله، وصاح أحدهم من الصف الأخير: بعدين بايطلع صاحب البوفيه وبغى حسابه على رائحة الأكل.. وربما أيضاً على إثارة الشهية لدينا فهذا زمن لا ندري ما لونه، نبدأ بالمقلي وننتهي بالصيادية.

وهذه الحكاية ليست للتسلية أو عبثية الكتابة مثلما يعتقد البعض، فالأمر أن وضع مدرسة كبيرة، وبها هذا العدد من الطلاب تم محاصرتها بالبوفيات والاستراحات الصباحية والظهرية والمسائية وما يسببه هذا من إقلاق للطلاب والمعلمين والوضع المدرسي في هذه المدرسة التي لا يملكها شخص بعينه بل نملكها نحن، وهي قد خرجت أجيالاً ورجالاً وصارت في نطاق الذكرى والمعاصرة في آن واحد، وفي الفترة الأخيرة تصاعد رأي عام واسع بخصوص إطلاق سراح هذه المدرسة من الحصار، وإيجاد حلول معقولة تتفق مع واقع التطور والتمدد للمدرسة وكذا سحب الحشود من حولها حتى يتمكن طلاب المدرسة من إيجاد أجواءً مناسبة بعيداً عن النوايا السوداء إذا ما فرضنا في أسوأ الأحوال ذلك، ومع هذا فإننا سمعنا كلاماً رائعاً ومسؤولاً من السلطة المحلية ورجالها الكرام، في اتجاه فك ما حولها من استراحات وهي تابعة لمرافق الدولة، وكانما قد أصابنا الفقر والفاقة، وأصبحت صناديق الحكومة تشحت بضعة ريالات في تأجير مساحات بامتار هي أقرب إلى الاستفادة الاستراتيجية منها أولاً، ثم لوضع يد الدولة والسلطة الكبرى على وهم البوفيات والمقلي والصانة والشبس مع الحامي، وحتى لا يتحول الجميع إلى (باجية) ينغمسون في الحامي مثلما قال أستاذي الكريم سعيد عولقي، حفظه الله، ذات مرة في مقال ناقد ، ويا مصيص مص بالحامي والبطاطس الشاحط، ومادامت النوايا تقول إن دار العلم وثقافة الجيل وحماية الذاكرة أهم، وهذا ما سمعته وقاله عدد من رجالنا في الحكم المحلي وقيادة المحافظة وأن الأولوية للدرس اليوم الزاوية المركزية والأقواس، والمراجعة لدرس الأمس الشكل الرباعي الدائري بعيداً عن التأثيرات الخارجية من صانة ولحم مندي، ورائحة المعسل والجراك.

إنها قصة الأمس التي نطقها أستاذ ذات نهار وقال، ثم قال له صاحب المطعم هات ثمن الرائحة، كما قال أستاذ اليوم، والدرس اليوم ، إما مقلي، أو مغمي كله في الزواية المنفرجة بعيداً عن الأقواس والسلام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى