في الذكرى السادسة لرحيله المحضار مرآة عصره

> «الأيام» رياض عوض باشراحيل:

>
المحضار
المحضار
وبعد تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990م وفي ظلال غياب الرقابة العامة من حياتنا الاجتماعية ورقابة أسعار المواد الغذائية الرئيسية بصفة خاصة ارتفعت الأسعار واشتعلت نارها لتحرق جيوب وأفئذة الفقراء والضعفاء في المجتمع، فالغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا، والمحضار يدرك أن جشع التجار لتنمية أرباحهم سبب من أسباب فقر الناس وتردي أحوالهم ..ولأن الشاعر مستور الحال ويستطيع تجاوز موجة الغلاء الا أن جاره وآخر صديقه وآخرين من عامة جماهير مجتمعه قطعا لا يستطيعون سد رمقهم ولا رمق أبنائهم بسبب لهيب الأسعار وانطلاقا من التزامه بالتعبير عن رأي الناس وقضاياهم ولأنه قائد لوعي الأمة في وطنه ومشارك في دوامة الصراع فقد حمل المحضار على التجار وعلى الحكومة في آن معا.. حمل على جور التجار وجشعهم ووجه سهام نقده الحاد لأولئك الذين لا يهمهم أن تفطر الناس معهم أو تصوم بقدر ماي همهم تعبئة جيوبهم، كما رمى الحكومة باللوم الشديد لإدارة ظهرها عن التزاماتها وتقصيرها في الدفاع عن الناس وحمايتهم من جشع المستغلين ..قال المحضار :

يقول بومحضار انا ماشكيت من جور الغلاء

لكن شكى جاري عمر حنين واحمد بن سلوم

واحد قدر يوكل وواحد ياخواني ماكلا

كل من خرج للسوق حصل نارها ملقت سموم

دلا بنا يامعشر التجار والباعة دلا

ما احنا اجانب بينكم نحن خوه وبني عموم

من جوركم صحنا وراح البسط منا والسلا

وغلاء المعيشة ياعباد الله يلحق بالهموم

مايفرح التاجر بشي الا اذا كيسه امتلأ

ولايهمه يفطر المسلم معه والا يصوم

واللوم كله عالحكومة لي عطيناها الولاء

لي هي مخلتكم تلقون المصائب كل يوم

بلاء نزل الله يعين الناس عاهذا البلاء

في ربنا معنا امل ان البلاء ذا مايدوم

ومن المعروف أن شهرة المحضار قد أسست على قاعدة شعره الغنائي المغنى بيد أن الشواهد الشعرية التي ذكرناها سابقا تعد من قصائده «المسرحة» غير المغناة والمنظومة شعرا ليس بقصد الغناء كما في قصيدة المتضررين، أو من قصائده الاجتماعية ذات الطابع الفكاهي كما في قصيدة الغلاء.

وبهذه اللمحات انما نود أن نشير الى ثروة شعرية كبيرة لهذا العملاق لا يعرفها الا المقربون منه وأبناء منطقته، تلك الثروة لم يقيض لها حتى اليوم أن تظهر للناس كما ينبغي مطبوعة أو في دراسات موضوعية أو فنية. لقد كان الشاعر منصتا لحركة الأحداث والأزمات والمتغيرات الوطنية في مختلف المراحل التي عاشها، يتأملها ويقرأ طالعها ثم يعبر عنها راضيا أو سـاخطا، سـعيدا أو حزينا، مبشرا أو محذرا.

لذلك عندما أبصر المحضار بوادر الخلاف والانقسام في القيادة السياسية إبان المرحلة الانتقالية، وبدأت ملامح زعزعة الأمن والصراع على السلطة تظهر على السطح مما ينذر بليل بهيم وعواقب وخيمة وعواصف وسيول حتما ستجرف الأرض والرعي وتهلك الحرث والنسل وتأكل الأخضر واليابس قال المحضار:

كل ما صفت غيمت قبل

هذي سحب مانباها شي تطول

من أجل باشوف خلي حيث ما سار

لما متى في الغداري ما تشوف النهار

وأضاف منذرا ومحذرا:

متى متى باسمع صوت المحول

يقول كل ملا حوضه يحول

خائف على السيل بجرف أرض وديار

لما متى في الغداري ما تشوف النهار

والشاعر يدرك بوعيه السياسي نتائج تلك الانقسامات والصراعات وما تسببه للوطن من الوهن والضعف والتمزق فدعا إلى رأب الصدع ونبذ الخلاف وإلى التضامن والإخاء والوفاق الذي يقود إلى خير البلاد والعباد لذلك قال:

البعد والصد والهجران يقتل

لما متى البعد يا شهر اللقاء هل

قرب المحين جنة والجفاء نار

لما متى في العغدي ما تشوف النهار

أجل فالبعد والجفاء يؤلم المحضار ويفرحه اجماع الفرقاء ولقاء الأحباء فيترنم بأحسن ما يمكلك، إنه السلا والغناء المعبر عن البهجة والفرحة فيزمل ويمول ويعلنه يوم عيد:

باشل صوتي وباغني وموّل

في حين مايلتقون الخل باخل

وبفرش الدار كله ورد وازهار

لما متى في الغداري ما تشوف النهار

وتجدر الإشارة إلى أن البناء الفني عند المحضار في شعره الوطني والسياسي يتخذ شكلين أولهما: شكل الخطاب المباشر، كما جاء في قصيدة المتضررين وقصيدة الغلاء وهو شعر القضايا الواضحة، وضحت القضية فوضع الشعر حيث لا يجد القارئ صعوبة في فهم القضية أو التعرف على ملامحها المختلفة، وثانيهما: شكل الخطاب الرمزي (غير المباشر) كما جاء في قصيدة كل ما صفت غيمت، وآل باكرمان، والله الله من ثنتين وغيرها وهو شعر القضايا الخفية في دهاليز الحكام والسلطة، فالموضوع هو الذي يحدد بناء القصيدة وشكلها الفني عند المحضار.

تلك نماذج من شعر المحضار الاجتماعي والسياسي تدل على حبه العظيم لأهله ولوطنه، وصلته الوثيقة بما يجري فيه من مواقف حياة،أو من أحداث أو تطورات. كما تؤكد اهتماته بما يرفع من شأن بلده بين الناس في المجتمع.. كما أنها دليل على أن المحضار ما عاش لنفسه قط ولكنه عاش لأمته ومجتمه ووطنه، وأنه كان مرآة عصره.. وهكذا شأن الرواد والنوابع في تواريخ الشعوب.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى