في غياب الحقوق والحريات الأساسية: هل يمكن تحرير العمل الصحافي؟

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
من المؤكد أن تجربة الحوار التي بدأتها بعض مؤسسات الدولة العليا ومنها مجلس الشورى مع رؤساء نقابتي الأدباء والصحفيين حول مشروع قانون الصحافة والمطبوعات الجديد تشكل خطوة جديرة بالترحيب رغم محدودية نطاق هذا الحوار، ورغم إدراكنا بأن هذه الخطوة لم تكن لتقدم عليها الحكومة ومجلس الشورى لولا التحرك الفعال من جانب نقابة الصحفيين اليمنيين ومؤسسات المجتمع المدني وحقوق الإنسان وعدد من الكتاب والمثقفين للفت أنظار الرأي العام المحلي والدولي للتوجهات الحكومية التي كانت تستهدف التعتيم على عملية إخراج القانون وتمريره خلسة كعادتها من خلال الأغلبية الكاسحة لها داخل مجلس النواب، والكشف عما أظهرته المسودات الأولى للمشروع من عزم الحكومة على إحكام قبضتها على مؤسسات العمل الصحفي كافة بصورة تفوق ما كان يحققه لها القانون رقم (25) لسنة 1990م.

كما ينبغي النظر بعين التقدير على وجه الخصوص إلى الجهود الدؤوبة لعدد من الصحف الأهلية وقيادات العمل الأهلي والمدني الذين أمكن لهم أن يخوضوا نقاشات مطولة لتعديل مشروع قانون الصحافة والمطبوعات الجديد.. والجميع ينتظرون إنزال المشروع إلى الوسط الصحفي والاجتماعي وإجراء تعديلات مهمة يمكن إذا ما جرى التمسك بها أن تخفف ولو نسبياً من القيود والتحكمات الحكومية التي تستهدف حرية الرأي والتعبير.. ولكن هل يحق لنا أن نتفاءل بعهد جديد يسترد فيه العمل الصحفي حريته واستقلاله وفاعليته؟

الواقع - خاصة بعد الانتكاسة التي حصلت لحرية الرأي والتعبير- أن الإجابة هنا تكتنفها صعوبات عديدة، وتغلب الرؤية التشاؤمية على أية رؤية متفاءلة، لاعتبارات كثيرة: فلا يوجد أي ترحيب حكومي بإحداث تعديلات، ولا توجد أية ضمانات رسمية تحول دون التلاعب بما تم طرحه من تعديلات على المشروع، ولا يوجد ايضاً ما يمنع الحكومة من خلال البرلمان الذي تسيطر عليه من إدخال تعديلات إضافية تجعل القانون الجديد في نهاية المطاف في صورة مطابقة للمشروع. ومن المؤسف أن هذا التوقع لا يجد سنده فقط من خبرات سلبية سابقة في إعداد مشاريع القوانين من جانب الحكومة ثم خروج المشاريع كقوانين من داخل ساحة مجلس النواب ضارباً عرض الحائط بعدد من التعديلات المهمة التي أقرتها الجهات ذات العلاقة بالقوانين وسجلتها الصحافة ومحاضر اجتماعاتها. وهكذا تظل الهوة واسعة بين المشروع برمته وبين مبادئ وفلسفة حرية الصحافة ومقتضيات الحفاظ على استقلاليتها. فإلى جانب الاحتفاظ لوزارة الإعلام بالحق في التحكم في حياة الصحافة ومطابعها ونشاطها وميزانياتها من خلال حجب أو منح الموافقة على تراخيصها وتمويلها ونشاطها، حيث تظل هذه الصلاحيات الحكومية سيفاً مسلطاً على الصحافة والصحافيين، كما يظل قائماً العقاب الجماعي للمشتغلين بالصحافة بدلاً من الحبس الاحتياطي للصحافي. فمشروع قانون الصحافة والمطبوعات تمسك بالنصوص العديدة التي تجيز الحكم على أية صحيفة أهلية بالموت عن طريق محاصرتها أو حلها إدارياً أو قضائياً. وفضلاً عن ذلك فقد حافظ المشروع على نهجه غير الديمقراطي في تعامله مع حرية الرأي والتعبير، وتجاه مجمل الحقوق والحريات العامة للمواطنين. والمؤكد أن تحول هذا المشروع إلى قانون سيكون كارثة ليس فقط تجاه قضية حقوق الصحافة والصحافيين بل ايضاً تجاه ساحة العمل الأهلي ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام الحزبي.

وتظل التنازلات التي يمكن أن تقدم عليها الحكومة في هذا الإطار مرهونة باقتناعها بالمصالح التي يمكن أن تحققها من جراء الاستعاضة عن تراجع دورها الخدمي ومسئوليتها الصحية والتعليمية والاجتماعية الأخرى تجاه مواطنيها بإلقاء عبء المسئولية على العمل الخيري.

وينبغي التأكيد على أن أي قانون لا يمكن أن يكون ديمقراطياً إذا ما عمدت الحكومة استبعاد أصحاب المصلحة في إصداره والمحكومين بقيوده من المشاركة في مناقشته قبل إقراره. وفي هذه الحالة لابد من تشكيل لجنة لصياغة مشروع القانون تضم ممثلي نقابة الصحافيين اليمنيين ومنظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومراكز الأبحاث التنموية والسياسية والقانونية والمنظمات المدنية غير الحكومية إلى جانب ممثلي الحكومة.. أو أن تتقدم نقابة الصحافيين اليمنيين إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي بذلك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى