صحيفة «صوت الجنوب»..وجهات نظر حول استقلال الجنوب العربي

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> هذه محاولة للاقتراب وقراءة في وجهات نظر حول استقلال الجنوب العربي، وهي رؤية سياسية - تاريخية لما طرح حول هذا الموضوع قبل عام 1967م، وهذه النظرة لا تخرج جوهرياً عن إطار الظرف الزمني الذي أوجد مثل تلك التفاعلات في حقبة امتدت فيها مسألة الاستقلال على اكثر من مساحة، وطرح كل طرف رأيه في كيفية نقل الجنوب العربي من مرحلة الحكم البريطاني إلى فترة الاستقلال الذي يوجد دولة لها من السيادة الوطنية ما يجعلها غير مشدودة إلى السابق او إدخالها في دوامات من الصراعات يكون من نتائجها الندم على الماضي اكثر من الانتماء إلى القادم. وهنا نقف امام ما كتب حول هذا الأمر لتقديم جانب من التاريخ السياسي للجنوب والتعرف على ابعاد من تلك الرؤية، والدور الذي تلعبه الصحافة في هذا الاتجاه.

لعبة الخوف من الاستقلال
في العدد 45 من صحيفة «صوت الجنوب» السنة الثالثة الصادر يوم الجمعة تاريخ 15 مايو 1964م الموافق 3 محرم 1383هـ وتحت هذا العنوان يكتب المعلق السياسي حول قضية الاستقلال وعلى أي اسس أو اهداف يكون هذا العمل، هناك جانب في هذه القضية هو أنه كانت تطلب الضمانات من الحكومة البريطانية التي تقدم هذا المشروع دون انحراف نحو الصراع السياسي الذي تسقط فيه كثير من الدول والشعوب بعد الاستقلال، وجانب آخر يرى حق الاستقلال بدون شروط.

وحول هذا الاختلاف يقول الكاتب: «لا يتورع هؤلاء الناس عن الحديث بإفاضة وحماسة عن هذه الشروط والضمانات التي يطلبونها من الدولة الاجنبية، مبررين ذلك بوجود ما يسمونه خلافاً بين وزراء حكومتي الاتحاد وعدن حول موضوع الاستقلال ذاته بسبب بعض الاحوال المتخلفة في المنطقة، في حين أنهم يتناسون الجهة المسؤولة تاريخياً وادبياً ومعنوياً عن جود مثل هذه الاحوال التي يتخذون منها اليوم حجة واهية لعدم المطالبة بحصول المنطقة على استقلالها وحريتها، الأمر الذي لا يمكن ان يخدم مصلحة احد بقدر ما يمكن ان يخدم مصلحة استمرار الوجود الاجنبي في هذه الأرض العربية.

ولعل الاغرب من هذا أن يحاول هؤلاء الناس التذرع بحجة عدم وجود ما يسمونه بالمؤسسات الديمقراطية ذات الطابع الغربي في معظم الولايات الاتحادية باستثناء ولاية عدن وافتعال القصص الوهمية عن السلاطين والحكام الذين يصورونهم كشخصيات اسطورية مفزعة ومرعبة، في حين أن الواقع يؤكد ان هذه المناطق المقصودة قد تعودت منذ الأزل على اختيار مشائخها وعقالها وحكامها وسلاطينها بالطرق العربية القبلية التقليدية التي لا تقل من حيث المضمون والجوهر عن الاساليب الديمقراطية الغربية المستحدثة.»

حول وضع ولايات الجنوب العربي وموقعها الاقتصادي في دعم قضية الاستقلال والسيادة، طرحت عدة برامج وعمليات تنفيذية لخلق حالة توازن بين عدن الميناء الدولي والحركة الاقتصادية الواسعة، وبين المناطق الزراعية التي تجعل من اقتصاد الولايات مشاركاً في حركة التنمية.

منذ عام 1940م اهتمت الحكومة البريطانية بإصلاح العديد من الأراضي في أبين ودراسة التربة التي ظهرت امكانية استغلالها في التطور الزراعي، ووضعت خطة لمدة اربع سنوات عرفت باسم «مشروع خنفر للتنمية» وفي شهر ابريل من عام 1947م أنشئت «لجنة أبين» بقرار من حاكم عدن السيد ريجنالد شامبيون «1944-1951م» والتي بهذا القرار حلت مكان المشروع السابق وأصبح ذلك الجهاز هو المسؤول عن تنمية ابين زراعياً وكانت الاهداف من هذا تتمثل في:

1- رعاية وتطوير الجهاز التقليدي للري بواسطة تنظيم مناسب لتوزيع المياه.

2- تنظيم المنتوجات المعيشية والسوقية والمساعدة على تحويلها وتسويقها.

3- تحسين رخاء ورفاهية السكان المحليين.

في عام 1938م كانت مساحة الارض المزروعة في أبين أقل من 1000 فدان من اصل 120000 فدان التي يشتمل عليها حقل أبين، وفي عام 1940م تم استثمار مساحة إضافية بفضل معونة مقدارها 10000 جنيه استرليني قدمتها حكومة عدن، وجرى ري وزراعة حوالي 5000 فدان خلال الفترة الزمنية من 1934 إلى 1947م، وكان عام 1946م قد ادخلت زراعة القطن بصفة اختبارية ونجحت تلك المحاولة بعد ذلك، فوضعت عام 1947م خطة جديدة وهي «خطة تنمية أبين» وهي أكثر اتساعاً وإقداماً من «مشروع خنفر للتنمية».

لماذا نطالب باستقلال الجنوب العربي؟
في العدد 46 الصادر يوم الجمعة 22 مايو 1964م الموافق 10 محرم 1384هـ من صحيفة «صوت الجنوب» يكتب المعلق السياسي قائلاً: «الحقيقة التي لا مراء فيها أن لا سبيل لمناقشة إمكانية تلقيح بقية انحاء الجنوب العربي بالاساليب الديمقراطية دون التعرض بالدرس والتحليل للنظام القبلي السائد ومضاعفاته وتعقيداته التي لا يمكن لأي فرد مهما أوتي من قوة ودهاء وحنكة أن يجتثها بمجرد جرة قلم أو بالطريقة العابرة التي يحاول بها بعض الناس أن يعالجوا الشؤون والمشاكل السياسية لهذه المنطقة.

ولا يمكن لأحد أن يقلل أو يستهين بمشكلة النظام القبلي القديم والمتوارث والمعتمد حالياً كأساس لأنظمة الحكم القائمة في المنطقة ولو أنه قد امكن في الواقع بعد جهد جهيد إحراز بعض التقدم في التخفيف من مضاعفات وتعقيدات هذا النظام القبلي الصرف إثر ادخال النظم الادارية الحديثة في معظم الولايات الاتحادية، وهي النظم الادارية التي مازالت تلقى بعض المقاومة بسبب ما تنطوي عليه من سحب لبعض الصلاحيات والمسؤوليات التي ظل يتمتمع بها مشائخ وعقال القبائل منذ أن عرفت المنطقة اسلوب الحياة».

يحدد التقرير السنوي لاتحاد الجنوب العربي لعام 1964م-1965م بعض جوانب التطور في ولايات الاتحاد، ويظل الجانب الزراعي هو الأهم من بين تلك الجوانب الساعية إلى الارتقاء بالوضع الاجتماعي للناس، من خلال تطوير العمل الاداري المساعد على تجاوز درجات الاختلاف بين عدن والمحميات. وفي عام 1953م أسست شعبة الري وكانت متفرعة عن دائرة الزراعة وتدخل ضمن برنامج المسح الهيدرولوجي، وبلغت مساحة الاراضي المحروثة حوالي 150000 فدان.

وفي عام 1960م قام المستر د. س. فيرغوسون وهو خبير الاقنية والري في الوزارة البريطانية للتنمية وراء البحار بأول زيارة له إلى ولاية عدن، وكانت ضمن سلسلة الزيارات السنوية التي يقوم بها إلى عدن والمحميات، وقد طرحت عدة مشاريع رئيسية لتطوير وتنمية الاقتصاد الزراعي في محميات عدن وشملت البرامج التطويرية اموالاً خصصت لبناء السدود والحواجز ومنشآت ضبط مياه الاقنية وأجهزة استبعاد الطين وضبط تدفقات المياه وكذلك شق القنوات ووسائل توزيع المياه ومشروع للحفر الاستطلاعي القصد منه تقدير نسبة المياه الموجودة في باطن الارض في المناطق التي لا تتوفر عن مياهها الجوفية معلومات جيدة، وقد خصصت مبالغ لتنفيذ المشروعات التالية:

1- تطوير الري - 1183000 جنيه

2- الحفر الاستطلاعي - 130000 جنيه.

3- وضع خرائط لمنطقة لحج - 23600 جنيه.

بلغت ميزانية مشروع احور للري 15000 جنيه، وفيه منشآت للمراقبة تحتوي على منفذين في قناة احور الرئيسية وذلك لضبط وتنظيم تدفق المياه في القناة الرئيسية اثناء الفيضانات، وتبلغ الاراضي المحروثة في دلتا احور نحو 18000 فدان، وتلك المنشآت قادرة على تأمين فوائد سريعة لنحو 2000 فدان، وقد عقدت في أواخر عام 1964م اتفاقية للقيام بأعمال هذه المنشآت وبدأ العمل بها في شهر ديسمبر عام 1964م وانتهي منه في شهر ابريل 1965م.

وهذه الأعمال في الاقتصاد الزراعي في مناطق الجنوب العربي تظهر بأن تحسين الوضع الاجتماعي لدى حكومة الاتحاد كان يحتل المكانة الاولى قبل ادخال هذه المناطق في دوامة الصراعات السياسية، لأن تطور العامل الاقتصادي هو الدافع الموضوعي لطرح المشروع السياسي.

المؤتمر الدستوري
في العدد 48 الصادر يوم الجمعة بتاريخ 5 يونيو 1964م من صحيفة «صوت الجنوب»، يواصل المعلق السياسي كتابته حول قضية تحرر واستقلال الجنوب العربي والتي يراها لا تحتاج إلى صراعات حولها، حيث افتتح باب المفاوضات وكان في اول مؤتمر دستوري لبحث الوسائل الهادفة الى احراز تقدم دستوري لاتحاد الجنوب العربي في مسيرة استقلاله وحريته والسيادة على ارضه ووحدتها، وكان مقرراً عقد ذلك المؤتمر في بريطانيا بتاريخ 9 يونيو 1964م، وهناك محاولة جرت في عدن لعقد مؤتمر تمهيدي الغرض منه استطلاع كافة الآراء للفئات السياسية بغية توحيدها مع وجهات نظر الرجال المسؤولين من كل الولايات الاتحادية والذين كان من المقرر مشاركتهم في محادثات لندن.

غير ان نتيجة المؤتمر التمهيدي كانت امتناع بعض الجهات عن الاشتراك فيه من باب الاحتجاج على عدم دعوتها لحضور المؤتمر في لندن، وقبول جهات أخرى للاشتراك فيه، وكذلك الاعلان عن ارسال من يمثلها إلى العاصمة البريطانية لكي يكونوا على صلة واطلاع بتطورات تلك المفاوضات، وهناك فئة ثالثة التزمت الصمت في هذه القضية ولم تتخذ اي موقف واضح.

ويقول الكاتب حول هذا الموضوع: «يتضح من هذه النتيجة مدى حدة انقسام وتفاقم خلافات قطاعات الرأي العام في ولاية عدن وحدها حول عقد المؤتمر الدستوري، كما تؤكد ذلك الآراء والتعليقات التي ظهرت ومازالت تظهر في عدد من الصحف المحلية التي عالجت موضوع استقلال منطقة الجنوب بأسرها من جوانب وزوايا متضاربة ومتناقضة، وتناولته بعضها بطريقة مشحونة بالإثارة بدلاً من التروي والتعمق والدراسة لواقع وجوهر مشاكل هذه المنطقة.

وبما أن الصراع الدائر حالياً حول المؤتمر الدستوري يكاد أن ينحصر داخل ولاية عدن بين مختلف المنظمات السياسية فإننا لا نجد ما يمكن ان يمنع قيام تفاهم بين جميع الاطراف المعنية بحيث تجتمع كلمتهم وتتحد آراؤهم في هذا الظرف العصيب.»

وسط هذه الخلافات السياسية، كيف كانت الوضعية التنموية للخطط والمشاريع التي وضعتها حكومة الاتحاد؟

نقدم هنا بعضاً من برامج تلك المشاريع حتى تكون المقارنة بين السياسة والاقتصاد على مستوى متقارب من الرؤية، وبالعودة إلى خطة 1960-1964م نجد الارقام التالية: في 1- ابريل 1960م بدأ تنفيذ الخطة وقد خصص مبلغ 6330000 جنيه، وكذلك بناء المساكن مبلغ 2164000 جنيه، والخدمات العامة 1115000 جنيه، والخدمات الطبية والصحية 998000 جنيه، والمتفرقات 917000 جنيه، والمواصلات 570000 جنيه واخيراً التعليم 566000 جنيه، وفي 31 مارس 1963م وقبل انتهاء الخطة بعام كانت النفقات التي صرفت 3500000 جنيه، وقد قدرت نفقات السنة الاخيرة 1963-1964 بأكثر بقليل من 200000 جنيه.

استقلال الجنوب العربي كفيل بتقويم كافة الاوضاع دون وصاية
في العدد 49 الصادر يوم الجمعة بتاريخ 12 يونيو 1964م يكتب المعلق السياسي حول مسألة الاستقلال، وقد حدد ثلاث نقاط وقف امامها مؤتمر لندن وهي ادخال تعديلات على دستوري كل من ولاية عدن واتحاد الجنوب العربي لاكتساب صلاحيات دستورية اوسع، وتحديد موعد لاستقلال الاتحاد خلال مدة زمنية لا تطول، وكذلك دراسة مشاريع التنمية الاقتصادية التي كانت ستطبق في الجنوب العربي خلال المرحلة الانتقالية التي سوف تسبق موعد الاستقلال.

وقد وقف الكاتب امام ورود إشارة صريحة وواضحة حول الرغبة في ادخال المؤسسات الديمقراطية المعرفة في ولاية عدن إلى كل الولايات الاتحادية، وتلك خطوة تهدف إلى رفع مستوى الوعي الاجتماعي في الريف إلى درجة المدينة.

والكاتب يرى بهذا العمل تمهيدا لاجراء انتخابات عامة على مستوى المنطقة بأسرها قبل يوم الاستقلال، غير انه لا يغفل المخاطر والمشاكل المحتملة التي ربما تظهر بسبب مثل هذه الخطوة التي تعد جديدة على مجتمعات قبلية، حيث يحتمل ان تكون الاحتكاكات التي يسمع فيها صوت السلاح وسيلة للتنافس والاقناع وبالذات في المناطق التي لم يكن لمواطنيها سابق معرفة بالتعامل مع العمل الديمقراطي، لذلك كان من الواجب رفع مستويات التعليم في تلك المناطق حتى تكون في مستوى التجربة.

ويقول الكاتب عن آلية النهوض السياسي في الجنوب العربي: «ان ما تحتاج اليه منطقة الجنوب العربي هو تحلل الحكومة المركزية من كافة القيود والاغلال التي تكبل انطلاقتها نحو آفاق واسعة من التطور والنهوض والرخاء والاستقلال والتحرر بمعانيها الحقيقية، ولهذه الاسباب وغيرها يستمد المؤتمر الدستوري الذي يعقد حالياً في العاصمة البريطانية اهميته الحقيقية إذ أن من شأن نتائجه ومقرراته أن تحدد معالم الطريق المؤدية إلى الهدف النهائي وهو الاستقلال بعد اجتياز المرحلة الانتقالية.»

الارتباط العضوي بين وحدة الجنوب وحريته
في العدد 50 من «صوت الجنوب» الصادر يوم الجمعة تاريخ 19 يونيو 1964م يواصل المعلق السياسي طرح وجهات نظره حول قضايا الجنوب العربي، ويرى أن الاختلافات السياسية في البلاد حالة ناتجة عن التطورات في آلية العمل، غير انها لا تخرج عن الهدف الاكبر وهو حق الجنوب العربي بالحرية والاستقلال حتى يمتلك القدرة على التقدم والانطلاق مع المجموعة العربية.

ومن أجل ذلك كان الاتحاد والذي هو تجسيد عملي والذي بدونه لا تكون الحرية، كما يرى الكاتب، فهناك من وجهة نظره ارتباط عضوي بين الاتحاد والاستقلال، وهو يذكر أننا لو وضعنا قضية الاستقلال مسبقة عن قضية الاتحاد لكانت المسألة مثل الذي يجعل العربة قبل الحصان، ولوجدنا ان الحرية لا قيمة لها دون الاتحاد.

ويطرح الكاتب وجهة نظره حول الاستقلال قائلا:

«إن الاستقلال هو معركة من أجل البناء - بناء دعائم الوطن الجديد الذي يعتمد على رجاله ويقوم بفضل جهود ابنائه ويسير في اتجاه جديد لخلق اقتصاد وطني وتهيئة كيان جديد غير الكيان القديم ويتطلب انجازات أخرى يقوم عليها تطور هذا الكيان الجديد وانطلاقه نحو آفاق اكثر رحابة من ذلك الافق الضيق الذي كان منكمشاً فيه قبل ان يظفر الوطن بحريته واستقلاله.

ونحن اليوم حين ننشد حرية بلادنا إنما ننشدها لنحقق غرضين اساسيين أولهما أن نقيم دعائم بلادنا ونرسي صرح غدها ومستقبلها. وثانيهما أن نقوم بواجبنا نحو أسرتنا العربية التي ننتمي اليها، وتحررنا هو الشرط الاساسي لعروبتنا.»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى