كـركـر جـمـل

> عبده حسين أحمد:

> (المركزية) كلمة صعبة وشاقة في حياة الناس .. وفي الحكم هي أسلوب تضيق به النظم الديمقراطية .. وأكثر البلدان الديمقراطية تعتمد على نظام (اللا مركزية) في الولايات الاتحادية .. أمريكا مثلا ..فاللا مركزية «ليس معناها أنه لا يوجد مركز ..وإنما معناه أنه لا يوجد مركز واحد لكل الإدارة .. وإنما توجد مراكز كثيرة ..ولا يوجد قانون واحد لكل شيء.. وإنما توجد قوانين متضاربة متناقضة .. وطبعا في هذه الحالة لا يمكن تسميتها بالقوانين .. وإنما كل إنسان له قوانينه الخاصة .. وكل كائن له مبرر وجوده الخاص ..ولا توجد (طبيعة إنسانية) واحدة .. وإنما توجد صفات متغيرة لأي إنسان.. وهذه الطبيعة الإنسانية تتغير بتغير الأعمال التي نقوم بها .. فالإنسان هو ما يؤديه من عمل».

< هذا كلام صعب وغير مفهوم .. وهو في حاجة إلى توضيح أكثر .. وقد حاولت مدرسة (اللا معقول) أن تفسر هذه المعاني في كثير من المسرحيات في أدب (اللا معقول) الذي ظهر في الستينات من القرن الماضي .. ولكن ظل أكثره غامضا مبهما .. وظلت هذه المسرحيات تبحث عمن يفهمها .. ولم يفهمها إلا القليل من المشتغلين بالأدب والفكر والثقافة.

< ولكن ما هي الأسباب التي دفعت الأدباء إلى هذا الاتجاه الغريب في مسرح اللا معقول؟.. يقول أحد الأدباء في تفسير هذه الظاهرة: «هناك أسباب كثيرة غريبة عنا ولم نشعر بها .. ولا يبدو أننا سنشعر بها .. ونحن في مستهل نهضتنا الاجتماعية والاقتصادية .. ففي بداية القرن الماضي ارتفعت الصرخات في أوربا كلها .. ارتفعت تنادي بإفلاس الإنسانية .. وأن الإنسان أصبح عاجزا عن تحقيق إنسانيته .. فالإنسان يقتل الإنسان .. والإنسان يتحول بالعلم والاختراع .. إلى قاتل مستنير .. إلى وحش مثقف .. فبدلاً من أن يقتل لسبب معروف .. فإنه يقتل الألوف من الناس لأسباب لا يعرفها .. إنه يتحمس ويفقد إنسانيته وحريته وحياته لأسباب غير معروفة وغير مقنعة .. وأن الإنسان نسي أنه سيموت .. ولا بد أن يموت .. فما الذي يدفعه إلى أن يتعجل نهايته؟..

< وجاءت الحرب العالمية الأولى .. واشتعلت أوربا وأحرقت آمالها وأحلامها.. وجاءت الحرب الثانية .. وجاءت الحرب الباردة ..والخوف من الحرب الرابعة.. وولد الأدباء بين الحربين الأولى والثانية .. وكل شيء حولهم ينهار ويتحطم .. لقد انزرعوا في الموت .. وهم اليوم يحصدون الموت ويتطلعون إلى الضياع .. وليست مسرحيات اللا معقول إلا صورة من صور الضياع الإنساني .. ضياع المعنى .. وضياع اللفظ .. وضياع الإنسان بين الإنسان».

< ومن هذه المسرحيات ..«مسرحية (من هناك)..نجد أسرة تتناول العشاء..الأب والأم والابن.. ويدق الباب وينهض الأب ويفتح لسيدة مجهولة تخبر الأسرة كلها عن كارثة ستصيبها حالا .. وبعد لحظات ينفتح الباب ويدخل إنسان ضخم جدا .. ويمسك الأب ويخنقه ويرميه خارج البيت .. وتشير السيدة المجهولة إلى الأم أن تنظر من النافذة .. وتنظر الأم فتجد ملايين الجثث .. وينظر الابن إلى جثمان والده .. وهنا ينهض الأب ويدخل البيت.. وتسأله الزوجة: من الذي قتلك؟.. ويجيب الأب: ليس إنسانا.. وتسأله الزوجة: من أنت؟ ويجيب الأب: لست إنسانا .. وتسأله الزوجة: ومن كنت؟.. ويجيب الأب.. وهذا هو أهم ما في المسرحية الصغيرة: أنا لا أحد!».

< هل نحن اليوم صورة مصغرة -في بلادنا - من مسرح اللا معقول؟.. وهل نستطيع إسقاط هذه المسرحية على واقعنا؟ .. وهل أصبحنا كلنا (لا أحد) في هذه الحياة؟.. وكم قتيل هرب قاتله .. وعند البحث عن القاتل .. يكون الجواب (لا أحد)؟!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى