..لنتكلم على قدم المساواة

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
وصفت صحف كثيرة أهلية وغيرها وصفاً مفصلاً ما حدث مؤخراً من انتهاكات لحقوق الانسان، كقضية الجندي القعقوع والجندي صائل والشهيد منتصر محمد فريد والطفلة يسار وغيرهم. ونشرت «الأيام» تلك الجرائم وأثبت الضحايا وأسرهم رأيهم وقدموا حججهم وطالبوا بمعاقبة المذنبين.

وقد أشير في ما نشرته «الأيام» إلى أن الضحايا كانت لديهم أدلتهم وحججهم الدامغة امام القضاء، فحوكم المتهم بسحل القعقوع، وقُدم إلى المحاكمة قتلة الطفلة يسار والمنتصر، والبقية بإذن الله ستأتي. ولا ننسى أن لسيرة «الأيام» أهمية كبيرة جداً في مجال حقوق الانسان وأصبحت هي مرآة بلا شك لنشر تلك الانتهاكات، وتعرف جيداً الثمن الذي ستدفعه، في ظل وجود صحف تفضل عدم التطرق إلى تلك الانتهاكات لاسباب كثيرة. وقد لاحظنا من خلال ردة الفعل العنيفة من قبل بعض الصحف الرسمية ضد «الأيام» أن جوهر الاختلاف ليس في الفهم المختلف لمسائل حقوق الناس وقضاياهم الاساسية، بل في عدم القدرة على حل القضايا الملحة لحياة المواطن بصورة صريحة وعلنية، وعلى أخذ الرأي العام بعين الاعتبار وإقناع الناس بالاعتراف بتلك الجرائم والاخطاء. طبعاً نحن لا يمكن أن نتوقع أن يحصل ذلك بسهولة وبساطة! فقتلة المنتصر ظلوا طلقاء ولم يقبض عليهم إلا بأمر من فخامة الأخ رئيس الجمهورية.. وبعد تدخل نائب محافظ عدن قُدم المتهمون بقتل الطفلة يسار إلى القضاء، وبأمر من وزير الدفاع قدم «ساحل» الجندي القعقوع إلى القضاء العسكري.. والمتهم بإهانة وتعذيب الجندي صائل أيضاً سيتقدم إلى القضاء العسكري، وما على الجميع الا الصبر.. فالمسألة صعبة جداً والنوايا الحسنة وحدها لا تكفي في هذا المجال، خاصة وأنه قد تربى بيننا لسنوات طويلة صنف محدد من المسؤولين، وهو نمط الانسان الذي ينفذ ما برأسه من أوهام وبقايا أوامر ومصالح خاصة وعصبية. واعتاد هؤلاء البعض، لا على الإصغاء بقدر ما اعتاد على التصرف دون تفكير، مادام هو ينتمي إلى فئة المسؤولين.. ولعبت التربية المتسلطة دورها أيضاً.

ولم تهتم الصحافة- مع الأسف- بأن تظهر تلك الاخطاء والجرائم، لا لكي ينال الجاني والمخطئ جزاءه العادل فقط، ولكن لكي يتعلم المواطن كيف يدافع عن حقوقه ووجهة نظره.. وثمة عندنا الكثير من المواطنين الذين يتمتعون بهذه الميزات الانسانية الكبيرة - الدفاع عن حقوقه وحقوق الآخرين، وأن من رفض سابقاً الانتهاكات والتسلط (أسرة «الأيام» على سبيل المثال)، لا يمكن أن يكون اليوم منفذاً أعمى.. وكيف يمكن أن نحقق الديمقراطية اذا لم نتعلمها فعلاً؟!.. إن عضو مجلس النواب الدكتور ناصر الخبجي، الذي حاول إيصال أنات وتأوهات الجندي صائل الذي روى قصته في «الايام» (الجندي صائل ينتمي إلى أسرة فقيرة)، هو أيضاً يحاول تعليم المواطن الديمقراطية، وكيف يدافع عن حقوقه. ولأن الديمقراطية ليست التهديد والوعيد وزرع الرعب في أرواح الضحايا ولكنها حق الاعتراض والدفاع وإتقان الاستماع للآخر والنقاش وإيراد الحجج وأخذ العبر مما حدث في الماضي بسبب غياب الديمقراطية.

إن الكثير من حقوق المواطنين مثبتة في الدستور والقوانين الاساسية، لكن إذا كانت الاجهزة الحكومية لا تزال ترفض تنفيذها، بل والتلويح باستخدام قوانين أخرى لمعاقبة بعض الصحف وحتى بعض أعضاء مجلس النواب، فإني أخشى أن يختلط الحابل بالنابل ولا يعرف المواطن ولا الحكومة حقوق كل منهما وواجباته.. فماذا سيقول العالم عندما يرى عضو مجلس نواب في قفص الاتهام لأنه دافع عن جندي لجأ إليه مستغيثاً؟! نعم فأحياناً تمس المحاكمات مصير الناس أجمعين.. ونخاف على بلادنا اليمن أن تعود إليها تلك القوائم السوداء، التي على كل من ترد أسماؤهم فيها اعتبار أنفسهم خونة ومدانين.

إن الشرط الهام لنجاح وتوسيع الديمقراطية ليس في الاساس الحقوقي المتغير والمتقلب الاهواء، بل في الاساس الحقوقي الدقيق والواضح، وعندئذ لن تكون هناك قرارات طائشة ينتصر فيها على الأغلب نمط التفكير غير المسؤول، ولن تكون هناك أحكام شمولية تقضي على ما بنيناه وتعلمناه، وتحرم الانسان أو من يتجرأ بالدفاع عنه أو نشر مأساته من حقوقه القانونية.. وعندئذ سيسمع صوت المجتمع والصحافة والرأي العام.. فالتقاليد الرائعة موجودة «كالتكافل الاجتماعي والتعاضد» في الحياة والمسائل الخيرية وفي الوسط الصحفي والثقافي، وفي الدفاع عن حقوق الانسان. والمشاركة في هذه الاعمال الانسانية ضرورية ليس فقط لمن يحتاجها، بل ولمن يبادر بها، لأنها تجعل الانسان أكثر غناءً وسخاءً وصفاءً. والانسان الذي لا ينصر أخاه الإنسان نراه يعيش مشتتاً، وهو أكثر المواطنين إحساساً بالوحدة. وأن المخاطبة الصادقة التي أعرب عنها الدكتور ناصر الخبجي، عضو مجلس النواب حول ما تعرض له الجندي صائل، وما قامت به «الأيام» من واجب وطني وأخلاقي بنشر تلك المخاطبة هي ليست مجرد دليل ساطع على قوة «التكافل الاجتماعي» فحسب، بل كذلك بلوغ الكلمة الصادقة حدوداً أكثر ثباتاً من السابق نحو حقوق الانسان.. وهي، الكلمة الصادقة، بهذا الوضوح تختلف تماماً عن «الكلمة الاخرى» الخاصة بالوشايات والتلفيقات وتحريض السلطة على قلب الحقائق وتغييب العدالة، وعدم الرغبة في مناقشة مشاكل الناس بجدية.

لذا لم يبق أمام النائب الخبجي و«الأيام» وذي الضمير الحي في وضع مثل هذا سوى أن يتمسكوا بحقيقة الحياة الجديدة ويدفعوا الثمن، لأن لهذا الوطن أساسا آخر أكثر عمقاً وصدقاً من الفوضى التي قد لا يلاحظها الانسان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى