> «الأيام» عن «نيوز يمن» :
تنشر «الأيام» حوارا مع الأخ عبدالرحمن الجفري،رئيس حزب رابطة أبناء اليمن (رأي) أجراه الزميل نبيل الصوفي، رئيس تحرير «نيوز يمن»، وذلك تزامنا مع نشره في «نيوز يمن».. وتلقت الصحيفة نص الحوار من السيد عبدالرحمن الجفري.
< ما هي علاقة الأستاذ عبدالرحمن الجفري بالداخل اليمني -حالياً - سواء بحزب الرابطة، أو بالرئيس صالح أو بالحزب الاشتراكي، أو الإصلاح؟
- أولاً.. أشكر الأستاذ رئيس التحرير الأخ نبيل الصوفي على إجراء هذا اللقاء ..وعلى أسئلته الهادفة .. وهو يملك من الدماثة والمهنية ما غلب به عزوفي عن الحديث في هذه الفترة الفاترة إلا من الضجة.. كما أحيي هذا الموقع المتميّز بالتنوع والذي أتابعه باستمرار لتميزه وتنوعه.
علاقتي بالداخل اليمني لها شقان.. شق وجداني وشق يتعلق بمهمتي كرئيس حزب.. أما الجانب الوجداني.. فلا يعرف الشوق إلا من يكابده.. أما الجانب السياسي فإن العالم في ظل هذه الثورة في الاتصالات والمعلومات قد أصبح لا في قرية واحدة بل كسكان عمارة واحدة وأحياناً كعاملين في مكاتب شركة واحدة.. ولذلك، وأينما أكون في هذا العالم، فإن تواصلي مع الحزب ومع جميع الأصدقاء من الأحزاب الأخرى أو مستقلين لا ينقطع.. كذلك متابعتنا للصحافة ووسائل الإعلام دائمة ومستمرة.. ومن فضائل الله علينا فإنه لا توجد بيننا وبين أحد أي عداوات أو خلافات شخصية؛ واتسمت علاقاتنا مع الجميع بالاحترام والتقدير المتبادلين.. ومن جانبنا لا ندخل في مهاترات أو إساءات للذوات أو حتى للمواقف من منطلق احترام كل الآراء سواء اتفقنا أو اختلفنا معها.
< يتصاعد الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية، كيف هي آراء الأستاذ عبدالرحمن الجفري تجاه كل ذلك؟
- تعودنا قبل كل انتخابات أن نسمع مثل هذا الجدل، غير أن انتخابات الرئاسة القادمة تتسم بطابع مختلف بعد إعلان فخامة الرئيس عدم نيته ترشيح «نفسه» لفترة أخرى.. وكنا أول من أعلن رأياً واضحاً حول هذا الأمر في نفس اليوم:17/7/2005م.. ولعل عوامل الحيرة والغموض وتردد الكثيرين بين مصدق ومكذب، أضاف «بهارات» رفعت مستوى الإثارة.. ونحن لنا رؤية واضحة حول هذا الأمر طرحناها في مشروعنا التفصيلي للإصلاحات الشاملة بعنوان «تطورات لاحقة».. والذي أُعلن في أوائل نوفمبر 2005م..(تجده في الموقع الإلكتروني لرأي نيوز-(www.raynews.net
والقضية في نظرنا ليست في إجراء انتخابات أو في اسم المرشح، فتلك آليات وأدوات.. ولكن المهم في أي مناخ تُجرى؟.. وماذا تنتج؟.. فإن تمّت وفق الأسس والأوضاع والتوجهات القائمة، فلن يتمخض عنها إلا إعادة إنتاج واستنساخ لما هو قائم، بل أسوأ، بصرف النظر عن ما إذا رشح الرئيس نفسه أو رشحه غيره أورشَّح أو ترشح غيره.. وبالتالي فكل ما يدور حول لجان الانتخابات، أعلاها وأسفلها، يبتعد بنا عن أسس الإصلاحات الشاملة ويغطي عليها .. ويتم به، في الاهتمام والوعي، إحلال الإصلاح لما هو فرعي وتابع (لجنة الانتخابات) محل الإصلاح لما هو أساس ومتبوع (المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ).. فقضية شروط أو ضوابط إجراء انتخابات حرة ونزيهة مطروحة من حوالي عشر سنوات (تجدها في موقع الحزب الإلكتروني: (www.rayparty.org وفي مرفقات مشروعنا للإصلاحات الشاملة، ولكنها لا تأتي منفصلة عن الأساس وهو عملية الإصلاحات الشاملة، و تصبح الإجراءات الانتخابية إحدى أدوات تلك الإصلاحات - فقط - عندما تكون جزءاً منها لا في غياب برنامج واضح لتنفيذها، وإلا فقدت تلك الإجراءات جدواها وأثرها.
وقبل كل انتخابات يتم التصعيد حول تلك الإجراءات ثم بدون أي مقدمات منطقية ينتهي التصعيد كما بدأ دونها.. أو بتقديم مسكنات لا علاقة لها بجوهر الأوضاع.
< كان الرابطة أول حزب يرحب بإعلان الرئيس صالح نيته عدم الترشح من جديد، كيف تقيمون الإعلان الآن؟
- لازالت أسس ومنطلقات ترحيبنا بإعلان الرئيس قائمة .
< يطالب علي ناصر بحكومة وطنية لإدارة الانتخابات، وطالب اللقاء المشترك بنظام برلماني، ودعت الرابطة إلى تحالف(دوا)، فيما يطالب المؤتمر جميعاً بالمنافسة في الانتخابات..هل فعلاً ينتظر المحيط الإقليمي، والمواطن في اليمن شيئاً من هذا الجدل، أم أنه صراع في مقايل الساسة وليس له علاقة بقضايا الشارع؟ وما رأيك بمطالب الجميع هذه؟
- كل ما ذكرت طرحناه مبكراً.. سواء حكومة وحدة وطنية وتحديد مهامها أو نظام حكم برلماني أو رئاسي نتفق عليه، ضمن منظومة كاملة وشاملة وتفصيلية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وآلية، للوصول إلى القبول بها، هي الاتحاد الوطني الديمقراطي (دوا).. ويأتي في إطار ذلك الانتخابات التنافسية أخذاً بنظام القائمة النسبية لتنشأ عنها الآليات والمؤسسات التي تشكل الحزام الناقل لتفعيل وصيانة مخرجات الإصلاحات الشاملة ليجني الوطن، أرضاً وإنساناً، ثمارها، حرية وعدلاً ومساواة وأمناً واستقراراً وتنمية ورخاءً.
ولا أرى في ما ذكرت في سؤالك صراعاً، ولا يجب أن يكون، وإنما تلاحقاً للرؤى والفكر يجب أن يستهدف تحقيق مصلحة الوطن والمواطن وتكاملاً وتعاوناً إقليمياً ورعاية لكل المصالح، الوطنية العليا والإقليمية والدولية، المتوخاة من بلادنا، موقعاً وتاريخاً حضارياً وقدرات بشرية وثروات طبيعية،.. وكل ذلك لصيق بقضايا الشارع التي تشكل الأساس، ودون ذلك فإننا سنظل نعيش أوضاعاً قلقة ومتوترة ومعيقة لكل المصالح.. فتحقيق طموحات الناس وعلاج همومهم ورفع معاناتهم يحقق الرضا الشعبي عن الأوضاع الذي بدوره يشكل المحقق والحارس والمؤمّن والراعي لكل المصالح.
< الجدوى الحقيقية من أي عملية ديمقراطية هي الانتقال السلس للسلطات، في بلادنا ومنذ الستينات وحتى اليوم فإنه لا الانقلابات العسكرية، ولا الانتخابات الشعبية، ولا التنافس الحزبي سهل انتقالاً سلساً، واليوم تنتظر اليمن أشبه بالولادة القيصرية، لتجديد شرعية السلطة.. أليس الأمر دليلاً على مشكلة اجتماعية أكثر من كونها مأزقاً سياسياً؟
- قرأت مقالك الذي أشرت فيه إلى أهمية معالجة المشكلة الاجتماعية وأولويتها..وأتفق معك على أهميتها، ولكن أرى أنها قائمة لأنها محروسة بالإشكاليات الاقتصادية والتعليمية والثقافية التي تعمقها جميعاً الأزمة والإشكالية السياسية.. ومحاولة الفصل هذه بين هذا الترابط والتسلسل المنطقي والواقعي لا يمكن إحداثه.. وبالتالي لا يمكن علاج أي من تلك الإشكاليات بمعزل عن ترابطها وتسلسلها في الواقع اليومي للحياة.. فإصلاح العملية السياسية في مجتمعاتنا تشكل أدوات وفن «العملية الجراحية» لاستئصال أورام الفساد والمعوقات للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية.. وتلك الإصلاحات ستشكِّل بدورها المضادات الحيوية لفيروسات الأمراض الاجتماعية الأخرى، فالمشكلة الاجتماعية ذات شقين..أحدهما خلقته وعمقته الاختلالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والآخر موروث لسلبيات اجتماعية متراكمة.
وأؤمن أن علينا في مجتمعاتنا أن نستفيد من تجارب الآخرين بما يتلاءم وعلاج ما هو قائم عندنا من أمراض وما هو قائم عندنا من مسببات بقاء تلك الأمراض.. وأول عوامل بقاء أمراضنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية هو الخلل في المنظومة السياسية، فلسفة وتركيباً.. ففي مجتمعاتنا لا نستطيع أن نعالج أي خلل في النواحي الأخرى ما لم نعالج الخلل في «الدماغ»، الفلسفة والنظرة للسياسة والعملية السياسية وآلياتها وأدواتها، من أحزاب وأجهزة قرار في الحكم ورموز سياسية.. فالعالم المتقدم ينظر إلى كل تلك الآليات والأدوات السياسية «كخادمة» و«تابعة» و«مقودة» لمصالح وحاجيات المجتمع بكل نواحيه، الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية والتعليمية والثقافية.. وتنال شرف تلك الخدمة بناءً على معايير أدائها الصادق والأمين لهذه الخدمة ولهذا الدور.. بينما الأوضاع معكوسة في مجتمعاتنا.. فالسياسة بكل آلياتها وأدواتها المذكورة متسيدة ومتبوعة ومُسخِّرة وقائدة للمجتمع بكل محتوياته؛ وبالتالي يستحيل، عقلاً ومنطقاً وواقعاً، تحقيق أي إصلاح أو تطوير حقيقي ومؤثر بمعزل عن هذا السياق وهذا الترابط ، أي يستحيل ذلك قبل إصلاح المنظومة السياسية، فلسفة وتركيباً.
< بعد انتهاء حرب 1994م كونتم مع شخصيات عدة من المعارضة اليمنية في الخارج، (موج)، وبعد اتفاق اليمن مع دول الخارج، توقفت هذه الجبهة، وتعود اليمن أشكالاً أخرى للمعارضة في الخارج، أليس الأمر مجرد تكرار ما حدث، ويعني أنه ستتكرر النهايات؟ ثم هل لك علاقة بمعارضات الخارج؟ وما صحة الحديث عن علاقة هذه المعارضات بأجندة دولية وإقليمية؟ وكيف تقرأ مستقبلها، وأسباب نشوئها أساساً؟
- لكل مرحلة شروطها وآلياتها.. و(موج) شكلتها ظروف الأوضاع المباشرة بعد الحرب من الذين تحالفوا أثناء الحرب جميعاً، كأحزاب وشخصيات مستقلة،.. وبدأت في فترة غياب أو شبه غياب لأحزابنا في الداخل وهيمنة السلطة عليها ونهب ومصادرة مقراتها، فلما استعادت أحزابنا بعض أنفاسها، واستجدت ظروف سياسية عامة، قدمنا مبادرة بتجميد نشاطنا في الخارج لم تستجب لها السلطة لحسابات خاصة بها لا نعتقد بصوابها.. وليس بالضرورة أن تتكرر النهايات؛ أو بالأصح المجالات.. فلكل حركة معارضة ظروفها ومنطلقاتها التي قد تبقيها أو تجعل مسيرتها مختلفة..أو تعيد نقل المجال الجغرافي لنشاطها إلى الداخل، كما فعلنا .. أو العكس. أما صلتي الشخصية بجميع الأشخاص فلا أسعى لقطعها سواء اتفقت أو اختلفت الرؤى السياسية.. وليس لي علم بعلاقة أحد بأجندة دولية أو إقليمية أو اطلاع على شيء من ذلك.. وعلينا أن ندرك أننا في مرحلة لم يعد لمثل هذا القول مكاناً.. فكما أن أجندة منظومات الحكم، في كل العالم ومنها بلادنا، تتشابك بشكل أو بآخر بالأجندة الدولية والإقليمية، فكذلك أجندة المعارضة، سواء أكانت في الداخل أو الخارج، قد تتوافق أو تتعارض مع هذه أو تلك من الأجندة الدولية أو الإقليمية.. ولا حرج من ذلك إن كانت الأجندة لتلك المنظومات، حكم أو معارضة، أصلاً تضع مصلحة الوطن العليا كأولوية لها.. فالعالم أصبحت فيه المصالح متشابكة ومتداخلة.. وشأن أي منظومة معارضة، كجزء من المنظومة السياسية، هو نفس شأن منظومة الحكم، كجزء أيضاً من المنظومة السياسية.. والمرفوض من حيث المبدأ هو أن تكون هناك أجندة لأي من أجزاء المنظومة السياسية، حكم أو معارضة، تتعارض مع المصلحة العليا للوطن لصالح أجندة أخرى..ونشوء المعارضة في الخارج ليس بدعة جديدة وإنما كل التاريخ اليمني وفي كل العهود شهد معارضات في الخارج.. وأسبابها، غالباً، واحدة ونهاياتها أو مآلاتها، غالباً، مختلفة .
< جميع الأحزاب اليمنية تعيد في مشاريعها وصف الواقع، ومشكلاته -كما فعل الرابطة في مبادرته- قبل أن تحمل السلطة أسباب ذلك كله.. إما أن ذلك بسبب أن المعارضة تعتقد أن المواطن لا يعرف المشكلات لذا تصفها له، أو أنه دليل على أن المعارضة ليس لديها سوى الحديث عن أخطاء السلطة وليس لديها أي حلول برامجية.. ما رأيك؟
- إذا أعدت قراءة مشروعنا التفصيلي حوالي (140 صفحة) ومرفقاته (325 صفحة).. ستجد أننا انطلقنا من شرح وتشخيص الاختلالات بأدلتها وأرقامها وأسبابها ليتوافق ذلك مع منطقنا وفلسفتنا للمعالجات.. وهو نهج علمي في الطرح لتبيين جدية وصواب المعالجات المطروحة.. لا لأن شعبنا لا يعرف المشكلات ولكن لأن ما يعانيه من مشكلات هي نتائج للاختلالات الباقية ببقاء أسبابها.. فكان لا بد من هذا التشخيص وهو ليس وصفاً للمشكلات وإنما توصيفاً لجذورها وأسبابها.
إننا ندرك أن البعض يقرأون العناوين ويضيق وقتهم وتضيق نفوسهم بقراءة التفاصيل لأنهم مسكونون بإلحاح الحاجة لإنجاز الإصلاحات ويشعرون، وقد يكونون محقين، أنه لم يعد في الوقت ولا في الحال متسع لغير الفعل الإصلاحي. وتجاربنا علمتنا أن عدم إيضاح التفاصيل في الرؤى والمشاريع يحولها إلى عموميات مبهمة وعندما يتم قبول التعاطي معها فإنه يتم بتفسير قد يكون نقيض المقصود مما قد لا يبني أو يعزز الثقة بل يعمق الاختلافات والاختلالات.. كما أن افتقاد التفاصيل أو الآليات أو طرح آليات خاطئة يؤدي بالضرورة إلى إجهاض أي مشروع أو اتفاق .. وهو عين ما حدث لوثيقة العهد والاتفاق ولمشاريع كثيرة على امتداد تاريخ الحركة الوطنية. كما ستلاحظ أن مشروعنا لم يحمّل السلطة الحالية وحدها مسؤولية نشوء تلك الاختلالات وإن كانت تتحمل مسؤولية بقائها وتجذيرها، كما أننا لم نبرئ أنفسنا ولا باقي المعارضة من الاختلالات، بل شخّصنا تفاصيل للاختلالات في المعارضة واقترحنا المعالجات والحلول.
< غياب الديمقراطية الداخلية للأحزاب، وقطيعتها مع قضايا الشارع اليومية، حولها إلى أشبه بوحدات خاصة.. لذا فكل حزب يعمل من أجل قيادته وليس العكس.. لذا فالحزب الحاكم وحده ينمو وإن بطرق غير ديمقراطية.. إلى أي مدى تتفق مع مثل هذا الاستنتاج؟
- أتفق معك تماماً في الجزء الأول من السؤال حول المعارضة.. وهو ما طرحناه وحاولنا علاجه في مشروعنا للإصلاحات الشاملة.. وهو ينطبق على معظم منظومات و فئات المجتمع الذي يتحول إلى جزر منعزلة، كل جزيرة تبحث عن عوامل وعناصر القوة للإبقاء على نفسها وهو ما توقعناه ونبهنا منه منذ أكثر من 8 سنوات في رؤيتنا «اليمن إلى أين؟» الموجودة في موقع الحزب الإلكتروني.
أما المؤتمر الشعبي فلا شك أنه أقدر على الإجابة عن نفسه.
< ثمة سؤال منذ حرب الانفصال.. تحالف الجفري والاشتراكي، هل لا تزالون اليوم حلفاء، أم أن الأمر توقف لحظة خروجكم جميعاً من تحالف لم ينشأ طبيعياً؟
- ظروف التحالف-أي الحرب- لم تكن طبيعية.. واستمر تحالفنا، كأحزاب ومعنا مستقلون، إلى أن جمّدنا (موج).. وأي تحالف بين أي أحزاب فإنه يقوم لأسباب ويستمر ببقاء تلك الأسباب.. ثم قد تنشأ أسباب أخرى لتحالفات أخرى بينها أو بين أي منها وغيرها من الأحزاب .. وكانت تلك التجربة غنية بالعبر وتعلمنا جميعاً منها.. وعرفنا بعضنا بعضاً عن قرب بصورة أكثر دقة .. ونشأت علاقات إنسانية.. وأثبتنا إمكانية، ليس التعايش فحسب، بل التعامل والتعاون مع الآخر دون إلغاء أو استدعاء لخلافات الماضي.
< من الذي لم يقبل الآخر: اللقاء المشترك، أم رابطة أبناء اليمن؟
- قضية التحالفات تحكمها ظروف وتوجهات وأسس قد تتحقق في مرحلة ولا تتحقق في أخرى وجربنا في مجلس التنسيق.. وجاءت ظروف كل سار في طريق.. بعدها جاءنا الأخ جار الله -رحمه الله- في (لندن) في أغسطس 1998م واتفقنا على إعداد رؤية لتضافر الجهود.. وأعددناها وسلمناها له، رحمه الله، ليعرضها على الزملاء في صنعاء ثم أرسلت إلى الزملاء ليناقشوها ويعدّلوا ما شاءوا ونجتمع عليها.. وبعد أشهر نشرناها «وهي في موقع الحزب الإلكتروني».. والسلام.
< كيف ترى جدل المشكلة الجنوبية؟ وتأثيره على الوحدة اليمنية الطبيعية؟
- لا حل لهذه المشكلة ولا لمثيلاتها ولا ضمان لعدم التمزق إلا بإصلاحات شاملة وعميقة تطال نظام الدولة ونظام الحكم.. وهو ما شرحناه تفصيلاً في مشروعنا .
إن الوطن موحد أرضاً.. ويتمزق ويتشظى بشراً.. والخطر فوق أي تصور.. وقد كان موحداً بشراً وإن تعددت الأنظمة.. وعلينا أن نواجه الحقيقة بصدق وإخلاص لضمان وحدة قابلة للاستمرار أرضاً وبشراَ وأن لا نكابر بالتعامي عن حقائق لم تعد وسائل الإعلام قادرة على استمرار إخفائها أو تجاهلها. وما يجري نار تسري في «قش».. ونحن نكرر قصة كذبة الراعي على أهل القرية عن الذئب...والذِّئب أو الذِّئاب،هنا، هو منظومة السياسة، فلسفة وتوجهاً وتركيباً، التي ترسِّخ غياب المساواة والعدل والحضور المتغوِّل للظلم والتمييز والفساد والنهب والسلب والقمع والتسيُّد والتغيـيب لسيادة وقوة القانون والحضور لسيطرة قانون القوة ..ولم يعد كل ذلك مقتصراً على الجنوب بل عمَّ كل الاتجاهات واللاَّ اتجاهات.. وإن كان طغيانه في الجنوب فاقعاً وملهباً وأكثر خطورة كون الجراح أكثر حداثة ونزفاً.. والغريب أننا منشغلون بالشخصنة مثل «مَـن» شخص الرئيس القادم؟ و«مَـن هُـم» شخوص لجان الانتخابات..؟ أي منشغلون «بالراعي» وكيف كذب على القرية وأخرج أهلها لمواجهة ذئب أو ذئاب وهمية ..وتركنا أُسَّ الموضوع، الذئب أو الذئاب الحقيقية - فلسفة وتوجهات وتركيب المنظومة - تنهش في أهل القرية وأغنامهم.
< ما رأيك في إعلان المؤتمر عبر البركاني نيته تزكية علي ناصر للترشح للرئاسة لمنافسة مرشح المؤتمر؟ ثم كيف ترى استمرار الجدل عن الماضي وأحداثه، كما يحدث مع الحزب الاشتراكي من قبل المؤتمر؟
- إعلان العزيز الشيخ سلطان البركاني نيته تزكية العزيز الأخ الرئيس - السابق- علي ناصر للترشيح للرئاسة لمنافسة مرشح المؤتمر هو في نظري إعلان جاد، وإن كانت هذه خصوصية لديمقراطية اليمن التي يقودها المؤتمر.. ولكن لم أسمع من الأخ علي ناصر أنه طلب ذلك.. أما الجدل عن الماضي وأحداثه من الناحية المبدئية أمر إيجابي إذا كان موضوعياً وفي إطار مصالحة وطنية، وهو ما طرحناه منذ سنوات من مشروع وآليات لمصالحة وطنية شاملة، أي تشمل الوطن كله وتشمل كل مراحل الصراع.. وتشمل كل أنواع الصراعات ، وبهدف تضميد الجراح بعد علاجها وتطهيرها بالتصالح لا بالانتقامات، ووضع الضوابط لعدم تكرارها.. أما الإثارة لمجرد الإثارة، فتشكل خطراً على السلام الاجتماعي والسياسي.. وناراً ستحرق كثيرين.. وتجربة جنوب أفريقيا والمغرب فيهما من الإيجابيات ما يمكن الاستفادة منها والأخذ بها.
< أين مقر إقامتك حالياً، وما هي مشاريعك، هل هي تجارية أم سياسية أم ماذا؟
- بلا إقامة.. وإنما كل أرضٍ أرضي إلا أرضي.. أما المشاريع التجارية فاستثماراتي في «صنعاء» و«تهامة» و«عدن».. ولا أعلم عنها شيئاً. ومنذ 1994م في حوزة السلطة وحراستها.. وهمّي الآن هو همّ بلادي وانشغالي به.
< كيف هي علاقة عبدالرحمن الجفري السياسي الأب، بعلي الجفري الداعية الآن، وهل يستفيد كلاكما من مشروع بعض؟
- علاقة الأب بالابن من جهة وعلاقة الأقل علماً وورعاً بالأكثر علماً وورعاً من جهة أخرى،ولا أزكيه على الله.
أما الاستفادة من مشروع بعضنا، كما أسميته.. فمشروعه استثمار وتجارة مع من لا يربح على عباده، سبحانه وتعالى، وإنما يربحون منه.. ورجائي أن أنال نصيباً.. لا أنكر بل أفخر أن توجهه لا شك يعود علي بخير معنوي كبير ورجاء الفضل من الله بلا حدود.. ولا شك أنني الأكثر كسباً منه ..
واكتشفت مبكراً أن ممارسة العمل السياسي لا تروق له . وأصدقك القول أنني عام 1990م قد حاولت أن أقنعه بالانخراط في الحزب ولكن غلبني عندما قال بعد نقاش طويل: «إن أمرتني كأب سأطيع، وإن كان على غير رغبتي وتوجهي.. ولو كنتُ متخذ السياسة لما اخترت غير ما أنت فيه لمعرفتي بك وبصدقك ؛ لكنني أصلاً لا أريد ولا أميل إلى ذلك وأرفض الاشتغال بالسياسة لاعتقادي بأن عالم الدين يجب أن لا يمارس مهنة العمل السياسي وإلا وضع الدين في مجال الرفض والقبول والمنافسة .. وأن مهمة عالم الدين أو طالب العلم الشرعي، كما يصف نفسه، هي خدمة دينه ومجتمعه في صفوف الناس وتبيين حكم الله، بسماحة وحكمة ولين ورحمة، لا منافسة غيره على حكم الناس..الخ».. والحقيقة لم أكن مقتنعاً بوجهة نظره، في ذلك الوقت، وحاولت بمنطقي وحججي أن أقنعه دون جدوى. و كرهت أن أُُكرهه على ما لا يريد فكان ردي: «يا بني سر في الطريق الذي اختاره الله لك، وكلٌُ ميسر لما خُلق له». ومنذ ذلك الحين يسير كل منا في الطريق الذي اختاره ويسَّـره الله له.. وبعد بضع سنوات أيقنت أن رأيه كان الرأي الصائب.
< ما هي علاقة الأستاذ عبدالرحمن الجفري بالداخل اليمني -حالياً - سواء بحزب الرابطة، أو بالرئيس صالح أو بالحزب الاشتراكي، أو الإصلاح؟
- أولاً.. أشكر الأستاذ رئيس التحرير الأخ نبيل الصوفي على إجراء هذا اللقاء ..وعلى أسئلته الهادفة .. وهو يملك من الدماثة والمهنية ما غلب به عزوفي عن الحديث في هذه الفترة الفاترة إلا من الضجة.. كما أحيي هذا الموقع المتميّز بالتنوع والذي أتابعه باستمرار لتميزه وتنوعه.
علاقتي بالداخل اليمني لها شقان.. شق وجداني وشق يتعلق بمهمتي كرئيس حزب.. أما الجانب الوجداني.. فلا يعرف الشوق إلا من يكابده.. أما الجانب السياسي فإن العالم في ظل هذه الثورة في الاتصالات والمعلومات قد أصبح لا في قرية واحدة بل كسكان عمارة واحدة وأحياناً كعاملين في مكاتب شركة واحدة.. ولذلك، وأينما أكون في هذا العالم، فإن تواصلي مع الحزب ومع جميع الأصدقاء من الأحزاب الأخرى أو مستقلين لا ينقطع.. كذلك متابعتنا للصحافة ووسائل الإعلام دائمة ومستمرة.. ومن فضائل الله علينا فإنه لا توجد بيننا وبين أحد أي عداوات أو خلافات شخصية؛ واتسمت علاقاتنا مع الجميع بالاحترام والتقدير المتبادلين.. ومن جانبنا لا ندخل في مهاترات أو إساءات للذوات أو حتى للمواقف من منطلق احترام كل الآراء سواء اتفقنا أو اختلفنا معها.
< يتصاعد الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية، كيف هي آراء الأستاذ عبدالرحمن الجفري تجاه كل ذلك؟
- تعودنا قبل كل انتخابات أن نسمع مثل هذا الجدل، غير أن انتخابات الرئاسة القادمة تتسم بطابع مختلف بعد إعلان فخامة الرئيس عدم نيته ترشيح «نفسه» لفترة أخرى.. وكنا أول من أعلن رأياً واضحاً حول هذا الأمر في نفس اليوم:17/7/2005م.. ولعل عوامل الحيرة والغموض وتردد الكثيرين بين مصدق ومكذب، أضاف «بهارات» رفعت مستوى الإثارة.. ونحن لنا رؤية واضحة حول هذا الأمر طرحناها في مشروعنا التفصيلي للإصلاحات الشاملة بعنوان «تطورات لاحقة».. والذي أُعلن في أوائل نوفمبر 2005م..(تجده في الموقع الإلكتروني لرأي نيوز-(www.raynews.net
والقضية في نظرنا ليست في إجراء انتخابات أو في اسم المرشح، فتلك آليات وأدوات.. ولكن المهم في أي مناخ تُجرى؟.. وماذا تنتج؟.. فإن تمّت وفق الأسس والأوضاع والتوجهات القائمة، فلن يتمخض عنها إلا إعادة إنتاج واستنساخ لما هو قائم، بل أسوأ، بصرف النظر عن ما إذا رشح الرئيس نفسه أو رشحه غيره أورشَّح أو ترشح غيره.. وبالتالي فكل ما يدور حول لجان الانتخابات، أعلاها وأسفلها، يبتعد بنا عن أسس الإصلاحات الشاملة ويغطي عليها .. ويتم به، في الاهتمام والوعي، إحلال الإصلاح لما هو فرعي وتابع (لجنة الانتخابات) محل الإصلاح لما هو أساس ومتبوع (المنظومات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ..الخ).. فقضية شروط أو ضوابط إجراء انتخابات حرة ونزيهة مطروحة من حوالي عشر سنوات (تجدها في موقع الحزب الإلكتروني: (www.rayparty.org وفي مرفقات مشروعنا للإصلاحات الشاملة، ولكنها لا تأتي منفصلة عن الأساس وهو عملية الإصلاحات الشاملة، و تصبح الإجراءات الانتخابية إحدى أدوات تلك الإصلاحات - فقط - عندما تكون جزءاً منها لا في غياب برنامج واضح لتنفيذها، وإلا فقدت تلك الإجراءات جدواها وأثرها.
وقبل كل انتخابات يتم التصعيد حول تلك الإجراءات ثم بدون أي مقدمات منطقية ينتهي التصعيد كما بدأ دونها.. أو بتقديم مسكنات لا علاقة لها بجوهر الأوضاع.
< كان الرابطة أول حزب يرحب بإعلان الرئيس صالح نيته عدم الترشح من جديد، كيف تقيمون الإعلان الآن؟
- لازالت أسس ومنطلقات ترحيبنا بإعلان الرئيس قائمة .
< يطالب علي ناصر بحكومة وطنية لإدارة الانتخابات، وطالب اللقاء المشترك بنظام برلماني، ودعت الرابطة إلى تحالف(دوا)، فيما يطالب المؤتمر جميعاً بالمنافسة في الانتخابات..هل فعلاً ينتظر المحيط الإقليمي، والمواطن في اليمن شيئاً من هذا الجدل، أم أنه صراع في مقايل الساسة وليس له علاقة بقضايا الشارع؟ وما رأيك بمطالب الجميع هذه؟
- كل ما ذكرت طرحناه مبكراً.. سواء حكومة وحدة وطنية وتحديد مهامها أو نظام حكم برلماني أو رئاسي نتفق عليه، ضمن منظومة كاملة وشاملة وتفصيلية للإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وآلية، للوصول إلى القبول بها، هي الاتحاد الوطني الديمقراطي (دوا).. ويأتي في إطار ذلك الانتخابات التنافسية أخذاً بنظام القائمة النسبية لتنشأ عنها الآليات والمؤسسات التي تشكل الحزام الناقل لتفعيل وصيانة مخرجات الإصلاحات الشاملة ليجني الوطن، أرضاً وإنساناً، ثمارها، حرية وعدلاً ومساواة وأمناً واستقراراً وتنمية ورخاءً.
ولا أرى في ما ذكرت في سؤالك صراعاً، ولا يجب أن يكون، وإنما تلاحقاً للرؤى والفكر يجب أن يستهدف تحقيق مصلحة الوطن والمواطن وتكاملاً وتعاوناً إقليمياً ورعاية لكل المصالح، الوطنية العليا والإقليمية والدولية، المتوخاة من بلادنا، موقعاً وتاريخاً حضارياً وقدرات بشرية وثروات طبيعية،.. وكل ذلك لصيق بقضايا الشارع التي تشكل الأساس، ودون ذلك فإننا سنظل نعيش أوضاعاً قلقة ومتوترة ومعيقة لكل المصالح.. فتحقيق طموحات الناس وعلاج همومهم ورفع معاناتهم يحقق الرضا الشعبي عن الأوضاع الذي بدوره يشكل المحقق والحارس والمؤمّن والراعي لكل المصالح.
< الجدوى الحقيقية من أي عملية ديمقراطية هي الانتقال السلس للسلطات، في بلادنا ومنذ الستينات وحتى اليوم فإنه لا الانقلابات العسكرية، ولا الانتخابات الشعبية، ولا التنافس الحزبي سهل انتقالاً سلساً، واليوم تنتظر اليمن أشبه بالولادة القيصرية، لتجديد شرعية السلطة.. أليس الأمر دليلاً على مشكلة اجتماعية أكثر من كونها مأزقاً سياسياً؟
- قرأت مقالك الذي أشرت فيه إلى أهمية معالجة المشكلة الاجتماعية وأولويتها..وأتفق معك على أهميتها، ولكن أرى أنها قائمة لأنها محروسة بالإشكاليات الاقتصادية والتعليمية والثقافية التي تعمقها جميعاً الأزمة والإشكالية السياسية.. ومحاولة الفصل هذه بين هذا الترابط والتسلسل المنطقي والواقعي لا يمكن إحداثه.. وبالتالي لا يمكن علاج أي من تلك الإشكاليات بمعزل عن ترابطها وتسلسلها في الواقع اليومي للحياة.. فإصلاح العملية السياسية في مجتمعاتنا تشكل أدوات وفن «العملية الجراحية» لاستئصال أورام الفساد والمعوقات للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية.. وتلك الإصلاحات ستشكِّل بدورها المضادات الحيوية لفيروسات الأمراض الاجتماعية الأخرى، فالمشكلة الاجتماعية ذات شقين..أحدهما خلقته وعمقته الاختلالات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والآخر موروث لسلبيات اجتماعية متراكمة.
وأؤمن أن علينا في مجتمعاتنا أن نستفيد من تجارب الآخرين بما يتلاءم وعلاج ما هو قائم عندنا من أمراض وما هو قائم عندنا من مسببات بقاء تلك الأمراض.. وأول عوامل بقاء أمراضنا الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية هو الخلل في المنظومة السياسية، فلسفة وتركيباً.. ففي مجتمعاتنا لا نستطيع أن نعالج أي خلل في النواحي الأخرى ما لم نعالج الخلل في «الدماغ»، الفلسفة والنظرة للسياسة والعملية السياسية وآلياتها وأدواتها، من أحزاب وأجهزة قرار في الحكم ورموز سياسية.. فالعالم المتقدم ينظر إلى كل تلك الآليات والأدوات السياسية «كخادمة» و«تابعة» و«مقودة» لمصالح وحاجيات المجتمع بكل نواحيه، الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية والتعليمية والثقافية.. وتنال شرف تلك الخدمة بناءً على معايير أدائها الصادق والأمين لهذه الخدمة ولهذا الدور.. بينما الأوضاع معكوسة في مجتمعاتنا.. فالسياسة بكل آلياتها وأدواتها المذكورة متسيدة ومتبوعة ومُسخِّرة وقائدة للمجتمع بكل محتوياته؛ وبالتالي يستحيل، عقلاً ومنطقاً وواقعاً، تحقيق أي إصلاح أو تطوير حقيقي ومؤثر بمعزل عن هذا السياق وهذا الترابط ، أي يستحيل ذلك قبل إصلاح المنظومة السياسية، فلسفة وتركيباً.
< بعد انتهاء حرب 1994م كونتم مع شخصيات عدة من المعارضة اليمنية في الخارج، (موج)، وبعد اتفاق اليمن مع دول الخارج، توقفت هذه الجبهة، وتعود اليمن أشكالاً أخرى للمعارضة في الخارج، أليس الأمر مجرد تكرار ما حدث، ويعني أنه ستتكرر النهايات؟ ثم هل لك علاقة بمعارضات الخارج؟ وما صحة الحديث عن علاقة هذه المعارضات بأجندة دولية وإقليمية؟ وكيف تقرأ مستقبلها، وأسباب نشوئها أساساً؟
- لكل مرحلة شروطها وآلياتها.. و(موج) شكلتها ظروف الأوضاع المباشرة بعد الحرب من الذين تحالفوا أثناء الحرب جميعاً، كأحزاب وشخصيات مستقلة،.. وبدأت في فترة غياب أو شبه غياب لأحزابنا في الداخل وهيمنة السلطة عليها ونهب ومصادرة مقراتها، فلما استعادت أحزابنا بعض أنفاسها، واستجدت ظروف سياسية عامة، قدمنا مبادرة بتجميد نشاطنا في الخارج لم تستجب لها السلطة لحسابات خاصة بها لا نعتقد بصوابها.. وليس بالضرورة أن تتكرر النهايات؛ أو بالأصح المجالات.. فلكل حركة معارضة ظروفها ومنطلقاتها التي قد تبقيها أو تجعل مسيرتها مختلفة..أو تعيد نقل المجال الجغرافي لنشاطها إلى الداخل، كما فعلنا .. أو العكس. أما صلتي الشخصية بجميع الأشخاص فلا أسعى لقطعها سواء اتفقت أو اختلفت الرؤى السياسية.. وليس لي علم بعلاقة أحد بأجندة دولية أو إقليمية أو اطلاع على شيء من ذلك.. وعلينا أن ندرك أننا في مرحلة لم يعد لمثل هذا القول مكاناً.. فكما أن أجندة منظومات الحكم، في كل العالم ومنها بلادنا، تتشابك بشكل أو بآخر بالأجندة الدولية والإقليمية، فكذلك أجندة المعارضة، سواء أكانت في الداخل أو الخارج، قد تتوافق أو تتعارض مع هذه أو تلك من الأجندة الدولية أو الإقليمية.. ولا حرج من ذلك إن كانت الأجندة لتلك المنظومات، حكم أو معارضة، أصلاً تضع مصلحة الوطن العليا كأولوية لها.. فالعالم أصبحت فيه المصالح متشابكة ومتداخلة.. وشأن أي منظومة معارضة، كجزء من المنظومة السياسية، هو نفس شأن منظومة الحكم، كجزء أيضاً من المنظومة السياسية.. والمرفوض من حيث المبدأ هو أن تكون هناك أجندة لأي من أجزاء المنظومة السياسية، حكم أو معارضة، تتعارض مع المصلحة العليا للوطن لصالح أجندة أخرى..ونشوء المعارضة في الخارج ليس بدعة جديدة وإنما كل التاريخ اليمني وفي كل العهود شهد معارضات في الخارج.. وأسبابها، غالباً، واحدة ونهاياتها أو مآلاتها، غالباً، مختلفة .
< جميع الأحزاب اليمنية تعيد في مشاريعها وصف الواقع، ومشكلاته -كما فعل الرابطة في مبادرته- قبل أن تحمل السلطة أسباب ذلك كله.. إما أن ذلك بسبب أن المعارضة تعتقد أن المواطن لا يعرف المشكلات لذا تصفها له، أو أنه دليل على أن المعارضة ليس لديها سوى الحديث عن أخطاء السلطة وليس لديها أي حلول برامجية.. ما رأيك؟
- إذا أعدت قراءة مشروعنا التفصيلي حوالي (140 صفحة) ومرفقاته (325 صفحة).. ستجد أننا انطلقنا من شرح وتشخيص الاختلالات بأدلتها وأرقامها وأسبابها ليتوافق ذلك مع منطقنا وفلسفتنا للمعالجات.. وهو نهج علمي في الطرح لتبيين جدية وصواب المعالجات المطروحة.. لا لأن شعبنا لا يعرف المشكلات ولكن لأن ما يعانيه من مشكلات هي نتائج للاختلالات الباقية ببقاء أسبابها.. فكان لا بد من هذا التشخيص وهو ليس وصفاً للمشكلات وإنما توصيفاً لجذورها وأسبابها.
إننا ندرك أن البعض يقرأون العناوين ويضيق وقتهم وتضيق نفوسهم بقراءة التفاصيل لأنهم مسكونون بإلحاح الحاجة لإنجاز الإصلاحات ويشعرون، وقد يكونون محقين، أنه لم يعد في الوقت ولا في الحال متسع لغير الفعل الإصلاحي. وتجاربنا علمتنا أن عدم إيضاح التفاصيل في الرؤى والمشاريع يحولها إلى عموميات مبهمة وعندما يتم قبول التعاطي معها فإنه يتم بتفسير قد يكون نقيض المقصود مما قد لا يبني أو يعزز الثقة بل يعمق الاختلافات والاختلالات.. كما أن افتقاد التفاصيل أو الآليات أو طرح آليات خاطئة يؤدي بالضرورة إلى إجهاض أي مشروع أو اتفاق .. وهو عين ما حدث لوثيقة العهد والاتفاق ولمشاريع كثيرة على امتداد تاريخ الحركة الوطنية. كما ستلاحظ أن مشروعنا لم يحمّل السلطة الحالية وحدها مسؤولية نشوء تلك الاختلالات وإن كانت تتحمل مسؤولية بقائها وتجذيرها، كما أننا لم نبرئ أنفسنا ولا باقي المعارضة من الاختلالات، بل شخّصنا تفاصيل للاختلالات في المعارضة واقترحنا المعالجات والحلول.
< غياب الديمقراطية الداخلية للأحزاب، وقطيعتها مع قضايا الشارع اليومية، حولها إلى أشبه بوحدات خاصة.. لذا فكل حزب يعمل من أجل قيادته وليس العكس.. لذا فالحزب الحاكم وحده ينمو وإن بطرق غير ديمقراطية.. إلى أي مدى تتفق مع مثل هذا الاستنتاج؟
- أتفق معك تماماً في الجزء الأول من السؤال حول المعارضة.. وهو ما طرحناه وحاولنا علاجه في مشروعنا للإصلاحات الشاملة.. وهو ينطبق على معظم منظومات و فئات المجتمع الذي يتحول إلى جزر منعزلة، كل جزيرة تبحث عن عوامل وعناصر القوة للإبقاء على نفسها وهو ما توقعناه ونبهنا منه منذ أكثر من 8 سنوات في رؤيتنا «اليمن إلى أين؟» الموجودة في موقع الحزب الإلكتروني.
أما المؤتمر الشعبي فلا شك أنه أقدر على الإجابة عن نفسه.
< ثمة سؤال منذ حرب الانفصال.. تحالف الجفري والاشتراكي، هل لا تزالون اليوم حلفاء، أم أن الأمر توقف لحظة خروجكم جميعاً من تحالف لم ينشأ طبيعياً؟
- ظروف التحالف-أي الحرب- لم تكن طبيعية.. واستمر تحالفنا، كأحزاب ومعنا مستقلون، إلى أن جمّدنا (موج).. وأي تحالف بين أي أحزاب فإنه يقوم لأسباب ويستمر ببقاء تلك الأسباب.. ثم قد تنشأ أسباب أخرى لتحالفات أخرى بينها أو بين أي منها وغيرها من الأحزاب .. وكانت تلك التجربة غنية بالعبر وتعلمنا جميعاً منها.. وعرفنا بعضنا بعضاً عن قرب بصورة أكثر دقة .. ونشأت علاقات إنسانية.. وأثبتنا إمكانية، ليس التعايش فحسب، بل التعامل والتعاون مع الآخر دون إلغاء أو استدعاء لخلافات الماضي.
< من الذي لم يقبل الآخر: اللقاء المشترك، أم رابطة أبناء اليمن؟
- قضية التحالفات تحكمها ظروف وتوجهات وأسس قد تتحقق في مرحلة ولا تتحقق في أخرى وجربنا في مجلس التنسيق.. وجاءت ظروف كل سار في طريق.. بعدها جاءنا الأخ جار الله -رحمه الله- في (لندن) في أغسطس 1998م واتفقنا على إعداد رؤية لتضافر الجهود.. وأعددناها وسلمناها له، رحمه الله، ليعرضها على الزملاء في صنعاء ثم أرسلت إلى الزملاء ليناقشوها ويعدّلوا ما شاءوا ونجتمع عليها.. وبعد أشهر نشرناها «وهي في موقع الحزب الإلكتروني».. والسلام.
< كيف ترى جدل المشكلة الجنوبية؟ وتأثيره على الوحدة اليمنية الطبيعية؟
- لا حل لهذه المشكلة ولا لمثيلاتها ولا ضمان لعدم التمزق إلا بإصلاحات شاملة وعميقة تطال نظام الدولة ونظام الحكم.. وهو ما شرحناه تفصيلاً في مشروعنا .
إن الوطن موحد أرضاً.. ويتمزق ويتشظى بشراً.. والخطر فوق أي تصور.. وقد كان موحداً بشراً وإن تعددت الأنظمة.. وعلينا أن نواجه الحقيقة بصدق وإخلاص لضمان وحدة قابلة للاستمرار أرضاً وبشراَ وأن لا نكابر بالتعامي عن حقائق لم تعد وسائل الإعلام قادرة على استمرار إخفائها أو تجاهلها. وما يجري نار تسري في «قش».. ونحن نكرر قصة كذبة الراعي على أهل القرية عن الذئب...والذِّئب أو الذِّئاب،هنا، هو منظومة السياسة، فلسفة وتوجهاً وتركيباً، التي ترسِّخ غياب المساواة والعدل والحضور المتغوِّل للظلم والتمييز والفساد والنهب والسلب والقمع والتسيُّد والتغيـيب لسيادة وقوة القانون والحضور لسيطرة قانون القوة ..ولم يعد كل ذلك مقتصراً على الجنوب بل عمَّ كل الاتجاهات واللاَّ اتجاهات.. وإن كان طغيانه في الجنوب فاقعاً وملهباً وأكثر خطورة كون الجراح أكثر حداثة ونزفاً.. والغريب أننا منشغلون بالشخصنة مثل «مَـن» شخص الرئيس القادم؟ و«مَـن هُـم» شخوص لجان الانتخابات..؟ أي منشغلون «بالراعي» وكيف كذب على القرية وأخرج أهلها لمواجهة ذئب أو ذئاب وهمية ..وتركنا أُسَّ الموضوع، الذئب أو الذئاب الحقيقية - فلسفة وتوجهات وتركيب المنظومة - تنهش في أهل القرية وأغنامهم.
< ما رأيك في إعلان المؤتمر عبر البركاني نيته تزكية علي ناصر للترشح للرئاسة لمنافسة مرشح المؤتمر؟ ثم كيف ترى استمرار الجدل عن الماضي وأحداثه، كما يحدث مع الحزب الاشتراكي من قبل المؤتمر؟
- إعلان العزيز الشيخ سلطان البركاني نيته تزكية العزيز الأخ الرئيس - السابق- علي ناصر للترشيح للرئاسة لمنافسة مرشح المؤتمر هو في نظري إعلان جاد، وإن كانت هذه خصوصية لديمقراطية اليمن التي يقودها المؤتمر.. ولكن لم أسمع من الأخ علي ناصر أنه طلب ذلك.. أما الجدل عن الماضي وأحداثه من الناحية المبدئية أمر إيجابي إذا كان موضوعياً وفي إطار مصالحة وطنية، وهو ما طرحناه منذ سنوات من مشروع وآليات لمصالحة وطنية شاملة، أي تشمل الوطن كله وتشمل كل مراحل الصراع.. وتشمل كل أنواع الصراعات ، وبهدف تضميد الجراح بعد علاجها وتطهيرها بالتصالح لا بالانتقامات، ووضع الضوابط لعدم تكرارها.. أما الإثارة لمجرد الإثارة، فتشكل خطراً على السلام الاجتماعي والسياسي.. وناراً ستحرق كثيرين.. وتجربة جنوب أفريقيا والمغرب فيهما من الإيجابيات ما يمكن الاستفادة منها والأخذ بها.
< أين مقر إقامتك حالياً، وما هي مشاريعك، هل هي تجارية أم سياسية أم ماذا؟
- بلا إقامة.. وإنما كل أرضٍ أرضي إلا أرضي.. أما المشاريع التجارية فاستثماراتي في «صنعاء» و«تهامة» و«عدن».. ولا أعلم عنها شيئاً. ومنذ 1994م في حوزة السلطة وحراستها.. وهمّي الآن هو همّ بلادي وانشغالي به.
< كيف هي علاقة عبدالرحمن الجفري السياسي الأب، بعلي الجفري الداعية الآن، وهل يستفيد كلاكما من مشروع بعض؟
- علاقة الأب بالابن من جهة وعلاقة الأقل علماً وورعاً بالأكثر علماً وورعاً من جهة أخرى،ولا أزكيه على الله.
أما الاستفادة من مشروع بعضنا، كما أسميته.. فمشروعه استثمار وتجارة مع من لا يربح على عباده، سبحانه وتعالى، وإنما يربحون منه.. ورجائي أن أنال نصيباً.. لا أنكر بل أفخر أن توجهه لا شك يعود علي بخير معنوي كبير ورجاء الفضل من الله بلا حدود.. ولا شك أنني الأكثر كسباً منه ..
واكتشفت مبكراً أن ممارسة العمل السياسي لا تروق له . وأصدقك القول أنني عام 1990م قد حاولت أن أقنعه بالانخراط في الحزب ولكن غلبني عندما قال بعد نقاش طويل: «إن أمرتني كأب سأطيع، وإن كان على غير رغبتي وتوجهي.. ولو كنتُ متخذ السياسة لما اخترت غير ما أنت فيه لمعرفتي بك وبصدقك ؛ لكنني أصلاً لا أريد ولا أميل إلى ذلك وأرفض الاشتغال بالسياسة لاعتقادي بأن عالم الدين يجب أن لا يمارس مهنة العمل السياسي وإلا وضع الدين في مجال الرفض والقبول والمنافسة .. وأن مهمة عالم الدين أو طالب العلم الشرعي، كما يصف نفسه، هي خدمة دينه ومجتمعه في صفوف الناس وتبيين حكم الله، بسماحة وحكمة ولين ورحمة، لا منافسة غيره على حكم الناس..الخ».. والحقيقة لم أكن مقتنعاً بوجهة نظره، في ذلك الوقت، وحاولت بمنطقي وحججي أن أقنعه دون جدوى. و كرهت أن أُُكرهه على ما لا يريد فكان ردي: «يا بني سر في الطريق الذي اختاره الله لك، وكلٌُ ميسر لما خُلق له». ومنذ ذلك الحين يسير كل منا في الطريق الذي اختاره ويسَّـره الله له.. وبعد بضع سنوات أيقنت أن رأيه كان الرأي الصائب.