من يوقف معاناة رب أسرة مكلوم بأبنائه وحقوقه وانتسابه؟

> «الأيام» محمد علي محسن:

> الحرب أولها شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى، بهذا القول المأثور للشاعر الجاهلي عنترة بن شداد نستهل مأساة رجل فقد ثلاثة من فلذات كبده في حربين أهليتين، إلا أن هذه القرابين المقدمة على جادة المجد والسلطان يبدو أنها ليست سوى بداية لمأساة العم خالد عبادي سعيد، الذي اخذت منه حرب صيف 94م الطبيب انور وأخاه الشاب جميل مثلما كانت حرب اخوة قبل هذا التاريخ قد حصدت رأس نجله الاكبر عبدالقادر، وبما أن الحرب هي تسلية الزعماء الوحيدة التي يسمحون لافراد الشعب بالمشاركة فيها - والقول لبرغسون - فإن الرجل الطاعن في السن لم تشفع له مأساته ونكبته في ولديه المدنيين الضحيتين، إذ وطوال 12 عاماً على حرب الوحدة مازال يبحث عن حق الاحياء في إعانة أو مرتب شهري اسوة بشهداء الوحدة والثورة والوطن...إلخ من المسميات التي جميعها ضاقت ذرعاً بنا، وربما سيفني ابو الشهداء الثلاثة بقية عمره في متابعة هذا الحق المشروع والاخلاقي والانساني والوحدوي اذا لم يحسم المعنيون ظلما طال أمده.

إعانة أم إهانة؟
أدرك أن ما أكتبه من مأساة انسانية لا علاقة البتة له بجحافل الردة والانفصال أو قوات الشرعية والوحدة والانتصار.. فلقد وجدنا انفسنا امام حالة العم خالد عبادي سعيد، احد مناضلي الثورة اليمنية (للأسف) نقولها ونضع الكلمة بين قوسين، فرغم ان عمره تجاوز العقد السابع ما زال كضمآن يحسب في قيعة السراب ماء، وهو كذلك في متابعة وطرق الابواب الموصدة او المفتوحة لعل وعسى يجد حلاً ومعاشاً شهرياً لولديه الشهيدين اللذين قتلا في حرب صيف 94م وهما الطبيب انور خالد الذي لم تفرح وتتهنى أسرته به كطبيب حديث التخرج والآخر جميل خالد الشاب الذي شاءت الاقدار ان تزهق روحه بشضية قذيفة عشوائية ليقتل بجانب أخيه القتيل ايضاً في الحرب، ليسقط الاثنان شهيدين في مدينة الضالع وفي معركة لا أحد يعرف منتهاها مثلما شرارتها وحقيقة وقوعها في ظل الوحدة ومن اجل الوحدة.

منذ حطت الحرب أوزارها قبل 12 عاماً إلا شهراً والعم خالد عبادي لا يكل أو يمل من انتظار الفرج وزوال معاناة لطالما اثقلت كاهله وعمره وجهده، إلا أن كل تلك الوعود العرقوبية لم تزد والد الشهيدين سوى المزيد من التيه والتسويف، ولربما اخذت المتابعة بقية سنوات عمره دونما فائدة ترجى من كم الاوراق والتوجيهات والمناشدات والمطالبات والوعود التي باتت بالنسبة للرجل ولأسرته مصدر وبال وشقاء وعبث .. وجميعها للاسف تبخرت في اضابير الجهات المسؤولة التي عجزت كلياً عن تعويض هذه الأسرة المنكوبة بمعاش شهري أسوة بشهداء الوحدة كما هي الصفة الملاصقة لقرابين حرب صيف 94م أو حتى بشقيقهم الشهيد النجل الاكبر عبدالقادر ابن العم خالد الذي استشهد في 13 يناير المشؤوم، إلا ان المعاش الشهري المقرر لأولاده وزوجته ربما جعل أهله يترحمون على مقتله مقارنة بشقيقيه انور وجميل اللذين قتلا في حرب صيف 94م، وحتى اللحظة مازال ابوهما يحمل ملفاتهما من مكان لآخر، من وزارة لهيئة لمحافظة، ناهيكم عن الملفات القديمة والجديدة الموجودة بحوزة الهيئة العامة لأسر الشهداء ومناضلي الثورة اليمنية في صنعاء أو فرعها في الضالع والسنوات والوعود تتتالى بنهاية معاناة استبدت بأسرة، ولكم كان حزيناً ومؤلماً لنا رؤية هذا الرجل المسن وهو يغور ويغرق في مستنقع الكذب والتضليل دون أن نحاول نجدته وإغاثته في محنته وكربته، فهذا الفعل مسؤولية اخلاقية ودينية قبل ان يكون فعلاً قانونياً ومهنياً، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول «والله في عون العبد ما كان العبد في عون اخيه» ويقول «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا» وهنالك مقولة شهيرة اطلقها لافونتين مفادها بأن الجبل لا يحتاج الى جبل، لكن الإنسان يحتاج الى الانسان، كما أن المثل العربي «لا يعجز القوم اذا تعاونوا» دلالة على مدى أهمية التعاون والتضامن في مثل هذه القضايا والخطوب.

تعددت الجهات والمراسلات والقضية واحدة
مأساة العم خالد فصولها بدأت عقب حرب صيف 94م ببلاغ في حينه للأخ محمد اسماعيل مقبل، مدير عام الضالع في ذاك الوقت، عضو مجلس الشورى حالياً، حول استشهاد ولدي الرجل، ولم تنته فصول المأساة بعد هذه السنوات العجاف، ومازالت المراسلات على وتيرة واحدة من الأخذ والرد، فهذا عضو مجلس الشورى يؤكد في مذكرة له لقائد اللواء 35 مدرع بتاريخ 25/8/2005م حقيقة ان الشهيدين بلا إعانة تذكر ومطالبته بمساواتهما ببقية الشهداء، فيما قائد اللواء 35 مدرع طلب في مذكرة له لمعالي وزير الدفاع بتاريخ 28/9/2005م تقرير مرتب شهري للشهيدين كونهما استشهدا في حرب 94م وهما من ابناء محافظة الضالع مرفقاً بأولويات القضية. أما قائد المنطقة العسكرية الشمالية الغربية قائد الفرقة الاولى مدرع فله مذكرة رفعت لرئيس هيئة الاركان العامة بتاريخ 2/2/2006م بهذا الشأن، ومضمونها عدم حصول اسرتي الشهيدين على أي مرتب اسوة بأسر الشهداء ومطالبتها بتسوية وضعهما أسوة بأمثالهما، وهنالك مخاطبة أخرى رفعت من الأمين العام للمجلس المحلي لوزير الدفاع اكدت بمقابلة اسرة الشهيدين للجان البحث الميدانية في الاعوام الماضية دون أن تعرف اسباب تأخير اعانتهما رغم الفاقة التي تحيط بأسرتهما، وطالبت بتوجيهات الوزارة لاجل ترقيتهما كشهداء حرب الوحدة اسوة بالآخرين، كما ان مذكرة أخرى للسلطة المحلية في المحافظة بتاريخ 9/2/2005م هي الأخرى طلبت من دولة الاستاذ عبدالقادر باجمال رئيس مجلس الوزراء التوجيه باعتماد راتب مناسب لولدي خالد عبادي سعيد، احد مناضلي الثورة اليمنية الذي فقد ولديه في حرب 94م وظروفه المعيشية صعبة. هذه مراسلات من فيض ضخم وزاخر بالتوجيهات والمداولات والمطالبات التي كلها في المحصلة لم تستطع انتزاع حق مشروع لا يزيد عن حالتين في هيئة اسر الشهداء او معاشين في قائمة طويلة من الشهداء والجرحى الذين تم منحهم مرتبات وأرقاما عسكرية في اطار القوات المسلحة.

مسؤولية اخلاقية ومهنية
والآن ماذا بوسعنا غير نشر مأساة العم خالد كمسؤولية اخلاقية ومهنية؟ وهل يخجل هؤلاء عندما نقول لهم (اللي اختشوا ماتوا) او قول الشاعر (لقد أسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي). ثلاثة ابناء فلذات اكباد هم القرابين والارواح المزهقة على قارعة الانتصارات والانكسارات اليمانية الباهظة المكلفة والدم أليست بكافية لاعلان الصفح واعادة الحق المسلوب لاصحابه الذين قتلوا ظلماً وإثماً؟ لقد كلم الرجل في يناير 86م بمقتل ولده الاكبر عبدالقادر لكنه بكل تأكيد لم يتحمل معاناة اسرة الشهيد مثلما هو الحال الآن مع ولديه انور وجميل اللذين هما في الاصل مدنيان ولا صلة لهما بوظيفة او جهة، ومفارقة عجيبة ان يشاهد او يسمع المرء بلجنة تعويضات اعقبت الحرب وقامت بحصر الاضرار المادية والبشرية إلا انها كما يبدو غفلت في زحمة اهتمامها بأضرار الممتلكات والسيارات عن أناس ابرياء ممن ازهقت أرواحهم نيران الحرب، وكان يجدر بهذه اللجنة قبل غيرها التعويض العادل لهؤلاء المدنيين المسالمين ودونما تمييز أو فروقات لا تخدم الوحدة الوطنية التي قامت واستعرت الحرب باسمها.

نهاية المأساة
مأساة العم خالد نضعها امام كل الجهات المسؤولة عن معالجة هذا الوضع اكانت هيئة اسر الشهداء او وزارة الدفاع اللتين ضاقتا ذرعاً بحالتين وبضعة آلاف من الريالات لمواجهة ظروف معيشية قاهرة تعيشها اسرة الشهيدين، في الوقت الذي تصرف مئات الملايين للمشايخ وكتائب المرافقين وغيرها، وقبل هاتين الجهتين يحدونا الامل والثقة بفخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية ودولة الاستاذ عبدالقادر باجمال، رئيس مجلس الوزراء باعتبارهما الشخصين المسؤولين قانونياً واخلاقياً وادبياً ووطنياً ازاء معاناة المواطن، خاصة بعد أن أوصدت الابواب بوجه أب مكلوم بأبنائه وحقوقه وانتسابه!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى