أيــام الأيــام..قرابين.. من الأطفال

> حسن علي أحمد كندش:

>
حسن علي أحمد كندش
حسن علي أحمد كندش
ما هذه المآسي التي تصفعنا دون أن نخجل.. وتذبحنا دون دم.. وتدك عظامنا دون ألم.. وتمر من أمام أعيننا دون وجل.. هل نحن شركاء فيها حتى أضحت لا تستثير فينا أي مشاعر.. أم أنه لم يعد لمشاعرنا أي قيمة حتى ولو إنسانية.. ما هذا الذي يحصل لأطفالنا.. طفلة تموت وهي تحمل الماء.. وأخرى تقتل على حافة بئر.. وثالثة تغتصب.. وأخرى تختطف.. أطفال تكبهم شاحنات على الحدود بلا جذور.. بعد عمليات تهريب دنيئة.. وأطفال يسحق مستقبلهم بلا رحمة حتى من جمعيات الرحمة.. أطفال معهم توأد عواطفنا تحت رمال اللامبالاة.. أطفال تنهار عليهم جدران مدارسهم.. بعد أن شارك الكبار في الدفن بلا ضمير.. وأطفال يتم إبادة أحلامهم بأبشع أنواع أسلحة الدمار الشامل مثل إلهام ونعيم في (طائر الخراب).. وآخرون يتاجر بهم في بعض ورش العمل والندوات والجمعيات وعلى قاعات الفنادق الفارهة.. ومن على شاشات التلفزة.

هذا ناهيك عن إحصاءات أطفال التسرب من المدارس.. وعمالة الأطفال.. لماذا نسجت اللامبالاة خيوطاً حول أقدامنا.. وأيدينا وربما حول أعناقنا؟! وعقدت ألسنتنا حتى يبدو لنا تدمير طفل شكلاً من أشكال القات المخدر.. ماذا يستثير عقولنا إذاً؟!

لماذا اعتدنا مصطلحات الجريمة نحو الأطفال مثل اغتصاب، تهريب، خطف، انهيار، دهس، قتل، ضياع، دون أن نفكر.. ودون أن نحزن؟! هل نوفر أحزاننا لما هو آت من ألم.. أم أننا استنفدنا كل الحزن في عذابات سابقة؟!.. ولم يعد هنا ما يثير فينا الحزن.. أو الرفض!! إن أطفالنا في اليمن حيث يسحق بعضهم بقسوة لا يحلمون بطبق (الكورن فليكس) في الصباح.. أو حكاية (الفتاة ذات الرداء الأحمر) قبل النوم.. أو تنفيذ (اتفاقية حقوق الطفل).. إن أحلامهم لا تتعدى الوقوف في الظل بعيداً عن الهجير.. أو شربة ماء نقية.. لأن أسطوانة «فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض» قد تهاوت في الطريق إلى المقابر.. بينما نحن لم يعد لدينا أكباد أصلاً فقد هاجمتها فيروسات.

(A.B.C)
في بلد متحضر يحترم أطفاله.. تنهمر دموع الحزن سيولاً تجرف كل من له صلة بعذابات طفل.. أو تتجمع دماء الضحايا من أطفاله حريقاً يكوي كل من يتهاون في موت طفل.. مهما كان.. بينما نحن أطفالنا يتساقطون من بين أيدينا صرعى أو مرضى.. أو بعذابات أخرى.. ونظل نلوك حقوق الطفل مثلما نمضغ القات ثم (نبلفه) بعد حلقة زار تؤدي بنا إلى التخدير.. في اللازمان.. واللامكان.. وحتى اللاشعور أيضاً.. فما أبشع أن ندمن التعود على ضياع أطفال.. مثلما أدمنا التعود على ضياع الوقت.. وضياع الحقوق.. ما أبشع أن تصبح لحظة زمنية مأسوية شيئاً عادياً!

مما زاد ما لا يحتاج إلى زيادة عندما يذهب طفل جميل يحمل على أكتافه براءة وأحلام السنين القادمة.. فإذا به يصطدم أن هناك إضراباً.. أو أن هناك لا تعليم.. فتتناثر حقيبة أحلامه على ساحة المدرسة.. وتتطاير البراءة من عينيه في فضاء المدرسة.. وتتكسر أعمدة أقدامه التي كان يعدها لذات يوم.. فتتوقف الخطى.. ليدك الوجع فينا حتى العظام من هول مآسٍ يُخيّل إلينا أنها بعيدة عنا ولا تمسنا.. بينما الحقيقة المفجعة أن طفلاً يعني مستقبلاً والعكس صحيح.. فتتساوى منطقياً النتيجة.. فلربما سنبحث يوماً ما عن مستقبل في المقابر.. فأي مستقبل سيكون من بقايا رميم.. بينما يقال لنا أن عرش السماء يهتز لعذابات طفل.. ونحن لا نريد عروش الأرض أن تهتز.. أو كراسيها.. لذا لا بد من وقف هذا الهدر والنزيف لأطفالنا.. ومستقبلنا.. حتى ولو بأغلى ثمن.. لا بد من التحقيق المحايد الشامل.. الذي من خلاله نعرف الأسباب التي ستوقف بالضرورة النتائج.. نريد ألا تكون خطايانا محرقة لبراءة الأطفال.. وألا يدفع أطفالنا حياتهم أو صحتهم أو مستقبلهم ثمناً لموبقات الكبار.. هل هذا كثير؟ ربما يكون صعباً، ولكنه ليس مستحيلاً، حتى لا نبدو أننا عدنا إلى تقاليدنا العتيقة في الوأد، أو تقديم القرابين لآلهة الخراب.

عربياً لا أتذكر هنا - وبمناسبة القمة العربية - أن إحدى هذه القمم قد ناقشت موضوع الأطفال في الوطن العربي رغم مأسوية ذلك واستحقاقاته الواضحة أكان من الإحصاءات المريعة.. أو من الاستطلاعات والتحقيقات الصحفية المخيفة.. ولكن كيف يناقش (السرمديون) المستقبل بينما هم يعتقدون - وهماً - أنهم هم الماضي والحاضر والمستقبل.. وأن قضية الأطفال عندهم لا تستحق أكثر من فاترينة أو ديكور أو معرض لبعض المفاهيم الحديثة إما للعرض وإما لتسول بعض من الدعم المالي.. أو لتغليف بضاعة تالفة بأوراق حديثة يتم بها الضحك على ذقون المشترين.. أو المشاهدين.. لذا آن الأوان أن نواجه ونوقف دفن مآسينا ومشاكلنا في حفر ونهيل عليها تراباً من كلمات منمقة للزينة ليس إلا.. اعتقاداً منا أن كل شيء عال العال، حتى لا يأتي يوم نقع فيه في هذه الحفر.. أو يخرج لنا منها أشباح تهددنا وترعبنا بما اعتقدنا أننا نسيناه أو دفناه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى