حضرموت لا تؤمن بالدموع

> علي سالم اليزيدي:

>
علي سالم اليزيدي
علي سالم اليزيدي
حينما نكتب عن حضرموت بشأن التاريخ أو السياسة أو التنمية فإنما نعطي لمحات ووقائع عن مكان جدير بالكتابة في اليمن وجنوب الجزيرة وهو استعراض لتاريخ وحكم متواصل وهو في ظني وغيري لا يعني إثارة ضجة أو بغرض إغضاب هذا الطرف أو تلك المجموعة وليس هذا بالضرورة في اتجاه التلويح، مع أن ما تتعرض له حضرموت وكل ما حدث لها من انتكاسات وسلب لدورها المناسب جدير بأن يكتب ويكشف ويناقش ومع هذا نسكت ونمضي لأننا ندرك أن ما ستبدي لنا الأيام هو ما سينصفنا وهذا من التفاؤل الذي نرمي به في وجه أولئك الذين يسنون أقلامهم ويملأون القصاصات والنشرات وهم مثل ذلك الذي يضع رجله على برميل أو حجر ثم يقفز إلى ما وراء السور ممتطياً هذه الوسيلة بغرض إثارة الغبار والإشارة إليه، مع أن حضرموت جعلت من تضحياتها وأبنائها على مر ما يقرب من نصف قرن مضى دليلاً على أنها لا تبحث عن المكسب المحدود، برغم أن ما قدمته كبير القيمة للوطن وعظيم المغزى بحجم قصص التاريخ وقد ظهرت رسالة حضرموت منذ حكم بدر بوطويرق إلى صالح بن غالب القعيطي في بزوغ المدنية وتوطيد الحكم الناعم واستنهاض التراث وثقافة المنطقة والهجرات بعدئذ وهو ما جاء متسلسلاً حتى نشوء الافكار المعاصرة ومن ثم دولة الاستقلال في الجنوب، مما جعل حضرموت بعيدة عن الانزواء والاستعلاء ولأنها ومثلما أصاب المؤرخون والباحثون توجد في كل المنطقة باعتبارها وحدة لا تتجزأ بما فيها من علاقات وثقافات ورسالة تتكامل فيما بينها.

وعلى الجانب الآخر فكل من أراد أن يفهم واقع حضرموت عمد الاقتراب منها ودراستها، وحتى في السياسة جاءت علاقة حضرموت بالحكم الوطني في الجنوب من واقع الترابط القديم في المنطقة والذي تطلب أن لا تكون بعيدة عن الشراكة يومذاك الا أن هذه الشراكة فشلت برغم دور الحسم الذي لعبته حضرموت، وهذا ترك آثاره السلبية في منظومة الحكم آنذاك وتغيب دور مهم كان يجب أن تلعبه في النظام السياسي، واستبدل في قوام النظام السياسي البديل الذي لم يرق لمكانة ووزن حضرموت التي ظلت آنذاك ينظر إليها بحذر أو أنها الابن الضال، وبصعود الجناح اليساري وسقوط القوميين ورجال الحكم الحضارم والاعتماد على الثقل العسكري والقبلي باعتبار أن حضرموت قد جردت من سلاحها مبكراً، ظلت مع هذا وكراً للصراع السياسي الذي لا تفتعله بقدر ما تصاب به وتخسر من جرائه، ولم تحظ إلا بقسط ضئيل من التنمية، وقدر لها أن يظل سهمها في الشراكة الوطنية ضعيفاً ولا يتساوى بمعقوليته كمنطقة تتسم بمساحة أكبر وثروة ووزن في الدخل الوطني آنذاك، وقد أثار هذا هواجس عدة منها أن حضرموت لم تكن تملك أدوات التأثير الفاعل في مراكز القوى داخل السلطة لغياب الدور العسكري المؤثر على الأحداث والصراعات حينذاك، ومنها ايضاً الانكماش الذي تبديه لحظة تطور الصراع وتأخذ بأسلوب الفكر الحضاري والمدني عند المواجهة انطلاقاً من مدرستها التي لا تفضل الصدام وإنما تتماسك وحدتها حتى لا تتبعثر وتحفظ عافيتها وهو ما ميزها أمام كل تقلبات الصراعات المحلية قديماً وحديثاً.

نحن نتفق أن الاستعمار سبب مباشر في اعاقة التطور والنهضة في حضرموت وما جاورها من مناطق ولو أراد التسريع لما رحلت شركة (بان امريكان) ولظهرت ثروات كثيرة مبكراً وهي كفيلة بتحويل المنطقة، ولكن حتى لا يطال الحضارم الثراء والأموال والنهوض، أليسوا هم الأثرياء في شرق آسيا وشرق افريقيا والهند وجدة وعدن، لذا فقد عمد الاستعمار إلى مراقبة النمو في حضرموت وهو السبب ايضاً في إبطاء زحف الاستثمار والأعمال حتى لا تضرب استثماراته وتدفق الأموال لشركاته في كل المنطقة، ومع هذا جاهدت حضرموت ليتقدم مجتمعها الناهض وظهرت النوايا في التجارة والتوظيفات في عدن وحضرموت وشهدت الخمسينات والستينات من القرن الماضي تدفقاً واستثماراً ونهوضاً على كل المستويات وغيرت الأموال من واقع المنطقة وخصوصاً تلك القادمة من شرق آسيا وشرق افريقيا وجدة ثم صاحبها جهد كبير في التعليم والثقافة وترابطت بما تشهده عدن الزاهرة آنذاك.

إنها الصورة التي نراها والقصة التي تتواصل ولا تتوقف وهو ما يفسر التطلع الحضرمي في الوصول إلى المستوى الذي يتفق مع مجريات الزمن الراهن إذ تبدلت الأوضاع وهذا بالضرورة لا بد أن يفرض أن يكون التوازن متقفاً مع ما تحمله من ثروة وفرص استثمار وتدفقات تستجيب بالدرجة الأولى لتوسيع الشراكة لدور يحترم مكانة حضرموت من حيث فرص العمل وأماني الشباب والقضاء على الفقر، وصعود دورها حتى وإن لم يكن سياسياً بالقدر الذي ترضاه، وبدورة الزمن ولحظة أن تلاقت أسباب موضوعية وفي عهد حضرمي لنهضة تتصل قادها الأستاذ المحافظ عبدالقادر هلال المتحلي بهدوء الخطاب السياسي والمتدثر بسيرة لتراث أسري يتصف بالتدين الأمر الذي مكنه من مخالطة الحضارم والتوافق مع أمزجتهم وتوقهم إلى مشروعية الاستفادة مما تزخر به حضرموت من ثروة وكفاءات ووزن سياسي ومالي وقد ساعدت الأجواء الانفتاحية داخلياً وخارجياً ما يكفي لظهور هذا الرجل ونجاح حركته وجاذبيته، ومن الضرورة هنا الالتفات إلى أدوار الآخرين وأولئك الذين أحبوا المنطقة وتراثها وربط كل هذا بهاجسهم السياسي والشخصي وهم من عدن ويافع والعوالق وصنعاء.

إلا أن ما يثير العجب هو هذا القصف المنهمر وهذه الأقلام التي تسكب السم على حضرموت، وكأنما حضرموت ظهرت فجاة، أو تفضل علينا بها نفر من الناس، أو أننا سطونا على تاريخ الآخرين.. حضرموت استمرار لعنوان المروة، ذهبت إلى أصقاع العالم بدين وثقافة ورجال حكم وتراث إنساني وهي الوطن النافع منذ عهد القدال إلى زمن هلال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى