الجمهورية لا تحتاج للعلماء

> د.سمير عبدالرحمن شميري:

>
د.سمير عبدالرحمن شميري
د.سمير عبدالرحمن شميري
من السنن الحميدة في حياة المجتمعات المتمدنة الاهتمام بالتعليم والقراءة والدرس، الناس يقرأون في كل مكان في الحدائق والمتنزهات وفي الحافلات والقطارات والمترو وفي المزارع والمصانع وعلى ضفاف البحر والبحيرات والأنهار.

المكتبات لا يحصى عددها في المدارس والكليات والمعاهد والأزقة والأحياء السكنية والإدارات ومؤسسات الشغل والاعمار، (فمعظم الناس في العالم ينظرون إلى العلم على أنه الشاهد الوحيد على الحقيقة)، حسب تعبير المفكر ديفيد رزنيك.

ولا نستطيع أن نتصور أن عالماً بزغ في صنف من صنوف العلوم دون أن يرتبط بعروة وثقى بالكتاب والمكتبات، دون أن يرضع من ثدي المعرفة والعلم، دون أن يغوص في بطون الكتب وتأكل عينيه المجلدات والمستندات والوثائق العلمية، دون أن تحترق أعصابه وخلايا مخه في المخابر العلمية وحقول التجارب.

فالكتاب له بصمة عزيزة في قلوب المبدعين، وهو غذاء للروح والعقل والقلب، وكلما كانت هناك قطيعة مع الكتاب، تفشت فيروسات الجهل وتوطن التخلف في أعماق الإنسان. (ولكي يصبح العلم والتفكير العلمي ثقافة، فإن الأمر يتطلب تغيير مفاهيم التنشئة الاجتماعية منذ المراحل المبكرة في حياة الطفل العربي، بما في ذلك القصص والحكايات والحوادث التي تسرد له في سنين حياته الأولى، والتي تمتلئ في معظم الأحيان بالعفاريت والجن والسحر وغير ذلك من الأوهام والتخيلات عن عالم وهمي) د. أحمد أبو زيد.

إننا ضد التزمت وفي الضفة الأخرى ضد الانفتاح الساذج والرخيص ومع العقل المرن والمنفتح. فكل العلماء والمثقفين والمتنورين كانوا أصدقاء للكتب: ابن رشد، أندريه أمبير، ابن النفيس، جورج آدم، ابن الهيثم، لويس باستير، الخوارزمي، ماري كوري، طه حسين، الجاحظ، شكسبير، فاروق الباز، باولو كويلو، دانتي، غابرييل ماركيز، نجيب محفوظ، السياب، توفيق الحكيم، العقاد، كونت، ماكس فيبر، محمود درويش...

يقول الروائي المصري جمال الغيطاني «إن الشيء الوحيد الذي أنفق عليه بسخاء وبلا تردد، الكتب، ربما أتردد في شراء الملابس، وحتى المأكل، أما الكتب فلا أحسب لها حساباً».

وأستطيع أن أجازف بالقول إن بعض معارض الكتب خالية من نكهة التنوع ومن صنوف المعارف والتخصصات العلمية والثقافية الرحبة ولا تحرك في الغالب وجدان القارئ بل تخاطب شريحة صغيرة من القراء (فسنونة واحدة لا تصنع الربيع) حسب ما قال أرسطو. وعندما نقول معرض دولي للكتاب، نفهم من ذلك أن أغلب دور النشر في العالم مشتركة فيه وأن المعرض يلبي أغلب الأذواق والمشارب والتخصصات العلمية والثقافية والأدبية ولا ينحصر فقط في جنس من علوم الدين واللسان. فالمعرض الدولي للكتاب له شروط ومقاييس عالمية متعارف عليها كمعرض فرانكفورت الذي يعتبر (أكبر سوق للنشر يضم 6638 من الناشرين. ويزورهم 180 ألف زائر من حوالي 100 دولة. كما أنه أكبر سوق للمعلومات إذ يقوم بتغطيته 12 ألف صحفي من 80 دولة. وتقام حوالي 300 من الفعاليات الثقافية ويعرض 80 ألف عنوان جديد) «العربي»، العدد 554.

وعلى هامش معارضنا التي تسمى (دولية)، تقام فعاليات ثقافية خجولة، خالية من الجمهور، يخاطب فيها المشاركون أنفسهم ولا يسمعون إلا أصواتهم، فتكون الرتابة سيدة الموقف، وتفقد الكلمات حرارتها ورنينها الأنيق.

وعندما لا تهتم المؤسسات بالكتاب وبالثقافة الحقيقية، وتهمل العلم والعلماء، فإن ذلك يشكل طاقة خطر على المجتمع، وتشعر بعض النخب أنها ليست بحاجة للعلم والكتاب والثقافة والنور، فترتكب حماقات قاتلة، كتلك الحماقات التي حدثت في الثورة الفرنسية حين أطاحت بـ 1400 رأس من البشر، وفي معمعة الأحداث اقتيد عالم الكيمياء الفرنسي أنتوني لافويزى إلى المقصلة مع عظيم إذلال واعتساف لآدميته، فأخذ يصرخ في وجهه ضابط ببزته العسكرية لا يعرف لغة الرحمة (الجمهورية لا تحتاج للعلماء).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى