معلومات حول ظاهرة تلون مياه البحر في خليج عدن

> «الأيام» ايرينا السقاف:

> ظاهرة تلون مياه البحر بالاخضرار المسبب لها التواجد المكثف لليخضور هي ظاهرة معروفة منذ القدم، وفي كثير من المناطق أصبحت هذه الظاهرة معتادة، فهي من الممكن أن تبرز في فترات مختلفة من السنة ويعتمد بروزها على وضعية العوامل ( الهايدروكيماوية، الهايدرولوجية) والنظام الحراري لمياه البحر، وعلى قدرات أنواع اليخضور الجينية.

تأخذ ظاهرة تلون مياه البحر ألوانا مختلفة ابتداء من جميع أطياف اللون الأحمر، واللون الأسمر (البني)، الأصفر، الأخضر، وحتى اللونين الأزرق والفضي ويمكن ان يكون لون المياه خليطاً من هذه الألوان المذكورة.

مياه البحر الملونة تكون في عدة اشكال، فمنها ما يكون في شكل بقع ملونة دائرية الشكل في مواقع محددة، وتكون أيضا على شكل خطوط مستطيلة تتراوح أطوالها من عدة أمتار وحتى عدة أميال، وفترة استمرار هذه الظاهرة تمتد من عدة ايام من (2-15) يوماً وحتى من (2 -3 اشهر) )1999 .(Konovalova

عند حدوث ظاهر تلون مياه البحر فإن هذه المياه يمكن أن تكون سامة او قابلة لتطور وتراكم المواد السامة فيها، أو غير سامة.

ظاهرة تلون مياه البحر في خليج عدن، بدأت ملاحظتها ابتداء من عام 2001م، وظهرت أيضا في الأعوام 2001، 2002، 2003م في سواحل حضرموت وحتى منطقة بئر علي، وفي الأعوام 2004 - 2006م برزت هذه الظاهرة في سواحل أبين وحوالي عدن.

في هذا العام 2006م لاحظنا بروز هذه الظاهرة، ظاهرة تلون مياه البحر بالاخضرار والتي عمت مساحات كبيرة في السواحل الغربية لخليج عدن، بداية ملاحظة هذه الظاهرة كانت في نهاية شهر فبراير واستمرت حتى منتصف شهر مارس. المياه المخضرة من البلانكتون النباتي كانت في بقع دائرية الشكل في مواقع محددة تتراوح اطوال أقطارها من 300 - 500 متر ومصبوغة باللون الاخضر وتنبعث منها روائح كريهة، وفي المساء تمت ملاحظة انبعاث إشعاعات مضيئة فسفورية في مواقع البقع المخضرة.

من هذه المواقع أخذنا عينات في الأيام 1، 7، 8 من شهر مارس ويقدر عدد العينات بأربع عشرة عينة، وفي الوقت نفسه تم قياس بعض المؤشرات الهيدرولوجية مثل سرعة الرياح، درجة حرارة الماء، درجة ملوحة البحر، وكمية الاكسجين، ودرجة تأيّن الماء (PH)، وتم تحليل العينات بواسطة طريقة التحليل المشهورة وهي طريقة العالم الروسي (1977 SECHIKINA).

الكتلة الحية لليخضور (البلانكتون النباتي) الموجود في المياه المخضرة كانت تتراوح من (3-4) جرام في اللتر الواحد من ماء البحر. وفي جميع العينات المأخوذة تم تحديد نوع واحد من الطحالب البحرية سائد بشكل كبير في جميع العينات ويسمى ناكتيليوكا (Noctiluca SP)، وهذا النوع ومن خلال البحث في عدة مراجع والبحث عبر الانترنت لم نجد أي صفة بيولوجية تتطابق مع ما تم معرفته من خلال العينات، أي صفاته غير معروفة للعلماء، لذلك فإنه يمكن ان يكون نوعا جديدا لم يتم تسجيله في المصنف العالمي للفيتو بلانكتون حتى الآن، بغض النظر عن أن كمية الخلايا لهذا النوع في العينات لم تكن كبيرة فهي (6000 - 8000) خلية في اللتر الواحد من ماء البحر، ولكنه وبسبب ارتفاع قيمة الوزن النوعي العالي لهذا النوع فإن كتلته الحية مقارنة بالأنواع الأخرى المرفقة له كانت عالية النسبة تقدر بـ (90%) من الكتلة الحية الاجمالية للطحالب في العينة.

في العينات المأخوذة من سواحل منطقة صيرة فإن تعداد الخلايا في اللتر الواحد من الماء كان عاليا وبلغ أكثر من عشرة آلاف خلية من هذا النوع من الطحالب البحرية في اللتر الواحد من ماء البحر.

الطحلب(Noctiluca SP) ينتمي إلى عائلة الطحالب البحرية المسماة باللاتينية (Dunoflagellates) ويمتلك هذا النوع من الطحالب الشكل الكروي ويبلغ طول قطر خليته من 500- 600 ميكرون، وعلى سطحه الكروي تجعيد أو أخدود غير كبير، ولديه سوط واحد متحرك، وفي الخلية تتواجد أشكال صغيرة بيضاوية الشكل خضراء اللون وهي المتسببة في اكساب مياه البحر اللون الاخضر، هذه الاشكال الصغيرة البيضاوية الشكل تقع على الغشاء الخارجي الشفاف للخلية وتنتشر على سطح الخلية بشكل منتظم ومتساو. تمتلك خلية هذا النوع من الطحالب البحرية نواة كبيرة شبكية التكوين، وهذا النوع لديه المقدرة على اصدار إشعاعات ضوئية ليلا.

الوزن النوعي للعصير الخلوي للخلية أقل بقليل من الوزن النوعي لماء البحر (1928 (LUDWING وهذه الخاصية إلى حد ما توضح لنا سلوك هذا النوع من الطحالب في ماء البحر، حيث يسبح وهو في حالة سكون ولديه القدرة على السباحة والحركة في مختلف المواقع على السطح وفي مختلف الاعماق، حيث يتحرك ايضا في الاتجاه العمودي من خلال مقدرته على تغيير الوزن النوعي لديه، ولديه القدرة ايضا على تجميع وتراكم غاز الامونيا ) 1998 (Elbrachter. M. and y. zqi فعالية اخضرار مياه البحر بشكل مكثف تحصل نتيجة للتفاعل والتأثير الايجابي ما بين الصفات البايولوجية لهذا النوع من الطحالب البحرية (وهي مقدرته على تنظيم وضعه وحركته العمودية في وسط ماء البحر) وبين الآليات الطبيعية لمياه البحر مثل (التيارات، الرياح التي تحفز وتتسبب في حركة مياه الأعماق نحو السطح) وفي المياه السطحية للبحر فإن تجمعات هذا النوع من الطحالب(Noctiluca) تتحرك من موقع إلى آخر تحت تأثير قوة الرياح، أما سلوك حياة هذا النوع فلم يدرس بشكل كاف، لذلك فإن المعلومات عن حياته محدودة.

طحلب الناكتيليوكا معروف للعلماء منذ القدم كمخلوق بحري يتسبب في تلون مياه البحر بالاخضرار، وهذه الظاهرة تمت مشاهدتها وتحديدها في عصور مختلفة وفي مناطق عديدة على الكرة الارضية، وعادة يكون السبب لظهورها هو وجود نوعين من أنواع الناكتيليوكا وهما :

(Noctiluca, Scintllans, NoctiLuca miliaris) هذان النوعان يلونان مياه البحر في حالة تجمعاتهما المكثفة باللون الأحمر البرتقالي، وفي المناطق الاستوائية للمحيط الهندي والهادي فإن ظاهرة تلون مياه البحر بالاخضرار يكون سببها التجمعات المكثفة لنوع آخر من الناكتيليوكا جزء(Noctilnce) وهو ما تم تحديده في تجمعات الطحالب الخضراء على سطح مياه البحر في خليج عدن، وهو يعد من المناطق الاستوائية في المحيط الهندي. ووفقا للمراجع فإن هذه الأنواع من جنس الناكتيليو B لا تفرز المواد السامة، ولكن من المؤكد أنه تظهر مضاعفات سلبية لظاهرة تلون مياه البحر بهذه الطحالب وخاصة برزو مناطق عند قاع البحر عديمة الاكسجين بسبب ما تولده هذه الطحالب من تعتيم على قاع البحر وبالتالي توقف عمليات التمثيل الضوئي التي تنتج الاكسجين.

من المعروف أن البلانكتون النباتي (الطحالب البحرية) بعد عمليات تكاثرها الانقسامي للخلايا، تترسب على سطح قاع البحر، أما ظاهرة تلون مياه البحر فإنها تنتج بسبب توفر ظروف بيئية مناسبة مثل توفر القاعدة الغذائية الضرورية لهذه الطحالب البحرية مثل الاملاح المعدنية والعناصر الغذائية الضرورية للبلانكتون، التي تتوفر نتيجة لمياه سيول الأمطار المتدفقة إلى البحر أو نتيجة للرياح الموسمية الشديدة التي تسبب الاعصارات المائية والتي تصعّد بدورها هذه المواد الغذائية من قاع البحر نحو السطح. ونتيجة لهذه القاعدة الغذائية الوفيرة فإنها تكون منطلقا لنمو هذه الطحالب وتكاثرها بشكل مكثف الى حد أنها تتنافس على الغذاء والاكسجين اللذين يصيران شحيحين لكثافة تعداد هذه الطحالب، وعلى اثر هذه الحالة فإنها تبدأ في النفوق وبكميات كبيرة وتنشط البكتيريا في تحللها ولذلك تصدر الروائح الكريهة، ثم مع استمرار عملية نفوق هذه الطحالب بسبب عدم توفر الغذاء فإنها تترسب على سطح قاع البحر، وبتراكم هذه الطحالب المجهرية على القاع فإنها تتحلل وعند عملية التحلل تستهلك كمية كبيرة من الاكسجين المذاب في الماء، ونتيجة لذلك تبرز أزمة شحة أو عدم توفر الاكسجين في هذه البقاع من البحر، وإضافة الى ما ذكرناه سالفا من أن عملية انتاج الاكسجين خلال عمليات التمثيل الضوئي قد توقفت نتيجة لعدم وصول اشعة الشمس الى القاع بسبب كثافة تجمعات الطحالب البحرية على السطح، الى جانب عدم حصول التفاعل بين مياه البحر السطحية مع الاجواء العليا فوق سطح البحر والتي تعتبر مصدرا من مصادر وجود الاكسجين في ماء البحر.

في مثل هذه الظروف تحدث عملية نفوق واسعة للاحياء البحرية التي تعيش عند قاع البحر وكذلك الاسماك القاعدية، وينتشر هذا النفوق في مساحات واسعة بقدر يساوي المساحة المنتشرة فيها الطحالب البحرية عند السطح، ولكنه في الحالة التي نحن بصددها، وهي ظاهرة اخضرار مياه البحر في سواحل خليج عدن الغربية، لم تشاهد أية اسماك نافقة.

انطلاقا مما اوضحناه سالفا حول تلون مياه البحر فإننا نرفع مقترحات إلى الجهات المعنية للعمل على تنفيذها وهي ضرورية لمعرفة هذه الظاهرة وتقديم التفسيرات مستقبلا لأية ظاهرة جديدة تبرز ومدى خطورتها على الحياة البحرية وعلى حياة الانسان وهذه المقترحات كالتالي:

اولا: من الضرورة بمكان استمرار دراسة هذه الانواع من الطحالب وخاصة في مجال معرفة صفاتها البيولوجية وتصنيفاتها.

ثانيا: الملاحظة المستمرة وعلى مدار السنة لتجميع العينات والمؤشرات الهايدرولوجية والهايدروكيمائية والنظام الحراري لمياه البحر وكذلك التكوين الكمي والكيفي للهوام النباتي والحيواني.

ثالثا: من أجل تنفيذ هذه الأهداف فإنه من الأهمية بمكان توفير مختبرات حديثة مزودة بالمعدات والأجهزة الحديثة الضرورية والهامة في تحديد المؤشرات المذكورة أعلاه، وكذلك في تحديد الكلوروفيل ومقدار تسمم مياه البحر وغيرها من المؤشرات الضرورية لتحليل مثل هذه الظواهر.

هذه المعلومات هي مخلص لما احتواه بحث علمي تم إعداده من قبلنا وكان نتيجة لدراسة ظاهرة اخضرار البحر في السواحل الغربية لخليج عدن في الاشهر الماضية. كما اود ان اقدم شكري وتقديري الكبيرين للباحثين سعد سالمين البحسني، وزوجي هاشم محمد السقاف على المساعدة والتشجيع والدعم الذي قدماه لي في هذه الدراسة وإعداد البحث.

باحثة في شعبة الهوام النباتي - قسم علوم البحار - مركز أبحاث علوم البحار والموارد البحرية 27/3/2006م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى