سرحان في شعر الغناء اليمني

> «الأيام» فاروق لقمان:

>
فاروق لقمان
فاروق لقمان
بعد تقاعده عن وظيفته الرفيعة في جبل علي ميناء دبي الحر ومجمع منشآت هامة أخرى تتطور باستمرار منذ تدهور ميناء عدن العالمي إثر الاستقلال عام 1967م، تفرغ الدكتور اليمني الأصل شهاب محمد عبده غانم للتأليف في الشعر والأدب والترجمة والسيرة، منها عبدالله البردوني وعلي محمد لقمان. ولما كان نفسه شاعرا مجيدا كما صنفه الأديب أحمد محمد الشامي بين كبار الشعراء العرب المعاصرين، استطاع أن يبحر في تاريخ ونتاج شعراء اليمن وأصدر عدة كتب عنهم ولا يزال يواصل البحث والتأليف والترجمة حتى أصبح أحد أشهر المؤلفين الدارسين للشعر اليمني الغنائي والفصيح، مواصلاً نشر قصائده الرائعة في الصحافة الإماراتية لأنه استوطن الإمارات بعد مغادرته وطنه، كما فعل مئات الألوف من معاصريه صاغرين مضطرين شاردين ومهاجرين إلى بقية أنحاء العالم.

ولست بحاجة إلى مناسبة معينة للإشادة بالدكتور شهاب، فهو جدير ليس فقط بالكتابة بل بالتأليف عنه وإعداد أطروحة جامعية عنه ومؤلفاته كما فعل هو بالآخرين.

لكن صديقي الأديب الصحافي الفنان السعودي أحمد المهندس أهداني نسخة من كتاب د. شهاب (من شعراء الأغنية اليمنية) من إصدارات الأديب أحمد الذي زين غلافه الملون بصور بعض أبرز المبدعين في الميدان من الأمير اللحجي القمندان إلى النابغة حسين المحضار وبينهما صور القاضي الشاعر أحمد الآنسي وحسين المفتي ومحمد بن عبدالله شرف الدين (زمان الصبا يا زمان الصبا) ومحمد عبده غانم ولطفي جعفر أمان وعلي محمد لقمان وعلي عبدالله أمان وعبدالله هادي سبيت، شعراء الأغنية اليمنية في عصر التنوير الفني.

بدأت القراءة للمرة الأولى، لأنني اعتدت على قراءة بعض الكتب الجميلة أكثر من مرة منذ قراءتي رواية والدي رحمه الله (كملا ديفي) عندما كنت في ابتدائية مدرسة السيلة العدنية، بمقدمة الأديب أحمد المهندس الذي عشق الشعر والأدب والغناء اليمني منذ طفولته وكتب عنه أكثر مما فعل غالبية اليمنيين أنفسهم.

قام المهندس باستعراض الكتاب وتلخيص أجزائه الخمسة ابتداءً من الشعر الصنعاني لمحمد بن عبدالله شرف الدين (صاحب أشهر الأغاني والأشعار) القائل في إحدى قصائده: «عليك سموني وسمسموني .. وبالملامة فيك عذبوني». ولما كان الأديب شهاب قد قدم كل رائد في كبسولة حياتية كمقدمة الحديث عن شعره، أوجز المهندس ذلك الموجز مع بعض أبيات من عيون نتاج الرائد مثل كلمات القمندان:

«وأنا بدار الحسيني عندي سفرجل ورمان

بانشترح في الحسيني في لحج في سعد ورضوان»

وكذلك مع عبدالله هادي سبيت:

«تذكرته مع النسمة وشعره ذي يطير

ويده يوم ما تمسك على ذاك الحرير»

ثم يصل إلى عدن والفنان خليل محمد خليل الذي غنى لوالد المؤلف أولى أغانيه عام 1949م:

«حرام عليك تقفل الشباك

والقلب يا صاحبي يهواك

والعين تنظر وتتمناك»

لكن فات المؤلف الحديث عن فنانين وشعراء أغان سبقوا أبطال كتابه وكانت لهم صولات وجولات من قبل البث الإذاعي والتسجيل على أسطوانات (جعفر فون على الكهرباء) التي نجحت قبل الإذاعة في تخليد الأغاني اليمنية على الشمع الأسود.

ومن غانم إلى علي محمد لقمان - وهو خال المؤلف - الذي تغنى له الفنان الراحل أحمد بن أحمد قاسم:

«يا ضبي وصله غلا

يا بدر في الساحل

قالوا تكبر على

عاشق ويستاهل

دلا بنفسك دلا

ما شي كما العاقل»

وهل يستطيع أحد أن ينسى للشاعر لطفي جعفر أمان قوله:

«صدفة التقينا على الساحل ولا في حد

صدفة بلا ميعاد جمع الهوى قلبين

سمعت أبين على الأمواج تتنهد»

كان للإبداع الشعري الصنعاني واللحجي والعدني والحضرمي سهم وافر في شيوع الأغنية ثم تخليدها، لأن معظم الشعراء كانوا أيضاً من جهابذة شعراء الفصحى ومن ذوي الخيال الواسع والمعرفة بالثقافة المحلية لأنهم من مواليدها، فقد قرأوا ودرسوا الشعر العربي كما وصلنا من عمر ابن أبي ربيعة إلى القرن العشرين.

ولما كتبوا بالعامية لم يتكلفوا أو يتعثروا بل تميزوا بالسلاسة وسهولة الكلمة كما يقول علي محمد لقمان:

«بالبسك ما غلا

وباقول حبيبي حلا

واليوم يوم السلا

بامشي معك بالدلا»

هل يستطيع شاعر من غير مواليد كريتر والتواهي أن يستخدم كلمات مثل (حلا) و (سلا) و(الدلا)، صحيح أن أصولها عربية إلا أنها تعدنت ودخلت اللهجة الدارجة وتأسست فيها كما فعلت كلمات أخرى في لحج والمكلا وأبين وشبوة في شعر القمندان وحسين المحضار رحمهما الله.

وللمؤلف الباحث القدير شهاب غانم عدة قصائد غنائية منها تلك التي قالها ليغنيها الفنان أبوبكر فارع عام 1972م في أبوظبي:

«ولى الصبا يا حبيبي

وأنت رافض وصالي

وكنت فلي وطيبي

كلك معطر وحالي

واليوم فيبي اللي فيبي

وأنت هاجر وسالي»

والكلمات كما تلاحظ عدنية حتى النخاع قادمة من حي صيرة بكريتر حيث كان الشاعر يقيم مع والده مدير معارف عدن آنذاك.

ثم يقول:

«يا ليل قلبي ملان والناس ما تدري

هايم أعد النجوم محروم من وكري

ضيعت عمري ومن بيرد لي عمري

العود يسكب نغم والقلب يقطر دم».

الكتاب من القطع المتوسط ولا يتجاوز 125 صفحة مليء بالشعر الغنائي البديع والحس اليمني الرهيف.. مقدمته رائعة والجهد المبذول في إعداده يضيف إلى جعبة مؤلفات د. شهاب أسهماً أخرى، وإلى المكتبة الشعرية اليمنية مصادر جديدة في صنع شاعر مجيد وباحث دؤوب وكاتب قدير.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى