حول قبائل كندة: هل هو ملتقى عام أم فتنة وتفرق عام؟

> «الأيام» الحاج صالح بن عبدالله باقيس/ محمد عبدالله باشراحيل:

> من الأمور المعروفة في التاريخ السياسي أن حكم القبيلة قائم على أعراف وتقاليد سائدة في مجتمعات معينة وفي حقبة سابقة من الزمن، ومازالت بقاياه تتقاذفها رياح التغيير بين فترة حكم وأخرى وخاصة في البلاد العربية، تلاه حكم الدولة القائم على النظام والقانون والمساواة بين المواطنين. وفي بلادنا وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية لوحظ بروز حكم الدولة بعد الحرب العالمية الثانية وانحسار حكم وفكر القبيلة واحتواؤه تحت مظلة الدولة المركزية، ولكننا مع الأسف الشديد نلاحظ أيضاً أن قوى سياسة ترى أن من مصلحتها إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وتدفع بأناس تستغل طيبتهم ونواياهم الحسنة باتجاه ايجاد تكتلات قبلية، ينشغلون بتفاخرهم بانتمائهم اليها في الخطوة الأولى غير مدركين الأبعاد والنتائج التي ستؤول اليها الأمور في الخطوات اللاحقة من جهة، وما تهدف إليه تلك القوى السياسية من جهة ثانية.

ولقد لفت نظرنا ما نشرته صحيفة «الأيام» الغراء في عددها رقم 4753 الصادر يوم الثلاثاء 4 أبريل 2006م مما سمي بإعلان رسمي رقم (2) لأمين سر الهيئة التحضيرية الشيخ عبدالرزاق راجح الكندي، الناطق الرسمي العام لملتقى قبائل كندة في اليمن، وما تضمنه من أهداف وأسماء لفروع وبطون القبائل الكندية، إضافة إلى التوقيت الذي اختير فيه طرح الموضوع على الساحة. وعليه فإننا نبدي حوله ملاحظات نلخصها في الآتي:

1- إن نظام حكم القبيلة هو النظام الذي سبق حكم الدولة، والحث على بعث وتقوية الفكر القبلي هو إضعاف لمؤسسات النظام والقانون التي تبنى على أساسها الدولة، والدولة الحديثة خاصة.

2- إن الحديث عن قبائل كندة يرجعنا إلى دولة كندة التي كانت سائدة في الجزيرة العربية في عصر ما قبل الإسلام بأكثر من ألف عام، وفي هذه الحالة علينا التمييز بين طرح يهدف إلى معرفة النسب - وهو حق مشروع- وبين الطرح الذي يخفي بين طياته أهدافاً سياسية.

3- استوطت قبائل كندة وفروعها مختلف مناطق الجزيرة العربية وخارجها، ومع مرور الزمن وسقوط دول وظهور أخرى، أصبح الآن من استوطن منهم في العراق عراقياً ومن في نجد أو الحجاز سعودياً ومن في حضرموت أو مأرب يمنياً ومن في أندونيسيا اندونيسياً ...وهكذا.

4- نص الهدف العام للملتقى على: أ- العناية والرعاية الاجتماعية والتنمية الشاملة لجميع أبناء قبائل كندة في اليمن والخارج. ب- الإسهام بالرعاية الاجتماعية والإنسانية لجميع فئات المجتمع اليمني المستحقة لذلك.

وهذه الأهداف أقرب أن تكون أهدافاً لجمعية خيرية لا أكثر من ذلك، ونحن نشجع كل الأعمال الخيرية والإنسانية ونساندها وَنِكنُّ لأهل الخير كل التقدير والوفاء والعرفان.

5- ما أسماها بالحقائق والثوابت نص الإعلان على أن قبائل كندة هم قوة حضارية مساندة للسلم والتعايش السلمي، وأن أبناء قبائل كندة هم قوة اقتصادية فاعلة ومؤثرة أسهموا في البناء التنموي الشامل في البلدان التي أقاموا فيها، وأنهم يرفضون العنف والتطرف والإرهاب بجميع أشكاله، وأنهم ليس لهم مطامح سياسية وأن علاقاتهم بالآخرين قائمة على أساس الإخاء والمحبة والوحدة والسلام واحترام حقوق الإنسان. ونحن نرى أن هذه الأمور في مجملها جيدة، ولكنها أشبه بخطاب سياسي فيه ادعاء بتميز وتعالي لأبناء قبائل كندة على ابناء القبائل الاخرى، ويحمل في ثناياه أكثر وأكبر من الاهداف الخيرية المذكورة أعلاه وفيه استفزاز للآخرين، فالناس سواسية، وعصرنا هذا عصر حقوق الإنسان والمساواة.

6- كما أشار الإعلان نصاً «إننا نوزع وثيقة شرف وحصانة لأبناء قبائل كندة»، وهذا بحد ذاته أمر يدعو الى الاستغراب ويطرح العديد من الاسئلة والاستفسارات، فالإعلان يتحدث عن هيئة تحضيرية بمعنى أن العمل مازال قيد التحضير، فكيف تصدر عن الهيئة التحضيرية بطاقات ووثائق؟ وما اسم الجهة التي تصدر وثيقة الشرف والحصانة؟ وما عنوانها وأين مقرها؟ ومن السلطة الرسمية التي منحتها الترخيص للعمل في اليمن؟ وما هو نظامها الداخلي وماذا تعني كلمة حصانة؟ وأخيراً من فوض (المدعو) الشيخ عبدالرزاق راجح الكندي أن يكون ناطقاً رسمياً وحاملاً للختم ومفوضاً بالتوقيع عن قبائل كندة؟ فالاعلان اقتصر على تسجيل رقم هاتف فقط.

7- إن طرح الإعلان رقم 249 بالضبط كفروع لقبائل كندة يعتبر امراً من الصعب تأكيد صحته من حيث المحتوى والشمول والدقة، فبعض أسماء تلك الفروع كتبت خطأ وعلى سبيل المثال لا الحصر وحسب الكشف المتسلسل الوارد بالإعلان بابجير (34) وباشرحيل (97) وباسيواد (232) والصحيح بابحير وباشراحيل وباسَيْود على التوالي، ومن حيث الشمول فهناك مثلا آل باشراحيل يتفرع عنهم آل حميد وآل باغيمان وآل بن جبير وآل وحدين، وهؤلاء لم يشملهم الكشف.

وفي الحقيقة أن مثل هذه القضايا إذا ما أريد بحثها بدقة والتعمق فيها بغرض التعرف على الأنساب، فيفترض ان تقوم الجهات المتخصصة في الجامعات ومراكز البحوث بالدراسات عنها، معتمدة على المرجعيات الأساسية التي كانت ومازالت موجودة في حضرموت وشبوة، لا أن تطرح بالطريقة وفي التوقيت غير المناسبين.

8- إن الشكل والمضمون اللذين طرحا بالصورة التي وردت بالإعلان المذكور قد قوبلا - كما تلمسنا- بسخط كبير من قبل أفراد المجتمع بمختلف فئاته، وستكون لهما - كما نعتقد- انعكاسات سلبية على فروع قبائل كندة نفسها من جهة، وعلى بقية المنحدرين من قبائل وعشائر أخرى من جهة ثانية، والمشكلة أنه على مستوى فروع قبائل كندة، فهم كما هو معروف في الأعراف المرفوضة من قبلنا يقسمون إلى شرائح اجتماعية مختلفة لا حاجة لنا في ذكرها لأنها لا تتناسب ومنطق العصر، وحتى شريحة المشايخ تقسم أيضاً إلى درجات ومستويات. والغريب أنه إذا كان مجرد التسلسل الرقمي لأسماء فروع قبائل كندة الوارد بالإعلان قد أثار استياء الكثيرين من أبنائها، فما بالنا بالآتي من مشاكل مع الآخرين؟ كما أن التعصب والتميز لقبائل كندة سيستفز ويثير قبائل أخرى في المنطقة على سبيل المثال لا الحصر نهد وسيبان والشنافر وآل تميم، وشرائح وكتل سكانية لها وزنها الكبير في المجتمع من حيث المكانة والتأثير الديني والاجتماعي مثل بني هاشم (آل البيت) الذين نكن لهم كل المحبة والتقدير والاحترام.

9- ومع زيادة الوعي فالناس وبصورة خاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية حصل بين معظم أسرها من مختلف الشرائح تصاهر واندماج اجتماعي وتعايش مشترك سادته المحبة والتسامح، والطرح القبلي المتعصب يهدد بقاء واستمرار مثل تلك العلاقات الإنسانية الرائعة، وينذر بفتن ونعرات وخلافات بين كافة مكونات المجتمع الموحد وتشتيته وإشغاله بأمور تبعده عن قضاياه الاساسية، فالبلاد في غنى عنها لأن ما فيها يكفيها من ثأرات وتفرقة ومآسٍ. وبالتالي فإننا نعتقد أن الاعلان المذكور لم يكن موفقاً لا من حيث التوقيت ولا المضمون، ونأمل ألا يكون هذا الأمر مقصوداً وله مآرب أخرى.

10- وختاماً فالحصانة يضمنها الدستور والقانون، وليس وثيقة شرف وحصانة ملتقى قبائل كندة، وأن التباهي والتعالي على الآخرين ترفضه قيم ديننا، والشاعر يقول:

لا تقل أصلي وفصلي يا فتى

إنما أصل الفتى ما قد حصل

ورسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام يقول «لا فرق بين عربي أو عجمي إلا بالتقوى» ويقول أيضاً «كلكم لآدم وآدم من تراب». وفي القرآن الكريم يقول تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».

وعليه فإننا نطالب وندعو كل من له اهتمام بهذا الشأن والمثقفين بوجه عام وأبناء كندة خاصة، أن يقفوا مع منطق الدولة الحديثة بقيمها الإسلامية وأن ينبذوا ويبتعدوا عن أي نعرات قبلية أو فتن تهدد تفكك المجتمع وتشتت الوحدة الوطنية، وأن يقولوا كلمة حق.

mabashrahil @hotmail.com

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى