رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

>
شائف محمد الخالدي
شائف محمد الخالدي
1- شائف محمد الخالدي: حصد شعره (106) البومات غنائية .. الولادة والنشأة .. شائف محمد خالد القعيطي (أبو لوزة) من مواليد 1932م في يافع العليا، الموسطة، القعيطي، وادي الجاه «وهي منطقة تميز ابناؤها بتوارث ملكة الشعر عن آبائهم وهو ما حدث مع الطفل شائف بن محمد الخالدي الذي بدأ ينظم أولى قصائده بمجرد تعلمه قراءة القرآن والكتابة في (المعلامة) فكان لؤلؤة لامعة ثمينة في عقد ضم عدداً ممن ورثوا الشعر عن آبائهم ومنهم سالم علي المجدش وقاسم عوض وسعيد يحيى المجدش وغيرهم» (راجع ما كتبه احمد الحامد في كتاب تأبين الفقيد الخالدي - ص 79).

عدن أولى محطات الخالدي

شد الخالدي الرحال الى بندر عدن في العام 1948م وكان في ربيعه السادس عشر واستقر به المقام في مدينة المعلا حيث عمل عاملاً في مينائها العريق وكان زملاؤه يختارون العراء لسورهم فيما كان هو يختار موقعاً فيه مساحة من النور يسعفه للكتابة المرهونة بهاجس الشعر، سلاح الخالدي الذي دفع ثمنه، عندما نفته السلطات البريطانية أواخر خمسينات القرن الماضي إلى جعار لنشاطه الملحوظ في جمعية الاصلاح اليافعية التي اندمجت مع عدد من التنظيمات السياسية والاجتماعية لتشكل الجبهة القومية.

حرص الخالدي اثناء اقامته في جعار على السهر في ساحة فرن الشعملي لكتابة أشعاره في حين كان زملاؤه نياماً ولا يسهر الليل الا من عنده اعتمالات الشعر وهي تعصف به من داخله.

الخالدي في صفوف الثورتين

لئن كانت السلطات البريطانية قد نفت الخالدي أواخر الخمسينات من عدن الى جعار فقد شاءت الاقدر للخالدي مواكبة الانتفاضة التي قادها محمد بن عيدروس العفيفي وأحمد بن بوبكر النقيب وزملاؤهما ومنهم صالح عبداللاه البادع ومحمد صالح المصلي ضد السلطات البريطانية عام 1958م.

لبى الخالدي مع آلاف الجنوبيين نداء الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر 1962م في الشمال وحملوا أرواحهم على أكفهم ولم ينتظروا جزاء ولا شكوراً ورابطوا في كل جبل وواد. التحق الشاعر المناضل الخالدي بصفوف الحرس الوطني وسجل موقفاً ميدانياً في معارك الشرف: معركة ارحب والحيمتين وجحانة خولان وغيرها.

عند قيام ثورة 14 اكتوبر 1963م في الجنوب، عاد الخالدي الى عدن والتحق بجبهة الاصلاح اليافعية وسبق أن تطرقنا الى دورها، ولم يسقط السلاح من يد الخالدي، حيث التحق بالشرطة الشعبية بعد الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م وظل الخالدي في السلك الشرطوي حتى عام 1972م قبل انتقاله الى وزارة السياحة عاملاً بأجر زهيد.

بلغ البؤس بالخالدي وبمناضلين آخرين مبلغاً عبر عنه الخالدة بقصيدة قال في مطلعها:

وللوا على اموالي عصابة سارقة

شلة خبيثة لا لها مبدأ ولا ميثاق

كلوا شقانا بالشموس الشارقة

وشلوا السامان ما خلوا لنا معلاق

الخالدي والحس القومي المبكر

اعلن الشاعر المناضل الخالدي انحيازه لزعامة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وهي الزعامة الكاريزمية التي سيطرت على مشاعر الأمة العربية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي، حيث جاءت قريحة الخالدي بقصيدة في 16 اكتوبر 1958م جاء في مطلعها:

الخالدي قال يالعين اسهري

وواصلي بالسهر مثلي ليال

خليني اسلي ويسلي خاطري

لما سمعت المعارك والقتال

في مصر قاموا على المستعمري

وانتفض الشعب وابطال النضال

بالبندقية وطعن الخنجري

لبوا نداء دعوة القائد جمال

برزت النزعة الوحدوية عند الخالدي عندما قال في نفس القصيدة:

متى عسى يا سحابة تمطري

على يمنّا جنوبه والشمال

الخالدي والهاجس الوحدوي

لم يكن الخالدي من دعاة التأجيج للاحتقان الذي اعترى العلاقات الجنوبية - الشمالية وهذا هو الخالدي ينادي صنعاء في احدى قصائده عام 1972م:

صنعاء اليمن يا عاصمة بلادي

لبي النداء وحققي مرادي

اليك يا صنعاء عدن تنادي

والشعب اعلن نجدته ولسعاف

هذا هو الخالدي يعرب عن ابتهاجه بالوحدة اليمنية التي تحققت:

وبعد وحدة بلادي

وجمع شمل الاهالي

با ارتاح راحة سعيدة

وان مت باموت سالي

باودي اخبار طيب

لبي وعمي وخالي

واشرح لأهل المجنة

اخبار اول وتالي

الخالدي وعزة «سرو حمير»

لئن عبر الخالدي عن انتمائه القوي والوطني، لكن تبقى الارض مسقط الرأس وهاجس الرأس وهنا يقول الخالدي:

عزي بيافع مسقط الرأس الابي

افخر بانه وكر اشبال النمار

مالك وقاصد جزء واحد من جسد

ذا جنبي الايمن وذا الجنب اليسار

الخالدي .. «خذ وهات» وعشرات الالبومات

يحسب للشاعر الشعبي الكبير شائف محمد الخالدي دوره في احياء تراث شعراء النقائض في الادب الاسلامي (جرير + الفرزدق+ الاخطل) مع سلسلة من شعراء اليمن المعروفين من ابرزهم أحمد محمد الصنبحي وأحمد علي طاهر القيفي وأحمد عبدربه المعمري وعبدالله صالح العلفي ومحمد عبدالله بن شهيون.

طبقت شهرة قصائد الخالدي الآفاق سيما وأنها اخذت نصيبها الوافر من التلحين والغناء، وقد ساح إبداع الخالدي في 3000 قصيدة على امتداد مشواره في الشعر خلال الفترة 53-1999م وصدرت من اشعار الخالدي 106 البومات غنائية بصوت المطرب حسين عبدالناصر، كما غنى له كل من علي جابر اليزيدي وعلي صالح اليافعي وغيرهما (راجع «الاتحاد» الاماراتية، العدد 7744 - 21 ابريل 1996م).

شعر الخالدي: مرآة الواقع الاجتماعي

عندما تقرأ الاجيال القادمة شعر شائف محمد الخالدي ستتمكن في الوقت ذاته من قراءة الواقع الاجتماعي الذي عاشه الشاعر، واخترت لهذا الغرض 5 نماذج:

1- عليك بالله يا وقت العياء والنكد

غير طباعك وبدلها وخل العناد

حدد محل الثعالب من محل الاسد

لا تعطي النذل فرصة يستغل العباد

النذل لا حصل فرصة طغى واستبد

وبايسوي مناكر فاحشة في البلاد

3- الخالدي قال شايف

من شله السيل شله

ماينفعه مال ورث

ولا يفيده بكا اهله

كم ناس سارت وراحت

غيره ودونه ومثله

سرو حمير تستقبل ولدها الخالدي

بعد صراع مرير مع المرض دام عدة اشهر فاضت الروح الطاهرة للمناضل والشاعر والانسان شايف محمد الخالدي في نهاية الرمق الاخير من ليل 31 ديسمبر 1998م في غرفة العناية المركزة بمستشفى السلامة بمدينة جدة في المملكة العربية السعودية، ولم يفت ولده خالد شايف الخالدي بان يسجل امتنان الاسرة للكرام من ابناء سرو حمير الذين وقفوا الى جانب والده في محنته وعلى رأسهم الشيخ الفاضل عمر قاسم العيسائي والشيخ محمد عبدالحافظ بن شيهون والشيخ قاسم الشرفي والشيخ محسن علي النقيب والشيخ قاسم ثابت العيسائي، كما سجل شكره لكل من ساهم واجتهد لنقل جثمان والده الى ارض الوطن وعلى رأسهم الوالد علي بن علي ابوبكر.

وفي ثرى سرو حمير (يافع) ووري الجثمان الطاهر للخالدي ومثلما اعتز الخالدي بأرضه يافع فها هي ارض يافع تبادله الاحسان وتستقبله وتحتضنه.

حسين عبدالقوي
حسين عبدالقوي
2- العميد حسين عبدالقوي: نصف قرن إبداع وأوسمة رفيعة ومعاش متواضع .. الولادة والنشأة .. العميد حسين عبدالقوي حسين يحيى من مواليد 1934م في المحجبة سلطنة يافع العليا وتلقى دروسه الاولية في كتاب معلامة الفقي الحريري وقضى سنوات طفولته في ربوع قريته، وكعادة الريفيين من سكان الجبال يتقمص الصغار لبوس الرجال وكذلك كان حال حسين عبدالقوي الذي قرر مواجهة التحدي القادم.

حسين عبدالقوي ورحلة الالف ميل في الموسيقى

في العام 1947م يودع حسين عبدالقوي جبال يافع وهو في ربيعه الثالث عشر في طريقه الى عدن، وحط الرحال في معسكر ليك (LAKE LINE) - معسكر عبدالقوي حالياً - في الشيخ عثمان وكان المعسكر تابعاً لجيش محمية عدنAPL واختصرت العامة تسميته بـ الليوي(LEVIS) . التحق حسين عبدالقوي بفرقة الموسيقى النحاسية العسكرية برتبة جندي وكان قد سبقه اليها رائد الموسيقى العسكرية الاستاذ عبدالله علي سعيد اللحجي ، رحمه الله.

حسين عبدالقوي يتأهل في بريطانيا

ابتعث حسين عبدالقوي ولأول مرة إلى بريطانيا عام 1963م في دورة تأهيلية في مجال الموسيقى العسكرية لمدة عام واحد حيث التحق بالاكاديمية الملكية للموسيقى العسكرية وعاد بعدئذ إلى الوطن ومنح رتبة ملازم ثان.

بعد بضعة أشهر ابتعث حسين عبدالقوي الى بريطانيا والتحق بنفس الاكاديمية الموسيقية في دورة قيادية عليا مدتها خمس سنوات، وأظهر حسين عبدالقوي تفوقاً على كل الطلاب الدارسين من الوافدين إلى بريطانيا من وراء البحار ومنح ميدالية جراهام والاس كأفضل طالب وافد.

حسين عبدالقوي مايسترو الموسيقى العسكرية

عاد حسين عبدالقوي من بريطانيا عام 1970م بعد دورة قيادية عليا دامت خمسة اعوام وحمل معه شهادة تخرجه وميدالية افضل الوافدين للدراسة وانتزع استحقاق قرار التعيين قائداً لفرقة الموسيقى العسكرية النحاسية، وكان من افراد فرقته الموسيقية شيخ عبدالله عمر ومحمد احمد المخزوم.

حسين عبدالقوي صانع الالحان والنوتات

مارس المايسترو حسين عبدالقوي ابداعه الموسيقى من خلال فرقة الموسيقى العسكرية النحاسية في مقرها بمعسكر ليك (عبدالقوي حالياً) حتى نيل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م وانتقلت بعد ذلك الى معسكر صلاح الدين.

برزت بصمات المايسترو حسين عبدالقوي عندما وضع لحن النشيد الوطني لاتحاد الجنوب العربي: «عشت يا هذا الجنوب، وحدة بين القلوب من ارادة الشعوب .. عشت حراً في اباء، شامخاً في كبرياء، وتحد للخطوب». وكانت من كلمات لطفي امان وقام المايسترو بعد ذلك بكتابة النوتة الموسيقية للنشيد وملخص (السلام الوطني).

كما قام المايسترو حسين بكتابة النوتة الموسيقية للنشيد الوطني لليمن الديمقراطية في ثمانينات القرن الماضي في عهد الرئيس علي ناصر محمد، وهو النشيد المعروف «رددي ايتها الدنيا نشيدي»، الذي اعتمد نشيداً وطنياً لدولة الوحدة وقام المايسترو حسين بإعادة كتابة نوتته وبخط يده وبنفس المقامات الموسيقية.

المايسترو حسين عبدالقوي يتصدر فعاليات بارزة

برز ظهور المايسترو حسين في فعاليات بارزة منها مشاركته في عزف الموسيقى الملكية عند زيارة الملكة اليزابيت الثانية، ملكة بريطانيا، لعدن في ابريل 1954م، وتجلت قدراته القيادية في سائر الاحتفالات الرسمية سواء في فعاليات الدولةأو الحزب في المحافظات الجنوبية أو عند زيارة رؤساء الدول، وصادف ابلاغ المايسترو بزيارة عدد من الرؤساء على حين غرة وقام المايسترو بكتابة نوتة النشيد الوطني لبلاد الرئيس الزائر وأجرى بروفات سريعة مع أفراد فرقته وأبدع في مهمته أيما إبداع ونال المايسترو تقدير واستحسان القيادة السياسية.

صحيفة «26 سبتمبر» شاهدة على عظمة المايسترو حسين

قدمت صحيفة «26 سبتمبر» الناطقة بلسان وزارة الدفاع ريبورتاجا شاملاً لفعاليات الذكرى الاولى لقيام دولة الوحدة التي صادفت الاربعاء الموافق 22 مايو 1999م وأشارت بالبنط العريض: «من هو المايسترو الذي وقف خلف نجاح المهرجان؟». وبرز المانشيت مشفوعاً بصورة المايسترو حسين عبدالقوي.

ابداع نصف قرن ووسام الآداب والفنون يقابلهما معاش متواضع

حصل العميد الركن والمايسترو المخضرم حسين عبدالقوي على وسام الاخلاص من الرئيس الاسبق علي ناصر محمد في 1 يناير 1983م وعلى وسام الآداب والفنون من الرئيس الاسبق حيدر ابوبكر العطاس في 22 فبراير 1989م، وعلى ميدالية التفوق العلمي للعام الدراسي 81/1982م من د. حسن احمد السلامي، وزير التربية والتعليم الاسبق.

عين العميد الركن حسين عبدالقوي مدير دائرة الموسيقى والمسرح العسكري بعد قيام دولة الوحدة، وكان نائبه العميد ابراهيم طاهر محمد البلول، وبلغت ذروة ابداع العميد حسين الذي تراكم على مدى نصف قرن عندما قام المهرجان الضخم بالذكرى الاولى لقيام دولة الوحدة على كتفي العميد المخضرم والمبدع حسين عبدالقوي، وبالمقابل بلغت ذروة المأساة عندما احيل للتقاعد قسرا ًبعد حرب صيف 1994م بمعاش لا يليق بعطاء دام لنصف قرن تخرج خلاله عشرات الكوادر التي تربت على يديه ولا يليق بالاوسمة الرفيعة التي استحقها.

من يصدق ان هذا الرجل الكبير معاشه لا يتجاوز 25 ألف ريال؟! قال لي الوالد حسين عبدالقوي: «لقد ظلمت في معاشي المتواضع الذي يساوي (9%) من راتب أو معاش كادر في الموسيقى العسكرية من ابنائي في اي دولة خليجية». ويضيف الوالد حسين: «ومثل هذا الظلم لن ينهيه الا فخامة الاخ الرئيس علي عبدالله صالح حفظه الله».

العميد المخضرم حسين عبدالقوي متزوج ولديه ولد واحد وهو عبدالسلام وأربع بنات وعدد من الأحفاد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى