> اطمئن واسترح قليلاً، جوبلز، فلم يعد في فعلنا الثقافي ما يكدر خاطرك. أقول لك إنه لا داعي لأن تتحسس خاصرتك المنتفخة لتتأكد من مكان مسدسك العتيق كاتم الصوت سريع الطلقات، لا داعي لكل هذا، فهي قد انفرجت من تلقاء نفسها فقد انحدرت الثقافة مثلما انحدر كل شيء في هذا الزمن شديد الانحدار.

السامر العربي، مربد النشيد وعكاظ الشعر، استحالا إلى مسخ وخناء في عصر الفيديو الكليب. مساء الأمس وقبل أن ينتصف الليل شعرت بالإشفاق الشديد نحو الحال الكئيب الذي صارت إليه الثقافة (العربية). على مسافة زمنية أربت على ساعة فلكية كاملة، كان ذلك المثقف الرديء يحث لسانه على استخدام مفردات صعبة -لكي يبدو مثقفاً- كان كلامه مزيجاً عكراً من العامية الركيكة والرطانة الأجنبية. كان مصور المقابلة يركز، على طريقة مصوري أغاني الفيديو كليب، على صلعة الرجل تارة، وعلى ربطة عنقه تارة أخرى. كان الحديث سقيماً والأسئلة هشة والموضوع لا علاقة له بالثقافة الأصيلة أو بهموم الناس.

ازداد شعوري بالشفقة، عندما أدركت مغزى التوقيت، ففي تلك اللحظات من الهزيع الأخير من الليل تكون الأيدي الرخوة قد لامست أزرار (الريموت) لتتخير من القنوات في تلك العتمة ما يغرقها في الأفلام (الثقافية) والأغنيات (الثقافية) هزا للوسط ودحرجة للبرتقالة. يفتخر العرب المعاصرون بأنه أصبح عندهم الآن مائة فضائية، آسف مائة فضائحية.

ترحمت كثيراً على العملاق الذي مات منفياَ؛ نزار قباني، كما ترحمت كذلك على سيدة الغناء العربي الأصيل الراحلة أم كلثوم، وهما يبدعان الأنشودة الغنائية: أصبح عندي الآن بندقية.