مفهوم جديد للديمقراطية في كرة القدم اليمنية

> محمد حمود اللوزي:

> خلال تداعيات أزمة الأسبوعين الشهيرة في كرة القدم اليمنية، تفتق ذهن أحد العباقرة عن فكرة مبتكرة، تتضمن مفهوماً جديداً للديمقراطية، فقال بما أننا في عصر الأمركة فإن الحل الناجع لهذه المشكلة هو تطبيق (الديمقراطية الأمركاني)، وهذا مفهوم جديد للديمقراطية، جوهره أن الأغلبية تفرض رأيها على الأقلية حتى ولو كانت الأقلية صاحبة حق قانوني بل وحتى لو كانت الأغلبية مخالفة للقانون، لأن الديمقراطية أهم من القانون، فالمعارك الكبرى تشتعل، والضحايا تسقط بالآلاف من أجل عيون الديمقراطية ولم نسمع عن أي معركة اشتعلت من أجل القانون.. إذن فلتحيا الديمقراطية الجديدة وليذهب القانون إلى الجحيم.

وتحقيقاً لهذا المفهوم العبقري للديمقراطية، دعا اتحاد الكرة جميع الأندية لعقد اجتماع ديمقراطي لحسم مشكلة الأسبوعين الشهيرة، وطرفا المشكلة هما خمسة أندية صارت أربعة، وتسعة أندية صارت عشرة، وكان السؤال هو: هل نطبق العقوبات على الأندية التي خالفت القانون وامتنعت عن اللعب في الاسبوعين الأولين من الدوري؟ أم يتم إعادة مباريات الجولتين؟ وكانت النتيجة الطبيعية هي قرار ديمقراطي بالأغلبية يوافق على إعادة المباراتين، وهي نتيجة معروفة سلفاً، لأن القول بغير ذلك يعتبر نوعاً من الخيال، إذ هل يعقل أن تقول الأغلبية المخالفة للقانون إنها تطالب بتطبيق العقوبة عليها؟! ورغم ذلك، فإن اتحاد الكرة كان سعيداً بهذا الحل العبقري الذي ينهي المشكلة من وجهة نظر الاتحاد، لكي يتفرغ للنهوض بالكرة في جو هادئ ومستقر، وليذهب القانون والمتمسكون به إلى الجحيم ماداموا أقلية.

ومن الأمور الغريبة خلال هذه الازمة ما بدر من بعض الصحفيين الذين سخروا أقلامهم للترويج للمفهوم الجديد لهذه الديمقراطية الامركاني، تحت شعارات تقديم التنازلات من أجل المصلحة العليا للوطن ومن أجل مصلحة كرة القدم، وصلح أصلحكم الله، وكأن المصالح لا تتحقق إلا من خلال التخلي عن المبادئ والقيم وتجاهل القانون ومكافأة المخالفين لأنهم أغلبية، كما أنه لا يمكن التضحية بمطالب الأغلبية من أجل الحقوق القانونية للاقلية، لأن ذلك من وجهة نظرهم يعد مخالفا للديمقراطية الجديدة، وينسون أنهم بتجاهلهم للقانون وتخليهم عن دورهم في المحافظة عليه، وبالتضحية بالقيم والمبادئ والترويج للتنازلات والترضيات، لأن ذلك من وجهة نظرهم يحقق مصلحة كرة القدم ويجلب الاستقرار والهدوء، ولكن الحقيقة هي أن هذا النهج يعد بمثابة أداة لتحويل الأقلام في أيديهم إلى معاول للهدم والتدمير بدلاً من البناء والتعمير.

إن الصحافة هي ضمير الأمة وهذا يلقي على عاتقها مسئولية الدفاع عن القانون وترسيخ قيم العدل والنزاهة وأن القانون فوق الجميع، وأنه يجب تطبيق القانون حتى وإن كان المخالفون هم جميع الأندية، وليكن واضحاً أن الديمقراطية لا تعطي الحق للمخالفين في أن يقرروا هل يطبق القانون عليهم أم لا؟ لمجرد أنهم أغلبية، وتضيع العدالة وتسود الفوضى في ظل السعي لإرضاء الأغلبية على حساب الأقلية صاحبة الحق.

ومن جهة أخرى فإن هذا المفهوم العجيب للديمقراطية جعل المتضررين يفقدون صبرهم ويرفعون شعار القانون فوق الجميع ويجب تطبيقه على المخالفين، أغلبية كانوا أم أقلية، فالعدالة والمبادئ وسيادة القانون لا تقبل أي تنازلات ولتذهب الكرة إلى الجحيم فلا خير في كرة قدم تتجاهل القانون وحقوق الأقلية، ومبادئ العدل، وقيم الالتزام والنزاهة، فالرياضة مدرسة للأخلاق واحترام القوانين، والالتزام بالنظم والقرارات، وهي أداة لترسيخ القيم الفاضلة، قبل أن تكون وسيلة لكسب البطولات، والكؤوس، والميداليات، ومن يتمسك بالقيم الفاضلة فهو الرابح، حتى وإن خسر البطولة، فالاخلاق أولاً، والمبادئ أولاً، والقيم الفاضلة أولا، والعدالة أولاً، ذلك إن أردنا تحقيق مصلحة الوطن ومصلحة كرة القدم في بلادنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى