ما بين ضياع التشريعات وعدم اكتراث أصحاب المهنة .. (قانون الصيدلة والدواء) لماذا تأخر إصداره ؟

> «الأيام» د. علي محمد الأكحلي:

>
د. علي محمد الأكحلي
د. علي محمد الأكحلي
هل حان الوقت للكلام بشفافية؟! قرأت مؤخراً خبراً بأن وزارة الصحة العامة على وشك تقديم مشروع «قانون الصيدلة والدواء» الى مجلس الوزراء لمناقشته وإحالته الى مجلس النواب لإقراره حتى يصدر به قانون جمهوري.

والحقيقة أن إصدار هذا القانون المنظم لمهنة الصيدلة قد تأخر كثيراً، حيث إن أول مسودة لهذا القانون قد تم إنجازها قبل 9 سنوات تقريباً وبحسب التسلسل الآتي

أولاً : تم إنجاز المسودة الأولى في عام 1997م بمساعدة منظمةGTZ الألمانية (في عهد وزير الصحة د. عبدالله عبدالولي)، راعت فيه الكثير من الجوانب التي ذكرت في القوانين السابقة لعام 97م وكذا مشاريع لقوانين لم تصدر وكانت محفوظة في ارشيف الوزارة، ومنها ما هو قبل الوحدة وما بعدها، أهمها:

1- قبل الوحدة (الشطر الشمالي):
(أ ) قانون مزاولة مهنة الطب رقم (9) لعام 1971م.

(ب ) قرار جمهوري بالقانون رقم (44) لعام 71م بانشاء الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية.

(ج) قرار جمهوري بالقانون رقم (30) لعام 75م بشأن إعادة تنظيم الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية.


2- قبل الوحدة (الشطر الجنوبي) :
(أ) القانون رقم (40) لعام 72م بانشاء الشركة الوطنية للأدوية واللجنة العليا للأدوية.

(ب) قانون مزاولة المهن الطبية والصيدلانية رقم () لعام () .

(ج) قرار مجلس الوزراء رقم (3) لعام 1988 بشأن إعادة تنظيم المؤسسة الوطنية للأدوية واللجنة العليا للأدوية.

3- بعد الوحدة :
(أ) مشروع قانون الصحة العامة لعام 1990م.

(ب) قانون مزاولة المهن الصحية رقم (32) لعام 1992م.

وقد جاءت مسودة المشروع في 3 أبواب عبارة عن 17 فصلاً وتحتوي على 89 مادة .

ثانياً: تم إنجاز المسودة الثانية في العام التالي أي في عام 1998م (بعد تنقيح مسودة عام 1997م)، الاّ أنها بقيت حبيسة الأدراج!

ثالثاً: في عام 2002م تم تنقيح المسودة الثانية - مسودة عام 1998م (في عهد وزير الصحة د. عبدالناصر منيباري) وتم تجهيز مشروع القانون، أخذاً بالاعتبار صدور القرارات والقوانين التالية:

(أ) القرار الجمهوري رقم (231) لعام 1999م بشأن إعادة تنظيم الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية.

(ب) مشروع قرار مجلس الوزراء لعام 2001م بشأن لائحة تنظيم تجارة الأدوية والمستلزمات الطبية وما في حكمهما.

(ج) قانون رقم (26) لعام 2002م بشأن مزاولة المهن الطبية والصيدلانية.

وقد جاءت مسودة المشروع في 8 أبواب عبارة عن 16 فصلاً ويحتوي على 94 مادة وقد أقامت وزارة الصحة ورشة عمل (ندوة) في 28-29 ديسمبر 2002م بحضور خيرة الصيادلة المشتغلين في هذه المهنة من مختلف المحافظات و مختلف الوظائف بهدف مناقشة هذه المسودة، حيث تم إغناء المشروع بالتعديلات والإضافات والحذف، وخرجت بتوصيات الى وزارة الصحة بأخذ ملاحظات المشاركين في هذه الندوة بالاعتبار. واختيرت لجنة من الحاضرين لمتابعة هذا الموضوع مع وزارة الصحة لإنجاز المسودة النهائية .

(2) وإنني عندما أتكلم عن الصيدلي في هذه المقالة، فإنني أقصد الصيدلي القانوني(Certified Pharmacist) وهو «الشخص الذي يحمل شهادة بكالاريوس في الصيدلة من إحدى الجامعات اليمنية المعتمدة أو الجامعات الأجنبية المعترف بها والمجازة من قبل المجلس الطبي، وأن يكون مسجلاً في هذا المجلس و مقيداً في سجلاته وكذا مسجلاً في سجلات النقابة» (وهو التعريف الذي ذكر في القانون الخاص بمزاولة المهن الطبية والصيدلانية رقم 26 الصادر في أغسطس 2002م) . إلاّ أنني لاحظت ارباكاً واضحاً لدى الصيادلة المشاركين في الندوة فيما يخص مسألة تنظيم عمل الصيدليات، حيث ذكر في المادة (24) من الباب (الرابع) على أن يمنح الصيدلي ترخيص فتح صيدلية بشرط أن يكون متفرغاً لها أي أن لا يكون لديه وظيفة أخرى يمتهنها سواء لدى الحكومة أو القطاع الخاص. وهذا الشيء معمول به في كافة الدول العربية.

والاشكالية هنا تكمن في أن أغلب الصيادلة لا يمتلكون الرأسمال المطلوب لتأسيس صيدلية وامتلاك محتوياتها وبالتالي فالأرجح هو أن يلجأ الصيدلي (الذي قرر التفرغ) الى تاجر مستثمر (غير صيدلي) ليقوم بتأسيس الصيدلية من حيث التأثيث وشراء الأدوية منفرداً، أو بمشاركة الصيدلي نفسه بنسبة صغيرة (إذا كان لديه الامكانية لذلك)، وبالتالي سيكون الصيدلي مجرد موظف لدى التاجر يتسلم راتباً، وقد يتحصل على نسبة من الأرباح في نهاية العام في حالة المشاركة! وارتباك الصيادلة يكمن في سؤال مهم : هل سيكون راتب الصيدلي المتفرغ الذي سيمنحه التاجر له كافياً لتغطية متطلبات الحياة المعيشية؟ لأن هذا الصيدلي يتحصل حالياً على أكثر من دخل:

1- راتب موظف مع الدولة (موظف صباحاً).

2- يؤجر ترخيص صيدليته لأحد التجار ويتقاضى مبلغا معينا مقابل ذلك، ولا يعمل داخل الصيدلية بتاتاً ..

3- يعمل بنصف دوام لدى القطاع الخاص (سواء موظفاً أو كمندوب علمي) ويتقاضى مرتباً على ذلك.

وبرغم هذه الدخول الثلاثة (التي يتحصل عليها أغلبية الصيادلة وليس كلهم، لأن البعض لا يجد عملاً بنصف دوام)، إلا أن دخل الصيدلي مازال متدنياً مقارنة مع حساسية المهنة وسنوات دراستها!

وقد لاحظت (قبل وبعد الندوة) أن كثيراً من الصيادلة يتجنبون الحديث عن هذا الموضوع بشفافية وكأنه من المقدسات ولا يجوز الحديث عنه (أي حصولهم على ثلاثة مرتبات) . كما أستغرب أن كثيراً من الصيادلة يتباكون على الوضع المزري للمهنة بينما يعتبرون المسبب الرئيس في تأخير صدور هذا القانون، حيث إنه في كل مرة تكون فيه خطوات جادة لإخراج المشروع الى النور، يعمل الصيادلة (في مختلف مواقعهم) على وضع العراقيل أمامه، متخوفين من مسألة أساسية ذكرت في القانون وتمس حياتهم المعيشية، الا وهي فقدانهم لدخل يتحصلون عليه حالياً بطريقة سهلة من جراء تأجير تراخيص الصيدليات التي يمتلكونها، دون اللهث والتعب الذي سيواجهونه مستقبلاً بسبب شرط التفرغ أو شراء صيدلية وتوظيف صيادلة متفرغين والمذكور في مشروع القانون!

وبدلاً من عرقلة وإفشال هذا القانون، أرى أنه يمكن للصيادلة تحسين وضعهم المادي من وراء تكثيف الضغوط على المعنيين في الدولة لإقرار كادر خاص بمشتغلي مهن الطب والصيدلة والأسنان، بحيث يتم تمييزهم برواتب وعلاوات عالية، حتى يتفرغ هولاء لوظيفة الدولة بشكل جدي ويكون عطاؤهم ذات مردود إيجابي، تنتفع منه الدولة، طالما وسيكون هناك تفرغ.

إنني أرى أن عطاء الصيدلي لمجتمعه هو من خلال الصيدلية بشكل رئيس وليس من خلال وظيفته الادارية، إذ أن المريض يحتاج الى نصيحة الصيدلي في بعض الأمراض البسيطة وكذا يمكن للصيدلي صرف الأدوية المخولة له بدون وصفات طبية لهذا المريض، وبالتالي توفير الوقت والجهد لذهاب هذا الشخص الى العيادة مما سيؤدي الى تقليص عدد المترددين الى هذه العيادات على حساب مرضى آخرين يحتاجون فعلاً الى كشف الطبيب لهم.

(3) وهذا الإجراء معمول به في كثير من الدول، حتى أن السلطات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية تقوم في كل عام برفع عدد الأدوية الجنيسة (generics) الذي يمكن للصيدلي أن يصرفها دون وصفة طبية والسماح للصيدلي بفرز مساحة خاصة داخل الصيدلية مخصصة للاستماع الى المريض، كما تقوم بتزويد الصيدلي بكتيبات إرشادية للتعرف على الأمراض البسيطة من خلال شرح المريض والقيام بصرف الدواء المناسب. فإين نحن من هذا؟؟

وأعود الى مشروع القانون والندوة:

كانت هناك توصية من الندوة بحل هذا الاشكال بأن منحت مهلة خمس سنوات (بعد صدور القانون) لتصحيح الوضع، أي أن على كل صيدلي أن يقرر خلال هذه المهلة : إما امتلاك صيدلية والعمل فيها متفرغاً (عمل حر) أو أن يكون موظفاً لدى الدولة أو القطاع الخاص ( ويحق له العمل مع الدولة صباحاً ومع القطاع الخاص مساءً) .

وقد كان مشروع القانون منصفاً للصيادلة حينما ذكر في احدى مواده جواز أن يمتلك الصيدلي الموظف صيدلية، شريطة أن يوظف في صيدليته صيدلياً قانونياً يقبل بالعمل متفرغاً فيها.

كما أجاز له أو للصيدلي المتفرغ بأن يمتلك أكثر من صيدلية شريطة توظيف صيدلي قانوني مرخص ومتفرغ في كل صيدلية. واشترط القانون أن يستعان فقط بمساعد صيدلي (خريج معهد فني صيدلة) في كل صيدلية، وليس أي شخص آخر.

كما أن مشروع القانون لم يغفل مسألة الصيدليات القائمة حالياً، حيث أعطى في إحدى مواده «الحق لأصحاب الصيدليات الحاليين (من غير الصيادلة) قبل صدور هذا القانون بالاحتفاظ بصيدلياتهم والاستمرار في أعمالهم التجارية شريطة توظيف صيدلي قانوني مرخص ومتفرغ يكون مسئولاً عنها أمام الجهات الصحية».

إن كافة مواد القانون جاءت لتصب في صالح تنظيم مهنة الصيدلة والصيدلي ووضع حد للعبث القائم حالياً.

و سأذكر هنا بعضاً من العبث الحاصل الآن:

1- العبث هو لجوء بعض التجار إلى اختيار موقع الصيدلية المراد فتحها ومن ثم الاتفاق مع الصيدلي على تأجير ترخيص صيدليته ويشترط على الصيدلي أحياناً تثبيت الاسم التجاري للصيدلية الذي سيختاره التاجر ليكون مدوناً على ترخيص الصيدلة (خصوصاً إذا كان الصيدلي حديث التخرج وهو بصدد استخراج ترخيص صيدلية) . ثم يذهب هذا التاجر الى صيدلي آخر لعمل نفس الشيء. وكما أعرف: فإن أكثر من تاجر داخل العاصمة صنعاء يمتلك ثلاث الى خمس صيدليات بهذه الطريقة على الأقل. وقس على ذلك في عواصم بقية المحافظات!

2- العبث هو أن أصبح الناس يدعون صاحب الصيدلية بـ «الدكتور» (وهو تاجر خريج ابتدائي أو ثانوي)، كما أعرف بعض التجار المستوردين يقدمون أنفسهم باسم «الدكتور»، أحدهم خريج شريعة وقانون! ناهيك عن المواطنين الذين يترددون على الصيدليات ويدعون الشخص الموجود بداخلها بـ «الدكتور» وهو شاب صغير انهى الدراسة الثانوية على أكثر تقدير أو فني صيدلة (سنتين بعد الثانوية)!!

3- العبث هو أن يقوم هؤلاء القائمون على الصيدليات (دخلاء المهنة) بتشجيع التهريب، حيث يقومون بشراء الأدوية المهربة والمزورة (المقلدة) دون وازع ضمير، لأنهم لم يدرسوا في كليات الصيدلة ماذا يعني استقلاب المركبات الكيماوية في جسم الانسان خصوصاً إذا حشيت هذه الأدوية بمواد لا تستخدم للاستهلاك الآدمي، ولا خطورة مثل هذه الأدوية على حياة الإنسان، وكل همهم أنهم سيكسبون ربحاً كبيراً (لا يقل عن 80%) من وراء بيع هذه الأدوية.

أما في حالة وجود صيدلي قانوني في الصيدلية، فإنني أؤكد أن مثل هذه الظاهرة ستختفي تماماً، إذ سيرفض الصيدلي شراء مثل هذه الأدوية وبالتالي لن يجد المهرب سوقاً يهرب الدواء اليه وسيتوقف تلقائياً عن تهريب الأدوية. كما سيرفض الصيدلي القانوني شراء أدوية هربت (أو سرقت) من مستشفيات حكومية كما هو حاصل الآن، أو أن يبيع عينات مجانية مخصصة للأطباء.

4- العبث هو عدم وجود لائحة من وزارة الصحة تحدد «المواد السمية والخطرة والمخدرة والمؤثرات العقلية» والتي يجب أن تحفظ في الصيدلية في صندوق له مواصفات خاصة كما لا يوجد لدى الصيدليات نظام ضبط هذه الأدوية من حيث الوارد والمنصرف مع ضرورة أخذ الوصفة من المريض والاحتفاظ بها.

كما لا توجد لائحة من وزارة الصحة تحدد شكل ومواصفات الروشتة الطبية الخاصة بهذه الأدوية كما هو معمول به في الدول الأخرى وإلزام الطبيب بالتقيد بالكتابة عليها.

5- العبث هو عدم وجود لائحة صادرة من وزارة الصحة (أو اللجنة العليا للأدوية) توضح انواع الأدوية التي يجب أن تصرف بوصفة طبية وأن تختم بختم الصيدلية بعد الصرف، وتلك التي يمكن صرفها بدون وصفة (over-the-counter) والحاصل هو أن القائمين على الصيدليات يعتبروk كل الأصناف لديهم هي أدوية لا تحتاج الى وصفة طبية من حيث المبدأ، طالما وأن لا رقابة عليهم، بحيث يقومون بصرف الأدوية وفق معرفتهم بالشخص المشتري، فيطلبون من شخص ما روشتة لدواء معين ولا يطلبونها من شخص آخر (معروف لديهم) لنفس الدواء !

وهناك أنواع كثيرة من العبث لا يسع الحيز هنا لذكرها.

إن مسألة فتح وتنظيم عمل الصيدليات هي فقط أحد الجوانب التي تطرق اليها القانون، ولكن هناك مسائل أخرى تخص تنظيم مهنة الصيدلة في جوانب أخرى قد تطرق اليها هذا القانون المهم.. ولي هنا ملاحظة حول تسمية القانون بـ«قانون الصيدلة والدواء» إذ من الأفضل تسميته بـ «قانون مزاولة مهنة الصيدلة»، وهي التسمية الموجودة فعلاً في دول عربية سبقتنا في إصداره مثل: تونس، العراق، الأردن، السعودية، لبنان وسوريا ..إلخ.

وإذا كانت اللجنة التي صاغت مشروع القانون قد أدخلت كلمة «الدواء» لأن بعض مواد القانون قد تطرق له، فقد لاحظت أن التطرق كان عاماً وغير تفصيلي، إذ أرجع كل الأمور المتصلة بتنظيم الدواء (من حيث تسجيله واستيراده وتسعيره وبيعه والرقابة عليه) الى «الهيئة العليا للأدوية» والتي بدورها يحكمها القرار الجمهوري رقم (231) لعام 1999م «بشأن إعادة تنظيم الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية».

كما يمكن تفعيل مشروع قرار مجلس الوزراء لعام 2001م بشأن لائحة تنظيم تجارة الأدوية والمستلزمات الطبية وما في حكمهما في هذا الشأن. وبالتالي لا توجد ضـرورة لإقحام كـلمة الدواء في تسمية القانون.

وعليه، فإننا نتعشم (نحن معشر الصيادلة) من الأخ وزير الصحة الحالي د.يحيى محمد راصع بأن يخرج مهنة الصيدلة من عنق الزجاجة بمتابعته الشخصية لإصدار هذا القانون، والذي سيسجل له كإنجاز كبير خلال عهده، متوجاً بذلك جهود زملائه من الوزراء السابقين الذين بذلوا جهداً يشكرون عليه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى