تاريخ المجلس التشريعي العدني

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

>
من اجتماعات المجلس التشريعي ويبدو عبدالله ابراهيم صعيدي (الأول من اليسار) بحضور بعض المسؤولين في الإدارة البريطانية
من اجتماعات المجلس التشريعي ويبدو عبدالله ابراهيم صعيدي (الأول من اليسار) بحضور بعض المسؤولين في الإدارة البريطانية
في عام 1871م تم افتتاح مبنى المجلس التشريعي العدني الذي كان في ذلك الوقت كنيسة (القدسية ماريا)، وكان به لوحات تذكارية تمجد الرواد الأوائل الذين ذهبوا في أعمالهم على ازدهار عدن، وكانت حفلات افتتاحه في كل عام تلبس فيها النساء قبعاتهن الملونة ويرتدي الرجال ملابسهم الزاهية.

وقصة المجلس التشريعي العدني في تاريخ الحكم البريطاني لعدن طويلة لها الكثير من المصادر والمراجع، فقد كان الهيئة التي تحكم عدن، ومدى التطور البرلماني الذي عرفته هذه المدينة، فقد كانت عدن تدار شؤونها عبر حكومة الهند ولكن في عام 1932م انفصلت عن محافظة بومباي وتحولت إلى مقاطعة تابعة لحكم (كمشنر رئيسي) يتبع حكومة الهند بشكل مباشر، وكان أول من حكم عدن في هذا الوضع السياسي هو الكولونيل (بي. أر. رايلي)1930- 1933م، وفي تاريخ 1 أبريل عام 1937م أصبحت عدن مستعمرة تابعة للتاج البريطاني، وكان ذلك في فترة حكم الكولونيل رايلي أيضاً وهي آخر فترة له بحكم عدن، وكانت الفترة الثانية من عام 1933م حتى عام 1937م والأخيرة من عام 1937م حتى عام 1940م، وكانت عدن تدار بواسطة إدارة المستعمرات في لندن، وفي ذلك التاريخ أصبح المقيم في عدن السير برنارد رايلي أول حاكم عام لمدينة عدن، كما ترأس الدستور الجديد الذي ظهر في ذلك الوقت.

ومنذ عام 1937م وحتى عام 1947م كان التشريع في عدن بيد الحاكم العام، وقد شغل هذا المنصب السير ريجنالد شامبيون من عام 1944م حتى عام 1951م، والذي كان آخر من حكم في ذلك الوضع التشريعي لعدن ويساعده عدد من الرسميين، وعندما عدل القانون في عام 1944م أسس مجلس تشريعي وعين الحاكم العام كرئيس له، كما عين (4) أعضاء رسميين، وأكثر من (8) أعضاء غير رسميين.

كان تاريخ افتتاح المجلس التشريعي لأول مرة في 6 يناير 1947م وللمرة الثانية في تاريخ 17 يناير عام 1956م، وكان ذلك عندما ادخل نظام الانتخابات حيث تم انتخاب (4) أعضاء شعبياً، وتلك خطوة رائدة نحو العمل البرلماني الذي شهدته عدن في تلك الحقبة، أما المجلس التشريعي الثالث فقد فتح في عام 1959م.

قسمت أعمال المجلس التشريعي إلى دورات واجتماعات وجلسات، وكان الحاكم العام لعدن يفتتح كل دورة بخطاب سنوي يحمل أختام المستعمرة، وبهذا تفتتح الدورة وذلك العمل يشبه ما تقوم به ملكة بريطانيا عند افتتاح دورات البرلمان البريطاني، والدورة تستمر إن لم يصدر أمر بالتعطيل أو الحل من الحاكم العام، وتنقسم كل دورة في المجلس التشريعي إلى اجتماعات كما يقرر المجلس الوقت الذي تستغرقه تلك الجلسات ثم يستمر في اجتماعاته التي تقرر بالتصويت إلى أجل غير محدد.

وكان عمل المجلس أثناء جلساته حسب نظامه الخاص وتبعاً لقوانينه الموضوعة التي عمل بها. وتلك القوانين تدار بواسطة رئيس المجلس الذي يكون مسؤولاً عن تطبيقها ولكن في حالة احتمال وجود سابقة لم ترد في القوانين فإن لديه البند - (1) 77- ليعود إليه، وهو ينص على أنه في حالة ما إذا كانت هناك حاجة لسن قانون لم يرد في نظم المجلس فإن سن هذا القانون يجب أن يتبع القوانين التي كانت موجودة في النظم الخاصة بمجلس العموم البريطاني بلندن، في تلك النقطة بالذات، فإذا لم تشمل النظم الخاصة بمجلس العموم البريطاني هذه النقطة، فمن حق الرئيس أن يبحث عن بند قد استعمل في مرات سابقة في لندن ويترك ذلك لحسن تدبيره المطلق، وكان المجلس لا يستطيع استجوابه عن ذلك غير أنه من الممكن لأي عضو أن يقدم اعتراضاً إذا لم يكن راضياً عن هذا القانون، وبعدها يناقش ذلك الاعتراض، ولكن قرارات المجلس التشريعي العدني لم تجد أي اعتراض.

شملت مهام المجلس التشريعي العدني مشاريع القوانين والاستجوابات والاسئلة فيما عدا الجلسات الاعتيادية وأعمالها، وكانت أعمال المجلس تسير حسب القواعد التالية كما ذكرت في المراجع المتصلة بتاريخ المجلس التشريعي:

1- دخول رئيس المجلس.

2- قراءة خطاب الافتتاح.

3- ابتهالات.

4- حلف اليمين لأي عضو جديد.

5- رسائل من سعادة الحاكم العام بواسطة رئيس المجلس.

6- بلاغات أخرى من رئيس المجلس.

7- تقديم الطلبات.

8- أسئلة إلى أعضاء الحكومة.

9- إيضاحات من أعضاء الحكومة.

10- طلبات بالسماح لتأجيل المجلس لأمور تتعلق بمسائل شعبية ذات أهمية قصوى.

11- ايضاحات شخصية.

12- الاستجوابات المعلن عنها إلى الرئيس.

13- مشاريع القوانين.

وكان أي عضو من حقه أن يطلب السماح له بتقديم مشروع بقانون يكون قد أعلن عنه ولكن مشاريع القوانين يمكن تقديمها بالنيابة عن الحكومة بدون طلب السماح من المجلس، أما التلاوة الأولى فكانت مسألة تقليدية.

وحول هذا الجانب من تاريخ المجلس التشريعي تذكر مجلة «عدن» الصادرة عن شركة مصافي عدن (BP) ويرأس تحريرها الأستاذ حامد محمد علي لقمان العدد (5) شهر نوفمبر عام 1962م ما يلي:

«من شروط مشاريع القوانين انها يجب أن تكون قد نشرت من قبل اسبوعين وأن يكون لدى كل عضو في المجلس نسخة كاملة عن التفاصيل لدراستها وقراءتها بدقة.

وفي هذه المرحلة لا تناقش مشاريع القوانين بل يحدد تاريخ لقراءتها ثانياً.

وفي التلاوة الثانية تناقش تفاصيل السياسة الاجمالية لمشروع القانون. أما مناقشة البنود بتفاصيلها فإنها تناقش فيما بعد بواسطة اللجان المختصة.

ومن الممكن لكل عضو أن يتحدث مرة واحدة عند مناقشة المبادئ الأساسية لمشروع القانون. ولكن في هذه المرحلة من الممكن تقديم تعديلات، فإذا لم يوافق أغلب الاعضاء على مشروع القانون فمن الممكن أخذ الأصوات على قراءته مرة ثانية بعد مضي ستة أشهر، ومعنى ذلك أن مشروع القانون قد رفض.

وتأتي المرحلة التالية عندما تدرس اللجنة المختصة تفاصيل مشروع القانون.. ومن الممكن اجراء ذلك بعد التلاوة الثانية. ويحدث هذا ما بين حين وآخر إذا كان المشروع بقانون لا يستدعى مناقشته. وإذا كان لا بد من مناقشة تفاصيل المشروع بقانون فإن المجلس يحدد تاريخاً معيناً لمناقشة ذلك. وعندما يناقش المجلس تفاصيل هذا المشروع كلجنة فليس معنى هذا أن أعمال المجلس بذاتها قد تغيرت، ولكن معناه أن رئيس المجلس يغادر كرسي الرئاسة ويجلس على طاولة كاتب المجلس التشريعي فيصبح بذلك رئيساً للجنة يكون أعضاؤها هم أعضاء المجلس التشريعي.

وهنا تكون المناقشة غير رسمية فيتكلم الأعضاء كما يشاؤون وبكامل حريتهم. فيناقش المشروع بقانون بنداً بنداً ويؤخذ التصويت على كل قرار وكل النقاط مهما كانت صغيرة.

وأما طريقة التصويت فتؤخذ عقب السؤال بنعم أم لا.. ويكون القرار واضحاً فيعلن رئيس المجلس موافقة الاغلبية أو رفضها.

فإذا حدث انقسام فإن الكاتب يدعو كل عضو باسمه حسب الحروف الأبجدية وتؤخذ القرارات الفردية ويكون الجواب بنعم أو لا.. أو بالامتناع.

ويعلن الرئيس النتيجة غير أنه ليس له صوت يرجح كفة فريق على الآخر. وإذا كانت أصوات الفريقين متعادلة فيصرف النظر عن الاستجواب، وبعد هذه المرحلة فإن المشروع بقانون يعود إلى المجلس مرة ثانية وهنا يجتمع المجلس بصفة رسمية حيث يقرأ المشروع مرة ثالثة وهذا نادراً ما يحدث. وتدور المناقشات حوله شريطة أن لا تطرق المناقشات السابقة التي قد نوقشت من قبل.

وبعد هذا يطبع مشروع القانون في صيغته النهائية وتراجعه الوزارة المسؤولة وكذا كاتب المجلس. ويوقع رئيس المجلس في أسفل الصفحة الأخيرة من هذا المشروع بقانون ليؤكد أن محتوياته هي كل ما توصل إليه المجلس بعد مناقشته. ثم يؤخذ المشروع بقانون إلى سعادة الحاكم العام للموافقة الملكية التي عادة ما تتم بتوقيع اسم صاحب السعادة الحاكم العام على رأس الصفحة الأولى.

إن المجلس التشريعي هيئة قابلة للتغيير كلما تطورت عدن وتقدمت .. وأنه خادم الشعب وحامي حماه ومصدر التشريعات.. والغرض من وجوده هواأزدهار وتقدم الشعب الذي يطمح لنيل مكانته اللائقة به تحت الشمس».

من وثائق الافتتاح الأول للمجلس التشريعي (6 يناير 1947م )

من وثائق عدن في تلك الحقبة البرلمانية نقدم بعض المعلومات المتصلة بالافتتاح الأول لمجلس عدن التشريعي، وهي تعطي لنا صورة عن المهاد الذي سارت عليه هذه التجربة في هذا المجال الذي جعل لعدن خطوة متميزة في ذلك الزمان وعلى مستوى الجزيرة العربية من خلال ادخال هذا الجانب الأوروبي في العمل السياسي، والذي ساعد على تواصل العمل البرلماني في عدن وانتقاله من مرحلة إلى مرحلة حسب تقدم المستوى الثقافي والسياسي والاجتماعي عند كل من شارك في عمل هذا المجلس، الذي لم يدخل إليه إلا من كان عند مستوى المسؤولية؟

الافتتاح

في ذلك اليوم، اجتمع أعضاء المجلس التشريعي وكانوا (8) من رجال الدولة وهم: 1- ما رشال الجو. 2- السكرتير العام. 3- المدعي العمومي. 4- مدير المالية. 5- رئيس الأطباء. 6- مدير الأشغال العمومية. 7- ضابط التنفيذ لسلطة الضواحي. 8 - مدير المعارف.

و8 من رجال الطوائف في عدن وهم:

1- المستر تايلر .

2- خان بهادر محمد عبدالقادر مكاوي.

3- خان بهادر محمد سالم علي.

4- السيد عبده غانم.

5- المستر دنشا خورجي.

6- الشيخ محمد عبدالله المحامي.

7- جودا مناحم يهودا .

8- المستر كرتن.

كما حضر ذلك الافتتاح عدد كبير من الأعيان وقناصل الدول وكبار الموظفين والسيدات وحملة الألقاب.

بداية الاحتفال

وصل حاكم عدن العام السير شامبيون والليدي قرينته، وكان في استقبالهما فرقة من البوليس المسلح بالتحية، واطلقت (17) طلقة مدفعية إعلاناً بهذا الحدث التاريخي في عدن، وكان كل من في البهو وقوفاً حتى دخل حاكم عدن، وبعد أن جلس برهة قصيرة، وقف الجميع في صمت منصتين إلى صلاة تلاها إلى الله مبتهلاً أن يسدد خطى العاملين فيه ويأخذ بأيديهم، وجلس بعد ذلك.

وقف المستر آ. سكويرا، كاتب المجلس كي يعلن تقدم الأعضاء ليقسموا يمين الاخلاص والولاء للملك جورج السادس «1936- 1952» وورثته وخلفائه وقد اقسموا واحداً واحداً، وكل واحد ممسك بكتابه المقدس، إلا الدكتور كوكراين الذي رفع يده اليمنى لأنه كان من الذين يؤمنون بوحدانية الله ولا يعترفون بنظرية الثالوت المقدس، وبعد أن تمت كل تلك المراسيم البرلمانية، أمضى الاعضاء وأمضى حاكم عدن العام السير شامبيون إلى جانب امضاءاتهم واحداً واحداً، وقف والقى خطاب الرئاسة ومما جاء في خطابه: «إن الأوامر الدائمة لهذا المجلس المتبعة في مجالس التشريع في مستعمرات الأمبراطورية كلها تقوم على الأسس الموضوعية لأم مجالس الشورى في لندن وستستمر، وهي الضمان الدائم للحرية الفردية والعمومية المحافظة على أموال الشعب وحصانة نواب الأمة».

ألقاب الشرف والميداليات

على جانب في البهو الكبير الذي اجتمع فيه المجلس تقدم 7 من الموظفين الذين منحوا ألقاب الشرف والميداليات عام 1946م وهم: المستر هارتلي O.B.E والمستر أوزيورن O.B.E وعبدالله يعقوب خان، خان صاحب، والمستر ساينيز راو صاحب، وعبدالحكيم فقير محمد، وعبدالله حامد خليفة و،صالح محمد موشجي، شهادات شرف.

تطور النظام التشريعي في عدن

يقول الدكتور محمد عمر الحبشي في كتابه (اليمن الجنوبي) عن هذه التجربة: «لم يخل تطور الوضع السياسي في جنوب شرق آسيا وفي الهند وفي الشرق الأوسط بين الحربين العالميتين، من تأثير على الوضع الحقوقي لعدن، فقد تحولت عدن إلى مستعمرة للتاج بموجب الأمر الصادر في 28 أيلول 1936م الذي بدأ تطبيقه في أول نيسان من عام 1937م. ومنحت عندئذ النظام العادي والتشريع المعمول به في المستعمرات البريطانية. ومنذ ذلك الحين أصبحت حكومتها من النمط الاستعماري المباشر المقصور على الموظفين من أصل انجليزي. وقد أنشأت السلطات الاستعمارية خلال الفترة الواقعة بين عام 1937م وعام 1947م، من أجل تطبيق الشكل التشريعي الجديد، مجلسين: مجلس تنفيذي ومجلس تشريعي.

1- المجلس التنفيذي: وهو يعتبر أول حكومة في ظل الوضع التشريعي الجديد. وكان يتألف:

- من حاكم يسميه التاج البريطاني بناء على اقتراح وزير المستعمرات يتولى الرئاسة، ومدته خمس سنوات.

- من ثلاثة موظفين كبار تسميهم دائرة المستعمرات ويشتملون على أمين عام للحكومة، ومدع عام وسكرتير للمالية.

- ومن موظفين أو خبراء يعينهم الحاكم حسب توجيهات لندن، يتراوح عددهم بين اثنين أو ثلاثة .

2- المجلس التشريعي: مع إنشاء المجلس التشريعي تبدأ الخطوة الأولى في التقدم الدستوري.

وقد جرى تدشينه في أول كانون الثاني 1947م، أما فيما يتعلق بتكوين المجلس فهو في الأصل لا يشتمل إلا على أعضاء يسميهم الحاكم. وهم موزعون على ثلاث زمر.

- أربعة أعضاء بريطانيين من دائرة المستعمرات.

- أربعة أعضاء رسميين، يختارون من الموظفين الذين يستخدمهم التاج.

- ثمانية أعضاء خصوصيين، يختارهم الحاكم من بين ممثلي مختلف فئات الشعب في المستعمرة، وخاصة البريطانيين والعرب والهنود واليهود.

مهام المجلس التشريعي

إن مهمة المجلس من حيث المبدأ إعداد التشريع المطبق في عدن.

وأعضاؤه يملكون الحق في المبادهة في اقتراح القوانين ما خلا الأمور المتعلقة بالضرائب وبإلغاء القرارات الواردة من التاج.

بيد أن جميع ما يصدر عن المجلس يمكن أن يعطله (فيتو) الحاكم. وهكذا فإن إمكانية اللجوء إلى استعمال حق الفيتو يقلص دور المجلس، ويجعل مهمته استشارية مجردة. فالحاكم هو الذي يملك السلطات الفعلية جميعها.

وبموجب القرار الصادر في 3 آذار 1937م لم يعد الحاكم مسؤولاً أمام المجلس التشريعي. وبقي الأمر على هذه الحال حتى عام 1956م حيث أصبح قسم من الأعضاء يصلون إلى المجلس عن طريق الانتخاب.»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى