«الأيام» تعرض مأساة رجل فقد ولديه وشقيقه في الحرب ومازال يعالج جرحاه الثلاثة .. قذيفة صاروخية سقطت على منزل في الضالع حصدت الأرواح وسكنت الأبدان

> «الأيام» محمد علي محسن:

>
علي محمد الحريري
علي محمد الحريري
مأساة أخرى نسطرها هنا اليوم على صفحة «الأيام» وبعد مضي أسابيع فقط على نشر مأساة مماثلة لرب أسرة بفقدان ثلاثة من أبنائه، في حرب 94م اثنان، وثالث في أحداث يناير 86م، وبما أن الحرب - وفق مقولة مانشيوس- هي أن تلتهم الارض لحوم البشر. فإن قذيفة صاروخية واحدة سقطت على بيت المواطن علي محمد علي الحريري يوم 2/7/94م بمنطقة جبل حرير لتقتل في الحال اثنين، وثالث لحق بهما بعد مدة وجيزة، فيما ثلاثة آخرين كانت إصاباتهم مختلفة، اثنان منهم إصابتهما بليغة ومازال رب الاسرة يعاني تبعات علاجهما حتى اللحظة، وكان آخرها استخراج شظيتين من الجريح نايف علي، قبل ستة أشهر شظية من الرأس، وقبل عام ونصف العام شظية من جانب العمود الفقري وهنالك شطية ثالثة مازالت ساكنة في الجسد. حكاية المواطن علي محمد الحريري أو قولوا مأساته ونكبته بدأت فصولها ذات ظهر مشؤوم من أيام الحرب الأهلية المشؤومة صيف 94م، ففي ذلكم الوقت الكئيب من يوم 2 يوليو 94م فجع الحريري باستشهاد شقيقه عبدالله (28 عاماً) وابنه فكري على الحريري (16 عاماً) وجرح أربعة هم أبناؤه الثلاثة منيف ونايف وافتكار والرابع ابن شقيقه واسمه فواز أحمد الحريري، والسبعة جميعهم ضحايا قذيفة مدفعية صاروخية سقطت على رؤوسهم بغتة ودونما استئذان أو قانون فوسط الأسلحة تصمت القوانين بحسب تعبير أطلقه شيشرون .

افتكار الحريري
افتكار الحريري
هكذا بدأت الكارثةبطلقة انطلقت من جوف مدفع لتحط على رؤوس هؤلاء الذين كانوا لحظتئذ تحت سقف دارهم في القرية بمنطقة حرير مديرية الحصين، وليس في جبهة القتال، إذ كانت قد حطت قذيفة طائشة أو متهورة وغائلة للحوم البشر على سطح إحدى غرف المنزل لتشق طريقها نحو أناس ابرياء وآمنين جاءت بهم ربما المنية إلى نفس المكان والزمان لتحصد في البدء أرواح الشقيق عبدالله والولد فكري وتصيب الاربعة في وقت واحد، ورغم إسعافهم في اليوم المشؤوم الى مستشفى الثورة بإب بتاريخ 2/7/1994م وحتى خروجهم منه يوم 7/8/1994م، إلا أن كل المحاولات لإنقاذ حياة الشاب منيف منيت بالفشل بعد العلاج في المستشفى، إذ كان الأب ولسنوات تالية يراجع المستشفيات العامة والخاصة لأجل إخراج بقية الشظايا من جسدي ولديه منيف ونائف.

فكانت بالمقابل المنية اسرع وأقرب منه ومن كل الظروف العلاجية الصعبة المعول عليها أو المنتظرة، فلقد غادرت النفس راضية مرضية من بدن منيف (28 عاماً) الذي تبع شقيقه الأصغر فكري (16 عاماً) وعمه عبدالله (28 عاماً)، فيما بقي الشاب نايف (23 عاماً) يعاني الامرين فمنذ عقد ونيف ووالده من عيادة لاخرى ومن مستوصف لمستشفى في سبيل معالجته من شظايا سكنت جسده وعمره 11 عاماً وقتئذ، والآن عمره 23 عاماً ومازال الاطباء يؤكدون وجود بقايا شظايا في بدنه المنهك والمتعب والمطرز بخيوط عمليات الجراحة، التي كان آخرها لاستخراج شظية من جانب العمود الفقري بسنتيمترات قليلة قبل عام ونصف وعلى يد د. محسن الحاج، بينما الشظية الأخرى استُخرجت من الرأس قبل ستة أشهر فقط وعلى يد د. الاصبحي، هذا ناهيكم عن الحالة النفسية المصاحبة لإصابة طال أمدها، بل وكنتيجة طبيعية لهذه المعاناة والآلام التي امتدت تبعاتها لأهله وذويه الذين بذلوا الغالي والنفيس لأجل علاجه وإعادة الثقة إلى لنفسه المكسورة والمثقلة بالأوجاع والجروح.

فواز الحريري
فواز الحريري
ثلاثة شهداء، ومثل هذا العدد أيضاً هم في عداد الجرحى، وجميعهم من أسرة واحدة وتحت سقف دار واحد هو الآخر تعرض للدمار والهدم والخراب لأحجاره ومحتوياته، فماذا بوسع رجل واحد فعله أمام هول نكبة وكارثة كهذه التي وقعت على رأس علي الحريري؟ قال لنا وبلسان يلهج مرارة وعناء إن الحسنة الوحيدة المواسية له في محنته ومصيبته كانت من قيادة اللواء 35 مدرع ممثلا بالأخ العميد محمد عبدالله حيدرة قائد اللواء، الذي يحسب له مد العون والمساعدة في تلك الاثناء، وعندما كان الأبناء الاربعة كلهم على فراش جرحى الحرب بمستشفى الثورة بمحافظة إب، وعلى قلة المساعدة المادية المقدمة منه نحو المصابين إذا ما تم قياسها أو مقارنتها بحجم الضرر والمصاب، إلا أن رب الاسرة مازال يكن احتراماً وتقديراً لقائد اللواء، وهذا واجب علينا أيضاً تسطيره وعدم النكران لما قدمه المسؤول العسكري من لفتة كريمة تجاه الاسرة المنكوبة بمقتل وجرح ستة من أبنائها قبل خرب الدار والممتلكات - والحديث هنا لصاحب الشأن. فلقد وجد في قائد اللواء على أقل تقدير الدعم المعنوي له أكان اثناء المتابعة لأجل اعتماد المعونة الشهرية الممنوحة للثلاثة الشهداء أو بتكريمهم بأوسمة الشجاعة وجرحى الحرب.

نايف الحريري
نايف الحريري
مشكلة الحريري ليست بفقدانه اثنين من أبنائه أو شقيقه، فهؤلاء لهم الله وهو الكفيل بهم بعد رحيلهم عن دنيانا الفانية، لكن مشكلته مع الاحياء الثلاثة ممن تسببت لهم الإصابات بمعاناة بدنية ونفسية ماتزال ماثلة حتى اللحظة، خاصة ابنه نائف (23 عاماً) ، أو فواز ابن شقيقه الذي كانت إصابته في البطن واليدين وعمره في ذاك الوقت لم يتجاوز 4 أعوام، حيث إن الأول لم يبرأ من هذه الأصابة المزمنة رغم كل السنوات التي افناها الحريري في علاجه ومنذ أن كان ابنه طفلاً في بدايةعقده الثاني وحتى اللحظة الراهنة إذ ماتزال بقايا شظية تسكن جسده بعد انتزاع اثنتين من الرأس والظهر.. عقد ونيف على بداية نكبته باع فيها ارضه وفرط في ماله وما يدخره من متاع الدنيا لأجل علاج ولده المصاب بعد أن أخذت الأقدار ولده الآخر المصاب قبل بضع سنوات فقط، وها هو ينافح لإنقاذ الأحياء، أ و لإعمار الدار الذي هُدم فوق رؤوس ساكنيه وينتظر هو الآخر إصلاح ما أفسدته الحرب دونما فائدة أو نفع في ظل انشغال صاحب الدار بترميم وإصلاح أبدان مشوهة ونفوس مكسورة، بعلاج البشر لا الحجر.

قبلة المواطن علي الحريري كانت صحيفة «الأيام»، ومن خلالها يناشد ويستغيث بفخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية من أجل التعويض العادل لهؤلاء الأحياء من الجرحى الذين تسببت الحرب لهم بعاهات بدنية ونفسية تتطلب العناية والرعاية الكاملة من الدولة، خاصة وأن ظروف الاسرة قاهرة ولا تستطيع مواصلة العلاج الناجع الكفيل بعودة هؤلاء لممارسة حياتهم الطبيعية، وفي ظروف أسرية مستقرة قادرة على توفير الحد الادنى من العيش الكريم بدلاً عن هذه الجرجرة والعلاج الطويل في العيادات والمستشفيات التي لن تزديهم إلا ِمرضاً وفقراً وقنوطاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى