نباتات في زمن الزندقة

> عمر محمد بن حليس:

>
عمر محمد بن حليس
عمر محمد بن حليس
الحقيقة إن هذا الموضوع سبق أن نشر في إحدى الصحف قبل زمن ليس بقصير، وبما أن الوقت يمر مرور الرياح، وهو من أعمارنا المقدرة لنا من الخالق سبحانه وتعالى، ونظراً لمرور ذلك الوقت الذي لم ألحظ فيه أي تغيير سواء في عقول (بعض الناس) أو عند (بعض الأقلام).

فقد عدت للبحث بين أوراقي القديمة عن الموضوع الذي أنا (مقتنع) بأن مضمونه لم ينته بالتقادم، أو بعامل الزمن ما دامت الأمور تسير في الاتجاه الذي (يريده) أو يريد (فرضه) (بعض الناس)!

فقررت أن أعيد نشره عبر هذه الصحيفة الغالية «الأيام» كونها الأكثر انتشاراً وتوزيعاً والأذيع صيتاً، لعل الصوت أو (صداه) يصل.. ولعلي أسهم في رمي حجر في المياه الراكدة.

كم مرة قلت لنفسي (لا).. لا يجب أن أكتب عما تطاوعني إليه هذه النفس.

فكنت أقول يمكن أنني أرى ما لا يراه غيري، أو ربما أنني أشعر بشعور (مبالغ فيه)!!

كنت آمل أن تنزاح هذه الغمة وتنقشع سحابة (الغبن) مع مرور الأيام، وتدارك الشهور، وتتابع السنين.

لكن (نفسي) أبت ذلك.. فكان لها ما أرادت.. ما دامت الكتابة تبقى هي الوسيلة الوحيدة، والمتنفس الرحب بعد أحاديث جلسات المقايل.. للتعبير عما تجيش به الصدور، وتفيض به طاسة الرأس.

كثر الصبر فازدادت حباله تعقيداً.. ضاع، أو تاه، الأمل فصار تحقيقه ربما مستحيلاً.. ضاقت أكثر مساحة دائرة التفكير، فلم أجد لها تفسيراً.

خطب ووعود معسولة تحيطنا أو تحاصرنا أو (بعضنا) وكأنما هي جلاميد صخور حطها السيل من عل فوق رؤوسنا وفوق صدورنا.. منعتنا من القيام أو الحركة.. نالت منا فألقت بنا أو (بعضنا) في جحيم الذكريات ونار الموروثات البالية وخارج ثقافة العصر، في زمن العلم والتطور والمواكبة.

الزمن أصبح غير الزمن الذي عرفناه وعشناه.. فكل شيء في هذا الزمن متوقع.. ففيه حل المستحيل مكان الممكن، وانصهر اللا واقع واللا معقول في الواقع والمعقول.. هذا الزمن شحت فيه علاقات الناس الاجتماعية الأصيلة فيما بينهم (الرحمة، الإخاء، الحب، التآلف، المودة، الصدق، الصفاء، الأمانة والثقة) وغيرها من مفردات القيم الحميدة فبدأت أعمدتها في التآكل والاضمحلال!!

هذا الزمن فيه (الخبرة، الأقدمية، روح المبادرة، التجربة، الكفاءة، المستوى العلمي والثقافي)، وغيرها من شروط فرض الذات في أي مكان من مسيرة العمل اندثرت وذابت.. وكأنما لعنة السماء أصابت (بعض) الرؤوس!!

هذا الزمن أرى ونرى فيه من العجائب ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يوجد لها نص قانوني!!

لكنني أعود وأقول مردداً : دوام الحال من المحال.. وكيف لا.. وربنا سبحانه وتعالى يقول: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} صدق الله العظيم.

فيا له من زمن وصلناه.. زمن ظهرت فيه (نبتات) واختفت أخرى!!

(نبتات) الزندقة والتملق وتغيير الجلود ولي الألسن وتبديل الأقنعة وتغيير المساحيق والرتوش.. زمن التنابلة وقارعي الدفوف، المرجفين وماسحي الجوخ.. في هذا الزمن علا بنيان هذه (النبتات)، برغم أنها (النبتات) لم تتصور أو تحلم في يقظة أو منام بما وصلت إليه.

أما (النبتات) التي اختفت أو أخفاها الزمن، فهي تلك (النبتات) النظيفة التي لا تنمو ولا تعيش إلا في أطهر الأماكن، لأنها (نبتات) لا يروق لها القفز على ظهور الغير ولا يحلو لها التسلق عبر حبال الكذب والفهلوة والزندقة والملق. لذلك اختفت أو أخفيت.. ابتعدت مؤقتاً.. أو أبعدت.

وعلى حد تعبير الزميل (الهيج) في إحدى مقالاته عبر هذه الصحيفة العزيزة «الأيام» : (الأمر لا يتطلب سوى نفاق وزندقة ومخاصمة العفة والصدق والأمانة).

ومن بين كل ذلك تحضرني هذه الأبيات:

ألا أيتها الأيام ماذا جرى

كي تستحقين الملام

فهذا توصلينه للمعالي فيصبح

في الملأ أعلى مقام

وآخر لم ير لحظة تفاؤل

ولا مرة رآك في ابتسام

وعليه أقول وجدت نفسي مجبراً على القول بما فرضه واقع التجربة ويوم المعاناة التي حولت (البعض) في هذا (الزمن) إلى أشباح مخيفة مؤرقة والبعض الآخر حولتهم إلى هياكل آدمية أو بقايا أشجار جفت عيدانها وتساقطت أوراقها بعد سيل جارف أو موسم إعصار شديد.

ومهما يكن الأمر.. فالهمس يصير أصواتاً صاخبة تهز أركان البنيان وترعب الوجدان.

وخلاصة القول.. قد يظن البعض بأني متشائم.. أو ربما لا أؤمن بالقضاء والقدر (خيره وشره).. وأنا أؤكد وأقول.. لا.. والذي نفسي بيده فما دمت حياً أرزق فإني مؤمن بأن القضاء والقدر بيد رب العالمين (وحده)، كما أني لست متشائماً، لأن التشاؤم ليس من صفات الرجال، فلا يجب أن يفرض لنفسه مكاناً أو حيزاً منه في قلبي.

لكنني مستعجب أشد الاستعجاب، برغم أن الأمر لم يعد فيه عجب، أو يدعو للاستغراب من حال ما وصلنا إليه - أو بعضنا- حال فيه من المفارقات الكثيرة في (زمن الزندقة).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى