قصة قصيرة سوسن والذئب

> «الأيام» ياسر عبدالباقي:

> راحت تركض كعادتها، ويركض خلفها أغنامها، تارة تسبق أغنامها، تارة أخرى أغنامها تسبقها، تقف كل مرة لتعدهم، أحيانا تخطئ في عدهم، فتعود لتعدهم مرة أخرى.

- واحد.. اثنان.. تسعة عشرة.

وتتنهد بارتياح بالغ: الحمد لله.

تجلس على صخرة، وأغنامها من حولها تأكل الحشائش، وضعت إصبعها على الأرض وراحت ترسم، ابتهجت عندما اكتملت لوحتها.

نط أصغر أغنامها، فبعثر التراب من حولها، ومحا لوحتها، صرخت به الفتاة غاضبة: أيها اللعين، عد لأمك.

لكن الحيوان الصغير يهرب بعيداً عن قطيعه، فتصرخ الفتاة: لا تذهب بعيداً.. قد يأكلك الذئب.

فتقف وتذهب إلى قطيعها وترفع إصبعها نحوهم محذرة: ابقوا في أماكنكم حتى أحضره. تركض خلف الحيوان محاولة اللحاق به، تبحث عنه بين الأحراش، وكانت تردد:

- تعال.. لا تخف لن أؤذيك مرة أخرى.

ثم راحت تعوي محاولة تقليد الذئب. وقالت: هل سمعت الذئب..سيأكلك إن لم تظهر.

سكتت ولكنها عادت تعوي مرة أخرى بأكثر قوة:

- أين أنت.. أيها الحيوان.. هل تحب أن تكون غذاء للذئب.

تحركت الأحراش من أمامها، وابتسمت الفتاة قائلة بصوت ماكر: هيا تعال الآن أيها اللعين.

ظهر أمامها رجل، بالرغم من ملامح الشيخوخة بدا قوياً، دهشت الفتاة لرؤيتها الرجل في هذا المكان، ولكن سريعاً ما ابتسمت له، إذ كانت تعرفه جيداً من قريتها، قالت ببراءة: هل شاهدت تيسي يا عمي.

لكن الرجل، كان يحدق بها، وكأنه يلتهمها بعينيه، كررت الطفلة سؤالها:

- هل شاهدت وسكتت.. شعرت بالخوف فجأة، وتفوهت مرتعبة:

- ... يا عمي

لم يكن الرجل أخرس، فقد كان جسده كله يتكلم، لغة لا يفهمها إلا هو.. تقدم نحوها، وحل من رأسه كشيدته، وقف أمامها ملتصقاً بها، رفعت رأسها نحوه، وفي عينيها دمعتها تركض مسرعة تمر عبر وجهها وتسقط على الأرض لتتلاشى حبيبات صغيرة، وتقول بصوت ضعيف متهتك:

- عمي ..هـ ..لـ ..شا.. هدت.

خافت لسبب لا تعرفه، لف كشيدته حول رأسها الصغير واختنق صوتها فيه، حركت يديها الضعيفتين في الهواء، حرك (هو) جسده (فيها)..

فتحت عينيها الصغيرتين بصعوبة، شاهدت أمامها حيوانها الصغير يأكل.. مدت أصابعها إلى رأسه وراحت تعبث فيه، وقالت بصوت ضعيف:

- أين كنت.. ألم أقل لك لا تذهب بعيداً حتى لا يأكلك الذئب.

الظلام على وشك الحضور.. حين سمعت صوت جدها باحثاً عنها: سوسن..سوسن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى