الغش في الامتحانات وأثره على أبنائنا وكيفية حمايتهم منه

> «الأيام» محمد عبدالله علوي باعقيل:

> التقييم هو عنصر طبيعي من عناصر العملية التعليمية ومكون مهم من مكوناتها بمعنى أنه ليس هناك عملية تعليمية بدون تقويم تربوي، وإلا فما جدوى العملية التربوية ككل؟ ونعلم أن وسائل التقييم وتقنياته مختلفة ومتعددة منها المراقبة، ومنها أيضا الامتحانات، وبمعنى آخر أن ممارسة التعليم تقتضي استعمال وسائل التقييم كاختبار كفاءة التلاميذ وقدراتهم العقلية على مدى استيعابهم وتحصيلهم للمادة التعليمية.

الامتحانات
الامتحانات هي طريقة للحفز وبذل الجهد والمثابرة والاجتهاد ومراجعة الدروس بشكل مستمر، ومن إيجابياتها أنها تعود التلاميذ والطلبة على الاعتماد على النفس والمنافسة الشريفة بينهم على الاجتهاد والتحصيل،
وبواسطتها يتمكن الآباء وأولياء الأمور من تتبع عمل أبنائهم في المدرسة أو الجامعة وتجعلهم يشاركون في إرشاد أبنائهم ودفعهم إلى الاجتهاد أكثر وهي تمكن المسئولين على التربية والتعليم من ضبط نواحي القوة والضعف في المناهج التربوية والتعليمة، وبالتالي في تعديل المنهاج أو تغييره إذا اقتضت الضرورة ذلك، وهذا يؤدي إلى تجديد العملية التعليمية باستمرار وتجاوز حالة الجمود والتكرار وإعادة التخطيط والتطوير وهو ما يكون له أثر إيجابي على تحسين المناهج لتصبح أكثر فعالية وأكثر مسايرة للتطورات الإيجابية المعاصرة.

وهذه الامتحانات قد تكون شهرية أو مرحلية، وقد تكون عامة ورسمية، وفي جميع الحالات الامتحانات تخلق لدى التلاميذ والطلبة الكثير من القلق والتوتر النفسي؛ وهو الذي يعكر صفو العلاقات داخل الأسرة نتيجة الخوف والقلق، وخاصة الخوف من الرسوب المدرسي وإعادة السنة.

إلا أنه مع الأسف يلجأ كثير من أبنائنا إلى أساليب الغش والخداع للفوز بالنجاح، حيث يخلق الحديث عن الامتحانات في الأوساط التعليمية على كافة المستويات جوا ًمن الخوف والرهبة والقلق والتشاؤم، وبالتالي يلجأ الممتحنون إلى أسلوب الغش.

والمؤسف في الأمر أن هذه الظاهرة موجودة بشكل كبير في مدارسنا، مع الإقرار بأنها ليست مقتصرة على بلادنا، إلا إنها تمثل مشكلة لتفشيها وانتشارها ليس على مستوى المراحل الابتدائية فحسب بل تجاوزتها إلى الثانوية والجامعة، فالغش أصبح اليوم ظاهرة اجتماعية بل وآفة اجتماعية خطيرة وسرطانا يهدد حركة وتقدم الأمة؛ لأنه تجاوز الأعداد المحدودة للتلاميذ الكسالى الذين كانوا هم الذين يغشون. ولأنه تفشى في الطلبة وأغلب الطلبة لم يعودوا يعتمدون على مجهوداتهم في الاستعداد للامتحانات، وإنما أصبحوا يعتمدون على أساليب الغش والخداع والتحايل من أجل نقل معلومة من المعلومات بطرق يرونها سهلة ولا تكلفهم عناء الكد والجد والسهر وطلب العلم بطرق مرهقة. بل أصبح الغشاشون يفتخرون بوسائلهم وطرقهم الجديدة في الغش، والغشاش يظهر ما لا يبطن، يظهر الكفاءة والاجتهاد ويبطن الكسل والتقاعس، ثم إن الغش خيانة للأمانة وتزوير للحقيقة وهو سرقة لمجهود الغير، بمعنى أنه أكل لحقوق الناس بالباطل. ولن يفلح الغشاش أبدا لأن الغش يربي الاتكالية والاعتماد على الغير.

ويمكن القول إن الغش نظرا لاستفحاله أصبح من أخطر الظواهر الاجتماعية؛ لأنه يهدد العمل التعليمي والتربوي وينخره من الداخل، كما يهدد مصير الأجيال ومصير الأمة ككل ولأن مستقبل الأمة كالبنيان إن بني على أسس مغشوشة فإنه سرعان ما ينهار على رؤوس أصحابه، بل وإن الغش يجعل المجهود من وقت وجهد ومال الذي يبذل في سبيل إنجاح التعليم والتربية بمثابة صب الماء في الرمال، ويجعل العملية التعليمية تدور في حلقة مفرغة، إضافة إلى أن الغش يؤدي إلى إعداد وتخريج طلبة ليسوا مؤهلين، بمعنى أن مستوى خريجي التعليم سيكون لا شيء.

من مظاهر وسلوك الغش
الكثير من الطلبة يقضون الأسابيع الاخيره قبل بداية الامتحان في الاستعداد لإعداد أدوات الغش الذي أصبح شبه روتين سنوي، فمنها تصوير المنهج وتصغيره في محلات آلات التصوير بخط يشبه النشرة الطبية التي توضع داخل علب الدواء ليأخذ مساحة اقل ويسهل إخفاؤه، وأحيانا يقوم المدرسون الخصوصيون أنفسهم بصنع أدوات الغش هذه حتى لا يرهقوا الطلاب بالطبع تحت دعوى صنع مذكرة للمراجعة النهائية وهكذا يتحول المنهج إلى قصاصات خاصة في المواد النظرية، ويمكن مشاهدتها بكل سهولة عند مكتبات التصوير، وفي قاعات الامتحانات بعد انصراف الطلاب، وكذلك منها نقل الطالب من كراسة زميلة بشكل تلقائي أو أخذها شفويا منه، كذلك إعداد الطالب لإجابات بعض الأسئلة المتوقعة على ورق صغيرة أو راحة يده أو ساقه أو مقعده، كذلك نقل الطالب للإجابة من مصدر خارج القاعة بواسطة صديق أو بخروجه بحجة الحاجة للشرب أو الذهاب إلى الحمام. وهناك طرق كثيرة منها القديمة ومنها الجديدة والمطورة، أما الأغرب فهو طريقة الغش الجماعي أي بإملاء الإجابة على الطلاب أو كتابتها على السبورة وبالطبع المدرسون أنفسهم هم من يقومون بها. وإذا كان بعض الطلبة أو كثير منهم يرون أن الغش هو تعاون من أجل النجاح فهذا يعبر عن تراجع خطير في القيم خاصة قيم طلب العلم والسعي في سبيله والكد والسهر من أجله، انطلاقا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة»، وقوله تعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.

الأسباب المحتملة للغش
وإذا كان البعض يتباهى بالغش فإن ذلك يعود الى انخفاض مستوى التحصيل الدراسي، والرغبة في النجاح بأي وسيلة، والرغبة في الحصول على درجات مرتفعة دون مجهود لدخول معاهد وكليات مطلوبة، وعدم
التركيز أثناء الشرح والاتكالية والتكاسل وتقليد الزملاء، وعدم الاستعداد الجيد للامتحان. وهناك عوامل متعددة تساعد أو تؤدي إلى الغش أذكر منها ما يلي: عوامل نفسية وعقلية كضعف الشخصية وتشتت الذهن وعدم القدرة على استرجاع المعلومات أو التحكم فيها والخوف من التكرار ومن الرسوب، وهذا الإحساس بالخوف يؤدي إلى إصابة الطلبة بإرهاق نفسي وعصبي وإلى السلبية وإلى فقدان الثقة في النفس وربما أحيانا اليأس. عوامل اجتماعية واقتصادية تتجلى في تراجع فرص الشغل وارتفاع نسبة البطالة والفقر والحاجة وغلاء المعيشة. كذلك الفهم الخاطئ والشائع لدى الطلبة والذي أصبح يتنامى عند هؤلاء لدرجة أن الغش أصبح حقاً مكتسباً وأن من غش ناجح، ومن لم يغش واعتمدعلى مجهوده لم يغادر مكانه.

أرى النصح في أيامنا لا يصلح وصفقة أهل الغش أنمى وأربحُ

ألم تر من دوني علي ترجحوا

نصحت فلم أُفلح وخانوا فأفلحوا

كذلك عدم الوعي بالمسئولية التي تنتظر الطالب. فحينما يجد نفسه في أزمة فإنه سرعان ما يتخلى عن مبادئه، إضافة إلى ضعف الوازع الديني وتراجع قيم التقوى والتوكل على الله والأخذ بالأسباب وتراجع دور الأسرة في تربية النفس على الفضائل. وهناك عوامل أخرى تعليمية وتربوية تتجلى في المناهج والبرامج التي تعتمد على الكم وليس الكيف فالطالب يجد نفسه أمام تراكم هائل من الدروس، ومنها حصر العملية التعليمة في تلقين المعلومات ومهمة التلميذ في الحفظ من أجل الامتحان وتخطي الحاجز والشبح المخيف، وحصر جهد المتعلم في الامتحان للنجاح وهذا فهم خاطئ يودي بالتلميذ إلى البحث عن وسيلة ما للفوز، وهذه الوسيلة هي الغش ولو عرف التلاميذ والطلبة الهدف الحقيقي للامتحانات لما أقدموا على مثل هذه التصرفات المنحرفة، وهناك أسباب أخرى تعود إلى طريقة طرح الأسئلة وخاصة الأسئلة المباشرة والتي تشجع على الغش والحفظ الحرفي، وليست هذه دعوة لتحويل الامتحانات إلى ألغاز، ولكن أن نجعله يقيس المستويات المعرفية للتفكير والاستنتاج.

ومن هذه العوامل أسباب تعود إلى البيئة العامة التي يتحرك فيها الطالب مثل تراجع المطالعة والبحث عن المعلومات في الكتب؛ حيث إن الكثير من الطلبة اليوم يقضون أوقاتهم في الملاهي ويريدون الحصول على الحلول السهلة والسريعة والنجاح السريع دون جهد. إضافة إلى انتشار ثقافة الوصولية والغش في المجتمع ككل ونجاح الكثيرين ممن اعتمدوا على الطرق الملتوية في الوصول إلى أهدافهم، هذا إضافة إلى انتشار المحسوبية داخل أقسام الامتحان بين المراقبين؛ فهناك من أوصى الإدارة على ابنه، وهذا ابن صديق، إلى غير ذلك من الأسباب التي تجعل من تجنب الغش لدى التلميذ تفويتاً لفرصة سيستغلها آخر لا محالة. وهناك الأخطر من ذلك عدم قيام بعض الأشخاص الذين توكل إليهم مهمة المراقبة بواجبهم فيغضون الطرف عن الغشاشين؛ لأن الرقابة كما يدعون تدخلهم في صراع مع الطلبة لدرجة التهديد والضرب، بل وهناك من انعدمت ضمائرهم كما ذكرت لدرجة أنهم يتواطؤون مع الطلبة في عملية الغش ويسكتون عنها. ويخيل لهم أنهم يقومون بواجب إنساني ويفسرون ذلك بأن الطلاب لم يتلقوا التعليم الكافي، وأنهم حتى لو تخرجوا فلن يضمنوا وظيفة، أو بماذا سنستفيد لو أعادوا السنة أو رسبوا.. وغيرها من المبررات، ويطبق بعضهم قاعدة المساواة في الظلم عدل لإنه يعلم أن بقية القاعات يحدث بها قدر من الغش أو التهاون.

وكذلك تواطؤ المدرسين في مساعدة الطلبة والتلاميذ على الغش، فالمدرس هو قدوة بالنسبة للتلميذ وقد يكون قدوة حسنة أو قدوة سيئة، وعلى المدرس أن يختار أن يكون قدوة حسنة لتلاميذه لأنه أولاً مؤتمن عليهم ومسؤول عنهم، وهؤلاء اليافعون هم أمانة في عنقه وإذا كان يستعمل وسائل الغش والخداع فإنه إنما يساهم في هدم ما تبنيه التربية والتعليم وبالتالي في هدم مستقبل الأمة ككل.

وَإِذا أُصيبَ القَومُ في أَخلاقِهِم

فَأَقِم عَلَيهِم مَأتَماً وَعَويلا

وهذا من الأشياء التي نأسف لها كثيرا، حيث حدثت تحولات في منظومة القيم الأخلاقية والدينية في صفوف الكبار والصغار، إذ أصبحت الفضيلة عند البعض رذيلة وغاب مفهوم التعب والكد في طلب العلم، وأصبح التساهل في الغش عادة يتولى ترويجها أساتذة فقدوا الأمانة ولم يعد يربطهم بالعلم إلا الراتب والوظيفة على حساب القيم والمفاهيم السامية التي يفترض أن تكون ركيزة أي إنسان ينتمي إلى مهنة التعليم. ولكن كل هذه العوامل لا تعد مبررات لممارسة الغش في أوساط طلابنا، وإنما يجب على الطلبة أن يتحلوا بأخلاق المتعلمين الذين يطلبون العلم والملائكة تحفهم.

الحلول الإجرائية المحتملة
إن معالجة هذا الموضوع الخطير في حاجة إلى رؤية تربوية شمولية يناقش فيها بوضوح تام، ويبحث عن الوسائل الكفيلة بالحد منه، ولعل وزارة التربية والتعليم تمتلك خطة لمواجهة هذه الظاهرة، فالغش إذا نما مع الطفل فإنه يصحبه إلى مراحل عمره العليا بل ويصحبه في حياته كلها.. ولذلك فالغش لا يقتصر على التعليم وإنما تكون له تداعيات وامتدادات خارج التعليم أي في معاملاتنا اليومية. ولهذا تقوم التربية داخل الأسرة بدور أساس في تنمية السلوكيات الصحيحة لدى الطفل منذ صغره، إضافة إلى توجيهه والنصح الدائم وتنمية المواهب والمهارات التي أودعها الله سبحانه تعالى في كل إنسان. فدور الآباء مهم في محاربة هذه الظاهرة السلبية، وذلك بالتربية منذ نعومة أظفار الأبناء على الصدق والإخلاص في العمل وعلى طلب العلم لله ومن أجل العلم وليس من أجل الوظيفة ومن أجل الوصول إلى أهداف نفعية سريعة. وما على الأم والأب إلا أن يقوما بدورهما داخل البيت بالتربية والتوعية والتنبيه بخطورة الغش وعواقبه الوخيمة.

ولعلاج هذه الظواهر لا بد من القيام بحملات توعوية داخل المؤسسات التعليمية بخطورة الغش وعواقبه على التلاميذ والطلبة وعلى الأمة ككل يقوم بها التلاميذ والطلبة أنفسهم. وأيضا الوصول إلى أخذ موقف من الغش، موقف الاستهجان والاحتقار لكل غشاش أو من يشجع على ذلك، أي القيام بإصلاح داخلي والبحث عن الأسباب العميقة للظاهرة وتشجيع المنافسة الشريفة بين الطلبة والتلاميذ إضافة إلى عرض الغشاشين على مجالس التأديب وتفعيل القوانين الداخلية المتعلقة بالغش، إضافة إلى الدور الإعلامي للتوعية بالظاهرة وأسبابها وتداعياتها الخطيرة. كذلك يجب أن يعاد النظر في طريقة طرح الأسئلة وخاصة الأسئلة المباشرة التي تشجع على الغش، وأن يعتمد أكثر على أسئلة الفهم والتحليل والتركيب من أجل تشجيع الإبداع وكشف المواهب الدفينة لدى طلبتنا وتلامذتنا، مما سيكون له أثر إيجابي على مخرجات التعليم. فأولا لا بد من تأهيل الطلبة تأهيلا سليما يقوم على المبادئ والقيم الأخلاقية الرفيعة، إضافة إلى الدور الإعلامي والتوعية بالظاهرة، وبث الأمل بالمستقبل الزاهر في نفوس الشباب وإعادة الطمأنينة لهم بأنهم ناجحون إن شاء الله ونافعون لوطنهم وأمتهم. لا بد من محاربة لحظات الإحباط واليأس التي أصبح يعانيها الشباب، وعلى المدرسين كذلك أن يخففوا من هذه الأجواء المثخنة بالانفعال والقلق حتى تعطي عملية التقييم إمكانياتها وفعاليتها من الناحية التربوية. إضافة إلى معرفة أساسية بمبادئ علم النفس العام لإزالة التوتر والقلق لدى المتعلمين.

ويبقى دور الأسرة كبيراً في إشعار الطالب أو التلميذ بالحب والتقدير والرضا وتهيئة الظروف المناسبة والمساعدة على اجتياز هذه الفترة بسلام، كالتقليل من الضوضاء وتهيئة الجو المناسب (التغذية المناسبة، النوم المبكر، الاستيقاظ المبكر، الرياضة، التنفس، حسن تنظيم وتدبير الوقت، وتحويل المنزل إلى مكان مريح للمذاكرة والمراجعة) مع الاستعانة بالله والتوكل عليه والرضا بقضائه فلنتق الله أيها الآباء في أبنائنا ومن استرعانا الله عليهم، ولنسع في الخروج من هذا المأزق الذي نعيشه بدءاً بمعرفة خطورة الموقف ثم البحث عن حلول ومن ثم العمل على تطبيقها في واقع الحياة. ولا ننس أبداً أن صلاح الآباء يدرك الأبناء بإذن الله {وكان أبوهما صالحاً} وأن الله قد أمرنا بالدعاء لأولادنا فلنلهج لله تعالى بالدعاء لهم. اسأل الله أن يسهل على أبنائنا وأن يحميهم من الغش وأن يأخذ بنواصيهم لما يحب ويرضى.

كلية الإعلام جامعة العلوم والتكنولوجيا -حضرموت

المراجع : - كيف نحمي أبناءنا - الأستاذة زينب النجاري.

- العوامل المعرفية - حنان عبدالله (رسالة ماجستير).

- من يطبق القانون - د. أنور رسلان

- استطلاع شامل للواقع المحلي.

- مجموعة من الدراسات والمقالات التي تناولت ظاهرة الغش.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى