«فتاة شمسان» .. أحداث من تاريخ المرأة في عدن

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> القيمة المعرفية للصحف والمجلات الصادرة في عدن قبل 1967م تكمن في تلك المعلومات التي تعد موسوعة تقدم من التاريخ والاحداث ما يساعد على قراءة جوانب من سيرة عدن، المدينة والانسان ومجلة «فتاة شمسان» التي ظهرت في عام 1960م تعد إحدى الروافد المقدمة لهوية عدن وإسهامات المرأة العدنية في جوانب متعددة من ذلك التاريخ، لذلك كانت لنا تلك الوقفات مع هذه المجلة الرائدة وهذه وقفة تالية تتبعها عدة اقترابات من محتويات «فتاة شمسان» حتى نقدم صورة واسعة عن دور هذه المجلة في الحقل الإعلامي في زمن الريادة العدنية لدور الصحافة في هذا الجزء من جزيرة العرب والوطن العربي.

العوامل المؤثرة على المرأة في عدن
في العدد السابع من «فتاة شمسان» الصادر يوم السبت بتاريخ 1 يوليو 1961م الموافق 18 محرم 1380هـ نشر هذا البحث الذي قدمته السيدة ماهية نجيب إلى مؤتمر نساء آسيا وأفريقيا وقد جاء فيه : «هناك عوامل كثيرة أثرت على المرأة اجتماعياً وثقافياً، من العوامل مايلي :

1- السينما منذ عام 1938م حتى 1944م كانت عدن لا تستلم إلا أفلاماً هندية وإنجليزية وكان المجتمع النسائي لا يتمتع إلا بهذه الأفلام، لأن الأفلام العربية المصرية لم تأت إلا بعد عام 1944م عندما بدأت الثقافة المصرية العربية تكتسح المنزل العدني فتعلمت النساء عن طريق هذه الأفلام ثقافة جديدة.

2- الصحافة بعد عام 1945م غمرت الصحف المصرية الأسواق العدنية فبدأت المرأة تقرأ هذه الصحف بشغف بالغ هذا بالزيادة إلى صحافتها العدنية التي كانت تخرج لها كل يوم بشيء جديد، وبدأت المرأة العدنية تتابع نشاط شقيقتها العربية في الجمهورية العربية المتحدة.

3- ارتفاع مستوى المعيشة بعد الحرب العظمى الأولى عمت عدن موجة في الرخاء الاقتصادي والازدهار المالي فتحسن مستوى المعيشة نوعاً ما فبدأت المرأة تهتم بالأزياء والملابس والموضات، وعرفت كيف تحضر نفسها للحياة الجديدة، ثم إنها بدأت تهتم أيضاً بمنزلها وتهتم أيضاً بالذوق والأناقة واختيار ألوان الستائر والأثاث كما وأن المطبخ أصبح يأخذ وقتاً طويلاً من تفكيرها وذلك فيما يختص بالأطباق الشهية وما شابهها.

والأم العدنية أصبحت تعي واجباتها نحو أطفالها فتربيهم تربية صحيحة سليمة وعلى أساس تربوي علمي صحيح وأصبحت عملية الولادة في عدن متيسرة وذلك بوجود مستشفى حديث للولادة.

4- تطور وسائل المواصلات فقد أصبحت عدن هي الميناء البحري والجوي لمعظم الخطوط البحرية والجوية العالمية وبارتفاع مستوى المعيشة وظهور الرخاء الاقتصادي خرجت المرأة من قوقعتها وأصبحت ترافق زوجها في رحلاته وسفرياته إلى الجمهورية العربية المتحدة ولبنان وأوروبا وبريطانيا وغيرها من بلدان العالم، وهذه الرحلات والسفريات قد قدمت للمرأة العدنية العربية فرصة لرؤية العالم الخارجي وما يجري فيه من تغيير وتبديل وعادت إلى عدن بروح وعقلية جديدة وأفكار متنورة وآراء تقدمية جريئة فأصبحت عضواً عاملاً نافعاً في المجتمع وإن كان من وراء الحجاب.

5- الإذاعة.. أصبح كل منزل عدني لا يخلو من الراديو ولا شك أن الإذاعة كان لها فضل كبير في تثقيف المرأة العدنية وكذا الفتاة الناشئة وإذاعة الجمهورية العربية المتحدة محبوبة جداً وكذا إذاعة عدن، وقد فتحت الإذاعة في عدن للفتيات العدنيات الناشئات ومنهن نبيهة عزيم وفتحية الصغيرة ورجاء حامد عبدالغني ولكنهن لا يظهرن في الحفلات الموسيقية أمام الرجال بل في الحفلات الموسيقية النسائية.

6- الكتب المفيدة المبسطة لقد زخرت المكتبات العدنية بهذه الكتب المفيدة السهلة المبسطة وهذه بالتالي أفادت المرأة إذ أنها رخيصة في الثمن ولكنها مفيدة في محتوياتها فقد وسعت مدارك المرأة توسيعاً كبيراً.

مركز المرأة السياسي
لا ريب أن المرأة العدنية العربية بدأت تعي حقوقها السياسية وتشعر أنها يجب أن تنال حقها في الانتخابات والترشيح وإن كان الطريق أمامها مليئاً بالأشواك، والمرأة العدنية من المعجبات برائدة النهضة النسائية العربية السيدة هدى هانم شعرواي، وهي من المناضلات الراشدات اللائي تقدمن الصفوف مبكرات ثائرات وحملت المصباح في حالك العصر لتحرر المرأة العربية ولتنور لها الطريق المظلم ولايزال العدد الكثير من النساء العدنيات يكررن ما قاله شاعر النيل المرحوم حافظ إبراهيم عن المرأة العربية عام 1919م.

خرج الغواني يحتججن

ورحت أرقب جمعهنّه

وأخذن يجتزن الطريق

ودار سعد قصدهنه

والحوادث والاحداث تمر سراعاً في عدن وهناك حركة بمطالبة السلطات الحكومية هنا بإعطاء المرأة حقوقها السياسية في الانتخابات والترشيح.. وقد حضر عدد غفير في شهر أغسطس الماضي من النساء العربيات إلى ساحة المؤتمر العمالي وخاطبن آلاف العمال وأيدنهم في معارضتهم للقانون العمالي الجديد الذي يمنع الإضراب في عدن.

الخاتمة
إن الباحث المدقق والفاحص الأديب لمركز المرأة العدنية العربية اليوم يشعر بالفخر والإعجاب وهو يرى المرأة العدنية العربية تشق طريقها بكل اطمئنان إلى مستقبل مشرق ويراها وهي تتشوق إلى غد زاهر تشوق الشمس إلى انداء الصباح.

إن المراة العدنية العربية اليوم هي رائدة النهضة النسائية في جنوب الجزيرة العربية فلهذا فإن كل تقدم تحرزه فإنما يعود على كل حال إلى فائدة المرأة في جنوب الجزيرة العربية بأسرها.

ولا يمكن أن نختتم تقريرنا هذا إلا بذكر التغيير الشامل الذي حدث في الأسرة العدنية، إن الأسرة العدنية أصبحت الآن وحدة متماسكة وأصبحت الأم تفكر بمستقبل ابنتها التعليمي، وإذا جاء لابنتها خطيب فإنها هي ووالدها يأخذان رأيها في الموضوع فلم تعد الفتاة كما كانت المرأة في الماضي سلعة معروضة لا رأي لها ولا قيمة.. فالفتاة تقدر مسئولياتها وواجباتها ولكنها أيضا تدافع عن حقوقها في حدود المعقول والأدب واحترام الوالدين.. ثم أن هناك بعض العادات القبيحة السيئة.. كمنع القات عند الرجال فلم تستطع المرأة مثلاً أن تجعل الرجل يمتنع منها ولهذا السبب فإنها إذا أسفرت فلربما تستطيع أن تستعمل نفوذها لجعل الرجل ينبذ هذه العادة السيئة.

إن الأهم في الأمر هو أن المرأة العدنية والفتاة العدنية تعيشان في فترة من التغيير والتبديل.. وفي هذه الفترة سوف تثبتان وجودها في المجتمع وسوف يناضلن من أجل حقوقهن».

شركة خطوط الطيران البريطانية تقيم مأدبة غداء تكريماً لماهية نجيب
في العدد الثامن من «فتاة شمسان» الصادر يوم الثلاثاء 1 أغسطس 1961م الموافق 19 صفر 1380هـ تتحدث السيدة ماهية نجيب عن رحلتها إلى بريطانيا وكانت شركة خطوط الطيران البريطانية (B.O.A.C) قد أعدت حفلة غداء لها لأنها أول صحفية من جنوب الجزيرة العربية تدعوها وزارة المستعمرات البريطانية لزيارة بريطانيا ومعالمها وقد حضر تلك الحفلة السيد محمد ناصر، ورجال صحافة من كينيا وأوجانده وزنجبار.

وقاموا بجولة في أقسام تلك الشركة لمعرفة كيفية العمل بها وتعرفت السيدة ماهية نجيب على عدة أشياء في هذا المجال وعلمت أن مطار لندن يستقبل يومياً حوالي (600) طائرة ما بين مسافرة وقادمة من وإلى بريطانيا.

برنامج الزيارة إلى لندن
زارت السيدة ماهية نجيب دار صحيفة الديلي أكسبريس اليومية، وكذلك مطابعها الضخمة وقد سألها المشرف على تلك الزيارة عن حال المطابع في عدن، وقالت له: «إنهم مازالوا يعتمدون على عملية تصفيف الحروف بالطريقة اليدوية ولم يصلوا بعد إلى استيراد مطابع (اللانيوتايب) أو (المونوتايب)» غير مطبعة حكومة عدن التي غيرت مطبعتها بواسطة (المونوتايب)، وقد سألها عن النساء في عدن وهل تعمل المرأة في المطابع وكان الجواب «لا» وقد أخبرها أن عنصر المرأة في المطابع أصبح محبوباً في العالم وأن دار الديلي أكسبريس قد استوعبت هذه الفكرة، ومن خلال طوافها بتلك المؤسسة الصحفية، إن الصحيفة تعتمد على القراء فالشعب البريطاني كما وجدته السيدة ماهية نجيب محباً للقراءة وذلك ما لاحظته في المطاعم والباصات والحدائق وفي الشوارع وغيرها من الأماكن العامة حيث الإقبال الشعبي على الصحف شديداً إلى حد بعيد لمعرفة أخبار العالم لأن الشعب البريطاني يشعر أن قراءة الصحف كوجبة الغذاء وحول هذه العادة تقول ماهية نجيب : «وقد اندهشت وأنا أشاهد امرأة في الثمانين من عمرها في الفندق الذي نزلنا فيه في لندن وهي تستعمل المجهر بالإضافة إلى نظارة سميكة جداً لتقرأ صحيفتها المفضلة والصحافة في بريطانيا اليوم تعتمد على المرأة القارئة ورأيت أن عدد ربات البيوت اللاتي يقرأن الصحف النسائية قد ازداد ورأيت أنهن يتابعن الأخبار العالمية باستمرار».

في بلدية نيوكاسل
مدينة نيوكاسل مدينة صناعية، وفي تلك الرحلة طافتها السيدة ماهية نجيب وقابلت عمدتها الذي كان يعرف في عدن باسم رئيس البلدية، وتلك البلدية كانت تشرف على هدم المنازل القديمة وبناء أخرى غيرها وقد قدمها عمدة البلدية للسيدة زوجته واسمها ترايزسايلنس رسل، وكانت رئيسة جمعية الأطفال اليتامى وقد أقامت حفلة شاي للسيدة ماهية نجيب في منزلها حضرتها رئيسة ملجأ العجزة في نيوكاسل ورئيسة ملجأ للأطفال كما حضرها زوجها ومندوبة صحفية عن صحيفة صدرت في نيوكاسل اسمها (دي جورنال)، وقد اهتمت تلك المندوبة بمجلة «فتاة شمسان» وطرحت عليها العديد من الاسئلة حول المرأة العدنية واوضاعها وفرحت جداً أن هناك سيدة عدنية جالسة في مؤتمر نسائي عالمي، وأكدت للسيدة ماهية نجيب أنه على المرأة العدنية أن تعمل جادة لبناء دار خاصة بها ولجمعيتها وتقصد (الجمعية العدنية للنساء)، وقد نشرت تلك المندوبة في المجلة التي تمثلها (دي جورنال) مقالاً عن ماهية نجيب وقالت إن رئيسة تحرير مجلة عدنية تزور نيوكاسل بدعوة من وزارة المستعمرات لتتعرف على جميع مرافق المرأة في بريطانيا والجمعيات النسائية ودور رعاية الأطفال والولادة وغيرها، وذكرت أن السيدة ماهية نجيب هي أول صحفية من عدن والجنوب العربي تزور بريطانيا لغرض الصحافة كما زارت إسكتلندة وقد وجهت لها دعوة لزيارة كلية (إدنبره للعلوم المنزلية) وكانت توجد فيها حوالي (600) طالبة في ذلك الوقت من جميع أنحاء العالم.

بناء دار للجمعية العدنية للنساء
في العدد الرابع من «فتاة شمسان» الصادر يوم السبت 1 أبريل عام 1961م الموافق 15شوال 1380هـ تكتب مندوبة المجلة المتجولة قائلة: «الجمعية العدنية للنساء تمر الآن في فترة تغيير وتبديل ففي داخلها تستطيع المراة العدنية العربية أن تشهد حركة مستمرة لتقوية هذه الجمعية، وجمع التبرعات لها وذلك لبناء الدار الذي سيكون أول دار في الجزيرة العربية يضم فيه السيدات والآنسات العربيات، وبمعنى أوضح فإن هذه الدار التي ستبنى سوف تصبح مركزاً للاشعاع الثقافي والعلمي والسياسي للمرأة العربية في جنوب الجزيرة العربية. وقد مرت على هذه الجمعية أربع سنوات حققت فيها المرأة العدنية بعض ماكانت تصبو إليه من حقوق اجتماعية ومطالب خاصة ورحلات واجتماعات مفيدة للمرأة، وقد كان تصريح السيد المطري في المجلس البلدي الموقر قوة جديدة تسند المرأة العربية وتشعرها بأن هناك بين الرجال من يشدون أزرها ويحمونها.

وقد علمت من مصادر وثيقة في هذه الجمعية أن التبرعات لمشروع بناء الدار قد انهالت وأن بعض عقيلات النساء سوف يواصلن جمع التبرعات، والمفهوم أن مشروع هذه الدار سوف يشمل روضة للأطفال وعدن في حاجة إلى الروضة التي ستكون تحت إشراف مدرسات خبيرات وفي المساء تستطيع الامهات أن يجلبن أطفالهن ليلعبن تحت إشرافهن فتستطيع الأم أن تؤمن طفلها ضد المخاطر والتشرد في الشوارع الرئيسية لاسيما وعدد السيارات يزداد في عدن يوماً بعد يوم.

ومن مشاريع الجمعية أيضاً مكافحة الأمية بين النساء وفتح صفوف تعليم اللغة الإنجليزية واللغة الغربية.

ولم أغفل عن محاولة معرفة أهداف هذه الجمعية في المستقبل فعرفت أنه ربما تتوسع هذه الجمعية وتنمو وتكبر ويكون لها عدة فروع في سائر أنحاء الجنوب العربي».

أول فتاة عدنية تدرس الطب في بريطانيا
في العدد (12) الصادر يوم الجمعة بتاريخ 1 ديسمبر 1961م الموافق 22 جمادى الآخرة 1381هـ من مجلة «فتاة شمسان» على الصفحة الأولى نشر هذا الخبر الذي يذكر أن الآنسة عايدة محمد أحمد من التواهي ومن تلميذات الصف الرابع ثانوي في كلية البنات قد تحصلت على إجازة علمية في الطب في بريطانيا وكانت قد منحتها هذه الإجازة أمانة ميناء عدن وهي أول فتاة عدنية تتخصص في مهنة الطب وتدرس في بريطانيا في هذا المجال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى