عقان بين عيش المجازفة ووعود الحكومة

> «الأيام» أنيس منصور حميدة:

>
الحجة فاطمة خضر ذاهبة لطلب الماء
الحجة فاطمة خضر ذاهبة لطلب الماء
منطقة عقان أحد مراكز مديرية المسيمير، حزم وبيوت متفاوتة البناء مع وجود غصص المعاناة ونماذج القهر اليمني، مآس متشابكة من العسير وصفها بالشكل المطلوب، مظاهر من القلق والمعاناة النفسية وفوضى ناهيك عن الرحلات الشاقة المكرسة للبحث عن قطرة ماء، فقر مدقع مع جهل مستحكم وطبيعة قاسية، عشش مغطاة بصفائح عالية السخونة، زيارة واحدة لـ (عقان) تعني بالضرورة زيارة للشطر الجنوبي سابقاً واتفاقية الوحدة اليمنية، فمرشد الرحلة قال وهو يشير بيده «هناك كان يخزن العدنيون سابقاً يومي الخميس والجمعة وهناك كانت محطة التقاء مسئولي المسيمير وكرش» علاوة على ذلك كانت عقان المخزون الذي أمد الوحدة بالرجال في أحلك الظروف واليوم يشعر أهالي عقان بضيم واقع عليهم وظلم تاريخي معنوي وآخر مادي، حلقات من الوجع الشعبي ومساحات من البؤس والألم والعذابات معززة بفيالق التهميش، أحياء وقرى تبحث عن حياة كريمة وبناء نظيف وقطرة ماء تلطفهم تقييهم من حر يشوي جلودهم المهروسة بالحر والجوع والمرض.

«الأيام» تنقل لكم تفاصيل ماحدث ويحدث عبر بعض الساكنين في عقان. كانت البداية عند الأخ ابراهيم مدهش قاسم القاضي الذي قال: «سوف أتحدث لك من صميم قلبي عن مأساة طلب الماء قائلاً:«لدينا بئر ارتوازية ركبت عليها وحدة ضخ عمودية بعمق تركيب 21م تعمل عبر شبكة مختلفة الاقطار وهناك قرى مستفيدة وتجمعات متباعدة مثل السراحنة، الدكم، حبيل سويداء وعقان مع معسكر لبوزة ويستفيد من هذا المشروع ثلاثة ألف نسمة أغلبهم يعيشون ظروفا بدائية ويعتمدون في الحصول على الماء من مشروع المياه منذ عام 97م وقد تعرضت المضخة للعطل وتوقفت نهائياً منذ تسعة أشهر والوضع الحالي للمشروع متعثر ومطلوب بعض الاحتياجات للمشروع وحياة الناس الآن قائمة على السفر الى الوادي بالحمير والشراء من الوايتات والبوز المتنقلة». ويضيف بألم: «تقدمنا بشكاوى وطلبات إلى قياة المديرية وأعضاء المجلس المحلي ولكن لا مجيب ولا يحزنون».

كما أضاف عزيز مرذوق جراد «أن المشروع ظل يعمل بشكل عشوائي والشبكة غير صالحة ومتآكلة وعليها العداد بحاجة الى تغيير» مستغرباً أن إصلاح الأعطال يكلف مبلغ مئة ألف ريال فقط «هل عجزت السلطة المحلية والقائمون على المشروع عن توفير هذا المبلغ، أين تذهب الاشتراكات؟».. هكذا الجميع تداخل في الكلام مع تنوع الالفاظ والعبارات وأساليب الحديث عن همومهم وعلى وجه الخصوص همهم الاساسي الذي جعلهم يعيشون حالة طوارئ ويخاطرون بأطفالهم وسط لهيب الشمس، الا أن الحجة فاطمة خضر يسلم قالت «نرجوك وصل قضايانا للمحافظ والحكومة عبر «الأيام»، لنا تسعة أشهر ومشروع المياه متوقف والمسؤولين يدورونا أيام الانتخابات فقط والله منذ الانتخابات السابقة حتى الآن لم نر أي مسئول يشاهد حالنا نسأب الماء من أماكن متفرقة حياتنا عذاب في عذاب».

وأثناء رصدنا أحاديث أكثر من سبعة أشخاص عن قضية المشروع وجدناهم مجمعين على أن سبب فشل ادارة المشروع وتوقفه هو عدم وجود الادارة الناجحة رغم مطالبهم بتغيير اللجنة السابقة المشرفة على المشروع لكي تقوم بإنقاذ المشروع وذكروا أن همهم الاساسي هو الحصول على الماء، كما ان البعض يفيد بوجود تسول وشحت ومتاجرة باسم المشروع.

وبعد كثرة الحديث والتداخلات والتساؤلات التي تتطلع لمعرفة ماذا يبحث هذا المراسل الصحفي ومقصده الرئيسي قاطعنا الوالد صالح سالم عوض الذي وضح لنا أنه يحمل ملفين من الوثائق والمذكرات والمتابعات وصور منها كلها طلبات وتحويلات وخطابات رسمية وفواتير متعلقة بمشروع مياه عقان.

أهم ما في الملفين هو رسالة محافظ لحج إلى مكتب مياه الريف طالباً التعاون بصرف قطاع غيار للمضخة وأفادنا الوالد صالح سالم بأنه استلم قطاع غيار «وعند تركيبه تبين انه خربان وتمت اعادته الى مكتب مياه الريف وربطونا بوعود حتى الآن لم تنفذ رغم المتابعات المستمرة والوسطات الا أننا وصلنا الى طريق مسدود» وشرح لنا «أن خزان المياه من أيام الحزب الاشتراكي ومواسير المشروع يكسوها الصدأ تحتاج إلى تجديد وصيانة» كما أرفق لنا تقريراً هندسياً عن مكونات المشروع والقرى المستفيدة والوضع الحالي مع احتياجات تتمثل في توفير رأس للمضخة مع تصفيتها وصيانتها وتنظيم عمل المشروع من حيث الضخ والتوزيع وتركيب عدادات وتحصيل الاشتراكات.

بهذا الأنين اختزل بعض الأهالي شرح معاناتهم وقضيتهم العظمى، كل دول العالم تقف عند حرمة مواطنيها لا يرضيها أن ترى عجوزاً مسنة جاوزت السبعين تحمل دبات الماء أما في يمننا الحبيب فنرى ما يحدث لأبناء وقاطني عقان حيث يشعر الإنسان بالأسى والغصص وهو يشاهد أشكالاً من التعب اليومي للنساء والأطفال والشيبان والعجائز، أبناء عقان أوفياء محبون، صرحاء لكنهم ضحية سحابة صيف وحرمان عميق ويأس بالغ، الفقر أوهن عزمهم وقتل طموحهم ومنعهم من شربة ماء نقية في دولة تتغنى بالمنجزات.

طلبت من رفيق الرحلة في دهاليز منطقة عقان الراحة قليلاً والاستظلال فكان اتفاقنا أن تستريح بجانب الوحدة الصحية فوقع في مخيلتي أن مبنى الوحدة الصحية نظيف وجميل كما هو منظر المنشآت الصحية المشاهدة في ثنايا الصحف الرسمية وأمام بناء شعبي وأحجار متراكبة مطلية بالتراب كانت المفاجأة والاستغراب والحيرة هذه هي الوحدة الصحية عقان، غرفة صغيرة لا تصلح لان تكون حظيرة للاغنام والنعاج فكيف يتداوى فيها المواطنون. أخبرنا خالد علي طلمة، أحد العاملين في الوحدة الصحية بأن المبنى مؤجر وأنهم دائماً ما يجدون الثعابين والعقارب فيه وعند نزول المطر تتحول الوحدة الصحية الى بحيرة مياه.

أحمد حسن حمودة يشكو من رداءة الخدمات الصحية وانتشار أمراض البلهارسيا والاسهالات والملاريا مؤكداً «أن الوحدة الصحية خدماتها محصورة على التطعيم أيام الحملات فقط وهناك عاملون صحيون من أبناء المنطقة تم تحويلهم الى المسيمير ولم نستفد منهم وتوجد قابلة صحية فقط تباشر بين الحين والآخر، الوضع الصحي في عقان متدهور الى أدنى حد».. عند هذه الكلمات التي تبحث عن لفتة حكومية تمنيت لو يتشرف مدير مكتب الصحة بالمحافظة بزيارة الوحدة الصحية عقان ليتعرف عن قرب على قصة شعب يكتوي بالملاريا والإسهالات ليرى رأي العين مبنى الوحدة الصحية المتاكل والذي لا يصلح للدواب والأنعام.

الطفلة سلوى سالم نصر قالت إنها لا تفهم في السياسة ولا في الصحة لكنها أخذت في المدرسة دروساً عن النظافة وطرق استعمال العلاج والوقاية من الأمراض وأنها شاهدت في الكتب المصورة مباني بيضاء وملابس صحية بيضاء الا أن وحدتهم الصحية عبارة عن حجار سوداء وتراب أغبر وسقف من أعواد الحطب، هكذا تحدثت سلوى وبكل ثقة لترسم ملامح الفرق بين منهج التدريس والواقع البائس.

وأثناء تجولنا في أزقة عقان وجدنا أعمدة محلية صغيرة عليها أسلاك قريبة من الارض غير منظمة وتنذر بكارثة لما فيها من عشوائية التركيب وخطورة قربها من سطح الارض فساقني الفضول الإعلامي للسؤال عن خدمات الكهرباء فكانت الإجابة من معمر صالح الطلي الذي ذكر أن مشروع الكهرباء ايضاً أهلي ويعمل لمدة خمس ساعات فقط من السادسة مساءً حتى الحادية عشرة «ويقوم مشروع الكهرباء على جهود ذاتية أهلية ولم نعرف خير الحكومة فيها أبداً لكننا نطالب كل الجهات المسؤولة ربط منازلنا بالخط الكهروحراري العمودي وتفادي مآسينا».

هذا هو الحديث الوحيد لا يحتاج الى تعليق فالصور الفوتغرافية أكبر دليل على شدة الالم وغياب النظام، المنجز الوحيد الذي نشير إليه باليدين هو المدرسة التي تم بناؤها على نفقة مجموعة هائل سعيد أنعم اختصر مديرها علي هادي حسن الصعوبات بعدم وجود سور للمدرسة مطالباً مكتب التربية النظر لهذا الطلب بعين الاعتبار معللاً طلبه بان هناك زحفاً بطيئاً للاستيلاء على مساحة المدرسة رويداً رويداً.

بعد ان دخلنا عالم البؤس ووجدنا أناساً يخافون الموت عطشاً قذفت بهم سياسة الإفقار الى سراديب الفقر والفاقة فكانت كلماتهم تخرج كالصواعق فهل تجد صراخاتهم آذاناً صاغية وضمائر حية؟

أسئلة كثيرة تنادي الجهات المسئولة وتبحث منهم عن اجابات تشفي غليلهم. عيشتهم مجازفة وحكومتهم نكثت وعودها وإلى الله وحده المشتكى.

لقد تركنا صوراً ومشاهد تثير الغثيان لمساكن وساكنين ينشدون اللقمة وشربة الماء الهنيئة ويبحثون عن أمان الخدمات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى