القرون الآدمية بين الأسطورة والحقيقة .. ظاهرة الرجل ذي القرنين بشبوة وآخر مثله قبل أكثر من 200 عام

> «الأيام» محمد صالح البخيتي:

>
صالح بن طالب صالح
صالح بن طالب صالح
شد انتباهي خبر نشرته صحيفة «الأيام» بصفحتها الأولى في العدد رقم 4825 الصادر بتاريخ 27 يونيو 2006م، هذا الخبر يشير إلى أن رجلا يمنيا اسمه ( صالح بن طالب صالح ) من محافظة شبوة تجاوز عمره المائة العام ظهر على جانبي رأسه قرنان، وللتأكيد نشرت الصحيفة صورة جانبية له تظهر القرن الأيسر على جانب رأسه، مما يؤكد الخبر بما لا يدع مجالا للتشكيك، وقد تناقلت الخبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية، فأنا سمعته من قناة العربية باليوم نفسه، معلومة واحدة وردت في سياق الخبر هي الوحيدة التي قد تقلل من مصداقيته في نظر البعض وقيمته العلمية، وهي اقترانه بحلم صاحبه بظهور القرون قبل حدوثها، فنحن نعلم أن الأحلام ليس لها صلة بالواقع أي أنها لا تتحقق كما هي، الأحلام قد ترمز لشيء آخر لدى من يؤمن بها، ولهذا ظهر لها الكثير من المفسرين وكثير من المؤلفات، أما أنها تتحقق كما هي فهذا ما لم يحدث، كما أن القرن في الصورة لم يكن واضحا بما فيه الكفاية، أيضا لونه يميل إلى اللون الأبيض بعكس اللون المعتاد للقرون وهو اللون الأسود. ومثل هذا الخبر غير العادي سيثير الجدل حوله وهو جدير بالنقاش من وجهة نظر دينية وعلمية وخرافية.

مقرن ثان وثالث
والذي شد انتباهي واهتمامي أكثر لهذا الخبر هو وجود معلومة سابقة لدي عن رجل آخر ظهرت له قرون، ليس في عصرنا هذا وإنما في بداية القرن الثالث عشر الهجري وبالذات فقد وردت هذه المعلومة في سنة 1215هـ ( 1800م) في عصر الإمام المنصور علي بن المهدي عباس بن المنصور الحسين، وصاحب القرنين هذا هو الشيخ حسين عامر الداغية من قرية بني عيسى منطقة بني بخيت الحداء.

وقد أكد هذه المعلومات شيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة1250هـ في كتابه ( البدر الطالع) تحقيق أ . د حسين العمري، ص 144، والنسخة التي حققها السيد محمد زبارة ص 128 الجزء الأول، ط1 لسنة 1348هـ). وفي كلام الشوكاني الذي سنصل إلى نصه أكد أنه على اطلاع كامل بالقضية وبأنها تواترت صحتها لديه تواترا لم يبق فيه شك، وهذا هو نص كلام الشوكاني وهو يروي أحداث سنة 1215هـ:

(وقد حدث في هذه السنة ما يحسن ذكره هنا، أن رجلا يقال له حسين عامر الداغية من بلاد الحداء بلغ في العمر إلى نحو تسعين سنة، ثم ظهر برأسه قرنان كقرون المعز فوق أذنيه، وانعطفا على أذنيه، وشاعت الأخبار بذلك إلى أن بلغت إلينا إلى مدينة صنعاء، وكان المخبرون ثقاة من أهل العلم، ثم لما بلغ الخبر خليفة العصر حفظه الله، أرسل رسولا يأتي به، وكان ذلك باطلاعي، فرجعت جوابات من شيخ ذلك المحل، وهو رجل يقال له }سعد مفتاح {أن صاحب القرون موجود لديهم بيقين ولكنه قطعهما لما تأذى بهما. ورأيت الجوابات، ثم تواترت القضية تواترا لم يبق فيه شك) .

والقرون هنا تختلف عن قرون صالح بن طالب التي لاحظناها في الصورة المنشورة، فنحن هنا أمام قرنين ملتويين على أذنيه ونستنتج أنهما صغيران طالما قد انعطفا على أذنيه، وهما كقرون المعز بينما القرن الذي ظهر في الصورة أكثر سمكا وهو أقرب إلى قرن ثور.

وللتوضيح فالشيخ سعد مفتاح المخاطب في الرسالة السابقة اسمه الكامل (سعد علي صالح مفتاح)، وكان له دور في الصراع مع أئمة عصره ذكر الكثير منها المؤرخ لطف الله جحاف في كتابه ( درر نحور الحور العين) ليس لذكرها مجال هنا، إنما الذي يهمنا أننا قد وجدنا الرسالة التالي نصها التي يبدو أنها من محمد بن الإمام المنصور علي، وهي تلح على وصول الشيخ سعد مفتاح إليه لمعرفة الحقيقة ونصها بعد التوقيع من المرسل لها في أعلاها :

الحمد لله وحده
التوقيع: محمد بن المنصور

(الشيخ المحب الأكمل سعد مفتاح البخيتي حياكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله ...... أن يحفظ سيدنا المولى أمير المؤمنين وسيد المسلمين المنصور بالله رب العالمين ... آمين كتابك وصل وعرفنا جميع ما ذكرتم وقد أنت تبادر بوصولك حال يصل إليك هذا حتى نأخذ الحقيقة من لديك وبركات سعادة سيدي المولى حفظه الله وكل أمر صالح وشريف السلام).

ورغم أن الرسالة غير مؤرخة إلا أنها حدثت في زمن سعد مفتاح الذي عاش في الفترة من 1170هـ ـ 1248هـ ونعتقد أنها من الرسائل التي تتعلق بصاحب القرون.

لقاء مع حفيد ذي القرنين
وفي سياق خبر ظهور القرنين للداغية رأيت أن أتتبع صحته من أحفاده، ولما وصل حفيده الأستاذ صالح عامر الداغية من المملكة العربية السعودية أتيحت لي فرصة اللقاء به في مساء يوم الأحد السادس عشر من شهر أغسطس 2004م، حيث وصل إلى اليمن لزيارة أهله، وكان يعمل حينها إماما وخطيبا لجامع الأمير عبدالله بن عبد العزيز ولا زال، فطرحت الموضوع عليه، وكان أول ما حصلت عليه منه هو اسمه الكامل الذي يوصله بجده المقرن فوجدت اسمه الكامل هو (صالح عامر علي ناصر صالح عامر حسين عامر الداغية) فهو حفيد ذي القرنين كما نلحظ ذلك من تسلسل اسمه، فصاحب القرنين (حسين عامر) هو جده الخامس، ثم قال إن الكثير من علماء الدين بالمملكة العربية السعودية قد ناقشوه واستفسروا منه عن الموضوع، وكانوا قد اطلعوا على حكاية القرنين في كتاب الإمام محمد بن علي الشوكاني المشار إليه، وللشوكاني لدى علماء الدين السعوديين مكانة كبيرة، وكلامه لديهم لا يتطرق إليه الشك، وعن صدى خبر قرني جده هناك يقول إن الدكتور محمد الربيع رئيس الدراسات العليا والبحوث العلمية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس المجمع الأدبي في المملكة العربية السعودية استدعاه وسأله عن جده ذي القرنين، وأكد له أن مثل هذا قد يحدث وربط هذه الطفرة بذي القرنين الذي ذكره الله في القرآن الكريم .

كما أكد لي أن هذه الصفة متوارثة فيهم، حتى أن ولدا له وُلد ببروز في جانبي رأسه، ما يمكن أن نسميها قرونا كدليل على أن قرونا ستظهر له، لكن الأطباء عملوا على منع ذلك، بضغطها إلى الداخل والشد عليها بعد الولادة، ولضرورة التأكد فقد أحضر ابنه (أحمد صالح عامر) الذي يبلغ من العمر حوالي ثلاث سنوات فقط وفعلا وجدت ورأيت أن علامات القرون لا تزال واضحة، وربما تظهر فيما لو أطال الله بعمره رغم تدخل الأطباء في منع ذلك.

أما عن مكانة جده الاجتماعية فقال إنه كان مراغة بني بخيت ومرجعاً في العرف وكان الناس يتوافدون عليه لهذا السبب أولا ولرؤية قرنيه اللذين ظهرا فوق أذنيه، ثانيا بعد أن بلغ من العمر حوالي تسعين عاماً. وعن صفات جده الجسمانية كما سمع من محمد ناصر الداغية عن امرأة منهم تعرفه قالت ( كان طويل القامة أبيض مشرباً بحمرة كثيف اللحية واسع العينين كبير الأنف، وأنه تعمر حوالي مائة وأربعين سنة) كما أخبرني حفيده بأن هناك من ذكر هذه الحادثة غير الشوكاني، منهم الحجري في معجم بلدان اليمن وقبائلها، وزبارة في سلسلة كتبه إلا أني لم أتمكن من الخبر إلا في كتاب الشوكاني.

القرون في الحكايات الأسطورية
عندما كنا أطفالا سمعنا الكثير من الحكايات والحزاوي الأسطورية عن قرون لفصيلة الجن وما يسمونه بأبي كلب في تلك الحكايات، أما بالنسبة لبني الإنسان فقد سمعنا ذلك في الأشعار الشعبية، فذكر القرون الآدمية دائما ما يردد كنوع من التشبيه أو الكناية بقوة الرجل وجبروته، ففي لعبة البالة سمعت أحدهم يدخل حلقتها محذرا الآخرين من ممارسة لعب البالة معه، لأنه يحدث فيها نوعاً من الحرب الكلامية، فقد يمدح الشاعر شخصا ويذم آخر، ولهذا يجب أن يتصف لاعبو البالة بالصبر وقوة التحمل وإلا تحولت اللعبة إلى عراك حقيقي بالأيدي أو بأنواع الأسلحة، فقد ابتدأ لعبة البالة الشاعر المرحوم يحيى سعد حسن مفتاح قائلا:

( با نبدع البال با نلعب على حرف نون* ما يلعب البالة إلا راكز اثنين قرون)

كناية عن الاستعداد للنطاح والعراك، لاحظ ما أجاب عليه الشاعر الآخر كبداية لحرب كلامية تطورت فيا بعد:

(الله يحييك قد ذا انته بدعت الجنون * أو شي معك سحر من ذي ساجيات العيون)

لاحظ قوة الرد التي تتطلب الصبر من المستقبل لها الذي كان عليه أن يجيب بكلمات أقوى، وقد رد لكن ليس لذكرها هنا محل، وشاعر آخر في مناسبة أخرى يشير إلى (آل مقرن) بقوله (يا آل مقرن جعلتوا من الآمنين) ومن هذا الشطر نستنتج وجود أسرة تنتمي إلى مقرن ( آل مقرن) والمقرن هو الذي له قرن أو قرنان، وقد تكون القرون المشار إليها حقيقية وقد تكون مجازية.

ظهور الأسنان في الكبر
ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد لاحظت أنا شخصيا امرأة في قريتنا ( الملحاء) كانت قد بلغت من العمر حوالي مائة سنة وقد ظهرت لها أسنان جديدة، ولما كنا نطلب منها أن ترينا كانت تسبق ذلك بضحكة مدوية، واليوم هذا والدي أنا الذي يبلغ من العمر حوالي سبع وتسعين سنة، وهو حي يرزق وقد ظهرت له أسنان جديدة لكنها ضعيفة ليست في قوة الأسنان الأولية.

وأخيرا فقد أحببت أن أتطرق إلى ذكر القرون الآدمية وظهور الأسنان من جديد لثالث مرة في حياة الإنسان لأؤكد مصداقية ما نشرته صحيفة «الأيام» ولأضع القضيتين أمام علماء الطب والبيولوجيا لعلهم يفتونا في ذلك من واقع دراستهم العلمية.

فهل بين الأطباء اليمنيين أو غيرهم من سيوضح لنا هذه القضايا العلمية، حتى نعرف إن كانت لا تتعدى طفرة وراثية أم أنها حدث عادي يمكن أن يتكرر؟ وهل هي مرتبطة بعمر معين؟.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى