رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- فضل عبدالله ناصر .. الولادة والنشأة .. العقيد فضل عبدالله ناصر من مواليد قرية الحبَيِّل في سلطنة لحج العبدلية عام 1940م ونشأ فيها وتلقى تحصيله الأولي في كُتّاب (معلامة) القرية والتحق بعد ذلك بالتعليم النظامي الرسمي، إلا أن حدثاً مؤسفاً غيّر مجرى حياته عندما نكب بوفاة والده وهو في الرابعة عشرة من عمره فانخرط في سلك الأمن جندياً في «بوليس عدن»ADEN POLICE وطور مداركه من خلال دورات تأهيلية داخلياً وخارجياً ومن خلال الانتساب، ويتضح ذلك عند الاطلاع على وثيقة «شهادة تعيين الضباط» الصادرة في النصف الأول من ستينات القرن الماضي والتي وقع عليها قمندان بوليس ولاية عدن COMMISSIONER OF POLICE والتي أبرزت أن رتبته «نقيب» وأن تاريخ استحقاقه للرتبة 30 ديسمبر 1961م.

فضل ناصر وقرار قحطان الشعبي:
أصدر فخامة الرئيس قحطان محمد الشعبي القرار الجمهوري رقم (59) بتاريخ 18 سبتمبر 1968م بشأن تشكيل محكمة أمن الدولة العليا قضى بتعيين السيد علي محمد عبدالعليم رئيساً وعضوية الرائد حيدرة محمد بن قدور والملازم أول عبدالرب علي يافعي (مصطفى) وتعيين الملازم أول فضل عبدالله ناصر مدعياً عاماً لأغراض المحكمة المذكورة. جاء تعيين فضل عبدالله ناصر على خلفيتين، أولهما ما حققه من تراكم الخبرة والمعرفة لأن الادعاء العام كان من مهام الشرطة، وثانيهما أن فضل كان من عناصر الجبهة القومية الناشطة في القطاع الفدائي.

مع توفيق محمد حمود وآخرين
في قرار واحد:

بناءً على توجيهات عليا صدر أمر إداري بتاريخ 23 سبتمبر 1969 بشأن ترتيبات (4) فئات من الضباط وكان الأمر مذيلاً بتوقيع الرائد محمد بن محمد أحمد، ركن أول إدارة عن مدير أمن المحافظة الأولى (عدن) وقضت المادة (4) من الأمر بتثبيت التالية أسماؤهم برتبة نقيب وهم: 1- فضل عبدالله ناصر، 2- محمد مقبل ضالعي، 3- عبدالقوي يافعي، 4- توفيق محمد حمود، 5- عبدالرحمن محمد عراشة، 6- سالم محمد لحوس.

فضل عبدالله وبداية مشوار التنكيل به:
شهد الوطن مرحلة انعطاف سالبة بقيام حركة 22 يونيه، 1969م، حيث أعقبتها حركة اعتقالات وتصفيات مست بادئ ذي بدء مناضلي التنظيم الحاكم نفسه، فأقدمت السلطات على الزج بقيادات رسمية وتنظيمية ومناضلين آخرين منهم قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف وفضل عبدالله ناصر ومنصور سيف وسالم الأحوس وعثمان الجعري وعبدالقوي محمد رشاد في السجن، حيث تشير إحدى أوراق فضل عبدالله ناصر وهي تشهيد صادر بتاريخ 6 يونيو 1990م وقع عليه المقدم راشد قاسم صالح، مدير سجن المنصورة المركزي، أفاد فيه بأن فضل عبدالله ناصر كان محتجزاً لديهم خلال الفترة 5 يوليو 1970- 8 أبريل 1971م وخلال الفترة 28 ديسمبر 1972م - 13 أكتوبر 1977م.

كان فضل عبدالله ناصر يقيم مع أفراد أسرته في أحد منازل الشرطة بمدينة المعلا، فصدر أمر مدير أمن عدن إلى مسؤول شرطة المعلا في 16 أكتوبر 1971م بأن يعمل على تفريغ المنزل الذي تسكنه أسرة فضل عبدالله ناصر، الكائن في منطقة الكبسة بالمعلا خلال أسبوع واحد، كما صودرت قطع أسلحة كان يملكها فضل ناصر منذ الفترة التي سبقت استقلال البلاد وصودرت سيارته الخاصة من نوع «فولكس واجن» الألمانية.

بناءً على توجيهات قائد الحزب والدولة، طه غانم يعيد الأسرة إلى مسكنها:
من ضمن الأوراق الرسمية التي بحوزة أسرة الفقيد فضل عبدالله ناصر هناك مذكرة رسمية بتاريخ 16 نوفمبر 1980م وجهها الأخ طه أحمد غانم، رئيس المكتب التنفيذي محافظ محافظة عدن إلى وزير الإسكان جاء فيها «أثناء تواجد المذكور (أي فضل عبدالله ناصر) بالسجن عام 1972م تم اقتحام منزله الملك رقم 23/37 الكائن بالمنصورة من قبل بعض الأفراد وبناء على توجيهات الأخ الأمين العام رئيس هيئة الرئاسة ورئيس مجلس الوزراء (علي ناصر محمد) نرجو شاكرين العمل على إعادة منزله بصورة استثنائية وذلك بتوفير منزل بديل للساكن الحالي.....».

فضل ناصر في وزارة محمد سليمان ناصر:
قبل انتصاف شهر أكتوبر 1977م أخلي سبيل فضل ناصر من السجن القسري ووجد نفسه متقاعداً تقاعداً إجبارياً وهو في السابعة والثلاثين من العمر، فشمر عن ساعديه وطرق باب العمل وكان من حسن طالعه أن استوعبته وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي كاتباً عادياً وكان على رأس قيادة الوزارة الأخ محمد سليمان ناصر الذي عرفه الناس بدماثة خلقه وتغليبه للجوانب الإنسانية في معاملاته واحترامه لكوادر وزارته.

استعاد فضل عبدالله ناصر توازنه الذهني والنفسي فور تسلمه الوظيفة البسيطة في وزارة الزراعة فعزم على إعطاء كل طاقته ووقته وإخلاصه وحبه لعمله وغسل يديه تماماً من أي عمل حزبي وكلفه ذلك كثيراً وتخطى درجات السلم الوظيفي بصمت ومنح الثقة بتعيينه مديراً عاماً لمشروع تعمير أضرار السيول بالضالع في بداية الثمانينات وتواصل تألقه وجددت الثقة به بتعيينه نائب المدير العام للمؤسسة العامة للخدمات الزراعية بعدن.

حدثت طفرة نوعية في المشوار الوظيفي لفضل عبدالله ناصر في العام 1987م عندما منح «مركز كيمبردج للمستوى المتقدم في اللغة الإنجليزية» شهادة الدبلوم بدرجة (+B ) ، أي أكثر من جيد جداً وأقل من ممتاز، وهكذا أبرز فضل عبدالله تفوقاً في اللغة التي كانت تسير أعمال المؤسسة العامة للخدمات الزراعية، إحدى المؤسسات الناجحة في المحافظات الجنوبية قبل الوحدة.

حرب صيف 94 والعد التنازلي لصحة فضل ناصر:
عكست حرب صيف 1994م السيئة الصيت ظلالاً داكنة على نفسية فضل عبدالله ناصر عندما فقد فلذة كبده الشهيد نقيب طيار أحمد فضل عبدالله في مطار العند بمحافظة لحج وكان من تداعيات ذلك الحدث التراجيدي أن تضاعفت الآلام والأمراض التي حملها معه منذ رزوحه في المعتقلات السياسية. ظل العقيد الفقيد فضل عبدالله ناصر أسير انتكاسة أحواله الصحية حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم 9 أبريل 2005م عن عمر ناهز الـ (65) عاماً، قضى معه بين العطاء والعناء جراء معاناته من أعمال التنكيل. خلف الفقيد فضل عبدالله ناصر وراءه سيرة عطرة وأرملة وأربعة أبناء هم: محمد، جلال، فهد وعبدالكريم وبنتين هما: نور (ماجستير في العلوم الاقتصادية) وكفاح (ربة بيت).

2- أمين عبدالرحمن الأسودي .. الولادة والنشأة .. أمين عبدالرحمن الأسودي من مواليد عام 1941م بمنطقة دبع، لواء تعز وتلقى دروسه القرآنية في كتاتيب القرية ونزح طفلاً إلى عدن والتحق بمدرسة النهضة العربية، التي بناها الحاج عبده حسين الأدهل على نفقته في 15 مايو 1948م، اكتفى الأسودي بذلك القدر من التحصيل المتواضع من التعليم الذي اتسم بقوة المناهج والنوعية المتميزة للمعلم آنذاك، باعتباره محور العملية التعليمية. شمر الأسودي عن ساعديه للخروج إلى ميدان العمل في مرحلة مبكرة من عمره تحت وطأة ظروف أسرية صعبة.

الأسودي بين المستشفى الأهلي ومستشفى الملكة اليزابيث:
يشير الكشف السنوي للعاملين الحكوميين في عدن لعام 1961م أن أمين عبدالرحمن الأسودي التحق بالخدمات الطبية ممرضاً تحت التدريب في 15 ديسمبر 1955م، وفي ذلك العام تعين كل من: علي عبدالكريم أحمد وأحمد جامع.

يتضح من عام التعيين أن أمين الأسودي بدأ العمل في المستشفى الأهلي

NATIONAL HOSPITAL الحكومي بكريتر الذي أنشأته الحكومة البريطانية عام 1860م في الموقع الحالي نفسه لمركز شرطة كريتر، وانتقل بعد ذلك إلى مستشفى الملكة اليزابيث الثانية (مستشفى الجمهورية التعليمي حالياً) بخورمكسر الذي وضعت حجر الأساس له الملكة اليزابيث نفسها عند زيارتها لعدن في 27 أبريل 1954م. عمل أمين الأسودي في سلك التمريض في مستشفى الجمهورية ضمن قائمة طويلة من القامات التمريضية منهم: طه حسن سعيدي، حامد محمد عبدالقادر، محمد عبدالله موتي، يوسف فضل عبدالله، أحمد محمد حاشدي، خالد عبده علي، حمود سعيد علي، محمد معتوق محمد، محمد سعيد ورسمة، إبراهيم علي محمد كوكني، محمود علي حسرت، عبدالحفيظ وغيرهم، ولا يفوتنا الإشارة إلى عميدي التمريض محسن شيباني وعمر علي حريري (لمزيد من التفاصيل يرجى مراجعة كتاب عبدالوكيل السروري عن مستشفى الجمهورية التعليمي).

جعبة ذكريات المناضل الوطني الزاهد باشرين:
المناضل الوطني والنقابي البارز والزاهد حكى لي من مخزون ذكرياته الكبير بأنه يذكر أن أمين الأسودي عمل لبضع سنوات في سلك التمريض، إلا أنه يذكر من واقع المعاصرة أن أمين الأسودي كان أميناً عاماً متفرغاً لنقابة الصناعات المنوعة وكانت تشمل مصانع البيبسي كولا والكوكا كولا والجرين سبوت والكيتي كولا والكوثر وكندا دراي وكان رئيس تلك النقابة محمد عثمان. وكانت نقابة الصناعات المنوعة تنشط في إطار مؤتمر عدن للنقابات ATUC (المؤتمر العمالي). استمر أمين الأسودي يمارس مهام منصبه النقابي حتى تفجرت الأوضاع ونزح الآلاف من مناضلي جبهة التحرير والمؤتمر العمالي إلى المحافظات. مما جادت به جعبة ذكريات الباشرين أن أمين الأسودي كان يكتب في صحيفة «العمال» وكان محمد سعيد باشرين رئيس تحريرها، إلا أن الأسودي كان كاتباً غير منتظم في الصحيفة ولا يذكر باشرين ما إذا كان أمين الأسودي عضواً في حزب البعث، لكنه يذكر شقيقه الأكبر علي عبدالرحمن الأسودي وكان قامة كبرى في ساحة العمل السياسي والنقابي وقد كان علي الأسودي نائب رئيس المؤتمر العمالي وأمين عام نقابة القوات المسلحة التي كان قوام أعضائها حوالي عشرة آلاف عضو وكانت أكبر نقابة عاملة حينذاك وكانت من نقابات المؤتمر العمالي، كما كان علي الأسودي من الأعضاء الناشطين في حزب البعث العربي الاشتراكي.

توثيق المناضل الوطني إدريس حنبلة:
ورد اسم أمين الأسودي في كشف العاملين الحكوميين في عدن لعام 1961م، إلا أن أرشيف المناضل الوطني والنقابي إدريس أحمد حنبلة رحمه الله أورد أن إدريس حنبلة عمل أميناً عاماً متفرغاً للنقابة العامة للصناعات المنوعة خلال الفترة 20 يونيو 1961م - 10 يونيو 1962م ويتضح أن أمين الأسودي تحمل مهام الأمانة العامة في الصناعات المنوعة بعد إدريس حنبلة.

الرياح السالبة للثورة:
دانت الأمور للجبهة القومية في معظم المناطق الجنوبية وساعدها في ذلك انحياز قيادة الجيش الاتحادي إلى صفها ودعت بريطانيا الجبهة القومية إلى مائدة المفاوضات في جنيف وأسفرت عن إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م ونزح مناضلو جبهة التحرير والتنظيم الشعبي إلى المحافظات الشمالية. كان أمين الأسودي في عداد النازحين إلى المحافظات الشمالية، حيث استقر به المقام في محافظة الحديدة، مركز تجارة الاستيراد والتصدير عبر مينائها ويبدو أن رأسمالاً بسيطاً كان قد توفر للأسودي فطرق به باب تجارة استيراد الأخشاب وازدهرت تجارته وأصبح أمين الأسودي رقماً من الأرقام في عالم التجارة.

التأهيل لا يكون إلا في بريطانيا:
كان أمين الأسودي على يقين راسخ بأن بريطانيا هي قبلة العلم ولذلك بعث بأولاده وبناته إلى بريطانيا وتخرجوا في جامعاتها، إلا ثلاثاً من بناته أكملن الثانوية العامة فقط وهن: نوال ونضال (متزوجتان) ووعد، أما خريجو وخريجات الجامعات البريطانية فهم: 1- محمد، 2- مشعل، 3- غسان، 4- نشوان، 5- صامد، 6- أمل - مديرة أعماله، 7- وفاء، مهندسة ديكور، 8- كفاح، طبيبة صيدلانية، 9- ثروت، محامية ، 10- غفران، صحفية، 11- وسيلة، مختبرات، 12- ثائرة، علوم كمبيوتر.

الأسودي في جوار ربه:
انتقل أمين عبدالرحمن الأسودي إلى جوار ربه في 20 يوليو 2005م عن عمر ناهز الخامسة والستين عاماً وأفادني بعض أفراد أسرته بأنه كان صاحب أياد بيضاء على عدد من مرضى القلب والفشل الكلوي، وكان ينفق على عدد من الأسر الفقيرة أغلبها قاطنة في القرية وعدن.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى