السذاجة العربية والمكر اليهودي

> «الأيام» علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
ما جرى ويجري اليوم على الساحة الفلسطينية، وبخاصة في قطاع غزة، بين قوة محتلة غاشمة صلفة، ومقاومة مستبسلة مؤمنة بأنه لا سلام ولا استرداد الحق لأصحابه إلا بالمقاومة.. وأن لا سبيل لذلك إلا بالمقاومة، تمثلت فيها العملية الجريئة الأخيرة للمقاومة الفسلطينية المنزوع سلاحها، في أسر جندي إسرائيلي وقتل آخرين واذلالها للجيش الاسرائيلي الذي لا يقهر والذي كان وما زال يعيش على مقولة (وهم القوة) وكذلك العملية الأخرى للمقاومة اللبنانية في جنوب لبنان بصرف النظر عن صحة مبرراتها من عدمها أو نقبلها أو لا نقبلها وهي عملية نوعية قُتل فيها ما يزيد عن ثمانية من الجنود الاسرائيليين وأسر أثنان منهم، مما عرض بعض الزعامات والقيادات العربية لحرج شديد، فتفاوتت ردود أفعالها ما بين التنظير والوساطة للحفاظ على ماء الوجه أو الهروب من وجع الرأس كما تعودنا ذلك منهم.

هاتان العمليتان وبهذا المستوى من الجسارة قد أذكتا عندي حالة من استدعاء الذاكرة، تمثلت في إعادة قراءة التاريخ لسذاجة العرب وتخاذلهم وكذلك مكر اليهود ونازيتهم.

عرف عنا نحن العرب أن طبيعتنا وتربيتنا بقلوب طيبة، نحسن الظن بالآخرين، نتسرع في التصديق لما يقال لنا وما نسمع، نتسرع في انفعالاتنا.. وقلّ أن نكلف أنفسنا عناء البحث والتحقق فيما نسمع. ثم إننا سطحيون في اطلاعنا ومعارفنا، لعدم تمتعنا بقسط وافر من العلم، أو لضعفنا في دراسة العلوم، وكل ذلك لا يعفينا من أننا ساذجون إزاء قضايانا في إطار دويلاتنا أو قضايانا العربية المصيرية بخاصة، وفي أولوياتها القضية الفسلطينية، ثم ونحن نجابه العنت والصلف الاسرائيلي والظلم والعنصرية التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، والمستمرة منذ عام النكبة المشؤومة.

فمنذ ذلك التاريخ والاعتداءات الإسرائيلية لم تنقطع يوماً على حياتنا العربية وحقوقنا العربية ليس في الارض فقط بل وحتى على الثقافة والهوية والتاريخ.

الحق.. أننا بالفعل ساذجون شعوباً وحكاماً.. ولم يرتق أحد منا إلى قدر من الشعور بواجباتنا الوطنية والقومية تجاه حقوقنا المشروعة أو إلى مستوى إثبات الذات.. ونحن - العالم العربي- نملك كل إمكانات ومستويات أسلحة الضغط كي يسمعنا الآخرون إن نحن أحسنا استغلالها.. فمنذ تسعة وخمسين عاماً من حين كارثة تقسيم فلسطين بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، ذلك القرار سيئ الصيت، الذي لم يحظ حينها وحتى يومنا هذا بالشرعية القانونية، ويناقض ميثاق إنشاء الامم المتحدة.. حين قسّم أرض فلسطين إلى دولتين عربية وأخرى عبرية، مع تدويل منطقة القدس .. منذ ذلك العهد حين بقينا نحن السذّج نشهد كيف أسرع اليهود في تأسيس دولة اسرائيل حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في حين أننا بقينا ندعي أننا نقاوم قرار التقسيم غير الشرعي ذاك، حتى دب الخلاف بيننا فمنا من نادى بالمقاومة وآخرون منا نادوا بالاعتراف بالأمر الواقع فكان نتيجته التوقيع على بروتوكول لوزان.

فمنذ عام 1949 وحتى يومنا هذا الذي جاوزنا فيه بداية الالفية الثالثة مازلنا نبدي استعدادنا لتحقيق السلام.. ففي مؤتمر باندونج عام 1955 اجتمعت كل وفود دولنا العربية وأقرت حل القضية الفسطينية بالطرق السلمية وفقاً لقرارات الأمم المتحدة السيئة الذكر لعامي 1947 و1948 وكذلك ما اتخذناه في الرباط بالمغرب عقب مؤتمر القمة العربية، قرار مبدأ السلام الآمن لجميع دول المنطقة. نحن العرب استمرينا بسذاجتنا ندعو إلى السلام المؤسس على الحق والشرعية، في حين أن إسرائيل بأساليبها الماكرة بقيت تتحدث عن السلام من خلال تلاعبها بالألفاظ الدبلوماسية وساعدتها في ذلك كل وسائل إعلام الغرب الذي ساعدها في اغتصاب الأرض ولكنها في الواقع- أي اسرئيل- كانت تثير الحروب وتواصل الاعتداءات والتوسع في الاحتلال على حساب الحق العربي داخل فلسطين وخارجها، ومع كل ذلك ما زلنا نحن العرب نلهث وراء أكذوبة المفاوضات مع إسرائيل، أليست كل تلك المفاوضات التي جرت خلال كل تلك السنين إنما هي لكسب الوقت وبما يخدم الانتخابات الأمريكية وأن أي ادعاءات بالتنازلات الاسرائيلية إنما هي لعبة السياسة الاسرائيلية، وأنها سوف تسترد أي تنازلات تقدمها في أول فرصة تتوفر لها مثلما حصل عندما جاء (نتنياهو) إلى رئاسة الوزراء ورفض كل الاسس التي تفاوض عليها سلفه شيمون بيريز وهكذا فعل بعده شارون.

أليس من السذاجة أن نصدق مهازل مفاوضات السلام التي تمليها علينا (الدولة الصديقة) الولايات المتحدة كما أبلغتها بها اسرائيل ونقبل به نحن كأمر محتوم.. اسرائيل هي التي تحدد مع من تفاوض من الفلسطينين ومن تمنع.. تسندها في ذلك الولايات المتحدة وفي الوقت ذاته لا تستطيع أن تتدخل إلا فيما تقرره إسرائيل أو التوسط وحمل العرب على تنفيذ ما تريده إسرائيل من الجانب العربي.

ومع هذا الاستهتار وهذه المهازل مازلنا نحن العرب نطلب من صديقة العرب أمريكا ومن مجلس الأمن - الغربي- أن يستردا لنا حقوقنا ونحن نعلم أن صديقة العرب منحازة كلياً إلى إسرائيل.

سذاجتنا في قبولنا مبدأ المفاوضات وإضاعة الوقت في حين أن قرارات (شرعية) قد أصدرتها الأمم المتحدة كقرار التقسيم والقرار 242 لم ينفذا.... رغم ما فيهما من مكر في الصياغة كما كان واضحاً في القرار 242.

سذاجتنا وحسن نوايانا كنا مارسناهما حين دخلنا الحرب العالمية الأولى فكوفئنا بوعد بلفور وبمعاهدة سايكس بيكو. سذاجتنا أن قبلنا معاهدات السلام لترسيم حدودنا العربية لنستعيد السيادة العربية على أراضينا التي لم يسمح لنا بنشر جيوشنا عليها. وفي أوسلو بإقامة الدولة الفلسطينية التي لم تقم بعد. تخاذلنا وخنوعنا وسكوتنا أن اسرائيل منذ من أكثر من عقدين من الزمن تحفر تحت مسجدنا الأقصى المبارك تحت ذريعة البحث عن هيكل سليمان المزعوم في حين أن الحقيقة هي هدم المسجد الاقصى، ونحن عربا ومسلمين ساكتون تجاه هذه الحفريات بل اكتفينا بالاحتجاج والـتنـديـد أمام تاريخ يندثر ومقدسات تمحى.

متى نفيق على حقيقة سذاجتنا هذه وأن نقرأ كتاب (THE JEW AND HIS DESTINY) (اليهودي ومصيره) الذي صدر عام 1933 في الولايتات المتحدة الأمريكية وهو العام الذي قدم فيه ادولف هتلر إلى حكم المانيا ثم توالت إعادة طباعته مرات عديدة في كل من بريطانيا وفرنسا وغيرها من دول الغرب برعاية اللوبي الصهيوني. أزعم أنه لا تخلو مكتبة زعيم عربي من نسخة من هذا الكتاب الذي جاء على غلافه «لقد ثبت بالتنبؤات وبالتاريخ المعاصر لليهود أنهم قريباً سيحلون في فلسطين من جديد ويعيدون تنظيم أنفسهم كأمة تصبح قائدة للعالم سياسياً واقتصادياً ودينياً». أليس ما يتم من خراب ودمار اليوم على أرض لبنان .

كما هو حال الأراضي الفسلطينية تحت أعين وسمع القادة العرب وهم ما بين (هائص ولائص) يبحثون في قمة عربية لم يتفقوا عليها .. أفلسنا سذّج بالفعل؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى