عدن ومطلب الحكم الوطني

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> هذه مرحلة من تاريخ عدن السياسي - الاجتماعي تدرج فيها الوعي العملي في هذا الجانب حسب التطور المعرفي الذي مر به المجتمع المدني في هذه المدينة.

وبالعودة لقراءة هذه الاوراق السياسية من تاريخ عدن، نتعرف على عدة محاور في درجات الوعي الذي قاد مسير هذا العمل، ويرتكز على النقاط التالية: 1- تحديد الهوية السياسية ليست فقط من خلال الانتماء الاجتماعي، ولكن في مستوى الادراك للمرحلة التي تفرز خصائص آلية هذا الانتماء.

2- اعتبار عدن مدينة تتلاقى فيها مستويات العمل السياسي والانتماءات العقائدية والمذهبية التي ترتقي بنمط التفكير من أزمة الصدام إلى درجة الحوار.

3- ظلت الهوية العدنية هي انتماء للموضوعية أي الاحتساب على مجتمع عدن المدني وليس على الذاتية في هذا الانتماء، بمعنى أن عدن هي مدينة العلاقات الاجتماعية السليمة ولا تدخل في إطار النزعة الفردية.

4- كل القراءات التي صاغها الوعي العدني في تلك المراحل كانت تهدف إلى دفع مستويات التقدم في عدن والجنوب العربي إلى ما هو أفضل، وذلك لا يكون إلا من خلال عودة حق السيادة لأبناء هذه البلاد.

نطلب الحكم الوطني في عدن والتقدم المنشود في الاتحاد
تحت هذه العنوان نشرت صحيفة «فتاة الجزيرة» بتاريخ 12 ديسمبر 1961م الموافق 4 رجب 1381هـ هذا الموضوع بقلم عبدالله حسن زوقري، وجاء فيه: «عدني ولد وعاش في عدن لو سألته عن رأيه في الاتحاد مع إمارات الجنوب لقال لك .. كلنا نحب أن نتحد مع إخواننا أبناء الجنوب لأننا إخوة في الدنيا والعروبة، بلدنا واحد، لهم ما لنا وعليهم ما علينا، ولكن يقول لك بأن الاتحاد الذي نريده يجب أن ينبثق من العدنيين وأبناء الجنوب أنفسهم، يجب أن يكون الاتحاد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، يجب علينا نحن العدنيين أن نطلب من الحكومة البريطانية ما هي التغيرات الدستورية المنتظرة والتي طال عليها الزمان وهي تماطلنا عليها، يجب عليها أن تعلنها حالاً حتى ننتخب نحن أبناء عدن وأبناء عدن الشرعيين فقط حكومة تشريعية تقرر مصيرنا ونتفاوض مع أمراء الاتحاد الشرعيين كيفية الاتحاد وقراراتها هي النافذة لأنها ستكون قرارات من حكومة وطنية منتخبة لها الحق في كل ما تريد عمله، ولأنها ستكون غير مسيرة لا تشعر بضغط أو تهديد أو وعيد من أي جانب، نريدها أن تقرر ما تراه في صالح عدن والامارات تتناقش معهم وتبحث معهم وتقابلهم مقابلة الند للند.

نحن أبناء عدن والامارات أبناء وطن واحد، واقعنا واحد، ومصيرنا واحد وكل نوع من التخلف في الامارات يحز في أنفسنا أبناء عدن وكل ما يعانيه أبناء عدن تجد له التجاوب والمشاركة الوجدانية من أخواننا أبناء المحميات قد يقال إننا في عدن نتمتع بمدارس أكثر ومستشفيات أوفر وطرق معبدة وكهرباء ومياه نقية وميناء عالمي إلا أننا ليس لنا في بلادنا كل المصالح وكل الخير، لم نجد الوظائف العالية إلا في القريب ولم نجد التدريب في جميع المجالات نحن أيضاً نشعر أن أخواننا في الامارات يجب أن يجدوا مدارس أكثر ومستشفيات أوفر وطرق معبدة وخدمات اجتماعية ووسائل أرقى في المعيشة، نريد ذلك بكل قلوبنا وكل عواطفنا نريد أن نساهم في ذلك بكل إمكانياتنا حتى نقف جمعياً صفاً واحداً في مستوى كريم، نحن أبناء عدن وأبناء الامارات مشكلتنا واحدة وإن اختلفت ففي مظهرها نحن في عدن نفتقر إلى السيادة الوطنية والحكم في بلادنا وفي الامارات نفتقر إلى التقدم العمراني والتطور في مجالات التعليم والصحة والتدريب الاداري ولذا فإن مطلبنا المباشر في عدن هو التطور الدستوري ليمكننا من تكوين حكومة وطنية تنطق باسم الشعب ولا تساوم لمصالحه.

ونحن ايضاً نريد في نفس الوقت مشاريع اصلاحية واسعة في الامارات في جميع المجالات التعليمية والخدمات الصحية والطرق والخدمات الاجتماعية والمشاريع الزراعية حتى يلتقي الجانبان على صعيد متقارب ليس فيه ما يسبب الشكوك أو يثير الاوهام، إننا أبناء هذا الوطن الامارات وعدن لا نختلف ولا يمكن أن نختلف ولا نريد أن نختلف فأمامنا عمل شاق طويل يتطلب منا الجهد وضبط النفس والصبر والاقلال من الكلام لتظهر الأعمال. لقد مضى علينا وقت طويل ونحن لا تتاح لنا الفرص لنثبت حقنا في الحياة الإنسانية الكريمة.

نحن نقف اليوم في موقف يسجله لنا التاريخ ولا نريد أن نكون فريسة للانفعالات والعواطف والمصالح الغربية، نحن عرضة للطامعين والاستغلاليين والانتهازيين ولكننا بتوحيد جهودنا نستطيع أن نتلافى الكثير من الأخطاء إننا نطلب من إخواننا أبناء الامارات أن يثبتوا لنا حسن نيتهم ويعلنوا أمام الملأ أننا وهم أبناء وطن واحد نريد منهم أن يجعلونا نشعر أنهم معنا لا علينا وأنهم سند لنا يشدون من أزرنا، لا معول يستغل ضدنا، نحن على يقين من حسن نواياهم وندعوهم إلى التفاهم معنا مباشرة ولا يسمحوا لأنفسهم أن يندفعوا وراء أي نوع آخر من التوجيه و الضغط لا نبتعد من حقيقة قلوبهم ووطنيتهم».

هذه رؤية تحدد حق عدن في تقرير المصير دون اسقاط أهمية الجنوب العربي في هذا المحور الذي تقوم على أسسه سيادة دولة تسعى إلى وضع كيانها المستقل عند مستوى ما تصبو إليه في مستقبلها السياسي.

كانت حكومة عدن البريطانية تعمل على تحسين وضع عدن من خلال الانفاق على الخدمات العامة، وكانت ميزانية عام 1961، والتي تنتهي في 31 مارس عام 1962، قد خصصت عدة مبالغ من المال لتصرف على ما يلي:

الطيران المدني: 173179 ، المعارف: 601313 ، الخدمات الطبيبة: 481100، البوليس:428239، الدين العام: 539074 ، التطوير: 350000، الاسعافات العامة: 522750.

كانت لبريطانيا رؤيتها السياسية حول هذا الموضوع وتدرك جوانب الاختلاف عند كل فئة ومستوى الوعي الذي لديها في هذا الاتجاه وتعاملت مع قضية عدن والحكم الوطني من وجهة نظر والدرجة التي يجب أن تصل إليها إمكانية الفكر الاجتماعي والتقدم الاقتصادي الذي يخلق حالة توازن بين إدراك الشيء والعمل به.

هذه النظرة البريطانية لم تكن رؤيتها محدودة على مساحة عدن كمستعمرة تابعة للحكم البريطاني، بل امتدت لتشمل كل مناطق الجنوب العربي وهي التي درست درجات الوعي عند القبائل والعشائر وكيف يمكن طرح مشاريع سياسية ربما تخلق حالة وفاق أو قد تجر إلى حلقات من الصدام، وبالعودة إلى فقرات من خطاب حاكم عدن السيد وليم لوس (1956-1960) والذي نشر في صحيفة «فتاة الجزيرة» العدد 761 بتاريخ 13 فبراير 1959 نتعرف على القراءة البريطانية لوضع المحميات الغربية، وهذه الكلمات يقول فيها: «حالماً تنبذون انتم عرب المحمية تحاسدكم السخيف، ذلك التحاسد الذي حال دون اتحادكم كأمة لمئات السنين وهو التحاسد الذي مازال يمنع قبيلة من أن تكون على علاقة وصداقة مع قبيلة اخرى، ويجعل الأخ يخشى أخاه والولد يغار من ولده. حالما تنبذون هذا ففي ذلك إصلاح لكم.

إن عيبكم المشين أيها العرب حيثما كنتم هو التحاسد وإلى أن تستطيعوا أن ترغموا أنفسكم على نبذ الارتياب في بعضكم الآخر فليس امامكم إلا مستقبل مظلم».

لماذا يجمع العدنيون على مطلب الحكم الوطني؟
تتعدد التصورات والأفكار والمواقف من هذا المطلب، وكذلك من وجهة نظر الحكومة البريطانية، ويطرح مطلب أهل عدن كقضية مصيرية تسعى أهدافها إلى ربط كل مصالح الجنوب العربي في مسألة تحديد السيادة الوطنية وكيف يكون التعامل مع حق تقرير المصير، وهذا التحديد له أكثر من اتجاه تشكلت تصوراته من التدرج للوعي السياسي الذي افرزته عدة عوامل مدنية في عدن.

وتنشر صحيفة «فتاة الجزيرة» تحت هذا العنوان بتاريخ 12 نوفمبر 1961م يوم الاحد الموافق 3 جمادى الآخرة 1381هـ هذه الرؤية حول عدن ومطلب الحكم الوطني: «صرح المستر مود لنج وزير المستعمرات في الأسبوع الماضي بأن اسلافه في الوزارة احتفظوا بسياسة ثابتة تهدف إلى استقلال المستعمرات بخطى ثابتة وأساليب أسفرت عن استقصاء تام تتفق وأماني شعوب المستعمرات وتخدم مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية.

ثم أكد في ضوء ساسة الحكومة البريطانية كمجموعة أن سياسته التي يؤيدها البرلمان، وكانت تلك السياسة مسؤولة عن تطورات كبيرة في السياسة الاستعمارية التي استطاع المستر ماكلاود وزير المستعمرات الاسبق أن يجعل من نفسه علماً من أعلام القصة الطويلة التي تروي حياة الامبراطورية والكومنولث.

وسيجتمع المستر مودلنج وصاحب السعادة السر تشارلس بونستن حاكم عدن.. وتتكهن الاوساط المطلعة أن البحث بينهما سوف يتناول التقدم السياسي لمستقبل عدن.

ومن المعروف أن العدنيين مجمعون على الحصول على حكومة وطنية تستطيع أن تحتل موضعها الجدير بها بين أمم الدنيا.

والحكومة الوطنية ستتمكن من حفظ الأمن وفرض القانون والنظام ورعاية الأقليات. لقد كان شعب عدن دائماً شعباً سلمياً ودياً، فقد تعاونوا مع رأس المال وأطاعوا القانون، واستقبلوا الفنيين من الخارج من أجل تطوير بلدهم ولكنهم من سوء الحظ لم يظفروا بحقهم حتى الآن في توسيع اقتصادياتهم وتطوير بلادهم.

لقد أجبر العدنيون على الاعتماد على المغتربين في الرأي والتخطيط في جميع الشؤون المتعلقة بالنشاط الاقتصادي والمالي والتجاري والصناعي. لقد منع عنهم الحصول على المساعدة الاجنبية التي يمكن أن يحكم على مقدارها رجال حكومة وطنية ذوو حكمة واطلاع.

إن هذا لا يعني أننا نجحد ما قدمته الحكومة البريطانية من عون فقد أعطت مساعدة مالية وفنية في شكل أو آخر ونحن واثقون اننا لن نستثنى عن سائر المستعمرات التي حصلت على استقلالها.

انها لرغبة العدنيين أن ينشئوا علاقات أوثق واتصالاً أكبر باتحاد محميات عدن ولكنهم يرغبون قبل ذلك في تحقيق حريتهم وإقامة حكومتهم الوطنية لأنهم يشعرون أنه لو فرضت عليهم مثل هذا الامور قبل تمتعهم بحريتهم سيجدون أنفسهم يسيرون القهقرى بحريتهم وليس لتخلف موكب الحرية أي تبرير.

وليس سراً أن الحكومة البريطانية تتطلع إلى صيانة قاعدتها العسكرية في عدن على الرغم من أن المارشال مونتجومري قد صرح في الاسبوع الماضي بأن على بريطانيا أن تحل جميع قواعدها في الخارج. ونحن واثقون أن الحكومة البريطانية تستطيع أن تجري مفاوضات مع حكومة منتخبة على اساس المساواة بدل جعل كل شيء من غير تمثيل شعبي».

في تلك الفترات من تاريخ عدن كانت التصورات في هذا الموضوع تطرح حسب مجريات الأحداث وتوسع الاجتهادات السياسية في دائرة الحوار الذي شمل عدة اطراف. وفي إطار تلك الاحداث كانت حكومة اتحاد الجنوب العربي تسعى إلى تعزيز خدماتها في عدة مجالات حتى ترتقي بمستوى حياة الناس إلى حالات افضل ومن هذه المجالات الصحة والتي توسع الاهتمام بها ليشمل معظم مناطق الاتحاد.

ففي عام 1965 شهد مستشفى لودر الاقليمي بالسلطنة العوذلية افتتاح قسم للجراحة والذي كان يضم 45 سريراً وجهزت غرفة للعمليات الجراحية بكافة المعدات الضرورية. كذلك مستشفى الحوطة الاقليمي بالسلطنة اللحجية والذي كان يضم 45 سريراً ويستقبل ما بين 150و 200 من المرضى، كذلك كانت توجد في الاتحاد عدة منظمات تطوعية ومؤسسات خيرية وهي:

1- مستشفى كيث فالكنر التذكاري الذي كان يضم 40 سريراً. وكان قد أقفل بتاريخ 13 أكتوبر 1965 وأعيد افتتاحه كجناح للمرضى الخارجيين فقط بتاريخ 1 ديسمبر عام 1965م.

2- مستشفى إرسالية الكنيسة الاسكتلندية في بيحان والذي أقفل في شهر نوفمبر 1965م.

3- مستوصف الارسالية الدنماركية في زنجبار.

4- مستوصف إرسالية البحر الاحمر في مكيراس ومودية.

5- عيادة بهاي جربي الخيرية في التواهي.

6- عيادة الملك أدوارد الخيرية في كريتر.

7- فرع الصليب الأحمر بعدن والذي كان تابعاً لجمعية الصليب الأحمر البريطاني.

أما ما كان يصرف على هذه الخدمات في عدن ومناطق الاتحاد من المرتبات الشخصية فقد بلغ اعتمادها بالدينار الجنوبي للعام 1965- 1966م على النحو التالي: مقر وزارة الصحة ومكتب الوزير 65.642 دينارا، مستشفيات اقليمية ووحدات صحية 99.239 دينارا، مكتب صحة الميناء ومستوصف البحارة وعيادة التواهي 29.905 دنانير، موظفو مقر الصحة العامة 5.322 دينارا، مستشفى الملكة اليزابيت 289.938 دينارا، دار الامومة بكريتر 46.276 دينارا، دار الامومة بالمنصورة 11.098 دينارا، عيادات المناطق الحضرية 69.039 دينارا، مستوصف الاسنان 5.512 دينارا، التدريب 5.531 دينارا، المخازن 10.046 دينارا، الصحة الاجتماعية 11.751 دينارا، ملجأ العجزة 6.952 دينارا، مستشفى الأمراض العقلية 12.786 دينارا، علاوات الضباط المغتربين 62.911 دينارا.

تيارات سياسية متعددة
تلك المرحلة كان لا بد لها من تعدد في التيارات السياسية منها ما كان متفقاً مع السياسة البريطانية، ومنها ما كان مختلفاً معها، ومن تلك التيارات نقف أمام بعض ما جاء في أفكار حزب رابطة الجنوب العربي، والتي حددت بالنقاط التالية:

1- إذابة الكيان العربي بعدن.

2- وضع شؤون البلاد في ايدي غير العرب من الأجانب.

3- فصل البلد عن الكيان العربي العام وسياسته القومية التحريرية وضمه إلى حظيرة الكومنولث البريطاني.

وفي تعريف لحزب رابطة الجنوب العربي لوضع عدن والمناطق الاخرى، جاء: «عدن جزء لا يتجزأ من الجنوب العربي والجنوب العربي نفسه ليس إلا جزءاً من الوطن العربي الكبير، وشعب الجنوب العربي جزء من الأمة العربية.

فوحدة الجنوب العربي وحدة طبيعية تفرضها وحدة شعبه في اللغة والتاريخ والمصير المشترك والموقع الجغرافي الطبيعي والمصالح المعيشية المشتركة والآمال والآلام. بل إن شعب الجنوب العربي تربطه زيادة على ذلك وحدة الدين والتقاليد والعادات وكونه منحدراً من عنصر واحد».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى