رجال في ذاكرة التاريخ

> «الأيام» نجيب محمد يابلي:

> 1- الشيخ صالح ثعلب:العوالق العليا .. ورد في كتاب «هذا الجنوب أرضنا الطيبة» لمؤلفه عبدالرحمن جرجرة، رحمه الله: «تبعد سلطنة العوالق العليا عن عدن بحوالي 320 ميلاًَ (515 كيلومتراً)، ويحدها من الشمال بيحان ومن الغرب سلطنة العواذل ومن الشرق سلطنة الواحدي ومن الجنوب سلطنة العوالق السفلى ومن الشرق مشيخة العوالق العليا».

قبائل العوالق العليا: 1- ربيز، 2- المرازيق، 3- همام، 4- آل ديان، 5- آل دغار، 6- المكارحة، 7- آل غسيل، 8- آل ثوبان، 9- آل اسحاق، 10- آل لقيط، 11- آل باكلوة.

أهم مدنها: 1- نصاب (العاصمة)، 2- خورة، 3- واسط، 4- الحنك، 5- حطيب، 6- الصلبة، 7- امكداه.

وديانها: 1- وادي ظرا، 2- وادي عبدان، 3- وادي خورة، 4- وادي الحنك، 5- وادي حطيب، 6- وادي همام، 7- وادي جباه، 8- وادي الفوارع.

الولادة والنشأة

الشيخ صالح عبدالكريم ثعلب من مواليد نصاب، حاضرة سلطنة العوالق العليا عام 1918م وقضى طفولته في ربوعها حتى أكمل حفظ القرآن الكريم وتجشم مصاعب السفر وهو في طريق انتقاله يافعاً من نصاب إلى بندر عدن واستقر به المقام في مدينة كريتر ليبدأ مشواره الكفاحي في سوق الطعام العريق (متفرع من السوق الطويل) حيث استأجر محلاً تجارياً متواضعاً من المرحوم يسلم حديج ومارس فيه بيع زيت السمسم (سليط جلجل بلدي) ومختلف أنواع الحبوب مثل الدخن والقمح والدجر والكشري والعدس والدال.

الشيخ صالح صاحب أياد بيضاء

اتسعت الدائرة الاجتماعية للشيخ صالح ثعلب عامة وفي صفوف أبناء سلطنته وحظي بمكانة خاصة في قلوبهم لأنه كان صاحب أياد بيضاء عليهم، منها تشجيعه لهم بالنزول إلى بندر عدن، ووظف عدداً كبيراً منهم في محلات تجارية وكان يلحق الصغار من القادمين ببيوت مدينة عدن على مسؤوليته الشخصية.

خدمات الشيخ صالح تشمل مدرسة جبل حديد

من ضمن بصمات الشيخ صالح ثعلب قيامه بتوفير الأيدي العاملة لمدرسة أبناء الأمراء والشيوخ التي عرفها الناس باسم مدرسة جبل حديد، حيث وفر لها المشرفين على القسم الداخلي والطباخين، كما شملت أياديه البيضاء استضافته لكل من تقطعت به السبل في البندر وأخذ قسطه من النوم على سطح متجره الذي أوى ايضاً الباعة المتجولين للأقمشة في شوارع عدن إذ كانت الأسر المحافظة لا تسمح للنساء بالنزول إلى الأسواق، وكان الباعة المتجولون يجوبون الشوارع حاملين على ظهورهم أشتاتاً من الأقمشة النسائية مثل البوبلين والسهرة والويل والشيت وغيرها.

كما اتسع سطح متجره لإيواء الشخصيات المعروفة من علماء ومشايخ وغيرهم، القادمين من محمية عدن الغربية لغرض العلاج أو للاتصال بأقاربهم من المغتربين أو للسفر إلى الخارج من عدن وعبر مطارها أو مينائها، وتيسرت لهم من عدن سبل الاتصال هاتفياً أو تلغرافياً وتلقي الحوالات عبر البنوك أو المكاتب الخاصة.

الشيخ صالح ومجالس الأعيان

حظي الشيخ صالح ثعلب باحترام إخوانه التجار في سوق الطعام منهم المغفور لهم بإذن الله الشيخ علي محمد ذيبان وكان من كبار مستوردي الفوط (الماركة المعروفة 80 ×80) من مدراس بالهند وإخوانه أبوبكر وصالح وأحمد وحسن ذيبان والسيد أحمد عمر فدعق السباعي وأولاده والسيد عمر الجفري ومحمد علي الأسودي، وكانوا من كبار مستوردي الأقمشة، ومن التجار الذين ربطته بهم علاقات طيبة يسلم حديج ويسلم الشقاع وآل عليوة وآل باخبيرة وآل فدعق وآل باحاج ومجاهد القصيص وغيرهم.

كان الشيخ صالح عبدالكريم ثعلب يحرص على المشاركة في المجلس الصباحي في منزل المرحوم علي محمد ذيبان، وكان عدد من أعيان عدن يشاركون في ذلك المجلس منهم الشيوخ الأجلاء محمد عوض باوزير ومحمد علي باشراحيل وعلي إسماعيل تركي وعبدالله عبيد بامطرف والشيخ محمد سالم البيحاني وسعيد أحمد بازرعة، كما كان الشيخ صالح يحرص على المشاركة في المجلس المسائي بجانب دكان السيد أحمد عمر فدعق (السباعي) ويشارك فيه ايضا المغفور لهما حسين هادي عوض (والد الشخصية الاجتماعية المعروفة فواز عولقي) والسيد عبيد الفضلي (والد الشخصية العامة المعروفة أحمد عبيد الفضلي).

حدثني الاخ العزيز السفير سعيد هادي عوض: «كان سوق الطعام يضم وجاهات ريفية من حبان وشقرة ونصاب والصعيد وكل مناطق محمية عدن الغربية وارتبطت وبقوة بعدن. كان أخي الأكبر محمد هادي عوض (يأتي في الترتيب بعد أخي حسين هادي عوض، الذي أشرف على تربيتنا جميعاً) عندما وفد من الصعيد إلى عدن يبيت فوق سطح أحد المتاجر في سوق الطعام. كان أعياننا من الشخصيات العامة الاجتماعية المعروفة أمثال الشيخ صالح ثعلب وحسين هادي عوض وعلي سعيد عولقي والسيد أحمد عمر فدعق السباعي يجلسون كل ليلة على مقاعد خارج أحد المتاجر في سوق الطعام بكريتر».

الشيخ صالح يتعاقد مع خطوط عدن الجوية

بمبادرة شخصية منه عمل الشيخ صالح ثعلب على فتح خط طيران يربط عدن بنصاب حاضرة سلطنة العوالق العليا لتخفيف معاناة المسافرين إلى عدن والعكس على ظهور الإبل والحمير، حيث عقد اتفاقية مع شركة خطوط عدن الجوية ADEN AIRWAYS لتشغيل رحلة واحدة أسبوعياً على نفقته ليسهل بذلك انتقال أبناء منطقته على خط عدن - نصاب - عدن مع أمتعتهم الشخصية حتى بعد أن آلت ملكية الشركة إلى أولاد عبده حسن باهارون (محمد وعيدروس وزين وعلوي وحسن) وقريبهم إبراهيم حسن المهدي وأصبح اسمها (خدمات الاخوان للخدمات الجوية باسكو BASCO) أصبح وكيلاً للشركة وظلت الرحلة الأسبوعية قائمة حتى تأميم الشركة في 11 مارس 1971م.

الشيخ صالح يشجع الأمراء الشباب على الدراسة في الخارج

توسع العمل التجاري للشيخ صالح وقام باستيراد المواد الاستهلاكية حيث استورد من سيلان (سيرلانكا) الشاي المسحوق وراج بين المستهلكين تحت اسم (صوت العوالق) واكتسب شهرة واسعة وكان ينافس الماركات المثيلة مثل عصب والا وشاي أبو ولد.

شجع الشيخ صالح الأمراء الشباب في السلطنة على الدراسة في الخارج، وبرزت ثمرة ذلك عندما غادر أحفاد السلطان عوض بن صالح، سلطان العوالق العليا (الذي رفض مع الشيخ سالم علي الأعور، زعيم قبائل آل شمس في حطيب التفاوض مع الإنجليز) إلى الجمهورية العربية المتحدة وهم الأمراء صالح بن عبدالله بن عوض ومحمد عبدالله بن عوض وصالح مبارك بن عوض وعوض مبارك عوض. وكان الشيخ صالح يقوم بترتيب مواعيد مغادرتهم وعودتهم أثناء الإجازة الصيفية وترتيب السكن لهم في الفنادق، ومن فنادق عدن المشهورة آنذاك: فندق إحسان الله وفندق الحرية (علي اسماعيل تركي) وفندق قصر الجزيرة (السقاف) وتلك الفنادق الثلاثة في كريتر فقط ونزلاؤها في الغالب من العرب، أما الفنادق الأخرى المشهورة مثل فندق الهلال وفندق الصخرة وفندق جراند وفندق مارينا فقد كانت في مدينة التواهي ونزلاؤها في الغالب من الأوروبيين أو الأمريكيين.

عند عودة الأمراء، أحفاد السلطان عوض بن صالح وهم: صالح بن عبدالله بن عوض ومحمد عبدالله بن عوض وصالح مبارك عوض وعوض مبارك عوض عملوا على تسيير أمور السلطنة، حيث تقلد الأمير صالح بن عبدالله مهام نائب السلطنة الذي عقد صلحاً للقبائل فيما بينها وشجع المواطنين على بناء محلاتهم التجارية في السوق الجديدة خارج مدينة نصاب العاصمة بأثمان رمزية، وأسس البلدية، وتم تكوين الحرس الوطني للسلطنة بقيادة أخيه الامير أحمد بن عبدالله الذي درس العلوم العسكرية في عدن والأردن، أما الأمير محمد بن عبدالله فقد قاد مفاوضات بين سلطنته وحكومة الاتحاد من أجل انضمام سلطنته إلى الدولة الاتحادية، وتحقق ذلك عام 1964م وتقلد الأمير محمد حقيبة الطيران ثم حقيبة المالية. وجدير بالذكر أن نجله الشيخ عوض بن محمد عبدالله هو أحد أعضاء مجلس النواب اليمني ورئيس الكتلة البرلمانية لمحافظة شبوة في المجلس حالياً حسبما أفادتني أسرة الشيخ صالح ثعلب في سياق توثيقها لسيرة عميدها.

الشيخ صالح عضو غرفة عدن في رحاب الخالدين

كان الشيخ صالح عبدالكريم ثعلب رحمه الله من المنفقين الذين لا تعلم أيمانهم ما تنفق شمائلهم وكان رحمه الله من الأعضاء الرواد في غرفة عدن ورقم عضويته 722 .. وبعد مرض عضال لقي ربه صائماً يوم الوقوف في عرفة، التاسع من ذي الحجة 1423هـ ونشرت الأسرة خبر الشكر على التعازي التي تلقتها في «الأيام» في عددها 3513 بتاريخ 19 مارس 2002م.

خلف الشيخ صالح عبدالكريم ثعلب وراءه سيرة عطرة وابناً واحداً هو أحمد صالح عبدالكريم وثلاث بنات.

2- السيد أحمد السروري:

الولادة والنشأة

ورد في موضوع للباحث عبدالقادر بن عبدالله المحضار «أن فضيلة العلامة المتواضع والفقيه المتمكن والفرضي الماهر والنحوي الأصولي الرجل الصالح السيد أحمد بن عبده بن سعيد بن أحمد السروري من مواليد تعز (إضافة لإفادة الباحث تجدر الإشارة إلى أن آل السروري كافة ينتمون إلى منطقة دبع التابعة للواء تعز) عام 1341هـ الموافق 1923م».

نزح السيد أحمد السروري إلى عدن وقد شب عن الطوق ولازم العلامة الكبير المغفور له بإذن الله السيد قاسم صالح السروري (والد الشخصيتين الوطنيتين الكبيرتين الشهيدين عبدالباري قاسم ونور الدين قاسم) وكان السيد قاسم صالح السروري إمام وخطيب مسجد العيدروس بالشيخ عثمان وهو أشهر من نار على علم وتخرجت على يديه شخصيات يشار لها بالبنان من أبناء مدينة الشيخ عثمان ومن أشهر تلامذته السيد أحمد السروري والشيخ أحمد بن أحمد (والد ميفع وابراهيم وعبدالله وعبدالواحد) والشيخ محمد بن حزام المقدمي والشيخ عبدالواسع الذبحاني والعلامة عبدالرحيم الأهدل والفقيه قاسم بن سعيد بن عقلان الصبري والفقيه أحمد الصبري (راجع: علامة القاهرة والشيخ عثمان السيد أحمد السروري: أبو أحمد عبدالقادر الحوت - مجلة «الجذوة» - مايو 2005م).

السيد أحمد يدرك جملة من كبار علماء عدن

ورد في سياق الموضوع المشار إليه سلفاً أن السيد أحمد السروري أدرك جملة من كبار علماء عدن منهم قاضي عدن محمد بن داود البطاح الأهدل (ت: 1401هـ الموافق 1981م)، والعلامة الشهير مطهر بن مهدي الغرباني (ت 1388هـ الموافق 1969م) والشيخ محمد بن سالم البيحاني (ت 1392هـ الموافق 1972م) والشيخ علي محمد باحميش (ت 1397هـ الموافق 1977م) وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم رحمهم الله وأسكنهم أعلى جناته.

السيد أحمد علامة القاهرة والشيخ عثمان

القاهرة إحدى ضواحي مدينة الشيخ عثمان خططت لها الإدارة البريطانية في مطلع خمسينات القرن الماضي وسميت المنطقة منطقة مبادرة الذات SELF HELP AREA أي أن يبادر محدودو الدخل أو الفقراء من السكان إلى أخذ قطعة أرض محدودة المساحة ليقيم عليها سكناً، وكان مشروع بناء السكن في تلك المساحة لا يكلف أكثر من 1500 شلن (1950 ريالاً)، ولذلك تقاطر الفقراء على تلك المنطقة المخططة وبنوا لأسرهم مساكن تحفظ لهم كرامتهم واستقرارهم الذهني والنفسي.

أصبح السيد أحمد السروري من رجال العلم البارزين في منطقة القاهرة خاصة والشيخ عثمان عامة، وتأهل للجلوس على مقعد شيخه الجليل السيد قاسم صالح السروري الذي انتقل إلى جوار ربه عام 1368هـ الموافق 1949م، فشمر تلميذه النجيب السيد أحمد عن ساعديه ليلقي دروسه العلمية وساعده في ذلك دماثة خلقه ولين جانبه مع مريديه من الطلاب وتوثقت علاقته بربيب الشيخ وابن زوجته الشيخ أحمد بن أحمد.

يحسب للسيد أحمد السروري أياديه البيضاء في تأسيس جامع القاهرة سنة 1370هـ، الموافق 1951م، وزاول من خلاله ومنذ تأسيسه رسالة التدريس والدعوة والإرشاد، وظل على عطائه حتى اصطفاه ربه إلى جواره.

السيد أحمد من المرجعيات العلمية

يعتبر السيد أحمد السروري من كبار علماء عدن ومرجعية في الفتاوى لا سيما في علم الفرائض (المواريث) وكان لا يتردد في إجابة السائل الذي لم يجد حرجاً في التقرب إليه وهو الذي كان موصوفاً بالبساطة والتواضع والعلم.

انتقل السيد أحمد السروري إلى جوار ربه يوم الأحد 15 ربيع الأول 1426هـ الموافق 24 أبريل 2005م عن عمر ناهز 85 عاماً وشيع في موكب مهيب حيث ووري الثرى بمقبرة الرحمن بالمنصورة (عدن) وخلف وراءه ذكراً حسناً و4 بنات و6 من البنين هم: مهيوب وفيصل وعارف وخالد ونبيل وعادل وفقهم الله جميعاً على نهج سلفهم الصالح المغفور له بإذن الله السيد أحمد السروري.

نشرت مجلة «الجذوة» في عددها الصادر في مايو 2005م انطباعات عدد من الرموز المعروفين عن السيد أحمد السروري بعد وفاته منهم: المفكر والداعية الإسلامي العلامة أبوبكر العدني بن علي المشهور والسيد صادق بن محمد العيدروس والشيخ العلامة أحمد بن أحمد مهيوب والشيخ عبدالله بن علي والشيخ العلامة محمد بن علي باعطية والشيخ مدثر بن أحمد علي الدندراوي وقصيدة للسيد محمد بن عمر بن صالح المحضار (ساكن مكة المكرمة) وجميعهم من معاصري السيد أحمد السروري وجزاهم الله عنا خيراً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى