إلى لبنان .. وذلك أضعف الإيمان

> «الأيام» محمد صالح الطريشي /المكلا - حضرموت

> يا لهذا الزمن الرديء حقاً (وما لزماننا عيب سوانا) لأننا لم نصل بعد لأضعف وأدنى مستويات الإيمان، فلم نحاول أن نغير شيئاً لا بأيدينا ولا بألسنتنا ولا بقلوبنا.. ما نفعله هو أن نتلقى أخبار أو مشاهد المجازر وما إن تنتهي هذه المشاهد ترانا ننقلب إلى أهلنا فرحين وكان شيئاً لم يكن.. أنت وأنا نرى أشلاء الشيوخ والعجائز والشباب بل والأطفال والرضع متمزقة ومن بين الانقاض نسمع انين الجرحى وبكاء الثكلى وصياح الاطفال بطلب الماء والغذاء والمأوى والدواء.. إنه الضمير الميت والإيمان المفقود، كأننا نرسل إليهم - نيابة عن حكامنا - هذه الرسالة:

موتوا كما يشاؤون لكم أن تموتوا، لن يبكيكم أحد. موتوا بالرصاص، بالصواريخ، بقصف البوارج أو بقصف المقاتلات الحربية. موتوا من الجوع، موتوا في العراء لا تفروا، سيصطادونكم على الطرقات. حيث أنتم موتوا، كما أنتم ابقوا، بلا حراك. موتوا بسلاح ممنوع، بسلاح مسموح.. موتوا معاً، أفراد الأسرة كلها، حتى لا يبكيكم أحد، ونحن هنا لن نقوى حتى على النظر إلى صور جثثكم.. بصمت موتوا.. وابقوا حيث أنتم، ليس بيننا من هو قادر على انتشالكم من تحت الركام. ولا من هو قادر على الوصول اليكم.ولا من هو قادر على احصاء عددكم، ولا من هو قادر على حمايتكم من الموت الذي يريدونه لكم. نم يا حبيبي ولا تحرك ساكناً. سأربت على شعرك وأدندن طوال الليل، أبعد الذئب عن نهش لحمك. وفي الصباح سأعيد حياكة البنطلون الممزق، أغسل القميص كي يعود أبيض. نم يا بني. سأحملك بين ذراعي، أقرب وجهك من قلبي.. غني له يا فيروز، غني له كما تغنين لابنك، غني بصوت عال فهو يخاف الظلمة (يا ميمتي، بعدك صغير، عمرك وعمر الورد ما كفى السني) ما لعينيك مفتوحتان، عمن تبحثين؟ هاك الأشلاء أمامك. بقايا أهلك. هذه الذراع لأمك؟ خذيها.. احتضنيها، واستشفي من رائحتها إن كانت فعلاً لها أو أنها ذراع أبيك، ليستا مفتوحتين تماماً، عيناك.. هي نصف إغماضة، كمن يطلب السبات. هانئة تبدو نومتك! ألا يزعجك ذلك الجزء من الإسفلت الرابض على قدمك اليسرى؟ ألا تخشين أن تصابي بالمغص وبطنك مكشوف هكذا؟ أغطيك قليلاً قبل حلول الظلام، وأفك شعرك المربوط كي لا يداهمك الصداع. هل نمت في العراء من قبل، جسدك مستلق على الأشواك والحجارة المدببة الرؤوس؟ كيف ينام الفقراء إذا؟ وجهك مازال أبيض، وملمس خدك كالحرير، مررت بأصبعي عليه سراً، خوفاً من إقلاق سباتك. بعيدة أنت عن بقية أهلك.

من رماك بعيداً عنهم؟ من رماك وحدك في العراء؟ هل كنت تدري وأنت تصعد على متن الشاحنة الصغيرة أن يدك اليمنى التي أرخيتها لتستريح على المقعد ستبقى مرخية هناك إلى الأبد، والطمأنينة البادية في إسدالك لهدبيك وطريقة فتحك لفمك هكذا، هل حلت عليك مع خروجك من القرية؟ هل كنت تدري أن رأسك الذي ألقيته إلى الخلف سيستكين على اشلاء أحباء لك؟ هل تحلم في سباتك أن بيننا من يفضل ألا يكتب عنك أو عن طريقة استشهادك مراعاة للأحاسيس المرهفة؟ موتوا. أوغلوا في موتكم. امضوا بعيداً عن السموم التي يبثها طيران العدو عليكم وتلك المنبعثة من أفواه بعض أبناء أرضكم. وهناك عندما تلقون وجه ربكم، اطلبوا النصر لمن يعمل كي لا يصيبكم إلا فعلاً ما كتب الله لكم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى