(العماد) حكاية قرية وصورة مكان .. مستوصف صحي يفتح أبوابه مرة أو اثنتين في الشهر ومدرسة لا تؤدي الغرض الذي بنيت من أجله

> «الأيام» فردوس العلمي:

>
منظر للقرية
منظر للقرية
ثمانية كيلومترات مسافة فاصلة بين صخب المدينة وهدوء القرية وهذه هي المساحة الفاصلة بين قرية العماد ومديرية دار سعد بمحافظة عدن، ثلاثة أرباع المسافة عبارة عن طريق ترابي وعر ومتعرج ينساب وسط صحراء ممتدة على جانبيه بامتداد البصر ورغم حرارة الجو وفي وسط تلك الصحراء القاحلة ترى بعض الأعشاب الخضرة التي تؤكد لنا أن هناك حياة رغم قسوة الصحراء تسر الناظر إليها بلونها الأخضر الجميل حتى لو كانت تحيط بكل التراب من كل اتجاه، تطوقك الطريق كلما توغلت فيها طلوعاً ونزولاً وفي تلك الطريق وتحت أشعة الشمس الحارقة ترى بعض النساء يحملن الحطب على رؤوسهن وبعض عربات الجِمال التي تساعد أهالي المنطقة في قضاء حاجاتهم..وبعد مسافة ليست قصيرة تتراءى لك منازل قرية العماد نصفها من الخشب ونصفها بلوكات (بردين)، منازل متواضعة وساكنوها كرماء فرغم الجهل الممزوج بالفقر لا ينطق لسانهم غير كلمات الترحيب التي تحمل كل معاني الكرم والود.

حملت كاميرتي التقط الصور وأنا أتحدث إلى هذا وذاك وفي نفسي ألف سؤال، أدقق النظر في وجوه الأطفال والنساء والرجال و في كل شيء يصادفني وسؤال حائر يا تري إلى أي قرن عادت بي عجلة الزمان؟ توقفت السيارة أمام الفرن الوحيد في القرية وهو مصدر أساسي لمد أهلها بمتطلباتهم من الرغيف (الروتي) وهو غرفة صغيرة بداخلها فرن صغير وهناك لا يزال قرص الروتي بخمسة ريالات رغم أن حجمه يساوى حجم قرص الروتي في عدن والذي يباع بعشرة ريالات. بجانب الفرن وعلى بعد خطوات يوجد مبنى أصاب أبوابه ونوافذه الصدأ لا يحمل أي لوحة تعريفية تدل عليه وعندما سألت عنه قيل لي إنه مستوصف القرية الوحيد والذي لا يفتح أبوابه سوى في الشهر مرة أو مرتين.

تركت المستوصف وفي ذهني سؤال ما جدوى إقامة مبنى إذا كان لا يؤدي الغرض منه؟ أخذتني قدماي للسير في أزقة القرية وكل زقاق يوصلني بالآخر حتى وصلت إلى مبنى قائم عبارة عن ثلاث غرف أبوابها مغلقة وتلك كانت مدرسة القرية وهي مدرسة ليس لها سور يوضح معالمها، مدرسة دون كهرباء أو شبكة مياه مجرد ثلاثة غرف وحماماتها على مبعدة منها، في هذه المدرسة القائمة في قرية العماد لا تتعدى الدراسة فيها ثالث ابتدائي حيث ينتقل الطلاب بعدها إلى مدرسة المصعبين التي تبعد نحو خمسة كيلومترات عن القرية، الدوام في المدرسة ثلاث ساعات في اليوم والقائمون عليها شخصان ومدير يقومون بتدريس الطلاب وفي بعض الأحيان يجمع طلاب المراحل الثلاث في فصل واحد لأخذ الدرس حسب قول التلاميذ الدارسين في تلك المدرسة التي يوجد بالقرب منها بقايا هياكل عظمية لبعض الحيوانات التي هلكت في الصحراء وفي وسط القرية مبنى هو الآخر مغلق وذاك كان مركز شرطة العماد وتلك كانت أول مرة أشاهد فيها مركز شرطة أبوابه مغلقة ويسأل أهالي القرية ماذا يفيدنا إذا كانت أبوابه موصدة ولا يوجد فيه جندي، وحسب قول أهالي القرية ربما يفعل مع نهاية شهر أغسطس ويتمنون أن يتم تفعيل القسم لحل الكثير من المشاكل التي تواجه سكان القرية بدلا من الذهاب إلى المناطق المجاورة. مسجد القرية كباقي مساجد المحافظة مبني بشكل جميل لافت للنظر بلونيه الأبيض والرمادي يجتمع فيه أهالي القرية وقت أداء الصلوات وعلى بعد مسافة قليلة منه تجد مبنى ضريح العماد وهو مبنى متآكل مرت عليه السنوات لتترك أثرها بصورة مخيفة على المبنى. خطوات تسير فيها بتلك القرية تفتقد ضجيج المدينة وصخبها وعلى بعد خطوات من المسجد يوجد بئر يعتقد أهالي القرية بأن مياهها تشفي المصاب بعضة كلب، ليس أبناء القرية وحسب بل يتوافد إليها الناس من الكثير من المناطق المجاورة لقرية العماد. الإبل والخرفان والدجاج والكلاب، مناظر طبيعية من ضمن مناظر أخرى في القرية أصواتها تكسر حاجز الصمت وهدوء القرية .

إلى ذلك كله فقرية العماد تعاني من عدم وجود صرف صحي (مجاري) مما دعا أهالي القرية إلى بناء غرفة صغيرة عبارة عن حمامات عرضها متر وطولها متر مجرد أربعة جدران لقضاة الحاجة حيت تشاهد مواسير تخرج مخلفات البشر لتعوم في الأرض بشكل ظاهر للعين وهذا ينطبق على المرافق الحكومية القائمة وغير المُفعلة فهي الأخرى حماماتها خارج المبنى .

ضريح العماد
ضريح العماد
التعليم والصحة هما عصب التنمية فإذا غابا عجز المجتمع عن التطور والتقدم، والتعليم وكما قال رسولنا العظيم عليه أفضل الصلوات والسلام: «العلم فريضة على كل مسلمة ومسلمة» ولكن في قرية العماد لا يستطيع أن ينهي الشباب تعليمه الثانوي فكيف بالفتيات ؟

نساء وبنات القرية اجتمعن وجلسن معا في أحد المنازل حيت كان فريق العمل من شبكة الإرادة للتخفيف من الفقر يستكمل المسح الميداني للقرية بهدف تفعيل خدمات الصحة والتعليم في القرية. ومن خلال الحديث مع المساحين علمت أن مهنتي التحطيب والرعي في القرية تمارسهما النساء والفتيات حيث يذهبن في الصباح الباكر لرعي الإبل والخرفان في المزارع المجاورة وجمع الحطب من الخبوت حيت يقوم الرجل فيما بعد ببيعها في سوق الشيخ عثمان. نساء وفتيات في عمر الزهور حرمن من التعليم وذلك في ظل وجود استراتيجية يتغنى بها الجميع وشعارات تعبر عن ضرورة تعليم الفتاة فالفتيات في قرية العماد يهجرن مقاعد الدر اسة بسبب عدم وجود مدرسة مناسبة في القرية تساعدهم في استكمال التحصيل العلمي . أمنيات بسيطة بساطة أهل القرية حيث طالبت النساء بضرورة تفعيل المجتمع المدني من خلال إنشاء جمعية نسوية من خلالها يتعلمن مهنة الخياطة والتطريز ومهن أخرى ومن خلالها تستطيع الفتيات محو أميتهن بالدارسة في فصول محو الامية.

احدى الفتيات في القرية لا يتعدى عمرها 12 عاما تقول:«عندما كنا ندرس في مدرسة القرية كنا نحمل البذور ونأخذ المياه من منازلنا ونسقي الزرع في المدرسة حيث كان الأستاذ يطالبنا بضرورة تعلم كيفية التشجير»، وتقول إن الدوام في المدرسة ثلاث ساعات فيها الطابور والنشيد الوطني وحصتان واستراحة «بعدها نعود إلى منازلنا». جمعت كل ملاحظاتي وتوجهت إلى منزل شيخ قرية العماد وضواحيها الوالد يسلم سعيد هندي علي البان، منزل متواضع لا يختلف عن باقي منازل القرية يتحدث الشيخ يسلم عن أهم ما تحتاجه القرية قائلاً: «توجد في القرية مدرسة ولكن للأسف لا تؤدي الغرض الذي بنيت من أجله فهي مجرد ثلاث غرف ولا يوجد سور حولها ولا يوجد فيها حتى غرفة إدارة أو مرفق خدماتي آخر، قدمنا الكثير من الطلبات من أجل استكمال المدرسة فأطفالنا يدرسون حتى صف ثالث ابتدائي بعدها ينتقلون إلى مدرسة في قرية مصعبين وهي تبعد مسافة خمسة كيلو مترات عن القرية نعيش حالة قلق على الأطفال من وعورة الطريق وصعوبته»، ويضيف «قدمنا عبر صحيفة «الأيام» العديد من المناشدات والحمد الله وصل صوتنا عبرها وتم بناء المدرسة والمستوصف ونحن الآن نطالب باستكمال المدرسة لتيسر لنا تعاليم أطفالنا لنعتمد عليهم في مستقبل القرية» . ويتابع حديثه: «نحتاج إلى كادر صحي مناوب في المستوصف ويقدم العلاج للمرضى» سألته عن مدى استفادة القرية من المستوصف فأجاب: «أي خدمات اذا كان المستوصف لا يفتح أبوابه؟!». ويقول: «المياه والكهرباء هي نفس معاناة المناطق الأخرى في المحافظة». ويطالب الشيخ يسلم بضرورة رصف الطريق لربط القرية بالمناطق المجاورة لها لتسهيل حركة السير من وإلى القرية ويقول: «الطريق أهلكتنا وخاصة أيام الرياح والمطر نتأخر عن أعمالنا والطلاب يتعطلون عن الذهاب إلى المدرسة إلى جانب تفعيل دور المدرسة بحيث يتم توظيف أبناء القرية الذين حالفهم الحظ بإنهاء تعليمهم لإدارة المدرسة لانتشال باقي أبناء القرية من مستنقع الأمية».

مسجد القرية
مسجد القرية
زين صالح هو الآخر يتمنى تفعيل دور المدرسة والمستوصف ورصف الطريق ويسأل: هل يعقل ان تكون في القرية مدرسة أعلى مستوى فيها ثالث ابتدائي، ويوضح لنا قائلا: «من أهم أسباب ترك التلميذ المدرسة بعد المسافة وارتفاع أجرة النقل للطالب الواحد 1500 ريال فلا تستطيع الأسرة دفع التكاليف ويبدأ سحب الأطفال خاصة البنات من المدرسة فأغلب الفتيات تركن المدرسة ولم يصلن إلى سادس بينما واصلت حالات إلى الأول ثانوي». ويتمنى الاهتمام بالشباب من خلال فتح ناد رياضي وضرورة حماية الأراضي الزراعية من عبث الباسطين عليها باسم الاستثمار الوهمي وتحت مسمى الجمعيات السكنية.

سيف على فضل من أبناء المنطقة خريج ثانوية عامة موظف في المنطقة الثانية في الكهرباء يشكو من تدني مستوي التعليم والصحة والبسط على الأراضي باسم الاستثمار الوهمي ويقول: «توجد مراكز ولكن دون تفعيل فنعاني الكثير من المتاعب فإذا صادفتنا حالة وضع نأخذ كل المستلزمات معنا إلى مستشفي الوحدة التعليمي وآخر حالة وضع وضعت المرأة في الطريق وعند وصولنا إلى المستشفي نزلت الطبيبة إلى السيارة لقطع الحبل السري»، ويقول: «كان المستوصف يحتوى على الكثير من المستلزمات الطبية و الأجهزة المختبرية لفحص الدم والفحوصات الأخرى ولكن سحبت من المستوصف حتى المكيفات ولم يبق غير أربعة جدران خاوية أبوابها موصدة» سألته متى يحضر الطبيب والممرضون إلى المستوصف قال ضاحكا: «والله من كثر غيابهم نأخذهم بالأحضان من كثر شوقنا لهم يوم ما يأتون» ويقول: «لا نطالب إلا بحرم القرية حتى نحافظ على الثروة الحيوانية».

ويضيف:«أغلب نساء القرية يعملن في مهنة الرعي ومع تدفق الاستثمار الوهمي أصبحت النساء يلازمن البيت وساورنا الخوف من ضياع الثروة الحيوانية». حكم احمد سعيد يشاطر سيف الرأي ويضيف: «نتمى أن تضاف للمدرسة فصول دارسية لتكون من أولى ابتدائي إلى ثالث ثانوي حتى تتحرر القرية من الأمية المنتشرة فيها خاصة بين أوساط النساء».

وزارتا الصحة والتعليم لهما مبنيان قائمان في قرية العماد دون جدوى فهل نأمل أن يبادر د. الخضر ناصر لصور مدير عام مكتب الصحة إلى تفعيل دور المستوصف وهل يبدأ د. عبدالله النهاري مدير عام مكتب التربية والتعليم تفعيل المدرسة مع بداية الـعـام الـدارسـي الجـديـد 2007/2006م؟

بقايا هياكل عظمية بالقرب من المدرسة
بقايا هياكل عظمية بالقرب من المدرسة
مواقف لا تنسي في قرية العماد حين تهاجمك مجموعة من الكلاب لتفوق من غفوتك وتأملك على صوتها تحذرك من الاقتراب أو التقدم وحين يداعبها أبناء القرية تنحني برأسها لتغادر المكان وموقف آخر حين غرست السيارة وابتلع اطارتها التراب فأرض العماد أرض بكر لم تتعرف بعد على إطارات السيارات فحين تتوغل سيارتك في أرضها يبتلعها التراب رافضا أن تمسه إطاراتك فقد تعودت على أقدام الجمال وعرباتها الخشبية التي تسير بخطى ثابتة على أرض العماد.

وأخيراً فإن قرية العماد تتبع مديرية دار سعد الدائرة 27 نتمنى أن تحظى قرية العماد والقرى المجاورة المنتشرة في طول وعرض محافظة عدن من الأخ المحافظ بزيارة إليها لا تكلف الكثير، وربما يرتاح فيها ساعات قليلة من صخب المدينة.

تلك كانت حكاية قرية وصورة من صور المكان رسمت على خارطة الزمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى