محطات من تاريخ (ثمود) .. اهتم البدوي بتربية أغنامه بقدر اهتمامه بتربية ولده

> «الأيام» ناصر محمد المنهالي:

>
البحث عن المرعى في صحراء ثمود
البحث عن المرعى في صحراء ثمود
عاش قاطنو صحراء ثمود البدو الرحل في العهود القديمة حياة التنقل والترحال في ظل تركيبة اجتماعية مصدرها البادية لمجتمع ثمود القبلي من أساس القوام.. كما أنه يسود ذلك المجتمع ذا الخصائص الصحراوية عادات وتقاليد تتحكم فيها الأعراف القبلية التي تتصف بها القبيلة بصفات حميدة كالاستقامة والشجاعة والكرم والإخلاص لأرض الوطن.. والذكاء الفطري أبا عن جد.

أما مصادرهم من المياه فبئر ثمود التاريخية المورد الرئيسي للوارد والصادر لمختلف عدود الأيام منهم.. وبئر حلية وأحساء الواسطة بوادي قصيوم والشبايك بوادي مقصر ذات المياه الجوفية وخصوبة تربتها الزراعية، وكلها تسيل في وادي منهويت أثناء هطول الأمطار وتدفق السيول، ومنها تنحدر السيول الكبيرة إلى وادي عيوة المناهيل ومنها للرملة في الربع الخالي.

وتجدر الإشارة في هذا السياق الى أن إمارة أنشئت حينذاك في بقعة من بقاع ذلك الربع الخالي.. ونصبوا خيامهم وحلوا على الرمل في شقاق الربع الخالي بالعزم القوي في ذلك الوقت وكانت بداية حياة في اتجاة وضع مستقر بآفاق مستقبلية.. حيث أنشأ المرحوم المقدم عيضة بن الحريز بن طناف المنهالي إمارة قبائل المناهيل في الخراخير والبديع الموقع المتوسط جغرافياً للسيح ورملته في عهد من العهود.. وبطبيعة الحال يوجد أصل التشابه في أنماط الحياة في الانتقال والمكان، حيث وإن أداة الإيواء لديهم خيام والنمط موحد في كل أحوال حياتهم في مختلف صنوفها في الحلّ والتنقل هدفهم الرئيسي تحقيق الهدف المعيشي بحثاً عن الماء والكلاء في أمن وسلام لتربية وصون الحلال.. أما بالنسبة لطبيعة الاحساء والكرفان فتحفظ مياه الأمطار لفترات طويلة وحفرت بمجهودات البدو الذاتية في المناطق الصالحة للكرفان لعوامل مجتمعة منها موقع الانحدار لمنسوب مياه السيول وجودة التربة (الكداة) من خلال إقامة الحواجز الترابية والأخذ بالاعتبار لمنضح (مخرج) الماء حفاظاً على الكريف.

دأب البدو الرحل على حياة البداوة في نواح شتى من حياتهم اليومية، منطلقين من الاعتماد على النفس فضيلة، حيث تعتبر حياتهم حياة غير مستقرة سعياً منهم وراء الماء والمرعى، حيثما كان في بقاع الصحاري وشقاق الرمال وأصقاع الربع الخالي، متجاوزين خطوط العبور بصرف النظر عن تصريح المرور.. واعتمادهم على إبلهم عند شد الرحال في ظل مراحل صعاب، ومنها الرحلات الطوال إلى أسواق بلدة قسم وعينات والمحط بمدينة تريم لبيع حيواناتهم (الجلب) ليشتروا بقيمتها حاجياتهم من دكان بن زعيزع ودكان بن حمدون وغيرهم، متحملين متاعب الطرق الصعاب على الجمل والجمال ومصدرهم الرئيسي لدخلهم المحدود الثروة الحيوانية من الإبل والأغنام التي تعرف بها ثمود، كما أنهم يهتمون بتربية حيواناتهم مثلما يهتمون بتربية أبنائهم.. في سباق وتسابق في عصور الحياة أحياناً على مسار القدم وعند التعب على ظهور جمالهم مع سوقهم لبوشهم (أغنامهم) بألفة ومحبة مترابطة ما بين هذا الإنسان الصبور والحيوان الأليف الكبير.. الذي يرى ببصيرته الشبل الصغير رجلا كبيرا في قامته قادراً على تسييره حيثما كان.

وإن كانت الراحلة ليست ذلولاً جعلها مطية ذلولاً.. شادين المراحل على طول مسافات واسعة وشاسعة لا تقاس بالأميال ولا بعدة مقاسات المساحات على طول أكثر من مد النظر من جميع الاتجاهات في أدوار وسواريب الرمال وفي معاطيف الشقاق في الربع الخالي.

وكانت البداية من السيح وجملة سيوح مع الوديان والهضبات في الصحارى في أجواء يسودها كدر يضعف البصر، والصانع حينذاك لم يصنع بعد ناظور الدربيل، والحالة كلها إعصار شديد الرياح، وفي وقت القيظ يكون الماء قليلاً في القربة والطرابيل، وفي شدة الاحيان ماء السعن (قربة صغيرة جلدية صناعة محلية) شربة لتبليل العروق والاعتماد على اللبن من نوق حمر وسود، والطهور عفور بالتراب (التيمم) وفي مساري ليالي البرود يهب القر (البرد القارس) من كل صوب.. هذه أحوال الطقس في الصحارى والرمال، يعيشون فيها في ظل حياة متواضعة علي سجية نشأة البادية لا تعرف الموضة، ومآويهم خيام مصنوعة من صوف حيواناتهم يقومون بنصبها على هضبات الصحارى في شقاق مع طيف الرمال، وقوتهم الألبان ومشتقاتها وبعض المواد الغذائية منها البيولة (حبات الذرة مع اللبن) مع سرعة الحركة للنجوع إلى المثاوي المرحومة من رب العباد في مواسم الأمطار، قائلين الحمد لله شاكرين رحمته، مقيمين أعياد المطر والفرحة تعم كل الاسر.. وعند السمر في استيعاب فطري عند سماع نشرة الأخبار فيما بينهم لحالة الطقس والأحوال، مع حفظ بديهي عند الشرح والتفصيل لوصف بقعة الرحمات دون الرجوع لمربع الخارطة لتحديد موقع المكان، في إطلاع على مجريات الأمور الواقعة في النطاق بوسائل نقلهم المعتاد في سفينة الصحراء (الجمال) مع التعود على الصبر عند الشدائد في مختلف الأوقات في العيش رغم قساوة الأيام.. إلا أنهم عائشون في رحاب كنوز القناعة دون أطماع مصدرها محال.

العادات والتقاليد

إن عادات وتقاليد الصحراء متعددة ومختلفة بخصوصياتها ولهجتها، إلا أنها على كل حال متقاربة فيما بينها لطبيعة حياة الصحراء.. والكل يروي رواياته بذاكرة أو جهد مع الاجتهاد بحسن النية أو المبالغة في سرد الكلام.

ولهذا فإن هذه العادات وتلك التقاليد ينبغي التحري بشأنها على أسس التقصي والتدقيق مع التصحيح لكل سالفة تقال وليس بوصف عابر من أطراف الكلام.. أو مبالغة أو تقصير دون الأخذ بعين الاعتبار للوارث والمورث وحيثيات أيام زمان .. مع معرفة ما هو قائم من ذلك حتى الآن وما عفى عليه الزمن من هذا الشأن إن كان بالسلب أو الإيجاب.

وعند القول يطلب التوثيق للاستشعار بأهمية الكلام من أجل أن تكون الدراسة صحيحة من مصدر ذوي الخبرة والشأن، من واقع معاش ماضي وحاضر.. تحاشياً للاجتهاد في هذا السياق.. وطالما تم التحدث في جزء منها، مثل سباق الهجن والمزاينة وحمل السلاح وعادة تناول القهوة وعنوة المرأة والطباع والسمات لدى أهل البوادي النشامى.

وبهذا ندلي بدلونا بشي من الواقعية لبعض من العادات بموضعية منها في مجالات الألعاب الشعبية الزامل الرجالي والشرح المختلط والمريزة للرجال في المساء على ضوء نار الحطب ولعبة الدارة اللمس والقبض والقفز بالأحجار للدفع إلى الأمام وغيرها.

ومن أنواع العلاج البدوي (الرعباة) مجموعة من الرجال يجلسون بشكل دائري على الإنسان المريض نتيجة لتعرضه للدغة ثعبان متنحنحين بكلمات بصوت مرتفع تدريجاً متوال بقولهم (هو باحمة هو باحمة) مع سرعة حركة أيديهم وفي الختام ذو الخبرة منهم يعض بأسنانه موضع اللدغة.. محاولاً بفمه شفط الدم الملوث بالسم ويقذف به على الأرض ويستمر بتكرار ذلك لاستخراج السموم من موضعها، ومن العلاجات الأخرى دق أغصان شجيرات الخضيرة ووضعها على (منغا) رأس الطفل عند أوجاع الرأس وكثرة سرعة حركة (المنغاة) وشرب مادة الصبر لمعالجة الجراح وداء الغش في البطن ولرشاقة الجسم، والذرع والشبر باليد والحبل على المريض مجهول المرض، وعلاج اللطم للمريض المتشلل في حالة غفلة المريض منه ينط (ينبض) مثل هزات الكهرباء لشد الأعصاب وحساسية الذاكرة وغيرها من أجزاء الجسم وآخر العلاج الكي بالنار.. أما حلب الإبل فمهمة الرجال عند الأغلبية ويتم الحلب في الإناء المخصص لذلك ويسمى (القعلو) وهو مصنوع من الخوص حيكت بسيور جلود الأغنام، وعندما يكون غير حافظ للبن يسمى ستمة، وعند الحلب يكون الحالب قائما من جهة اليسار على أحد رجليه واضعاً رجله اليمنى على ركبة رجله اليسرى و(القعلو) على فخذ رجله المركبة ويحلب بالضرعين المختلفين والضرعين الآخرين للحوار (ابن الناقة)، والحلب له مواعيد محددة متقاربة في أوقاتها في الصباح والمساء ويتجمع اللبن في القدور ويقدم للضيوف والحلان بترتيب منسق بنظام تلقائي يسوده الكرم والاحترام والتحمد لله بدوام عطاياه بكلمة (يدوم).

القهوة العربية

البدوي كعادته اليومية يخرم لقهوة الشريخ أي يشتاق للقهوة العربية ويقوم بتجهيزها بنفسه من خلال وضع حطب السمر لجودة حطبه وقلة دخانه، وإن افرز دخاناً فإنهم يقولون الدخان يتبع المخلوق الرحيم، وبهذا يوضع ذلك الحطب في المصخان (الموقد) وتوقد النار بأحجار النشم وتقدح بها وبشراراتها تولع النار من ثم يرض البن في المنحاز (المدق) المصنوع محلياً ويحمسه.. وبعدها يدق معه حبات الهيل وعروق الزنجبيل ويوضع ماء في (الدلة) على الموقد، من ثم يحقب الحقب بطن الدلة، وبذلك مع فورها تجهز القهوة ويتم صبها في الفناجين المصنوعة من الفخار (الطين) أو الصين المعرضة للكسرة، وعند كسرها يتم تثبيتها بربطها بخيوط سيور جلدية مع دق مادة الصبر لتتماسك مع بعضها، ولها فاتحة قبل تدويرها مضمونها الدعاء والغفران، وعند قرب نفادها يضاف عليها قليل من الماء وتغلى وتسمى قهوة الرجع للتقشف في موادها، وفي المجلس يديرها الأصغر سناً من غير الضيوف وهو قائم، ويناول القهوة بيده اليمنى والدلة بيده اليسرى، وعندما يرتوي شاربها بحركة خفيفة يهز الفنجان بمعنى كفاية(كرم)، ويكون صب القهوة في الفنجان لا هو مليان ولا هو بفارغ أي بمقاس متزن في حركة اليد للدلة مع الفنجان بصوت رنة مع لفت النظر في صبة القهوة.

كما توضع أدوات القهوة وغيرها من أدوات الزواد في (الكسعة، المسب، السلف، الجراب، والخرج) وهي مصنوعة من جلود الحيوانات، والبدوي ترى جلوسه في المقعد متركب متهجي لسرعة حركة مقامه، متسم بالذكاء الحاد ولمعان العين وغيرها من صفات حمران العيون، وعند الاسترخاء تجده متكئا على شد مطيته، وجراب زواده بجانبه مرسلاً النظر لبوشه (أغنامه) في مربضها ومعاطينها، متخيلا الحياة في قمة تطورها .. فنجان قهوة الشادلي بيده ولبنها في قدوره وبعد ذلك يشرب من اللبن وينام نومه هنيئة ويستيقظ في وقت مبكر، مداوماً لأعماله برعي أغنامه مؤدياً فروض الصلاة بنية صادقة، والنية مطية الأعمال.

عنوة المرأة من الرجل

العنوة هي عند لمس أو مسك الرجل بيده أحد أطراف جسم المرأة، وتقول له مباشرة كلمة (استعنيت منك ببكرة وقعود وما قاله بويه) وفي هذا تختلف طبيعة الأحكام العرفية لدى أهالي البادية في هذه القضية بحيثياتها وهذه السارحة تنظم حقوق المرأة في مجتمعها ذي الطابع القبلي.

طباع الصحراء

طباع الصحراء يتطبع بها عند أوجاع المخاض دون اختصاصي أو قابلة في هذا المجال.. بقدرة رب العباد تنزل الوشائم (المشيمة التي تغذي الطفل في بطن أمة أثناء فترة الحمل) ويكون الوضع طبيعيا في أرض السيح بأطراف الرمال، وللأسف في بعض الأحيان تفارق الأم ابنها أو الابن أمه عند الضعف في حالة الزفير أو استمرار النزيف، وقضاء الله ليس منه مفر.. وعند السلامة يكون قوت المولود لبناً من نوق حمر وسود في ألبانها قوة وشدة .

وعندما يشب يتمرس على الرماية وسباق الهجن في مضمار بدوارة رمال.. ومع مرور الزمن يقوى زنده ويصبح في عنفوان الشباب لا يعرف في حياته الشاي ولا ورق التمباك، عازم على عقد الزواج من فتاة الصحراء راعية القطعان التي جمالها بلغ كل التمام، هي حسينة الطلعة عيونها عيون المها في جمالها أوصاف حسنها عند العشائر والقبل، متخيل يرعات شربها اللبن، عنقها مثل عنق الزرافة، متمنطقة على خصرها بحزام الفضة صنعه الصانع من بندر تريم أو بندر سعاد في آخر ما صنع يحتوي على صفائح مربوعة بنقشة متقنة مع حناحن مزينة لتكملة الزينة، والرحامة أوصافها تمت بالعدة والتمام، ممشوقة القوام تريفه في البدن.. ينطق بطلاقة وفصاحة في التعبير مع الإنشاء في إملاء الخطاب في كلام حديثه قواعد النحو والاعراب .. ممشوق القوام ذو طلعة ومظهر جميل، هو من ذوي حسن الأخلاق، وديع الطباع، كأنه طرزان في رشاقة وقوام يمتطي مطيته .. وهي راكضة وهو في وضع المسار يضمد ضمدة واحدة دون تكرار، تراه في الموضع ماسكا قيادة الخطام .. وهو رام يصيب الحبة ويقسمها نصفين من جملة الرماة، لديه صفات التواضع والخلق الزين والنصح في التعامل مع كل الجميع مكتسبا ذلك الأدب مع حسن الجمال من بيئة طبيعية جوها صاف نقي، مع الخبرة والإلمام بالمعرفة والتقصي في مجال الأثر (دحقة القدم للإنسان والحيوان) دون تأهيل في البحث والتكنيك، على فطرة من رب العباد .. يتحدث بلغة الشعر كأنه عاصر عهود وائل بن ربيعة وسيف بن ذي يزن.

السلاح الناري القديم

إن أبناء البادية موصوفون بحمل السلاح على مرور الزمن من خلال تمرسهم الدائم على الاستخدام الأمثل للأسلحة النارية منذ القديم.. وبطبيعة الحال لكل مرحلة سلاحها الذي شكل في زمانه طرازاً جديداً، وعند اختراع السلاح الناري اعتبر سلاحاً ثقيلاً في زمانه مقارنة بالرماح والسهام والسلاح الأبيض (السيف وغيره).. وبهذا نورد بالتقريب تسلسل صناعة تلك الاسلحة مع تسمياتها بلهجة البدو:

بافتيلة، والهرتي أبو بنة وبنتين، والهطفة الفرنصاوي، والهطفة الجرمل، والتركي، والشرف السحمة أبو تاج، والبريثن والخماسية المطربلة، والكناد بي أف آفتي أر، والعيلمانات الطويلة نامور ثمانية أبو عطفة، وأبو مقصين نامور سبعة وثمانية، وفلنطة العلمان، والمضلع أبو شبة، والمضلع أبو حرف، والبلجيك زوكي كرام، والبلجيك أبو سعفة، وابو مسمارين وابو ستة مسامير، والجاوي نامور سبعة ابو مخوط.

وهذه التسميات تبين بلدان صناعتها (الجرمل المانيا، والفرنصاوي فرنسا، والتركي تركيا، وابو تاج بريطانيا، والعيلمان المانيا، البلجيك بلجيكا، والجاوي اندونيسيا)..

كما وأنهم دائماً يحافظون على نظافة بندقيتهم من خلال تصفيتها باستمرار وتغظيتها بالغطاء المصنوع من جلود حيواناتهم المزين بهذابيل في أطرافه من سيور جلد الحيوان، وذلك للحفاظ على سلاحهم الشخصي من الأتربة مع تكملة المنظر الجمالي.

ويعتبر حمل السلاح في البادية مكملا للزي من خلال بندقية الزوكي كرام والخماسية والكندة فتي آر والبالجيك على الكتف في الزامل من أول نهار، وبهذا السلاح يتم الدفاع عن النفس وحماية الحيوان في البوادي من الوحوش المفترسة منها الذئب والضبع والروال وغيرها من الحيوانات البرية الضارية .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى