عبدالقوي مكاوي .. عدن في السياسة البريطانية

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

> هذا جانب من تاريخ شخصية سياسية أسهمت في صياغة عدة أفكار ومواقف ارتبطت بمجريات الاحداث في مدينة عدن، وقد عرف الزعيم عبدالقوي مكاوي في حقبة زمنية من تاريخ عدن استجدت فيها من الوقائع ما جسدت زعامة في هذا المستوى، وهذه عودة الى بعض من صفحات تلك الفترة.

كانت مدينة عدن مساحتها في ذلك الوقت 75 ميلاً مربعاً وبها طبقة عمالية، صناعية بالغة التنظيم وقوية، وكان احصاء عام 1955م حدد عدد سكان عدن بنحو138.441 ، منهم 106.400 من العرب، و15.800 من الهنود، و10.600 من الصومال، و4.400 من الاوروبيين و800 من اليهود، وفي عام 1963م كان عدد سكان عدن قد وصل الى نحو 220 ألفاً منهم 60 ألفا من العرب المولودين في عدن، و35 ألفاً من عرب المحميات، و80 ألفاً من عرب اليمن، و20 ألفاً من الهنود وبعض الباكستانيين، و20 ألفاً من الصومال، وكان اقتصاد عدن يرتكز على ثلاثة محاور أساسية وهي: ميناء عدن العالمي ومصفاة الزيت وقيادة الشرق الاوسط، وكان مبلغ ما وصل اليه في العام من الواردات 72 مليون جنيه استرليني والصادرات 60 مليون، وبلغ مجمل الواردات في ميزانية المستعمرة السنوية نحواً من 5 ملايين جنيه وكان المبلغ المنفق على مشاريع التنمية في عام 1955م قد وصل الى 8 ملايين من الجنيهات، وبلغ مجمل الهبات التي قدمتها حكومة بريطانيا الى حكومة مستعمرة عدن في الاعوام 1956م و1961م نحو 596 الفاً من الجنيهات بالاضافة الى عدة قروض بلغ مجملها مليوناً وعشرين الفاً من الجنيهات، وكانت إدارة المستعمرة تنفق نحو نصف مليون جنيه في العام على مسألة تطوير التعليم.

يقول الكاتب جيليان كينج في كتابه أهداف الاستعمار في عدن عن الدور البريطاني، الاقتصادي في هذا المكان: «لعب الزيت منذ أيام الحرب دوراً بارزاً في تطور عدن، وقد تعززت اهميتها كمركز للتموين بالزيت والوقود، بالقرار الذي اتخذته شركات الزيت البريطانية في عام 1952م بإنشاء مصفاة للزيت في عدن تبلغ تكاليفها 45 مليوناً من الجنيهات، تكفي لتكرير نحو من خمسة ملايين طن من الزيت الخام في العام. وكانت شركات الزيت البريطانية قد أقامت تجهيزات تموين البواخر بالزيت، وعملها في هذا التموين في عدن منذ عام 1919م ولكنها ظلت حتى عام 1954م أي عندما شرعت مصفاة الزيت في عدن في عملها، تستورد الزيت المكرر من مختلف المصافي المجاورة عن طريق ناقلات الزيت، وكان معظمه يستورد من مصفاة عبدان حتى عام 1952م.

وتقوم مصفاة عدن الآن التي تستمد زيتها الخام من الكويت والتي تؤمن العمل لنحو من 300 من الموظفين البريطانيين و1800 من الموظفين والعمال العرب، بتزويد محطات تجهيز البواخر بالوقود بالاضافة الى بيع منتجاتها للاستعمال المحلي في عدن وفي البلاد المجاورة.

وتملك الشركة البريطانية ثمان محطات عائمة في الميناء،يصل اليها الزيت من الصهاريج الساحلية عبر أنابيب ممتدة تحت البحر، وتستطيع الواحدة منها أن تزود مخازن الوقود في اية باخرة بأية سرعة مطلوبة تصل الى حدود 1500 طن في الساعة، وتستخدم هذه المحطات نحواً من 780 رجلاً وهي تؤمن الوقود لنحو من 4500 باخرة في العام الواحد، وبكميات تصل الى حدود مليونين ونصف المليون من الاطنان».

العمل في القاعدة

وعن هذا الجانب يذكر في كتابه : «تنفق القوات البريطانية في عدن نحوا من اثني عشر مليوناً من الجنيهات في العام، وذلك بالاضافة الى الإنفاق على الانشاءات كما تؤمن مباشرة او بصورة لا مباشرة العمل لنحو من عشرين ألف رجل يمثلون ثلث قوة العمالة في البلاد. وتقدر قيمة الاجور التي تدفعها السلطات العسكرية للعمال الصناعيين في خدمتها في المنطقة بنحو من 107.500 جنيه استرليني في الشهر الواحد ولما كان اشتراك اكثر من عامل واحد في وظيفة واحدة، اجراء متبعاً في عدن، وكان بعض العمال في عدن يعولون أكثر من عشرة اشخاص بالنسبة الى العامل الواحد، فإن انسحاب الوجود العسكري البريطاني، لا بد وأن يؤثر تأثيراً عميقاً على ازدهار المستعمرة».

كان لعدن دور بارز في الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) كقاعدة عسكرية بريطانية في الحملة التي قام بها الحلفاء ضد ايطاليا عام 1941م فقد قام الطليان عام 1940م باحتلال الصومال مما جعل الادارة البريطانية تمر في حالة انحسار مؤقتاً، وعند انهيار قوات المحور وخاصة بعد الازمة الانجليزية - الايرانية، تحولت عدن الى أهم المراكز الرئيسية في العمليات الحربية البريطانية، وقد توسعت أهميتها الاستراتيجية بالنسبة لبريطانيا فيما بعد، وبالذات بالتزاماتها تجاه شركائها في حلف بغداد الذي اسس بتاريخ 24 يناير عام 1955م، وايضاً حلف جنوب شرق آسيا.

بعد جلاء القوات المسلحة البريطانية عن قاعدة السويس بتاريخ 13 يناير عام 1956م وبعد معارضة الزعيم الافريقي جومو كينياتا في إقامة قاعدة عسكرية بريطانية كبيرة في موباسا قررت حكومة بريطانيا أن يكون توزيع قواتها المسلحة على ثلاث مناطق استراتيجية وهي: 1- اوروبا (وكانت في بريطانيا وألمانيا الغربية)، 2- سنغافورة، 3- عدن.

عند جلاء بريطانيا عن مصر وعن العراق تم تحويل القسم الاكبر من معداتهم ورجالهم الى قبرص وعدن وقد تحولت عدن بعد ذلك الى قاعدة استراتيجية فيها مستودعات للقنابل الذرية والهيدروجينية كما جاء ذكر ذلك في المجلة الفرنسية (رجال وعوالم) عدد اكتوبر عام 1955م بقلم الكاتب بيير فونتين، وذلك العامل جعلها تنتقل من مستوى مركز للقوات البحرية البريطانية في عام 1955م الى مكانة قيادة عليا في الجزيرة العربية عام 1957-1958م تغطي مساحة واسعة كانت تمتد من ليبيا الى الهند، ومن بحر كامسبير الى مدغشقر، وبعدها اصبحت مركز القيادة البريطانية في الشرق الاوسط، لهذه العوامل كانت عدن لها اهمية خاصة لانها أمنت لبريطانيا وجودها ليس فقط على الشواطئ العربية في الجنوب، بل وجودها في الشرق الاوسط وفي شرقي افريقيا ايضاً، كما عملت على إرسال حملات عسكرية عندما كانت المصالح الغربية في خطر، مثل ما حصل في الكويت عام 1961م عندما هدد حاكم العراق الفريق عبدالكريم قاسم (1958-1963م) باحتلال الكويت وكذلك في كينيا وطنجنيقا وأوغندا في عام 1964م.

الى جانب هذه الأسباب فإن عدن كانت تمثل للانجليز المكان الأمثل لأنهم يستخدمونها لاغراض ثلاثة: 1- كانت ناقلات النفط التي حملت العلم البريطاني او تلك التي تنقل في خزاناتها البترول، تؤمن عبر عدن الاتصال بين منابع النفط في الخليج العربي وبين المصافي الاوروبية وبواسطة عدن تضع بريطانيا يدها على حركة المواصلات الآتية من آسيا وتضع قناة السويس تحت مراقبتها.

2- تم نقل أجزاء من منشآت مصافي عبدان في إيران عبر شركة النفط البريطانية الى عدن بعد تأميم البترول الايراني الذي قام به الدكتور مصدق في عام 1952م.

3- كانت عدن الى جانب كونها مركزاً للتموين وكونها وحدة للانتاج شكلت مركزاً للنفوذ والسيادة على الاراضي الغنية بالنفط والتي تحيط بالقاعدة على طول قرن شبه الجزيرة البحري، فقد كانت مثل القلعة تماماً مثل مالطة وسنغافورة وفي ذلك الوقت وضعت مخططات سرية من أجل حماية المنشآت العسكرية الحديثة جداً والتي كانت باهظة التكاليف وهذه المهمة الاخيرة لمكانة عدن قد جعلت منها في نظر وزارة المستعمرات عاملاً مساعداً في إيجاد التوازن السياسي في المنطقة.

عبدالقوي مكاوي

رؤية السياسي لواقع عدن

بعد هذا المهاد التاريخي لوضع عدن في السياسة البريطانية نقف أمام رؤية عبدالقوي مكاوي لواقع عدن في تلك المرحلة، وكيف كان يرى حال هذه المدينة في سياسة بريطانيا من خلال الإدارة التي تحدد مشاريعها حسب مصالحها في هذا المكان.

ورؤية عبدالقوي مكاوي في هذا الجانب هي رؤية من يهدف عبر أفكاره الى نقل وضع مدينة وحال انسانها الى مستوى لا يعد فرضاً يمنح من منطلق الاستحقاق بقدر ما هو واجب يقدم لتجاوز حالات من عدم التوازن بين إمكانيات مدينة قابلة للتطور، وبين درجة من الوضعية ظلت قائمة عند حدود معينة من العمل الاجتماعي والسياسي، وهنا نقف أمام بعض ما قدمه عبدالقوي مكاوي في هذا المضمار.

في العدد 1562 من صحيفة «فتاة الجزيرة» الصادر بتاريخ 23 فبراير عام 1961م وهي الفترة الزمنية التي كان بها حاكم عدن السيد تشارلس جونستون من عام 1960م حتى عام 1962م القى عبدالقوي مكاوي رده على خطاب مالية عدن ومما جاء فيه : «إن ما نحتاج اليه أكثر من الضرائب هو التطور الاقتصادي وأقصد بهذا إنعاشاً حقيقياً لاقتصادنا إذ أن ذلك لن يؤدي فقط الى إيجاد إيراد أكثر للحكومة بل إنه سوف يساعد أيضاً على رفاهية شعبنا، وإنني لآسف حقاً ان التطور الاقتصادي لم يلق حتى الآن الرعاية التي يستحقها من الحكومة، ولذلك فالحاجة داعية الآن للقيام بسرعة بحملة واسعة لاكتشاف المصادر الطبيعية والبحرية والصناعية من قبل مجموعة من الخبراء..

وقد ذكرت امثلة كثيرة للمصانع الخفيفة في هذا المجلس وفي الصحف في عدة مناسبات. وأود أن اذكر بعض أمثلة من المصانع الأخرى على سبيل المثال لا الحصر. وأحد هذه الامثلة هي مالطا هذا البلد الذي لا يختلف في طبيعته عن عدن فإنه بلد صخري يتمتع بنصيب قليل من الزراعية والمواد الخامة.. ولكن توجد فيه لجنة تصنيع مالطا نفتقر الى مثلها في عدن وهذه اللجنة توفر نوعاً من المصانع يستخدم عدداً كبيراً من الايدي العاملة.

ومثال آخر هو بورتوريكو وهي كعدن فيها قدر ضئيل من المصادر الطبيعية، ولكنها خطت خطوات واسعة في السنوات القليلة الماضية نتيجة لتطور مجال الصناعة فيها.

وعلى سبيل المثال فإن لدينا في عدن قدرا كبيرا من الزجاج المحطم والقوارير الفارغة التي لا تستعمل لأي غرض مطلقاً ولربما كانت لهذه قيمة ما إذا اصهرت واستعملت لأوان زجاجية وفي غانا، فإن ثمانين عائلة تعتمد في معيشتها على جمع وبيع القوارير الفارغة.

وأما في نيروبي فإن مصنعاً للأحذية قد أنشئ منذ عدة سنوات مضت وبدأ العمل بأحذية مصنوعة من المطاط والشراع، وقد كانت تستورد صفائح من الشراع والمطاط الخام من الخارج لبيع الأحذية بأسعار زهيدة على الطبقة الكادحة من الشعب، وكان يوفر هذا المصنع عملاً لزهاء 300-400 عامل ونتيجة للتطور في مستوى المعيشة فقد تدرج العمل في المصنع وينتج الآن احذية مصنوعة من الجلد وإطارات الدراجات ويسير العمل فيه بنجاح مطرد. ولنا في هونج كونج مثال مدهش آخر وعلينا إذن أن ننضم الى الركب.

والذي أود أن أراه في عدن ايضاً هو ما يسمى بالعمليات الاقتصادية الكفيلة بنفسها، أو بمعنى آخر تنمية مصادر البلد الواحد لرفع مستوى اقتصاد هذا البلد».

الأسباب التي جعلت وضع عدن الاقتصادي يحدد عند هذا المستوى عدة عوامل منها نقص الكوادر التقنية والاقتصادية، وحدة المزاحمة الاجنبية، فمن مجموع أجراء يناهزون 80000 شخص في عام 1962م نجد 33000 كادر متوسط (41%) و45000 (56%) بدون مهن محددة بشكل جيد، ومن الصناعات التي عرفت في عدن منذ بدايات الحكم البريطاني فيها صناعة الملح والتي اشترك فيها الطليان والهنود ما بين 1886م و1923م وكانت تشغل تلك الملاحات اكثر من 4000 أكر ، وقد بلغت طاقتها في الانتاج قبل الحرب العالمية الثانية 400000 طن في العام، وظلت على هذا الحال المتقدم في الانتاج ففي عام 1952م بلغ إنتاجها 342000 ، وعام 1954م وصل الى 193700 طن وعام 1962م وصل الى 78000 طن.

وفي عدن عند تلك المرحلة كانت شركات وتجار يملكون عدة معامل يعمل بها حوالي 1400 فرد وأغلب الأحيان استخدمت في هذه الصناعات الصغيرة مواد أولية محلية، وقد حددت الصناعات المتنوعة في عدن بهذه الجوانب:

1- استثمار الملح البحري. 2- معامل لوازم البناء المنيوم، ودواليب كاوتشوك وسجائر وتبغ وصابون ومنتوجات العطارة. 3- معامل المشروبات الغازية والمثلجات. 4- مشاغل وشم الاقمشة القطنية. 5- بناء السفن الشراعية.

وكان الرأسمال في عدن يتكون في المؤسسات التجارية الوطنية الكبيرة وفي المؤسسات التجارية الاجنبية من هذه المصادر :

1- من المهاجرين وكبار الملاكين العقاريين. 2- من الادخار المحلي. 3- من خزينة الدولة.

وكان ت عدة صناعات صغيرة قد أخذت مجالها في التوسع داخل عدن أو في المحميات مثل:1- الصناعة اليدوية، 2- صناعة صيد الأسماك، 3- التعليب، 4- تبريد المنتوجات، 5- الحياكة والنسيج، 6- البناء، 7- الصناعات الكيماوية، 8- صناعات التركيب والمونتاج الصغيرة، 9- المشاغل الميكانيكية.

وكانت صناعة النسيج من أسهل الصناعات وأكثرها موافقة، وفي عام 1961م استهلك الجنوب العربي حوالي 18 مليون ياردة من الاقمشة القطنية أي بنسبة 10 مليون في عدن و8 مليون في المحمية، وبلغ متوسط استهلاك الشخص الواحد من السكان 50 ياردة في العام بعدن و10 ياردات سنوياً في المناطق الداخلية.

في العدد 1550 من صحيفة «فتاة الجزيرة» الصادر بتاريخ 9 فبراير 1961م يتحدث عبدالقوي مكاوي عن قضايا عدن قائلاً: «إن النمو السياسي في البلد يحتم علينا تهيئة الاسباب المساهمة في تغذيته، وقد أهاب صاحب السعادة بالحاجة الى الجهود الخالصة لتوسيع قاعدة اقتصاديات المستعمرة، وهذا أمر جوهري في حد ذاته وإنني لأنوي أن اتناوله بالبحث عندما يحين الوقت المناسب لمناقشة قائمة الميزانية.. ولكن أريد أن أضيف ايضاً أن من الأهمية بمكان أن تبذل الحكومة جهوداً مماثلة لتخفيض النفقات دون أن تقلل من الكفاءات حتى يتسنى توفير الامكانيات لإنتاج أكبر واقتصاد أقوى.. وإنني لأعرف مقدماً أن المحترم السكرتير المالي سوف يعقب على ماذكرت أن الحكومة قد بذلت كل ما في وسعها لتنقيص النفقات وأنها سوف تواصل الجهود في هذا السبيل ولكنني أعتقد أن الوقت قد حان وأصبح من الضروري المطالبة بإجراء اختيار مستقل للكفاءات والنفقات في جميع المصالح.. وإنني لأؤيد بقوة أي اتجاه يرمي الى تكوين مجموعة من ذوي الكفاءات بإشراف المنظمة التابعة لخزينة لندن أو أي فرع لها في شرق افريقيا، حتى يتسنى لها بعد ذلك تقديم التوصيات اللازمة عن الوسائل التي يمكن بها تنظيم النظم الاقتصادية في الإدارات».

بلغت نسبة الإنفاق لحكومة الاتحاد للدورة المالية لعام 1962م-1963م على مرافق الدولة كما يلي:

المراكز والقيمة بالجنيهات: الدفاع - 1671400، الأمن الداخلي - 1104200، وزارة الداخلية - 186000، وزارة الأشغال العامة - 268200، وزارة الصحة - 132200، وزارة التربية - 63200، وزارة المال - 71700، وزارة الزراعة والانماء - 84500، وزارة الإعلام - 35000، وزارة العدل - 2000 والمجلس الأعلى (الحكومة) - 85000 .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى