محطات من تاريخ (ثمود) .. رجال البادية ضربوا المثل على مستوى كل المجالات

> «الأيام» ناصر محمد المنهالي:

>
البحث عن المرعى في صحراء ثمود
البحث عن المرعى في صحراء ثمود
التدريب .. والرماية .. إن أبناء البادية غالبيتهم عسكر بجيش البادية متدربون على حركات المشاة والمهارات في المناورات العسكرية، سيرهم معتدل في حركة موحدة في المسار والاعتدال مع سرعة الدوران للخلف وكل الجهات بخطوة تنظيم، وحفرت عدة حفر أصبحت متارس في وضع الدفاع ومنها الهجوم عند أمر الخبر، وعند سماع الزيتي (تصفير ثلاث مرات بصفارة القائد) كلهم تجدهم بالزي العسكري المزين بالعمامة العراقية وفوقها العقال مع تاج الشعار لباس كل العرب، جاهزين بالعدة وكيس المعدات والبندقية مع ذخيرتها، خط أول وثان، والزمزمية فيها ماء وعند القنتي (طابور التحضير) تراهم كلهم حاضرين ماحد مهفس (غياب)، بهندام عسكري ومظهر جميل، قاماتهم متساوية الطول وذلك أحد شروط الانضمام.. ويحسنون تطبيق حركات الرياضة بالضمد والقفز لتجاوز خطوط الارتفاع مع الرمي باليد لقطعة ثقيلة من الحديد يتم دفعها الى مسافات بعيدة في التمارين، عند إجراء مراحل السباق ما بين الوحدات العسكرية حينذاك في حفلات السلطان القعيطي التي كانت تقام في ساحة قصره في المكلا والعروض عسكرية وعدة مسابقات منها رمي الاوزان الثقال.. أما في ميادين الرماية في المرمى في وضع صدري ومتركب مع سرعة مقام ضرب مجتمعين والارمور (مهندس سلاح) شيك السلاح، ماسحين النقطة في لمحة بصر (اصابة الهدف).

(الدرجة الاولى في التاكت.. الهدف العسكري) في كل خطوات المسافات (جيش البادية) متفوق في كل الرمايات وكذا العروضات أثناء المرشات العسكرية في الحفلات والمناورات على مستوى كل الوحدات العسكرية، هكذا هم رجال البادية ضربوا كل المثل على مستوى كل المجالات.. وبمواصلة التحصيل العلمي يصيرون علماء نابغين.

علم جيش البادية
فوق سارية علم جيش البادية أمام حراسة الجات في الميدان بمدينة المكلا ينتصب العلم عالياً مرفرفا في أجواء السماء بمعسكر قيادة الجيش المكون من الألوان الأبيض والأحمر، وعند بزوغ شروق الشمس يرفع العلم وعند غروب الشمس ينزل العلم من قبل احد جنود الحراسة بطريقة نظامية وبأسلوب تدريجي في الحركة عند الطلوع والنزول من كل يوم على حد سواء مع أداء التحية العسكرية للعلم من قبل طاقم الحراسة في الصباح والمساء من كل شارقة يوم وفقاً ومواعيد محددة ومضبوطة، والإشراف من قبل وكيل القوة وضابط النوبة، وعند التقصير أو كسر الامر في تلك المهمة أو أي مهام ليس هناك مجال للنقاش بل الحجز المباشر (الرست) مع التقديم للمحاكمة في وقفة عسكرية بالدريس العسكري بدون شعار الجيش، وتجري بسرعة المحاكمة بالغرامة (الخصم من الراتب) أو التنتيل (تنزيل الرتبة) أو الرفت البر طرف (الفصل من الخدمة) وذلك بحسب طبيعة المخالفة وحجمها، وتتم المحاكمة من قبل قائد الجيش حيث قال الشاعر:

اديناً التحية للعلم بكل شدة وعدة ** معنا جيش البادية من كل بدة

(من كل بدة: من كل قبيلة) بوقفة عسكرية في حركة تاهي (استعد) تراهم في قامة رفيعة بلغت كل المقاسات المطلوبة في هيئة مستقيمة ليسوا في حالة غضب بل بشاشة طبيعية متسمة بالرضا منبعها طباع العرب، في طابور واحد على خط مستوى القدم .. وبأمر عريف الخفرجنود حراسة الجات ادوا التحية بكتف سلاح لسعادة القائد والضابط سالم عمر، الله يرحمه والله يرحمهم جميعاً..عند التحية بشدة ضرب عريف الخفر ضربة واحدة بكف يده اليمنى على كرسي بريثن فجعلها في حطاماً وأصبحت البندقية (الشرفا) في خبر كان، كل قطعة منها في جانب، هذا الوصف المتقن أصله من زمان قد حدث وهذا كلام صحيح وليس مزايدة.. بالقوة العضلية والزند افتض عضاد الفضة الذي صنعه الصانع بحرفة صنع وذلك عند التحية بسلام اليد لقائد السرية مع ضابط الفئة وكذلك بالمثل عند التحية بقوة وشدة في حراسة المستشارية بالدريس الابيض بجات الحراسة بجانب مدفع قديم.

سباق الهجن.. المزاينة.. الأسفار
أما في مضمار سباق الهجن فان ابن الصحراء دائما مؤهل لنيل أولى مراتب درجات أشواط السباق.. لممارسته منذ العصور القديمة لهذه الرياضة العربية العريقة، متزودا بمعنوية عالية زادها الايمان.. كانه حائز على شهادة في مجال الإخلاص والشجاعة لتفوقه في مراحل نظام الذهاب والاياب.. لكونه شبّ خفيف الوزن رشيق القوام يتكيف بمهارة مع المد والجزر لعنان المطية، وإن خالف الهات خارج خطوط الإطار يتصرف بحنكة لضمان إعادته الى المسار دون تأخير في مسافات السباق، لكونه متسابقا متمرسا على ترويض مطيته حتى صارت ذلولا في أول رهان، متحملا كل المتاعب من اجل إبله المعتمد عليها في الحلّ والتنقل، وكذلك عنايته واهتمامه في المزاينة للتنافس في إظهار الخيارة من المطايا المرحومة عطايا الله منها: الرحيمة، وذات الحلوب، والراكضة المركوبة، والسريعة في الملز (السباق) وذلك عند سماعها الحداء (نوع من الغناء تساق به الإبل) وتسرع إذا حُدي بها أي إذا سمعت راكضها أو جمّالها في مراحل صعاب عند السفر للإبل الكواسب حاملات البهار، نازلات وطالعات، في طوال العقبات (عقبة العرشة) المطلة على وادي عرف وبالوصول إلى بندر سعاد (الشحر) يشتري الفصل (البضاعة المحلة على الركاب) من سوق الزبينة والركاب بركات في معاطين المحط بالقرب من سدة المدينة يستمع الى رغائهن.. وعند اكتمال الحمولة توضع الحقيبة (المزملة) فوق الكتب (الشد) ويتحمل الفصل بتساوي العدول على كل الجمال مع شد الحبال جيداً لتصبح كأوتار عود الطرب كي لا يميل الحمل الثقيل في أثناء السير، ومباشرة تقضي (تنهض) كل الركاب عند شد الرحال في اتجاة مسار طريق المرد وتجنيب الخطام (الزمام) بتسلسل لكل الركاب كأنهن رتل من أرتال استعراض مرشات المشاة.

البدو دائماً في دوام مع إبلهم التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من حياتهم امتداداً للتراث العربي العريق ذي الجذور التاريخية، تراهم مرتاحي البال لروعة خصائص الصحاري والرمال القاطنين فيها منذ القدم مع حبهم لذرات الرمال، مجسدين عادات وتقاليد اصلها من اصولهم، وإبلهم من اصول سلالة المنشأ لصحراء ثمود حفاظاً من الخلط في النسل صوناً للنسل الموصوف بوصف التمام في الزين والقوام، ونوقهم الواحدة تروي باللبن كثير من العربان حسب الاعتقاد بأن أسمها (سراب) من النوق الحمر والسود من أصل الحراير ومعهن الحزامي العدد في كثرة، مزكين عليهن عند بلوغ النصاب امتثالا لأمر الله عز وجل ورغبة منهم في العطاء، وهي سمة من سماتهم تميزوا بها، كما وأن عشائر البادية من السهل عليها فرز إبلها من الاخرى والكل يعرف إبله بدقة من خلال الوسم (العلامة المميزة للعشيرة من بطون البادية اصحاب الحلال).

وفي مسابقات تباري المزاينة لا تميز ملكة الجمال من بينهن.. هن من مخلوقات رب العباد ..كما أن الابل مذكورة في آيات القرآن الكريم.

ومن هنا ثمود سيرت القوافل تباعاً، عقبتها الانطلاقات عبر الصحاري والرمال متخاطرات، وتحققت بها جملة بطولات، وانتصرت بها دولة الإسلام في الفتوحات.

الوضيحي والظباء
(الوضيحي) والظباء من الحيوانات البرية التي تمتاز بوجودها صحراء ثمود وحيوانات الوضيحي (المها) مثلما قال الشاعر «صادتني عيون المها» تتميز بطبيعة جمال عيونها وقوام جسمها الممشوق واستقامة قرونها الطوال، وكذلك الضباء (الغزلان) الموصوفة برشاقة جسمها وخفة وسرعة حركتها وحساسية سمعها، ومنها فصيلة الريم المعروفة بسمنة لحمها مثلما قال الشاعر «يا ريم اليمن كم قد تعب منك كمين رامي» وهذه الحيوانات كانت موجودة في صحراء بشكل قطعان متعددة، ولكثرتها في ذلك الزمان كان من السهل على حارس الزام بمراكز جيش البادية - إن كان بمركز ثمود أو بمركز سناو قبل ما يكون في خبر- أن يصيد ببندقيته (البريثن) بطلقة واحدة أكثر من غزال وذلك في مرتع المرعى بين شجيرات السمر النابتة في نخاري ثمور أو في حرم البير بمعاطين الجمال بالقرب من شبك الحديد لمركز ثمود.. وكذا الحال بالنسبة لمركز سناو في ساحة المطار أو بالقرب من حرم بيرها (سناو).

الحباري والنعام
وكذا بالمثل تتميز صحراء ثمود بطيور الحباري التي في تتأرجح في سيرها وخطواتها في القيعان مع سرعة تحليقها في السماء مؤدية التحية بجناحها عند الفرار.. وكذلك طيور النعام الموصوفة بحفظ بيضها حيث إن رعاة الابل (المبلة) يتحصلون في بعض الاحيان على بيض النعام في مخابئ خفية في عروق شقاق الرمال.

أسباب الانقراض
بتعدد جملة من الطرق والوسائل في عمليات الاصطياد ومنها رمي الشباك عبر الجو من الطائرة على حيوان الوضيحي لصيده حياً آنذاك وكذلك استخدام الصقور المتدربة على صيد الطيور ومنها الحباري.. وكذا الطريقة العشوائية في الاصطياد دون تمييز بما فيها صيد اناثها، ولاستمرارية تلك السبل في الصيد دون الاهتمام .. وفي ظل عدم وجود نظام رادع لتلك الطرق، تسببت تلك العوامل في انقراض حيوان الوضيحي وما تبقى من حيوانات الصيد على وشك الانقراض، فقد أصبح من النادر الحصول عليها.

الجيب .. أول سيارات ثمود
إن مكافحة أسراب الجراد في الصحراء أحد عوامل قدوم أول سيارة لاندروفر (جيب) إلى ثمود مما حدا بالشاعر القول:

ما هو سواء ماتر القبطن

يمشي على رأس حبشية

بمعنى صادق يتضح بعدم الرضا بالاستعمار (حبشية قارة مرتفعة - جبل مرتفع - ويعتبر أعلى جبل بالصحراء وتوجد نخيل بواديها الواقعة جنوب ثمود) كما وأن ثمود اول منطقة من مناطق المحمية الشرقية التي كانت تشمل (سلطنة القعيطي والكثيري وبن عفرير ومناطق من سلطنة الواحدي) شهدت أعمال المسح والتنقيب عن النفط، حيث غنى المرحوم الفنان الكبير محمد جمعة خان أغنيته المشهورة ومنها:(يا حضرموت افرحي بترولنا باجي الفقر ولى وراح).

وكانت أول شركة عملت بثمود (شركة بي.سي.ال) للمسح والتنقيب عن النفط في فترة الخمسينات وكان مديرها المرحوم عبدالله حسن (ابو أنيس) من سكان مدينة عدن من ذوي الخبرة في مجال إدارة الشركات وأتقن أكثر من لغة، وفي تاريخ 8/7/1956م اصدر بتوقيعه أول شهادة تقديرية لعمال صحراء ثمود مضمونها (هذه بيد مرزوق العبد المنهالي اشتغل معنا لمدة تسعة أشهر سنة 1956م كمقدم على الكولية وكان شغلهم طيب جداً ودائماً مجتهدين ونشيطين في أعمالهم ونحن متشكرين جداً منهم وهذه الشهادة بيدهم والسلام).

أول حفار بالشرق الأوسط في صحراء ثمود
عقب انتهاء اعمال تلك الشركة في مجال الاستشكافات النفطية عملت بعدها مباشرة شركة بان امريكان في مجال التنقيب عن النفط بثمود في فترة الستينات، حيث عملت في مجال عملها من خلال تنقيب حفارها بوادي ترفات برماة شرقي ثمود والذي وصفته بعثة «مجلة العربي» في عام 1956م بانه أول حفار في الشرق الاوسط بصحراء ثمود بحضرموت، وكان وصول ذاك الحفار عبر الطريق الصحراوية وعند ملتقى الحدود في منطقة شحن الموجود فيها بئر ماء من مخلفات شركة بي سي إل وبراميل (رمز لنقطة ثمود ما بين المحمية الشرقية آنذاك وسلطنة عمان الشقيقة) وعلى خط الالتماس سلمت دورية من الجيش العماني الحفار ولوازمه إلى دورية من الجيش البدوي الحضرمي.. وكانت السرية الثالثة مشاة مكلفة من قبل قيادة جيش البادية بحراسة شركة النفط العاملة بثمود وكان قائدها العقيد محمد سالم بن مزروع الصيعري.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى