المحطـة الأخـيرة .. بالله عليك يا موزع شي معانا بريد؟ يوووه!!

> علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
يبدو أن البوسطجي (ساعي البريد) أو موزع البريد كما أسمته الفنانة الأصيلة السيدة نجاح سلام في أغنيتها اليمنية الشعبية التي لم تزل تشدو بها غير منقطعة:

بالله عليك يا موزع ** شي معانا بريد يووه

بريد من عند خلي ** وقلب خلي حديد يووه

والذنب ليس ذنب خليلها كما هي متصورة وكذلك ليس بذنب ساعي البريد، فهو لا حول له ولا قوة فيما يجري، وإنما ذنب البريد نفسه بعد أن كف الناس أو هم يئسوا كما يئس خليل الفنانة نجاح سلام ومعه أهلنا وأحبابنا المقيمون في الخارج، ومعهم من هم في مختلف المحافظات من أن يبعثوا برسائلهم ومراسيلهم إلى أهلهم عبر البريد وفضلوا إرسالها عبر المسافرين من أصحابهم ومعاريفهم إذ صار ذلك أضمن وسيلة وأوفر جهداً ووقتاً وانتظاراً وأريح بالاً. وبعض منهم جعل الفاكس وسيلته وكذلك حال البعض مع البريد الالكتروني عبر شبكة الانترنت. ولأن البريد قد اهتم في هذه الأيام بأنشطة أخرى أفقدته هويته الأساسية فصار يهتم بخدمات ليست هي من خدماته الأساسية في شيء تمثلت بصرف معاشات المتقاعدين - ودوره في هذه الخدمة كان يجب أن لا يتعدى توزيع الصكوك فقط، أما صرفها فله جهات أخرى كان حرياً بها القيام بذلك وهي المصارف على كثرتها - إضافة إلى قبول تسديد فواتير الكهرباء والمياه والهاتف، ثم تطور الأمر إلى بيع كروت تعبئة الهواتف الجوالة، ودفع رواتب الموظفين. ويبدو أن الرغبة والحماس يشتدان نحو تشجيع عدد أكبر من الدوائر الحكومية لتعهد للبريد بدفع مرتبات موظفيها نيابة عن أجهزتها المختصة لقاء أجر معلوم يتقاضاه البريد مما جعله يتناسي خدماته الأساسية ويولي عنايته واهتمامه لهذه الخدمات التي تكفل له ربحية مضاعفة من جبايات تأديتها.

والحق أن الحيرة عند الكثيرين بدأت تعلو تجاه هذه الفلسفة الجديدة بشأن دور الخدمات البريدية تلك التي كنا قد عهدناها صغاراً وعايشناها شباباً وترسخت في عقولنا وسلوكنا كمعلم من معالم مدينة عدن الحضارية، خاصة إذا علمنا أن نشاطها البريدي قد بدأ مع بدايات القرن الذي ولى. أما اليوم وبعد أن ولجنا في أتون الألفية الثالثة أقول إن تلك الخدمات الجليلة من بريد وتوفير بريدي قد طواها الزمن بأجمل ذكرياتها. فلقد كانت منازلنا ومحلاتنا مرقمة كما هو حال شوارعنا وحاراتنا وأزقتنا، فالقانون البلدي قد ألزم البلديات (آنذاك) بترقيم المساكن والمحلات كما هي الشوارع والأقسام وأقر عقوبة على من يطمس تلك الأرقام المطبوعة على المساكن باللون الأحمر من قبل الفني المختص في البلدية أما الشوارع وأقسام الأحياء فإن أرقامها التي تقع في بداية الشارع، كانت مطبوعة بمادة المينا على لوحة من حديد الصاج ومعلقة في زاوية واضحة منه والتي مازالت آثار بعضها قائمة حتى اليوم.. في حين أننا نجد أن رسائلنا اليوم على ندرتها وقلتها صار يكتب العنوان عليها: فلان الفلاني منزل بجانب بقالة علان العلاني، وتصوروا كم هو حجم المصيبة عند المرسل إليه لو أن البقالة أغلقت أو أن صاحبها غير اسمها.

وخاتمة الكلام أذكر بالعهد الذي مضى كيف كانت هيئة ومظهر ساعي البريد من حيث البذلة التي كان يلبسها والقبعة التي كان يعتمرها والأزرار النحاسية اللامعة على صدر قميصه وهو على دراجته الهوائية الحمراء بالسلة التي على مقدمتها.. فسقى الله أيام زمان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى