لحج .. مخيمات واستحقاقات خارج نطاق التغطية

> «الأيام» شكاوى المواطنين:

> ما بين مظلة تقي من هطول الأمطار في زمن ومكان الرفاهية.. وخيمة تأويك من نتائج هطول الأمطار.. هناك مسافة تبدو فلكية بوحدات القياس الاجتماعية والاقتصادية.. ففي مدن تغدو فيها المظلة جزءا من الشخصية وقطعة مكملة للباس، للأناقة، للموضة والاحتياط من تقلبات الطقس، بعد أن تكون ثقافتك قد فرضت عليك تتبع النشرة الجوية لتقي نفسك البلل أو الأعاصير.. هناك مدن أخرى لا يقيك فيها لا منزلك ولا حتى وطنك من سيول الأمطار والاعاصير.. وتفقد حينها في لحظة زمنية معينة وفي مكان ما الاثنين معاً.. لا يهم أن تكون انت السبب والمسؤول.. أم غيرك.. المهم اختزل تأريخك وجغرافيتك في خيمة.. لا تبدو مؤقتة ولا تبدو دائمة.. هنا الملجأ والمأوى.. ها قد وصلت إلى ما قبل النهاية.. في محافظة تبحث عن مستقبل بعد أن أعياها التعب.. تبحث عن لملمة لتبعثرها الجغرافي بعد عملية «قص» و«لصق» لبعض بعضها.. تحاول أن تبحث عن بقايا مجد مفقود في موقع ما لعل أحداً يستطيع بعثه.. أو يحاول.. لحج محافظة تهيم في «بحر بالأمواج غطاس» في أطرافها.. ومن هناك يغسلها بالماء والملح حتى الجبين.. لعلها تبدو نظيفه ذات يوم وتفيق من سباتها على ساحل بديع ما بين بحر ومحيط.. لعله يكون مستقبلاً منتجعاً لمدينة ساحلية قادمة من الخيال.. أو مبنية على سطح من بقايا الاحلام.. لحج كمحافظة يتربع جبينها على قمم جبال شاهقة ترقب بعينيها مجداً مفقوداً لعله يشع نوراً من إحدى تلك القمم أو ينساب يوما ما ريحاً من عطر فواح بين ضفتي الدلتا.. لحج كمحافظة رابضة على صفاف دلتا تترقب وتراقب وتتأمل خيارات محدودة جداً.. لاستحقاقات كبيرة جداً لا تقوى عليها.. وهذا بالتالي ربما يقصيها عن المنافسة أو التفوق.. لذا لا بد من إيجاد بدائل أو حلول أو مخارج ممكنة من هكذا وضعية.

لحج كمحافظة من أقصاها على السطح تموج بالسمك والصدف.. ومن أقصاها الآخر على القمة تنبت شجرة البن، وما بينهما في الوسط على الدلتا الرياحين والآمال.. في تنوع من التاريخ وتفرد في الجغرافيا وقليل من التمازج الاجتماعي وبعض من الاختلاف السياسي.. يتكرر دائماً في الحياة وكثيراً ما ينتج تقاليد وسلوكيات مرة.. وهذا ما يدعو إلى أهمية تقبل التعدد.. وإعلاء الدستور والقانون.. وضرورة احترام الآخر.. لتحقيق أحلام التعايش الاجتماعي النموذجي لمحافظة لا بد من أن تجمعها الأحلام والأهداف يوماً ما.. التي لعل بعضها يتحقق على يد قيادة جديدة ومتجددة.

مثلاً حلم إنشاء مدينة جامعية في محافظة لحج.. ذلك الحلم الذي يراودنا منذ زمن.. لعلها تجمع ما تفرق فينا.. أحلام بمخطط عمراني سكني لمدينة حديثة في تلك الارض الواسعة المعرضة للنهب والوهب ليل نهار.. أحلام أخرى باستعادة ممتلكات وحقوق بعض التجمعات السكانية المحلية التي يتم السطو عليها وتحويل ملكيتها بالتدليس.. وآمال بالإنصاف والعدالة في قضايا الأرض المعلقة.. أحلام أخرى بالاستثمارات لمحافظة تتسع مساحة وتنوعا لكنها تضيق تدريجياً على سكانها.. وعلى الباحثين فيها عن فرص استثمار .. فرص عمل.. وأحلام بتحسين أرض تبن الزراعية ومشاريع الري.. والتسويق لاستعادة أمجاد غابرة.. وأحلام أخرى بإحياء وتمجيد تراث جميل يكاد أن يندثر.. هذا بالإضافة إلى أحلام قديمة متجددة بالنظافة والضوء.. وأحلام أخرى بأن تهطل أمطار لا تنتصب بعدها خيام.. حيث مجموعة صغيرة من السكان تهاوت منازلها تحت ضربات قطرات المطر.. لتجد نفسها خارج نطاق تغطية الوطن.. تبحث عن وعود وأحلام.. تبحث عن «خارطة طريق» محلية أو دولية لا يهم.. تتعلق بالسراب.. لتجد نفسها في نهاية الأمر مرمية في أطراف المدينة.. على حصير الواقع المحشور في خيمة ناقصة الانسانية.. وتدمع العين حسرة وتألما على أشياء كثيرة ضاعت.. وذكريات كيف يمكن لأحد أن يتذكرها في ظلام أرخى سدوله حوالينا بأنواع من الهموم حتى وصل إلى النفوس.

على ماذا الدمع؟! على ما صار أم على ما يصير؟ أم على ما هو آت من مصير؟ قطرات من الدمع تتساقط لعلها تروي آمالاً يابسة.. أو أحلاماً كادت أن تجف.. أو لعلها تتجمع ذات يوم مثل الامطار سيولاً تغرق عروش التجاهل.. أو تجرف كراسي الإهمال.. من يدري!

مجموعة من السكان في لحج مازالت في انتظار الوعود.. أو عربات محملة بالهدايا.. الإنسانية الوطنية أو الإسلامية .. عربات لعلها تحمل بعضاً من أحلام معلقة.. أو قليلاً من المسؤولية.. لكن يبدو أن عجلات القطار قد داست على أطراف أصابعهم الممدودة للابتهال والسؤال.. لتتناثر قطرات الدم على قضبان الارض تلون واقعنا وعجزنا.. لنبلع المأساة حتى الأمعاء.

مجموعة من السكان في مخيمات لمدينة أرهقها النسيان.. ترنو ما بين واقع مثقل بالفقر والهموم.. وآمال أخف من أن تحمل مثل أقل التعويض الممكن.. أو ادنى السكن الممكن.. كحقوق للإنسان.. أو احتياجات اساسية.. أو حتى حقوق مواطنة.. لا يهم .

وأخيراً كانت تلك جملة من الأهداف والأحلام كاستحقاقات تبدو مؤجلة إن لم تكن مفقودة لجيل من ابناء المحافظة هام بها زمنا ثم فشل أو عجز عن الايفاء بأسسها.. ثم ناء بحملها ليرميها لجيل آخر قادم من كهوف الاحباط وربما لا يقوى حتى على الحلم بها، ناهيك عن تحقيقها.. وفي مرحلة الترنح هذه نأمل أن تتلقفنا أياد قادرة على انتشالنا وضخ بعض من الدم والاوكسجين فينا.. لإنعاش أحلام خاملة لعلها تغدو مشاريع استراتيجية تخلّد من يقومون بها.. أو يحاولون حتى تحقيق بعض منها ولو تدريجيا.

حسن علي كندش

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى