الرأي العام اليمني والانتخابات

> «الأيام» عبدالله ناجي راشد:

> مما لا شك فيه أن مصطلح الرأي العام قد أصبح مفهوماً واسع النطاق والتداول اليومي لتقييم الأحداث يتردد دائماً على ألسنة القادة والكتاب والصحفيين والساسة ومحللي الأحداث الاجتماعية والسياسية والعاملين في مختلف وسائل الإعلام.

وليس غريباً أن تعطي السياسة الدولية والساسة المعاصرون أهمية كبيرة لمعرفة الرأي العام واتجاهاته ومكوناته لكونه أضحى قوة فعلية تتحكم في مجرى العديد من القضايا الدولية والمحلية، وأصبح قوة فعلية تبني الشهرة والعروش أو تهدمها، وهو الذي بإمكانه أن يصنع القوانين أو يلغيها، ولهذا أصبح الساسة المتعقلون يخشون السباحة عكس تيار الرأي العام حتى وإن كان لا يعجبهم، فهم يخشون مواجهته ويحبذون السعي إلى تعديله أو التأثير عليه بمختلف الأساليب والطرق.

وللخوض في ماهية الموضوع تجدر بنا الإشارة إلى التعريف بماهية الرأي العام وأهميته بالنسبة للسلطة والجماهير الشعبية.. فالرأي العام له تعريفات عديدة ومختلفة من وجهة نظر المفكرين والمتخصصين في هذا المجال، غير أنه يمكن تعريفه بأنه عبارة عن الرأي السائد بين أغلبية الشعب الواعية في فترة معينة بالنسبة لقضية أو أكثر يحتدم فيها النقاش وتمس مصالح أو قيم هذه الأغلبية مساً مباشراً. وانطلاقاً من التعريف السابق نستشف أن هناك أهمية كبيرة للرأي العام سواءً للسلطة أو للجماهير الشعبية.

فبالنسبة للسلطة نلاحظ أنها تحاول التأثير على الرأي العام وكسبه إلى صفها لغرض تعزيز سلطاتها وتعزيز شرعيتها، ويهمها الرأي العام لقضايا تهم أمنها وسلامتها ومعرفة ما قد يهددها ويهز كيانها، كما يهمها ذلك لمعرفة الرأي العام حول ساسة الدولة وعمل مؤسساتها ومستوى رضاه عنها بما يعزز تلك السياسات أو تعديلها. أما بالنسبة للجماهير الشعبية فتكمن أهمية الرأي العام في أولاً: وقف طغيان وظلم السلطات الحاكمة وتجاهلها لمصالحها الشعبية.

وثانياً: المحافظة على السيادة الشعبية والسعي لتعزيز مستوى المشاركة الشعبية في إدارة سياسة ومؤسسات الدولة والقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

ثالثاً: مواجهة الحرب النفسية وحركة التضليل الاعلامي التي قد يتعرض لها المجتمع وتحاول تجهيله وإبعاده عن همومه وقضاياه اليومية والمستقبلية.

وفي ضوء ذلك نجد أن السعي للسيطرة على الرأي العام وتوجيهه هو محور نشاط السلطة والأحزاب السياسية، رغم الهوة الكبيرة في مستوى امتلاك وسائل الاتصال والدعاية والتأثير بين السلطة والمعارضة (الأحزاب السياسة) في بلادنا.

وبرغم أهمية الرأي العام في تحديد سياسات المستقبل نجد أن هناك تهميشاً متعمداً ونكوصاً من قبل السلطة في تجهيل عملية الاستطلاعات لقياسات الرأي العام حول العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية بما فيها الانتخابات، وفي الجانب الآخر هناك حواجز على مظاهر التعبير للرأي العام المتمثلة في الطرح العلني لقضاياه من خلال وسائل الاعلام والاحتجاجات والمسيرات والمظاهرات ومختلف وسائل التعبير الأخرى. وبرغم أهمية استطلاعات الرأي العام وقياسه حول أهمية العملية الانتخابية ونتائجها نجد أن هناك عدم رغبة في إجراء أي استطلاعات علمية محايدة حول الانتخابات ومستويات التوقعات حولها.

وبحسب رأي رائد حركة الاستطلاعات (جالوب) إن نقطة الضعف الواضحة حالياً في الحكومات القائمة على الرأي العام هي صعوبة التحقق من هذا الرأي العام .. أي أنه حتى ممثلو الشعب في هذه الحكومة خلال الفترة السابقة لم يتجاوبوا بأسلوب صحيح مع رغبات الجمهور واحتياجاته، وبحسب رأيه بأنه بدون التعبير المباشر عن الرأي العام في الحكومة فإن الديمقراطية النيابية ستنحدر إلى حكومات تسيطر عليها شخصيات ونخب وهذا فعلاً ما هو حاصل في واقعنا اليمني، فلو سألنا مثلاً أحد نواب الشعب عن معرفته لناخبيه ومشاكلهم ومستوى التزاماته لتعهداته أمام ناخبيه، نجده لا يعرف غير أسماء محددة من ذوي الوجاهات والمصالح والنخب ولا يعرف حقيقة هموم ومشاكل من انتخبوه في صناديق الاقتراع من الطبقات الدنيا والمتوسطة، وهذا بحد ذاته يعبر عن هامشية التمثيل، وضعف القوانين المنظمة لمحاسبة المقصرين أمام ناخبيهم، وكذا سلبية وسذاجة أعداد كبيرة من الرأي العام في عدم تقديرها ثمن صوتها وما تترتب عليه من مسؤوليات سلبية أو إيجابية في انتخاب الممثلين إلى السلطات التمثيلية، وهذا بحد ذاته يعبر عن ضعف في أهلية الرأي العام وعدم وصوله إلى مرحلة النضج الواعي لصنع القرارات والتأثير على مجرياتها وعدم تدرجه بمراحلة الثلاث الخاصة بصناعة الرأي العام وصولاً إلى درجة صنع القرارات والتأثير عليها، ولا أحبذ الخوض في أهمية الاستطلاعات وقياسات الرأي العام الغائبة في بلادنا والتي تعبر بدورها عن غياب لرؤية منطقية تضع الحسابات للرأي العام وتتجه باتجاهه ولا تعارضه حتى لا تسبح عكس التيار الذي دون شك سيتقوى وقد يصبح سيلاً جارفاً يشق طريقه في عرض الصحراء في مجرى يصنعه بذاته. ولكني هنا أحبذ أن أشير إلى أهمية أنواع الرأي العام التي ستتحكم بطبيعة العملية الانتخابية القادمة، والتي على أساسها قد يمكن أن نضع بعض الاستنتاجات التي يمكن لها أن تكون مقياساً للرأي العام في الانتخابات القادمة ومنها:

1) الرأي العام المؤقت: والذي ينشأ نتيجة ظروف آنية وفترة زمنية محددة والتي تتمثل في مرحلة الانتخابات، وهذا الرأي يتمثل بأغلبية واسعة من الرأي العام اليمني بمختلف اتجاهاته ومشاربه، أي أن هناك رأيا عاما واسعا مؤيدا للمشاركة في الانتخابات، وهذا ما سيجعل الانتخابات القادمة أكثر مشاركة من سابقاتها بالنسبة للانتخابات المحلية والرئاسية، وسيكون للرأي العام دور فاعل في توجيه العملية الانتخابية وحسم نتائجها وفقاً لاتجاهاته ومساراته في الشارع اليمني.

2) الرأي العام القائد: ويمثل هذا النوع صفوة المجتمع من القادة، وهؤلاء نسبتهم قليلة في المجتمع غير أنهم يمتلكون وسائل التأثير الخاصة بوسائل الإعلام والاتصال الجماهيري والذين بدورهم من خلال هذه الوسائل قد يمارسون تأثيراً مباشراً على الرأي العام المنقاد أو الرأي العام السلبي الذي يمثل السواد الأعظم من الأميين والذين نالوا حظاً ضئيلاً من الثقافة وغير القادرين على قراءة ما بين السطور وبواطن الأمور، وغير القادرين على البحث والاطلاع والتقييم.

غير ان هذا الرأي ووسائله قد أصبحت أقل تأثيراً وفاعلية بحكم محاكاة الواقع وعدم تطابق الدعاية مع الواقع، وبحكم أن الدعاية غير المنطقية في وسائل الاعلام عن مشاكلهم التنموية قد انقلبت إلى دعاية سلبية بحكم زيادة الجرعات الدعائية حسب نظرية (ولبورم شرام) ولهذا نلاحظ إن كل ما يملكه السائرون في فلك هذا الرأي هو الانفعالات والعواطف التي قد تنفجر في لحظة من اللحظات دون تمييز بين الصالح والطالح وهذا ما لاحظناه من مظاهرات خلال فترة ارتفاع الأسعار.

3) الرأي العام الكامن: وهو رأي عام يمني واسع متعدد الاتجاهات راغب في التغيير، وهو عبارة عن مشروع اتجاهات لم تتبلور بعد وسيظل كامناً (مستتراً) غير ظاهر لأسباب سياسية واجتماعية نتيجة الخوف من التعبير عن آرائه بشكل علني عبر وسائل الإعلام والمهرجانات والمظاهرات والاحتجاجات السلمية، ولا يمكن له الظهور إلا بزوال الأسباب التي جعلته كامناً، غير أنه قد يتحول إلى همسات ما تلبث أن تنفجر وتتحول إلى قوة هائجة وخاصة عندما تفشل الأجهزة في تعديله والتكيف معه حتى لا يتحول إلى رأي عام ظاهر يعبر عنه بالوسائل السلمية أو غيرها علناً. وهذا الجانب يمثل قطاعاً واسعا من الاحزاب والقطاعات الشعبية بما فيها قيادات في أجهزة السلطة ومؤيدوها الذين يخافون من الإعلان عن آرائهم وقناعاتهم خوفاً من العقوبات أو الإقصاء أو فقدان المصالح.. وقد يفسر الرأي العام الكامن بما جرى في الانتخابات الفسلطينية والمصرية.. أو أوكرانيا وغيرها.

4) الرأي العام الآخر والاهم وهو الرأي العام الائتلافي، والذي تكون لأول مرة في بلادنا ممثلاً في تكتل اللقاء المشترك والذي يعتبر المعادل الرئيسي والمسيطر على أغلبية واسعة من الرأي العام بما فيها الرأي العام الجهوي والقبلي الذي أصبح مطالباً بالتغيير، وقد تشكل هذا التكتل لتحقيق أهداف معينة خلال فترة معينة متمثلة في الانتخابات ودخوله بمشروع برنامج مشترك، وقد يظل هذا التحالف متماسكاً بعد الانتخابات أو يزول بعد تحقيق المهام المتمثلة بالانتخابات والظروف الداعية إلى تشكيله، ويمثل هذا التكتل المرحلة الثانية من مراحل صناعة الرأي العام الهادف للوصول إلى صنع القرارات وتعديلها.

ونتيجة لتأثير هذا الرأي وفاعليته في الوسط الشعبي نلاحظ أن هناك خوفاً كبيراً من إجراءات استطلاع لقياس الرأي العام قبل الانتخابات، وإن أجريت بعض الاستطلاعات بطرق اجتهادية غير علنية فستظل نتائجها غير معلنة خوفاً من تأثيرها على الرأي العام قبل الانتخابات.. وقد لاحظنا خلال الفترة السابقة بعض الاجتهادات بهذا الخصوص غير أن نتائجها قد تعرضت للتشهير والتحريف والاتهام بعدم الحيادية، غير أنه بدون شك من خلال التعرف على أنواع الرأي العام السائدة والعمل على دراستها وتحليل اتجاهاتها وعوامل مكوناتها يمكن لنا الوصول إلى نتيجة نسبية حول قياسات الرأي العام في الانتخابات القادمة.

غير أنني أحب أن أشير هنا إلى أن الرأي العام اليمني عموماً مازال يفرض عليه التهميش بعدم تمكينه من الحصول على المعلومات وحرمانه من وسائل ومظاهر التعبير ومحاربة المصادر التي تساعده في الحصول على المعلومات والمعرفة الصحيحة عن طبيعة الواقع ومشاكله.

ولهذا نلاحظ أن المعركة تجري من أجل المعلومات والمعرفة بين الجمهور الذي يريد المعلومات وبين من يملكون السلطة ولا يريدون له الحصول على هذه المعلومات، وليس هناك سر في أن الكثير من أعضاء مجلس النواب يجهلون الكثير من المعلومات عن اقتصاد والبلاد وغيره من الأمور.وتتلخص هذه الفكرة أن سرية المعلومات وحكر تداولها تعرقل التثقيف السياسي للمجتمع وهو ما يجعل الخيارات الانتخابية والوصول إلى هيئات صنع القرار والتأثير عليه عديمة الوضوح بالنسبة للجمهور غير أن محاكاة الواقع وانتشار مظاهر الفساد والافساد قد تكون المعلومات الاساسية المحفزة على جعل الأصوات هي من توصل إلى صنع القرار.

وبهذا الخصوص يقول (جيمس ماديسون) أحد آباء الدستور الأمريكي: «إن حكومة شعبية بدون معلومات شعبية أو وسيلة للحصول عليها لا تعدو أن تكون توطئة لمهزلة أو مأساة أو كليهما معاً».

إن المعرفة سوف تهيمن على الحبل إلى الأبد والشعب الذي يريد أن يكون سيد نفسه يجب أن يسلح نفسه بالقوة التي تأتي بها المعرفة. ولهذا لا بد لأي سلطة شعبية أن تتيح للرأي العام فرصة الاطلاع على المعلومات بدون عوائق. ولذلك لا بد من حماية المصادر الصحفية والمعلوماتية الكاشفة عن الفساد وتخلي الأجهز عن ممارسة الترهيب والترغيب للكتاب والصحفيين والمثقفين ذوي الأراء المستقلة، وأن تبتعد عن أساليب الحجّاج في القيادة (سيف المعز وذهبه). ولكي نتمكن من صناعة رأي عام يمني واع لمصالحه وقضاياه يعبر عنها في الانتخابات القادمة وتمكنه من الوصول إلى صناعة القرار فإنه لا بد من زيادة الوعي الجماهيري من خلال المعلومات لطبيعة الهموم والقضايا الآنية والعاجلة التي يفترض أن تكون حجر الأساس لإحداث تغيير اجتماعي وتلك هي المرحلة الأولى من مراحل صنع القرار.

أما المرحلة الثانية فتتمثل في شق الطريق والتي يتهيأ فيها الناس لتغيير مواقفهم السلبية السابقة، ومشاركتهم الواعية في الانتخابات والتحكم الايجابي بأصواتهم بما يتوافق ومصالحهم بعيداً عن أساليب البيع الرخيص للأصوات والإرادة والحقوق.. وصولاً إلى المرحلة الثالثة: مرحلة التصميم التي تتحلى فيها الجماهير بالقدرة على إزالة الغشاوة السلبية واللا مبالاة في تفكيرهم وأن يخرجوا عن ترددهم وأن يقدروا ثمن وثقل أصواتهم وإن يهيئوا أنفسهم لواقع قد لا يحبونه أبداً ولكن طبيعة التغيير تلك تحتاج إلى اتخاذ القرارات الصعبة في المواقف الحاسمة مهما كانت نتائجها.

وبما أننا على أعتاب الانتخابات وبحاجة إلى تعزيز مداميك البنى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة فإنه لا بد من توفير الأجواء المناسبة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة يعبر فيها المواطن اليمني عن كامل خياراته في اختيار مرشحيه والعمل على احترام الدستور والقوانين المنظمة للعملية الانتخابية، والعمل على توفير الأجواء المناسبة للرقابة الدولية والمحلية ومنظمات المجتمع على الانتخابات، والعمل على الالتزام بميثاق الشرف بين السلطة والمعارضة بخصوص الانتخابات حتى نؤسس بشكل عملي لديمقراطية حقيقية وتداول سلمي للسلطة.

باحث في قضايا الرأي العام

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى