قبل أن «يروّح» البلد..عمنا منصور في طريق خطر

> «الأيام» فضل علي مبارك:

> كان أول من تغنى بالوحدة أيام التشطير، زمن أن كان الحديث عنها على استحياء، جهر بصوته معبراً عن رأيه بينما الكل يخفت صوته خشية العقاب.. باسم عدن الثورة تغنى وأنشد.. ولصنعاء الحضارة والتاريخ هتف وغرد.

وكان للحب وليالي الشوق والاشتياق والوصال نصيب الأسد من ابتهالاته.. جأر بشكوى العشق والعاشقين من نار الغيرة ولوعة الفراق.. حمل أنات المحبين.. وتوجعات لياليهم بمناجاة القمر.. وحولها ورداً وعطراً وبشرى أمل بالوصل واللقيا، ونثرها آيات حب فرجت أساريرهم.

ظل طوال أكثر من خمسة عقود يحمّل قلبه المتعب فوق طاقته مما لا يحتمل من هموم وآلام غيره التي ناءت بحملها الجبال.. كان يشعر أن واجبه كفنان أن يخفف آلام الآخرين ويداوي أوجاع غيره.. فقدره أنه فنان عليه أن يزرع البسمة في شفاه الآخرين.. أن يتوجع حتى يسعدوا.. أن يبادل أنين المحبين والعاشقين ومعاناتهم برصيد من عطاء قلبه وروحه وإبداعه ليخلق أمامهم بريق أمل في درب الحياة.

قدم ما عليه.. ولا يقوى الإنسان على العطاء بلا حدود.. فلكل امرئ طاقة محدودة.. واليوم عندما (نخ) لم يلتفت إليه أحد، بقي لوحده حوله سراب في غرفة واسعة بمستشفى الشهيد باصهيب في عدن.

ذلكم هو الإنسان - الفنان محمد علي الميسري، طريح الفراش اليوم، الذي يئن من أوجاع غيره الذين استنزفوا فرحه وغدا رصيده ألماً ووجعاً.. ويداً ممدودة تبحث عن رد جميل.. وأذناً مشنفة تنتظر سماع كلمة سؤال.. وقلباً ينفطر ألماً..

راضياً مرضياً قنوعاً بما قدم.. وإن كان حلت به غصة ألم وتجمدت في مآقيه دمعة حزن وبعض من حسرة على (ظن) بأن عطاءه ذات يوم، ذات عقود .. سوف يشفع له على الأقل ليس ثمناً.. معاذ الله أن يكون هذا الصنف يطلب الثمن، لكن من باب الوفاء على أقل تقدير.

كنت قبل نحو ربع قرن من الزمان تعرفت ذات يوم بالفنان محمد علي الميسري وفق فرصة سعيت وخططت لها كثيراً وتوطدت العلاقة إلى مرحلة أعتز بها كثيراً.. وكنت طوالها كلما التقيه أو تحاورنا بالهاتف أبغض صديقي اللدود هذا على حاله.. كانت الابتسامة لا تفارقه وبشاشة الروح النقية المتميز بها تضفي على محياه نوراً وتفاؤلاً فيما كان قلبه يعتصر ألماً ويُحاصر بالأوجاع.. وجسده يزداد نحولاً.. يرفض أو هو لا يجيد الشكوى فلم يتعود سوى على البذل والعطاء دون منة أو انتظار جزاء أو شكور.

وحتى عندما (عانده) الهيكل الوظيفي - بفعل متعمد - في فصل من فصول الظلم الذي لحق به طوال حياته العملية أبى أن يستغيث أو يتظلم بحق يطمسه آخرون عنوة.. وحينما اشتدت عليه ظروف الحياة وقسوتها.

فضل أن يعمل محاسباً في مطعم - وهو صاحب الشهرة - على أن يمد يده أو يجلس القرفصاء على باب محافظ أو وزير.. أو يبيع موقفه أو فنه لينال (ظرفاً) أو شيكاً.. وما أسهل ذلك.

وحتى وهو على فراش المرض يصارع آلامه، فهو يقاوم.. بقلب كبير أحب الحياة والناس وزرع في حديقتها بسمة صافية كبيرة.

هؤلاء.. فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الوزراء عبدالقادر باجمال، وزير الثقافة خالد الرويشان، محافظ أبين فريد مجور، وزير الصحة د. عبدالكريم راصع..

وصف طويل من أصدقاء الميسري ومحبي فنه، هؤلاء بمقدورهم أن يعملوا الكثير والكثير، ولن يلومهم أحد بقدر ما ينالون ألواناً من الثناء والتقدير لأنهم قدموا لإنسان يستحق، وأنقذوا حياة صاحب مسيرة معطاء، ولو على سبيل مكافأة نهاية الخدمة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى