عتمة .. المحمية الطبيعية والسياحية سحر الطبيعة وعظمة الإبداع وهبة الخالق

> «الأيام» فؤاد النهاري:

>
حصن الذاهبي
حصن الذاهبي
تقع مديرية عتمة في الجنوب الغربي من العاصمة صنعاء على بعد حوالي 158كم، وتتبع محافظة ذمار، وتقع في الجزء الغربي منها على بعد نحو 58 كم من مركز المحافظة، ويحدها من الشمال آنس وجبل الشرق والسلفية، ومن الجنوب القفر، ومن الشرق مغرب عنس، ومن الغرب كسمة ووصاب العالي.

وتنقسم إلى خمسة مخاليف هي: مخلاف حمير، مخلاف السمل، مخلاف رازح، مخلاف بن بحر، ومخلاف سماه، وتبلغ مساحتها نحو 460 كم2، أما عدد السكان المقيمين فيبلغ 145.182 نسمة (67.610 ذكور، 77.572 إناث) حسب النتائج الأولية لتعداد 2004م وتقع بين خطي طول 43.50 و 44.5 وخطي عرض 14.20 و35.14.

وقد أعلنت مديرية عتمة محمية طبيعة في العام 1999م بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 137 لسنة 1999م.

الماء والخضرة والوجه الحسن
عتمة.. مديرية حباها الخالق بالماء الذي تشاهده يرشح من كل جبل وتل، مشكلاً شلالات جميلة يتدحرج عذبا صافياً، بين أدغال الأشجار والأحراش، وفي المدرجات الزراعية.. تجد نفسك تعيش في منتجع سياحي لم يستغل بعد ويغفل الكثير عن زيارته.. منذ أن تطأ قدماك عتمة ستدرك أنك فعلاً في عتمة بالحدس والبصيرة، لأنك بمجرد خروجك من مديرية مغرب عنس (شرق عتمة) ودخولك أرض عتمة ستجد الفرق عندما تواجهك المدرجات الزراعية والمرتفعات الخضراء وشلالات المياه والمنازل المطلية بالطلاء الأبيض.. ممتعاً ناظريك بمشهد خلاب ومنظر جميل جل من أبدعه من مشهد يسر الناظر ويجبر الخاطر ويريح الفؤاد ويزيح عنه كل الهموم والأثقال، وأينما يممت وجهك فسترى الإبداع الإلهي: المدرجات الزراعية تطوق خواصر الجبال بالخضرة والجمال، والأشجار المتنوعة (تتمشقر) الجبال والروائح العطرية تفوح بأجمل الرياحين.

بواسطة سيارة صالون تستطيع التنقل هنا وهنالك بين جنبات عتمة المحمية الطبيعية والمنطقة السياحية الأولى بمحافظة ذمار، التي تجبرك مناظرها على التوقف مرات عديدة لتسجيل صور ذهنية أو حتى فواتغرافية لجمال هذه الطبيعة الساحرة .

خلال شهري أغسطس وسبتمبر تكون عتمة مكسوة بأجمل الكساء ومتزينة بالورد والفل والزهر والرياحين، ومتعطرة بروائح النباتات الطبية والكريمة والنادرة.. وخلال هذين الشهرين تحديداً تزداد حركة السياحة إلى عتمة.. حيث يؤمها الكثير من الزوار المحليين أو من المغتربين أو الأشقاء القادمين من دول الجوار لقضاء إجازاتهم.

عتمة.. محمية طبيعية
مما ساعد كثيراً في التعريف بعتمة، هو إعلانها محمية طبيعية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 137 لسنة 1999م، وذلك نظراً لاعتدال المناخ وتنوعه فهو بارد في الشتاء ومعتدل في الربيع وبداية الصيف ودافئ صيفاً في قيعان الوديان، وتتميز بارتفاع معدلات سقوط الأمطار السنوية ووجود الكثير من العيون والغيول والينابيع، ويشكل الغطاء النباتي نحو 90% من إجمالي مساحتها، حيث تمثل المدرجات الزراعية الجبلية نحو 60% والباقي تغطيه الأحراش والغابات والمراعي الطبيعية، ومن ضمنها الأشجار المعمرة والنباتات الطبية والعطرية.. كما تتميز عتمة بوجود الحيوانات والطيور النادرة، كل ذلك جعل من عتمة منطقة متميزة ومتفردة، وسهل كثيراً التعريف بمحمية عتمة الطبيعة والسياحية من خلال الاستطلاعات الصحفية والمقالات والفلاشات التلفزيونية وبالتالي استطاعت الخروج من حصار التهميش إلى رحاب واسعة من الإعلان والترويج، ويعول عليها الكثير خاصة إذا ما استغلت الاستغلال الأمثل من قبل الدولة والمستثمرين من خلال تنفيذ مشاريع استثمارية سياحية كالفنادق والمنتجعات والمتنزهات وتأهيل المنطقة وبما يتناسب مع خصوصيتها ويساعد على الحفاظ على البيئة نظيفة وسليمة من الخدش والتشويه.

المجمع الحكومي بالمديرية
المجمع الحكومي بالمديرية
الاستثمار السياحي
خلال جولتي في عتمة التقيت بالكثير من أبناء المنطقة، ومن ضمن من التقيتهم الأخ الشيخ نجيب عبدالواحد صلاح، نائب المحافظ أمين عام المجلس المحلي للمحافظة، الذي أكد أهمية تأهيل المحمية الطبيعية والمنطقة السياحية (عتمة) من خلال استكمال البنية التحتية وتوجيه الاستثمار السياحي إليها.

مشيراً إلى أن المجلس المحلي للمحافظة وضع نصب عينيه أن يكون للمحمية نصيبها الوافر والمتناسب مع طبيعتها، وذلك بالتركيز على أهمية إيصال الكهرباء إلى جميع قراها، كما أن طريقين اسفلتين يمران بالمحمية: الأول طريق مدينة الشرق- الدليل، ويتوسط عتمة من الشمال إلى الجنوب ويعتبر جاهزاً، والآخر طريق ذمار - الحسينية الجاري العمل فيه حالياً ويتوسط عتمة من الشرق إلى الغرب، وأعتقد أن هذين الطريقين سوف يسهلان إلى حد كبير عملية التنقل وحركة السياح والزائرين وسيساعدان على مواصلة الجهود لتأهيل المحمية.

وأشار إلى أن أبناء مديرية عتمة والسلطة المحلية بالمحافظة يعملون على الوصول بمحمية عتمة إلى مصاف المحميات المتميزة والمناطق السياحية الأولى الجاذبة لآلاف السياح.

وقال: نحاول جذب الاستثمار السياحي إلى منطقة عتمة بإقامة منشآت سياحية تساعد على جذب واستقطاب كل من يريد الاستماع بالمناظر الخلابة مع التركيز على أهمية الحفاظ على البيئة.

جبل برّه .. إلهام الشعراء
الآن نحن على مرتفع جبل برّه في مخلاف سماه.. أوقفنا السيارة ونزلنا على جانبي الطريق.. هواء نقي يدغدغ بهدوء وعذوبة شغاف الروح.. ويطلق للخيال العنان، يحلق بالروح في عنان السماء، دفعة هواء واحدة تستنشقها تعيد لروحك النشاط والحيوية، وتمحو ما علق بذاكرتك من هموم ومشاكل، تخفف عنك عناء الصعود والهبوط في الطريق الجبلي، تنسيك جميع الهموم والأحزان إن كنت مثلي مهموماً أو حزيناً.

يقول مرافقي: في هذا المرتفع الجميل توقف ذات يوم الشاعر العربي السوري سليمان العيسى متأثراً بروعة المكان، نظم قصيدة جميلة تصف جمال وبهاء عتمة.

ويضيف: شعراء كثيرون وصلوا عتمة وتأثروا بمناظرها وجمالها فنظموا قصيدا معبراً ومنهم د. عبدالعزيز المقالح وعبدالله هاشم الكبسي.

ذروان .. عطاء وتكافل
عند منتصف النهار كنا في قرية (رحب) التي يتوسطها حصن قديم يسمى (ذروان) ويرجع بناؤه حسب الأهالي إلى مئات السنين، وله مكانة حربية قديمة يحكي عهداً جميلاً مرت به المنطقة في غابر السنين، رغم ظهور بوادر تهالكه، نظراً لعدم صيانته، وهناك تحدث إلينا الأخ عبدالله الغابري الذي يرأس جمعية ذروان الاجتماعية الخيرية، والذي قال لنا إن جمعيته دأبت على تنظيم مهرجان سنوي يتم فيه إقامة دورات تدريبية ومحاضرات تثقيفية شاملة، ويختتم بحفل زفاف جماعي لعدد من الشبان. ويضيف:«من خلال هذه الأنشطة نحاول أن نقدم شيئاً لمنطقتنا الجميلة في حدود قدراتنا وإمكاناتها.. وأستطيع القول إن الجمعية قدمت معونات متنوعة استفادت منها نحو 400 أسرة ووزعت 300 حقيبة مدرسية مع الزي المدرسي في مختلف مدارس المنطقة، كما نفذت مشروع مياه العزلة والقرى المجاورة لها، ومشروع خزان مياه الهجرة والذب والقسعى ومشروع طريق الستة كمة الزيلة فضلاً عن دورات التدريب والتأهيل لأبناء المنطقة من الطلبة والشباب».

بادرة طيبة تمتاز بها هذه المنطقة تجلت من خلال التكافل الاجتماعي والإنساني النبيل بين أفراد المجتمع، تبعث السرور وتؤكد مدى أهمية تكاتف الجهود وصهرها في بوتقة واحدة تؤدي إلى تحقيق شيء ملموس ينتفع به الناس، ويحققون مصالح مشتركة.

نحالون متنقلون
نتجاوز رحب عبر الطريق الرئيسي المعبد نحو مركز المديرية( الربوع)، وما من منظر خلاب يأسر أنظارنا، حتى نفاجأ بآخر أجمل.

على الطريق تشاهد تجمعات متفرقة هنا وهناك، لخلايا نحل رصت بكثرة وبشكل مرتب تعزف موسيقى عذبة، وهي رايحة وغادية تمتص أريج الزهر وتجني من أطيب الثمار، لتخرج من بطونها بعد ذلك شراباً فيه شفاء للناس.

عندها سألت رفيقي ابن عتمة عن سر انتشار وكثرة هذه المناحل على جنبات الطريق والمدرجات الزراعية فأفاد بأن غالبيتها هي لأناس قادمين من خارج عتمة، ولأنه موسم تزهر فيه جميع الأشجار فهم يقومون بنقل النحل إلى عتمة حتى تجني وتنتج أكثر.

وقال إن صاحب النحل يتفق مع أحد الرعية على تأجيره قطعة أرض ينصب فيها خيمته ويضع إلى جانبها رصة النحل، ويبقى لصيقاً بها وعند انتها الموسم يغادر إلى مكان آخر.

أطفال يمرحون بشلالات المياه
أطفال يمرحون بشلالات المياه
إسفلت.. وغاز طبيعي
بعد الطريق المعبد يستقبلك طريق إسفلتي، وهو الطريق الذي يربط مدينة الشرق التابعة لمحافظة ذمار بمنطقة الدليل التابعة لمحافظة إب ويتوسط عتمة من الشمال إلى الجنوب. دقائق معدودة تحط رحالك بالحكومة -هكذا يسمونها - أو المطرح وبالأصح وحسب التسمية الرسمية (مركز المديرية الربوع)، وهناك تجد معظم الخدمات: كهرباء -لا أدري إن كانت عمومية أم من مولد خاص- مراكز اتصالات ومطعم وبوفيه.. وحتى مكتب محاماه. وايضاً ستلاحظ أن الدولة قد وفرت معظم الخدمات: سنترال الهاتف الثابت ومدارس ومستوصف يؤمل ترفيعه إلى مستشفى ريفي، ويجري العمل حالياً في تشييد مبنى للمجمع الحكومي للمديرية.

وأنا أجول بناظري في هبة الرحمن بعتمة: الخضرة، السحر، الجمال، كثافة الأشجار، كان لابد من الاستفسار عن كيفية الحفاظ على الأشجار من الاحتطاب، فقيل لي بأن برنامجاً توعوياً وتثقيفياً تنفذه «جمعية محمية عتمة الطبيعية» يتمثل في توعية الناس بعدم قطع الأشجار أو احتطابها حفاظاً على الغطاء الكثيف من الأشجار المعمرة والكبيرة، والأشجار الصغيرة والزهور والنباتات، كما ان هناك توجهات ودعماً لاستخدم الغاز الحيوي في عملية الطبخ المنزلي، وهذا الغاز هو استخدام روث المواشي بطريقة محكمة نفذها خبراء في هذا المجال وطبقت في عدة قرى وبدأ استخدامها فعلياً.

دعوة
أمطار غزيرة ومتواصلة تتساقط على عتمة، فجرت الغيول والشلالات في أكثر من مكان، من تحت الشجر والحجر، الماء ينبع وينساب عذبا زلالاً، وقت الظهر يتجمع الصبية والكبار إلى أقرب شلال، يستمتعون بالاستحمام بمائه ، بدفئه وبرودته. تطاوعك نفسك كثيرا الاقتراب إليهم لمشاركتهم استمتاعهم، نشوتهم، فرحتهم. تخرج من عتمة وقد اختزنت الذاكرة الكثير من الصور الجميلة والبديعة، كما أحب أن أوجه دعوة لكل من تعشق نفسه الجمال الطبيعي والهواء النقي أن يزور هذه المديرية الجميلة والمحمية الطبيعية، كما هي دعوة للجهات المسؤولة عن الترويج السياحي بضرورة تنظيم رحلات ومهرجانات سياحية إلى عتمة وتوفير البنى التحتية والمنشآت السياحية التي ستوجه السياحة بشكل كبير إلى عتمة الخير،الجمال، الإبداع(عتمة الخضرة والماء والوجه الحسن).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى