تأشيرة خاتمي

> سحر بعاصيري:

> تقع زيارة الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي لاميركا على الحد بين ان تكون مشهدا سورياليا او رسالة الارجح انها تأخرت,اميركا التي تخوض كباشا صعبا مع ايران وتقود حملة ضدها في مجلس الامن بسبب ملفها النووي، تعطي تأشيرة دخول لمن كان رئيس هذه الدولة يوم اتهمتها برعاية الارهاب وانكشف امر برنامجها النووي ويوم صنفها الرئيس جورج بوش عضوا اساسيا في ما سماه "محور الشر".

وايران التي تتحدى اميركا بكل ما اوتيت من قدرة على الاستخفاف بتهديداتها في مجلس الامن وخارجه وبكل ما لديها من نفوذ في العراق وغيره، تسمح لمن كان رئيسا كاد متشددو النظام ان يخوّنوه لاستعداداته الانفتاحية على الغرب بزيارة "الشيطان الاكبر".

ربما كان هذا يدل على ان ثمة بقعة في عقل الادارة الاميركية او في لاوعيها تعتبر الحوار مع ايران افضل من المواجهة العسكرية. وربما كان يدل ايضا على ان ثمة بقعة مماثلة تلاقيها في عقل النظام الايراني.

ولكن لا يبدو ان خاتمي قادر في زيارته غير الرسمية على ايجاد مناخ يحقق الرغبة الواعية او اللاواعية في الحوار. ذلك ان العقبات كثيرة وكبيرة في العاصمتين. بالنسبة الى اميركا هناك مشكلتها مع طبيعة النظام الايراني نفسه وهناك الملف النووي والدور الايراني في العراق بل ابعد منه في سوريا ولبنان وفلسطين. اضافة الى اللوبي المؤيد لاسرائيل الذي يشن حملة على الزيارة ويقرأ فيها اشارات ضعف للادارة في مواجهة ايران. وبالنسبة الى ايران هناك الاصرار على انتزاع اعتراف اميركا بها دولة اقليمية عظمى من خلال القضايا نفسها التي تعتبرها اميركا مشاكل.

فما موقع خاتمي من هذه المشاكل اليوم بل ما موقعه منها بالامس؟ امر اكيد انه يوم كان رئيسا اي في موقع القادر، على الاقل نظريا، لم يعطه نظامه هامشا يمكّنه من التحرك بل ضيق المتشددون عليه حتى خنقوه، ولا اعطته الادارة الاميركية ما قد يساعده على فرض هذا الهامش. تآكلت صورة الاصلاحي الذي راهن عليه كثيرون لان للانظمة حساباتها الخاصة.

ووجوده في اميركا اليوم داعية حوار بين الاديان والحضارات لا يفترض ان يشكل اي ازعاج للنظام الايراني ان لم يكن يخدمه. ووجوده فيها كأول مسؤول، ولو سابقا، منذ انقطاع العلاقات بين البلدين خلال الثورة الاسلامية 1979 لا يغيّر شيئا في الموقف الاميركي من ايران تماما كما ان دعوة الادارة الاميركية الاشخاص الذين سيلتقون خاتمي الى "طرح اسئلة صعبة عليه عن دعم بلاده للارهاب وتعامل النظام مع شعبه" لا تضيف اي معنى مختلف للزيارة.

فاذا كانت هذه رسالة حوار ما من اميركا فانها بالتأكيد خطوة صغيرة جدا ومتأخرة جدا. ففي النهاية انطلق خاتمي بانتقاد السياسات الاميركية التي تتسبب بزيادة العنف بدعوى مكافحة الارهاب كما بانتقاد المتطرفين والارهابيين والذين يستغلون الدين.

وبمعزل عن غايات واشنطن وطهران، يجسد خاتمي رسالة تتجاوز حتى الحوار الذي ينادي به: هو نموذج لاصلاحي من بيئته لا يرفع لواء استيراد التغيير والديموقراطية من الخارج تحوّل ضحية لمقاومة المتشددين في الداخل ولسياسات تبسيطية خاطئة من الخارج. بل انه في زيارته لاميركا نموذج لمصير الاصلاحيين في هذه المنطقة في ظل السياسات "الاصلاحية" الاميركية حيالها.

اذا استطاع الاميركيون ان يقرأوا في خاتمي معنى هذا النموذج، تكون الزيارة اوصلت رسالة مهمة جدا.

عن الزميلة «النهار» اللبنانية 5 سبتمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى