النظام العربي أمام خيار البقاء من أجل السلام .. أينشتاين وأحمدي نجاد وجورج بوش

> «الأيام» عبدالله الأصنج:

> من أقوال العالم اليهودي الألماني عالم الرياضيات ومكتشف الذرة :إن التقدم التقني كالفأس في يدي مجرم مريض .. لا يمكن تحقيق السلام بالعنف ويمكن بلوغه بالتفاهم .. شيئان في حكم اللا منتهى: الكون وغباء الإنسان.

دعونا نقف بداية أمام أقوال منسوبة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد وأقوال منسوبة للرئيس الأمريكي بوش وذلك في سياق أحداث خطيرة بدءاً بإسقاط إسرائيل لخيار السلام العادل والشامل والاستعاضة عنه بالقوة العسكرية لإخضاع العرب لرغباتها وإملاءاتها. واليوم بعد أن تعثرت مسيرة التحدي الإسرائيلي ومخططاته التوسعية في فلسطين والعراق ولبنان بفعل ثبات المقاومة وتضامن جماهير الأمة وبالنتيجة أفول دعوة المحافظين الصهاينة الجدد وفشلهم في تأسيس شرق أوسط جديد بالغزو والحروب والدمار. واليوم بعد انتصار المقاومة في لبنان وتواصلها في فلسطين وبروز واقع سياسي جديد يلبي طموحات وآمال الجماهير العربية والإسلامية، تبرز أمامنا قضية محورية عالقة تحاط هي الأخرى بتصعيد مقصود من الرئيس بوش ورهطه تتناول حق إيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية.

بينما تحاول واشنطن وأوربا مع إسرائيل عبر القرار 1701 أن ترسم واقعاً سياسياً في لبنان يعيد الثقة في القدرات العسكرية الإسرائيلية، أكد الرئيس الإيراني نجاد أن قرار تخصيب اليورانيوم لأغراض الاستخدام السلمي غير العسكري عمل مشروع سوف يستمر ولن يتوقف.

ومن جانبه كرر بوش تهديداته الخرقاء ضد إيران والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها دون هوادة أو تحفظ فقد قال بوش بما معناه:

- لن نسمح لإيران بصنع القنبلة الذرية.

- سنحارب الإرهاب والإسلام الفاشي (حماس وحزب الله) وعناصر مقاومة السنة والشيعة في العراق، وكل من يهدد ويعادي إسرائيل ولا يقبل بشروط السلام التي نضعها لشرق أوسط جديد ينعم بالديمقراطية عبر سياسة «الفوضى الخلاقة» في منطقة الشرق الأوسط القديم وكأن واقع العراق اليوم مثل يحتذى.

ويشدد الرئيس الأمريكي أن حرب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي سوف تستمر في أفغانستان والعراق وفلسطين وسوف تتصاعد وتيرتها حتى تختفي الجماعات الإرهابية من على ظهر كوكب الأرض.

والكلام يطول والحديث ذو شجون، فقد تعددت بل وتناقضت لغة الخطاب الأمريكي ومن ورائه جوقة عزف منفرد أوروبية ونفاق سياسي بألسن عربية وآسيوية وأفريقية لرموز أنظمة مبعثرة ومنطوية على ذاتها بل عاجزة عن دفع الأذى عن نفسها وفاشلة في تحقيق النماء والأمن والاستقرار لمواطنيها.. فالإرهاب والتطرف يتسع نطاقه وتتعدد مواطنه.. والفشل الملموس بات واقعاً يكذب دعوات ومزاعم أهله بأنهم يحرزون تقدماً في وضع حلول للقضيتين الفلسطينية واللبنانية، والحقيقة هي أن إسرائيل تملي شروطها على الجميع.

وتتوالى جرائمها لتسخر من تفاؤل وأحلام وأماني حكومات هنا وهناك بعضها ناطق بالعربية.

وفي هذا الخضم ظهر دور المقاومة العربية والإسلامية وفرض معادلة جديدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي المؤزر من حكومات في واشنطن ولندن وأوروبا ومن حكومات الاستسلاميين العرب غير العابئة بعاقبة سياسة التخاذل والتآمر وسلبية الموقف التي أدمنت عليها. واصطفت الأمة العربية لتتعاطف مع كل مقاومة وطنية في فلسطين والعراق ولبنان وقريباً في الجولان.. وهي حركات مقاومة ترفض الشعوب أن تصنفها بالعمل الإرهابي وفق التصنيف الإسرائيلي الأمريكي. فمقاومة الاحتلال والعدوان حق مشروع مارسته شعوب الأرض كما يقول لنا التاريخ القديم والمعاصر.. والعرب من شعوب الأرض ولم يهبطوا من كوكب آخر أو حلوا بالشرق الأوسط من شتات مبعثر.

لقد تعرى مجلس الأمن الدولي بعد أن فقد مصداقيته وألغى جوهر نصوص ميثاقه وتصرف مع قضايانا كالشيطان الأخرس ومارس انحيازاً أعمى وضغوطاً غير مبررة تتنافى مع قيمه ومبادئه فأصدر قرارات هوجاء تلزم أصحاب الحق العرب المعتدى عليهم بتنازلات سياسية للمعتدي، تعفي المعتدي المحتل لأراض في فلسطين ولبنان وسوريا حتى من مجرد اللوم اللفظي والإدانة المعنوية. وأمام هذه التعديات العارية تصم الدول الدائمة العضوية أسماعها وتتعامى عن إسقاط عشرات القرارات الملزمة بمعاقبة إسرائيل لارتكابها مجازر بشرية يومياً في فلسطين ولبنان على مدى عقود ستة وحتى الساعة.

لقد ثبت للأمة العربية والإسلامية وحكوماتها أن المسافة التي تفصل بين المواقف السياسية العربية المعلنة لتباعد بين الحاكم والمحكوم تزداد بعداً وتناقضاً وعمقاً وإن تقاطعت في المظهر. انتظرت الجماهير وصبرت طويلاً على جرائم شارون وبيريز وأولمرت ولم تطالب بالتحقيق قي قتل عرفات بعد سنوات من فرض الإقامة الجبرية عليه، ولم تحرك الحكومات المعنية بسلام الشجعان ساكناً أمام جرائم جيش إسرائيل اليومية في فلسطين بل أنها شاركت في حصار المواطن وتجويعه امتثالاً لأولمرت وبلير وبوش وتلك مصيبة في أجلى صورها.

وبالرغم من الدروس المستفادة من خطورة الانسياق وراء وعود العدو وأربابه وهي وعود غير قابلة للتنفيذ أو الاستحقاق، فإن هناك حكومات عربية ما تزال تدعو لقبول تطمينات عائمة ووعود مضللة من بوش وكونداليزا وبلير وأميلا ميركل وتأخذها على محمل الجد حتى بعد تجارب سقوط اتفاق مدريد وتفاهمات أوسلو، وكامب ديفيد، وخارطة الطريق، ودور الرباعية، وتجاهل المشروع العربي للسلام.

وتأسيساً على واقع سياسي عربي مُزرٍ، فإن خيار الصمود والثبات والتصميم ومراجعة الأساليب والأداء بالإضافة إلى الاستفادة من الأساليب التي تتسم بها الاستراتيجية السياسية الإيرانية التي يعبّر عنها حكماؤها وقادتها رفسنجاني وخاتمي ونجاد ومعاونوهم لغرض أن نحقق ما عجز عنه حكماؤنا العرب الذين لو اتعظوا وتوقفوا عن اعتبار إيران العدو وليس إسرائيل لوضعوا أنفسهم والأمة على طريق السلامة والأمان وحفظ الكرامة وتحقيق السلام العادل. فالمؤسف أن الحكومات العربية في مجملها تتجاهل بقصد أو بغيره خطورة المواقف والسياسات التي سلكتها حتى اليوم، وتنكر حجم الكوارث التي لحقت بنا وما سوف تلحق بسبب التردد والتقاعس عن إدراك ضرورة التعامل بندية وجدية مع ملفات عالقة منذ الأزل. وهنا لا مجال للمقارنة من باب المزايدة أو الشماتة والمماحكة بين مستوى لغة المنطق والثبات في التمسك بالحقوق في إيران الدولة والسلطة والشعب، وموقف النظام العربي المتردد والمتفكك في مجمله. إن الكل في إيران يتمسكون بحرية وشجاعة محسوبة باتخاذ الموقف والقرار السيادي وبحقهم في تخصيب اليورانيوم واستخدامه للأغراض السلمية باعتبار ذلك وسيلة لا غنى لهم عنها لتطوير وتنمية اقتصادهم الذي قوامه النفط المقرر نضوب آبارهم منه بعد انقضاء خمسين عاماً أو أقل. وإيران اختارت بذكاء واقتدار أن تصنع أنواعا متقدمة ومتطورة من الأسلحة لتعزيز ترسانتها العسكرية لردع من يضمر لها سوءاً وعدواناً أو حصاراً. وهي اليوم حليف فاعل لسوريا وحزب الله وشيعة العراق العرب، وليس في هذا ما يعيب أو يخيف فأمريكا وأوروبا اعتمدوا إسرائيل دون غيرها حليفاً لهم. وهنا يحق لنا بل ويجب علينا أن نسأل: أين موقع دول عرب السلام والاستسلام في مسيرة سلام عائم وليس بدائم؟ وأين نحن من موقف إيران المتسم بصمود جاد من أجل الدفاع عن حق مطلق مشروع ورغبة وسعي مشكور لإرساء قاعدة التعاون مع العرب وغيرهم من شعوب وأنظمة متميزة بمواقف وسياسات مستقلة عن وصاية خارجية.

وعود على بدء، في قضية تخصيب اليورانيوم لا بد لنا من التذكير أن أمريكا وأوروبا وروسيا والصين جميعها أقدمت على إبرام صفقات مع إيران في عهد الشاه وشاركت في إنشاء مراكز ومفاعل للطاقة الذرية البديلة.. ووفرت لإيران المعدات والأجهزة والخبراء والخبرات والمواد اللازمة. ولم نسمع للحظة حتى قيام الثورة الإسلامية وعودة الإمام الخميني من باريس إلى طهران مكللاً بالنصر، أن الحكومات العربية قد عبرت عن مخاوف أو تحفظ حيال المفاعل الإيراني حين كان شاه إيران شاهراً سيفه وكرباجه.. وطأطأ الجميع رؤوسهم لجبروته.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد استخدمت في الحرب العالمية الثانية دون تردد القنابل الذرية للانتصار على اليابان، فإن إسرائيل تملك مجمعات للتخصيب وتمكنت من صنع مئات القنابل الذرية التي تهدد سلامة وأمن شعوب المنطقة العربية بأجمعها.. وهي ترفض حتى اليوم وضع مفاعلاتها تحت رقابة دولية مثلها مثل غيرها في هذا العالم المحكوم برغبات حفنة محافظين صهاينة يروجون لديمقراطية عرجاء عبر فرض حالات من «الفوضى الخلاقة» تماماً كما كانت دعاوى من سبقوهم من دراويش الماركسية حين رددوا مقولة تحريك مشاعر «الحقد المقدس» ضد كل من كان يختلف مع طروحاتهم. وتعامل بوش معنا اليوم هو أسوأ بكثير من بريجنيف بالأمس مع دعاة العروبة والإسلام، وإن كان الأخير أقل تهوراً في إشهار عدائه للقومية العربية والعقيدة الإسلامية.

وللأمانة نقول لا بد من إيقاظ ضمير كل من يعتز بعروبته وإسلامه وكرامته وتذكيره أن عليه أن ينبري في هذه الظروف الصعبة ليعبر عن رأيه في وضع غاية في الخطورة والتردي. فالسكوت جريمة و«أعظم النار من مستصغر الشرر» كما قال الإمام الشافعي رحمه الله.

وحذارِ من الوقوع والسقوط في شراك منصوبة وذلك بالعودة لإثارة نعرات وصراعات الطوائف والمذاهب بعد مرور قرن ونيف على إشعالها. فمثل هذه العودة الحمقاء ليست بالأمر الهين والعابر الذي يجب السكوت عليه أو الاستهانة بعواقبه الوخيمة. والأمة العربية الإسلامية ليست بحاجة لتفجير مواجهات بين سنة وشيعة.

أوضاعنا مكشوفة أمام مسلسل عدوان تتوالى حلقاته، وحكوماتنا تلهو وسط حرائق بنيران سوء استغلال للخيرات ومصادرة الحريات وانتهاك السيادة الوطنية وتغليب قانون القوة على قوة الدستور والقانون.

ولنعلم علم اليقين أن إيران الإسلامية ومهما كانت بواعث تضامنها ودوافع دعمها لحزب الله وللفصائل والسلطة الفلسطينية ولسورية واليمن ليست هي العدو المتربص بنا والمهيمن على الأرض العربية والمصادر للقرار العربي الذي يدعو لإحياء التضامن وميثاق الدفاع العربي المشترك. نعم إيران ليست العدو كما يحاول أن يروجه خصومها والمصطفون من ورائهم.. إيران هي الجارة المسلمة التي تواجه دولاً تعاديها وهي دول تعادي كل العرب والمسلمين أيضاً.. وتبقى إيران - وهذا ما يجب أن ندركه تماماً قبل فوات الأوان - مؤهلة وقادرة على تسوية خلافاتها مع واشنطن في ظل الجمهوريين بوش وتشيني ورامسفيلد أو من يعقبهم من الديمقراطيين. فالملف النووي الإيراني وسط كل الملابسات والتصعيد يبقى مسألة خلافية نسبية قابلة للتسوية، والحل غير مستعصٍ فالتعامل السياسي والديبلوماسي بين الدول يمضي على قاعدة المصالح المتبادلة، وإيران مع بقاء المرشد العام وأحمدي نجاد لن تكون في نظر خصومها من بعض العرب بالتحديد مصدر تهديد لأمنهم أو كما يصنفها جورج بوش ملاذاً لـ (الإسلام الفاشي) وهو الوصف القبيح الذي جرى على لسانه علناً ولم نسمع حاكماً عربياً يدينه ويستنكره. ولكن تبقى الحقيقة المجردة عند تعاطي العمل السياسي فالمصالح تحكم المواقف قبل المبادئ.. والسياسة هي فن الممكن لا المستحيل.

ومتى عادت واشنطن لمراجعة مواقفها غير المحسوبة، وأدركت أوروبا خطورة ما تتبنى من مواقف بطريقة «الشرعلة» وراء المحافظين الجدد حماة إسرائيل في واشنطن، وهي مواقف تتنافى مع مصالحها في الشرق الأوسط، ومتى اقتنعت حكومة إسرائيل الفاشية بأن السلام لا يمكن تحقيقة بالعدوان والاحتلال وبالقوة العسكرية، ومتى أعلنت الحكومات العربية اعتزازها بالمقاومة وحق شعوبها وبأن حزب الله قد أرسى قاعدة للتعامل مع أعداء العرب والمسلمين ليس في لبنان وفلسطين فحسب ولكن في أرجاء الوطن العربي والإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها، عندئذ يمكن لنا أن نقول إن فرص السلام الذي يتمناه العرب والمسلمون في أرجاء المعمورة ستزدهر وكذا الصداقة العربية الإسلامية مع أمريكا وأوروبا سترسو على قاعدة متينة وكذا السلام العادل والشامل مع إسرائيل.

وزير خارجية اليمن الأسبق

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى