رحيل فارس من فرسان الكلمة محمد طه محمد أحمد

> د.هشام محسن السقاف:

>
فتاة سودانية تحمل صورة الصحفي محمد طه محمد رئيس تحرير صحيفة «الوفاق» بالخرطوم الخميس الماضي
فتاة سودانية تحمل صورة الصحفي محمد طه محمد رئيس تحرير صحيفة «الوفاق» بالخرطوم الخميس الماضي
واحد آخر من فرسان الكلمة، الصحفي السوداني محمد طه محمد أحمد رئيس تحرير صحيفة «الوفاق»، يلتحق غيلة بطابور الشهداء من الصحفيين والعاملين في مهنة المتاعب، ولكن بغير المتوقع في السودان الآمن أو الذي يفترض أن يكون آمنا، بعد أن تعودنا تقاطر الصحفيين والإعلاميين في العراق الملتهب، حيث يتحسس الكل رأسه، ولا يدري المقتول من قتله أو لماذا قتله. والقتل هو فعل خارج عن الطبيعة الإنسانية السوية، وعن طبائع الإنسان الذي خلق مفطوراً على السلم والتعايش الاجتماعي مع الآخرين، ناهيك عن سنن الله وشرائعه في الناس التي تحرم قتل النفس بغير حق، كما تحرمها القوانين الوضعية والأخلاق والأعراف البشرية، لتكتمل سيرورة الحياة للإنسان على نسق من الضوابط والمبادئ حتى لا تكون الحياة خبط عشواء، والناس لا سراة لهم.

القول البين الآن أن السودان الشقيق يمر بظروف عصيبة، والتحديات الماثلة أمامه تمتد إلى صميم وجوده المستقبلي، لكن كل ما يحدث في جنوب وشرق وغرب السودان لا يجوز ربطه بقتل رجل كلمة يسخرها سلمياً لطرح رؤاه ومفاهيمه التي قد تلتقي مع رؤى ومفاهيم البعض أو تتقاطع مع آخرين.

وهذا البلد العريق كان قد تلمس في فترة مبكرة من استقلاله طريق الديمقراطية والحياة الليبرالية، التي تنتكس ثم تقوم، ليجد أبناء السودان الكبير طريق خروجهم من متاهات احترابهم الداخلي في الديمقراطية سبيلاً لذلك الخروج المرتقب، على أن تتسع الصدور لتقبل خيارات الديمقراطية مهما كانت مرارتها في حلوق البعض، من أجل المصلحة الجماعية للأمة السودانية.

إن اغتيال الأستاذ محمد طه محمد أحمد، بتلك الطريقة البشعة، وهو الرجل الذي لا يمتلك كغيره من الصحافيين سلاحاً غير القلم والكلمة، دليل آخر على بشاعة ما يتعرض له أرباب الكلمة في الوطن العربي من مخاطر تبدأ بالتضييق والتركيع عن طريق الإرهاب المعنوي والمادي وصولاً إلى الذبح من الوريد إلى الوريد كما حدث لمراسله قناة «العربية» الشهيدة أثمار وعلى اللائحة السوداء الآن السوداني محمد طه محمد أحمد. فهؤلاء يذهبون ضحية لمواقف سلمية يسطرونها أو يبثونها في الفضاء الإعلامي بشفافية مطلقة، تحتمل أن نسجل ارتياحنا لها أولاًَ، فنختلف معها، شريطة أن تكون وسائل الخلاف سلمية ديمقراطية تحاجج بما امتلكت من حقائق وتترك الحكم للجمهور، القارئ أو المشاهد والمستمع، وتلك هي أساسيات الديمقراطية: الرأي والرأي الآخر والاحتكام إلى القانون عند أي خروج أو مساس بحرية وكرامة وحقوق الآخرين.

ولا أريد أن أذكر ضريبة الدم الباهظة التي دفعها لبنان الشقيق، واحة الحرية والديمقراطية في صحاري القحط العربية، بسبب أخذه خيارات الديمقراطية نهجاً في بيئة عربية طاردة لها، كانت ترمي بظلها الثقيل على مساحة الحرية المتاحة في لبنان، مما ضاعف من أحزان ذلك البلد، وكان من نتائج ذلك الحرب الأهلية المؤسفة وآلاف الضحايا من أبناء الشعب اللبناني الشقيق، وبينهم كوكبة من المفكرين والأدباء والصحفيين ممن سفكت دماؤهم الزكية في مراحل مختلفة من محنة لبنان مع إخوانه العرب أو مع العدو الصهيوني الذي سجل رقماً قياسياً في نازيته وعدوانيته تجاه لبنان كما في فلسطين لم يسبقه إليها إلا النازيون في ألمانيا في فترة قيادتهم لألمانيا في الثلاثينات وحتى منتصف الأربعينات من القرن الماضي.

رحم الله الشهيد محمد طه محمد أحمد مؤسس ورئيس تحرير صحيفة «الوفاق» السودانية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى