بعد خمس سنوات على هجمات سبتمبر العلاقات العربية الأميركية .. هل من مراجعة شاملة؟

> أشرف أصلان

> الحرب التي أعلنتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش على ما تسميه الإرهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر كانت هي المحدد الأساسي للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي، سواء على المستويات الرسمية أو الشعبية.

الرئيس بوش أعلن منذ اللحظات الأولى التي أعقبت الهجمات المحدد الأساسي لعلاقات أميركا مع العالم وليس مع العرب وحدهم، فقال: "من ليس معنا فهو ضدنا".

ونظرا لحالة التراجع التي يمر بها العالم العربي على مختلف الأصعدة خاصة على الصعيد التنموي, فإنه يمكن رسم ملامح العلاقات العربية الأميركية بعد هجمات سبتمبر انطلاقا من مفهوم العلاقة بين طرفين أحدهما قوي والثاني بالغ الضعف.

لهذا اختارت جميع الدول العربية رسميا أن تكون على نفس الخط مع الولايات المتحدة, حيث تحرك الطرفان لدخول ما يسمى الحرب العالمية على الإرهاب، ومن ثم كان التحالف الذي بلغ درجات غير مسبوقة في تقديم دعم سياسي وعسكري ولوجستي للحرب الأميركية على العراق في مارس عام 2003.

كما شهدت العلاقات صنوفا مختلفة من التعاون على هذا الصعيد وصلت إلى فضيحة السجون السرية التي أنشأتها المخابرات الأميركية في بعض الدول العربية ومنها مصر والأردن والمغرب لتتولى "التعذيب بالوكالة" لبعض المشتبه في تورطهم في الإرهاب من أجل انتزاع المعلومات منهم. وكان تعاون الحكومات العربية على هذا الصعيد محل إشادة دائمة من كبار مسؤولي إدارة بوش.

قدمت مصر نموذجا واضحا من خلال هامش ديمقراطي سمح بوصول 88 من الإسلاميين إلى البرلمان, الأمر الذي استغلته في تحذير إدارة بوش من أن فتح باب الديمقراطية على مصراعيه لن يأتي إلا بالإسلاميين أو من تعتبرهم منبعا للإرهاب

شرق أوسط كبير وجديد

في إطار الحرب على ما تسميه الإرهاب انطلقت الإدارة الأميركية لتغيير ملامح الشرق الأوسط الذي تراه سببا ومنبعا للإرهاب العالمي. وفي هذا الصدد ظهر مشروع الشرق الأوسط الكبير وبدأت التحركات لما يعرف بدمقرطة المنطقة.

واستمر هذا السعي لبعض الوقت وأخذ في بداية الأمر أشكالا من الضغط الحقيقي لكنه سرعان ما تراجع بعد أن نجحت بعض الحكومات العربية في إقناع واشنطن بأن الديمقراطية ستضر بحربها على الإرهاب.

وقدمت مصر نموذجا واضحا في هذا الصدد من خلال هامش ديمقراطي سمح بوصول 88 من الإسلاميين إلى البرلمان, الأمر الذي استغلته في تحذير إدارة بوش من أن فتح باب الديمقراطية على مصراعيه لن يأتي إلا بالإسلاميين أو من تعتبرهم الولايات المتحدة منبعا للإرهاب.

النموذج الثاني رسخه فوز حركة حماس بغالبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني، الأمر الذي حاربته علنا الولايات المتحدة متنكرة لكل مبادئ الديمقراطية وصناديق الانتخابات التي اختارت الإسلاميين أو من تسميهم واشنطن رعاة الإرهاب.

كما تسببت التجربة الديمقراطية في كل من العراق والسعودية والكويت في قدر من الإرباك لمفهوم الديمقراطية الذي سعت الولايات المتحدة إلى تطبيقه.

وهكذا انتقلت الإدارة الأميركية في تخطيطها لمستقبل الشرق الأوسط والعالم العربي إلى مرحلة أخرى. ووفقا للتسريبات التي خرجت من واشنطن فإن سيناريو التحرك هذه المرة يتمثل في تفجير قدر من الصراعات الطائفية والعرقية تسمح برسم خريطة جديدة للمنطقة تقسم فيها الدول والشعوب لتصبح أكثر ضعفا.

المحور الإسرائيلي

الدول العربية التي اختارت أن تكون على نفس الخط الأميركي وصلت على ما يبدو إلى اقتناع مهم هو أن الطريق إلى البيت الأبيض يبدأ من تل أبيب.

وهكذا وطدت مصر والأردن علاقاتهما بإسرائيل وكانت اتفاقية "الكويز" التي وقعتها تل أبيب مع كل من القاهرة وعمان برعاية أميركية رسمية تجسيدا لهذه المرحلة.

وكانت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان كاشفة ومحددة لدرجة كبيرة لطبيعة العلاقات العربية الأميركية, خاصة بعد أن فاجأت ثلاث دول عربية هي مصر والسعودية والأردن شعوبها بموقف رسمي موحد حمل حزب الله مسؤولية الحرب.

وكان ذلك في رأي مراقبين كثر راجعا إلى التطور الذي طرأ على التحالف بين واشنطن وعواصم الدول الثلاث، مقابل غض الطرف عن برامج التحول الديمقراطي. كما رفضت مصر والأردن سحب سفيريهما من تل أبيب أو مجرد التهديد بقطع العلاقة معها.

تقرير أميركي أوصى بضرورة القيام بمراجعة شاملة للعلاقات مع العرب من خلال أسس سليمة لا تنبع من رؤية مثالية للعالم، بل من إدراك واقعي لحجم المخاطر والتهديدات والمصالح المشتركة.

المشهد السوري

كان المشهد على المسرح السوري أقرب لكونه حالة خاصة فكان مخالفا لكل ما سبق، فصارت دمشق هي العاصمة العربية الوحيدة التي استهدفها الضغط الأميركي بشكل مباشر ومستمر، وخرجت من دائرة التحالف رغم ما قدمته من معلومات وخدمات للولايات المتحدة في حربها على "الإرهاب" وضبط الحدود مع العراق بشكل نسبي لمنع تسلل المقاومين.

وفي هذا الإطار أجبرت سوريا على سحب قواتها من لبنان بموجب القرار 1559 الذي استهدف أيضا سلاح حزب الله. ولما بدأت الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان بدت سوريا كمن يغرد خارج السرب العربي الرسمي الذي اختار الصمت أحيانا والوقوف في الصف الأميركي أحيانا أخرى.

وقد بلغ الأمر مرحلة غير مسبوقة من الحرب الكلامية لدرجة وصف الرئيس السوري بشار الأسد لبعض الحكام العرب بأنهم "أنصاف رجال".

وكما استمر الضغط الأميركي على النظام السوري طوال هذه الفترة, لم يغب نظيره اللبناني عن مسار هذه الحملة, حيث رفضت واشنطن تمديد ولاية الرئيس اللبناني إميل لحود وتحركت لعزله ولو على الساحة الدبلوماسية، فصار رئيس الوزراء فؤاد السنيورة ممثلا للبنان في معظم المحافل الدولية.

مراجعة شاملة

وفقا لتقرير مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن فإن العلاقات بين العرب والأميركيين الآن وبعد هجمات سبتمبر في أدني مستوياتها.

التقرير الذي شارك في إعداده عدد من كبار مسؤولي الإدارة الأميركية على رأسهم وزير الدفاع الأميركي السابق وليم كوهين أوصى بضرورة "القيام بمراجعة شاملة للعلاقات العربية الأميركية من خلال وضع أسس سليمة لهذه العلاقة لا تنبع من رؤية مثالية للعالم, بل من إدراك واقعي لحجم المخاطر والتهديدات والمصالح المشتركة".

وحتى تتم هذه المراجعة وفقا للمحددات التي أوصى بها أحد أبرز مراكز البحث في الولايات المتحدة, ستبقى العلاقات العربية الأميركية تتأرجح وفقا لحسابات المكسب والخسارة في الحرب المستمرة على ما يسمى الإرهاب.

عن «الجزيرة نت»

9 سبتمبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى