بخيل في مفكرتي

> «الأيام» رائد ثابت عبدالحليم/كريتر - عدن

> مكثت معه زمناً فرأيت منه عجباً واكتويت من نار بخله ما اكتويت، وشاهدت صنوفا متنوعة من الحرص والتقشف الذي ترفضه النفس السليمة، ولم يكن بخله ذلك مقتصراً على شدة حرصه في إنفاق الدراهم، بل تجاوزه إلى جميع أمره ولم يزل يشدد على نفسه حتى كان البخل يفوح منه حيثما ارتحل وحل، ولم يعد أحد يستسيغ الجلوس أو التحدث معه.

ولم أكن أدري أن البخيل متى ما تدرج في دركات البخل ومنازل المنع والاقلال والتشديد اكتنفه المرض في نفسه، فتبدو عليلة من غير عله، ووجهه شاحب كالح وهو مع كل هذا قانط ويائس يكتوي بين نارين: نار الخوف من الوقوع في الخسارة وإنفاق المال في أمور دنياه، ونار الانفاق في ما لا بد منه من أمر معاشه، فهذا يعده البخيل حسب ظنه خسارة فادحة وثقيلة أيضاً.

وقد بلغ بصاحبي البخل والشح مرتبة جعلته مقدماً على من هم مثله، ليس في زمانه فحسب بل في كل زمان، وتفوق بامتياز مع مرتبة الشرف على ما أورده الجاحظ في كتابه البخلاء من أئمة البخل في زمانه في الحرص والتقشف والجمع والمنع.

فتراه يفطر بدرهم لا غير خبزاً وإداماً وما فاض منه أخفاه وجعله غداءً له، أما العشاء فإن لم يكن من أمر تطفله على غيره في يومه ذاك نفع وفائدة استعان بما في صندوقه المختوم من أغذية معلبة وأطعمة محفوظة والتي جمعها من أهل الخير والسبيل لوقت الحاجة، فيتعشى منها ما سد جوعه ولا يسرف. تعلمت منه دروساً وعبراً كثيرة فبنقيض صفاته تلك عرفت معنى الكرم والإحسان والبذل وحسن التصرف في الأمور وأدب معاملة الآخرين دون التطفل عليهم وأن أبذل ما في وسعي علني أكون خيراً لأهلي ومن حولي، لأن البخيل بخيل أيضاً بكل ما يصدر من جوارحه كسمعه وبصره وأحساسيسه وعواطفه وحنانه حتى مع أقرب المقربين إليه من أهله وأصحابه وإخوانه.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى