يوم من الأيــام..بوح .. بين رسمي والحافة

> سالم العبد:

>
سالم العبد
سالم العبد
ذات رذاذ خفيف، منعش.. وجدتني ألاحق رسمي المتدثر بضباب الجبال الشاهقة الشديدة البرودة.. متلفعاً «بمصرة»üü بالغة الخضرة والرواء.. انطلق المزمار كأنين الرياح، تبعته ضربات الهواجر والمراويس هادرة كرعود المزن الهتون .. فهَمَتْ دواخلي جداول ماء مضفورة بفضة عسجدية.. تغشت رسمي المراوغ بين الذرى المضببة، المنقوعة في فيوض من الطهر البهي وبين مسرح الحافة المفتوح تحت السماء المنهمرة وسككها الناضحة بعبق النسغ وأريج الصلالة المسكر.

أفقت على لمعان السيوف المهتزة كوميض البرق المعشي، بين سواعد فتية كالرماح السمهرية، ورفيف سنونوات الجنوب بأجنحتهن المبسوطة في فضاء الزرقة الشفيفة المحمولة على براق الرذاذ وزرابي الجبال وصهوة البحر المغتلم بمداعبة الرياح الجنوبية الغربية، وقد أترعتهن بأهازيج وترنيمات تنداح شجىً مقطراً.. وهدير النوق العربية الأصيلة في رحابة المراعي المفروشة بالبراعم الندية.. تتهادى مع إيقاعات الأصيل الشفيف في رحلة أوبتها الشاعرة.

أين زغت؟ أين انزوى رسمي..؟ لقد كاد يطبق عليه جفني الطافح بندى الرذاذ السمح ولوعة الحنين المضمخ بعبق الذرات الداكنة، العالقة بالنسغ الموغل بعيداً في أحشاء الأرض الولود الودود، وفي تعاريج وثنايا الأودية والسهول الزبرجدية وصهوات الأمواج المفترة عن أسنان كالدر المكنون.. والينابيع والأفلاج المنسابة نصاعة في حنايا النفوس المفعمة بدهشة الخلق البديع، حين تمسك بإهاب الزمن في عرس أعراسه، مهرجان الخريف الصلالي، الخرافي الجمال، والفتنة والسحر الحلال، فتترى القرون من خلف المآقي المبتهلة بصمت، زاهية مونقة وهي توالي وتواتر رسمي بثراء وانهمار عيونها الشفافة.. صَحَلْنوت.. ذَرْبات .. عين آثوم .. عين حمران .. وبأصالة آثارها العريقة .. سَمهَرَم .. قبر النبي أيوب عليه السلام .. القربيب .. البليد.. حصن طاقة.. وتنثال به السنون السحيقة بين موانئ صلالة .. مرباط .. ريسوت.. و..و.. أين أنا من كل هذه الرسوم المفردة في كل هذا الجمع الشاسع بين تخوم الجغرافيا والتاريخ المؤثل؟ أين ألملم كل هذا التناثر مني؟ وهو يتقافز كالأطياف الحالمة في مختلف هذه البقاع الوشيجة، يدوزن مع أنغام نسيمها الحاني وإيقاع رذاذها الناعم وملمس ضبابها المهدهد ونشيد بحرها العربي، فيما أمواجه تتكسر نوافير ربانية الصنع، من تجاويف كهوف (مغسيل) بغنج مُغوٍ .. ناسجاً سفراً لهذا السفر -الرسم - المنساب مع زمن (الحافة) ذهاباً وإياباًَ .. الحافة المتناسخة بين صلالة وخاصرة المشقاص تتناسل وتتناسخ لتلتحم على حافة الوجد والتواجد التاريخي الحي.

تقاصرت طاقاتي المبهورة أمام لحظات الالتحام المترعة بحضورها الطاغي، فاندمجتُ انبهاراً بصمت يفوق وهج اليراع وبريق البلاغة.. وعدت في لحظة سكري أبحث عن رسمي علّي أتمكن من لملمته ذات رذاذ قريب.. وأصخت السمع لصوت شجي ظفاري النبرات عماني الأنفاس يردد هذه الكلمات البسيطة العميقة في آن معاً:

يا زائري لا تروح.. داوي قديم الجروح.. كم سافرين الجروح .. وسط الضباب الكثيف.

حزمت حقيبي وأنا أتمتم: أنا باق هنا برغم رحيلي المؤقت .. فسلام لك صلالة، ودمت وشم محبة في القلب المحب.

üالحافة: حي شعبي يضم الأسواق الشعبية في مدينة صلالة.

المصرّة: العمامة العمانية مع الزي الوطني.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى